ملخص البحث
سواء كان في "العقرب" أو مزرعة طرة أو سجن المنيا أو القناطر، فإن هناك حاجة إلى التحقيق والتعامل مع التسليع المتزايد لحياة السجون. كيف أصبحت حاجات المساجين اﻷساسية _والتي يشترط القانون على سلطات السجون توفيرها_ تُباع بأسعار باهظة لصالح أرباح الكانتين. التحول إلى نمط سجن يحقق أرباحًا، عبر بيع حاجات المساجين اﻷساسية، هو العنوان العريض لهذا البحث. يسلط هذا التقرير الضوء على حالة كانتين "العقرب" بالأخص. مع الوضع في الاعتبار:
(1) من ناحية، معظم الأدبيات والنسبة الأكبر من الخطاب العام حول الانتهاكات الطبية والتعذيب في "العقرب" لا تشمل ولا تفحص الاستغلال الاقتصادي للمساجين كأحد هذه الانتهاكات.
(2) وعلى جانب آخر، وﻷنها منشأة استثنائية _كسجن شديد الحراسة_ أصبح العقرب موقعًا تظهر فيه الأنماط والممارسات الموجودة في السجون اﻷخرى بشكل أكثر تركيزا.
ولهذا، يركز هذا التقرير على الكيفية التي يختبر بها المساجين "كانتين سجن العقرب"، كطريقة لفهم توابع هذه الممارسات بدرجات مختلفة عبر السجون اﻷخرى، والمطالبة بإنهاء الانتهاكات المنهجية التي تتسبب فيها ممارسات الكانتين والزيارة وتأثيرها على حقوق المساجين الأساسية في الغذاء.
ينتظم التقرير على النحو التالي: يعطي الفصل الأول خلفية عامة عن التأثير الاقتصادي لقرض صندوق النقد الدولي على السجون عبر تعقب التاريخ المحلي والدولي لتقشف السجون (وتسليع حاجات المساجين اﻷساسية بهدف الربح). يستكشف هذا الفصل كيفية معايشة آثار قرض صندوق النقد الدولي -خلال فترة البحث-داخل السجون في صورة تضخم أسعار الكانتين، المتضخمة أصلًا، ومعاناة المساجين وعائلاتهم من آثار التعويم والتضخم الحاد، وموضعها في السياق التاريخي ﻹجراءات التقشف والتي ترجع إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي تحولت فيها تدريجيا مسئولية تمويل الخدمات التي اعتادت الحكومة تقديمها إلى عبء على كاهل المرضى والطلاب والمساجين بغرض تحقيق الأرباح لتلك المؤسسات ذاتها.
يقدم الفصل الثاني خلفية عامة للانتهاكات التاريخية والقائمة في سجن "العقرب مُشِيرًا إلى سياسات السجن منذ تأسيسه عام 1993 في إطار السياسات شديدة الحراسة التي بدأت في التوسع منذ بداية القرن الحادي والعشرين. ويستمر الفصل في التركيز على انتهاك حقوق المساجين في استقبال الزيارات (وكيف يرتبط هذا بحصولهم على احتياجاتهم الاساسية) ويشمل جدولًا زمنيًّا لمنع الزيارات والانتهاكات في "العقرب" خلال اﻷعوام الثلاثة الماضية استنادًا إلى شهادات العائلات والشكاوى التي تقدموا بها إلى المجلس القومي لحقوق اﻹنسان.
يتعقب الجدول الزمني الانتهاكات حتى اللحظة الراهنة حيث وُضع نظام "تسجيل الزيارات" خصيصًًا في "العقرب"، بما يحرم المساجين من حقهم في استقبال زيارات منتظمة، ويقلص عدد الزيارات في سجن يحوي أكثر من 1000 مسجون إلى 15 زيارة فقط كل يوم.
يبتعد الفصل الثالث عن اﻷدبيات المتاحة حول "العقرب" من خلال التأكيد على أن الاستغلال الاقتصادي الذي يحدث في السجن يمثل أيضًا أحد أشكال الانتهاكات التي تقوم بها سلطات السجن، وترقى إلى اﻹفقار العمدي بواسطة وزارة الداخلية ضد جموع مساجين "العقرب". وعبر التركيز على حالة كانتين سجن "العقرب"، يخلص التقرير إلى توصيات ﻹنهاء الاستغلال الاقتصادي في "العقرب" وإدخال ضمانات قانونية لمنع وزارة الداخلية من القيام بممارسات مماثلة ﻹفقار وتجريد المساجين عبر مختلف السجون.
وأخيرًا، يعتمد هذا التقرير على مراجعة الأدبيات المتوفرة عن سجن العقرب، بما في ذلك التحقيق الذي أجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في حظر زيارة "العقرب" الذي بدأ في مارس 2015 من خلال مقابلات مع 11 من أقارب "السجناء العقرب" ،بالإضافة إلى تقارير منظمات حقوقية أخرى. كما أجرت باحث\ة العدالة الجنائية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مراجعة للأدبيات التي تناولت تاريخ اقتصاديات السجون في البلدان الأخرى كمصدر للسياق والمقارنة. قام الباحثون في وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية التابعة للمبادرة المصرية للحقوق الاقتصادية بتعديلات على التحليل الاقتصادي المقدم في الفصل الأول.
المنهجية
اعتمد هذا التقرير على البحث الميداني والنظري، باﻹضافة إلى مراجعة قانونية وتحليل التشريعات المرتبطة باﻷمر محليًّا ودوليًّا. ما بدأ كمشروع للتحقيق في تأثير التضخم الاقتصادي الحالي على الحياة خلف القضبان، تحول إلى التركيز على كانتين سجن "العقرب". خلال هذا، أجرت كاتبة هذا البحث 15 مقابلة مطولة بين مايو وأكتوبر 2017 وتشمل:
(1) ثلاثة من أقارب محبوسين في "العقرب" أثناء كتابة هذا البحث.
(2) ثلاثة محامين زاروا أو مثلوا مساجين محبوسين في "العقرب".
(3) أربعة أشخاص ساعدوا في تنظيم اﻹعاشة في عدد من سجون القاهرة.
(4) خمسة من أقارب مساجين حاليين في سجن المنيا شديد الحراسة وسجن دمنهور العام.
(5) اثنين من المساجين السابقين حُبسوا في سجن القناطر للنساء ومزرعة طرة في الفترة بين يونيو 2015 إلى سبتمبر 2016، وبين فبراير إلى ديسمبر 2016 بالترتيب.
وأخيرًا ﻷغراض تاريخية:
(6) اثنين حُبسوا سابقًا في ليمان طرة في عامي 1975 و 1997 بالترتيب.
(7) باﻹضافة إلى محامٍ قدم إلى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية شكاوى وثّقتها جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء تسرد الشكاوى من الطعام والملابس و أسعار الكانتين داخل "سجن الخمسة نجوم" (سجن مزرعة طرة) في عام 1998 وسجن وادي النطرون في عام 1999، وتضمنتها ملحقات التقرير.
صعوبات البحث
واجهت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عددًا من الصعوبات في إجراء مقابلات إضافية إلى جانب ما ذُكر. كان الوصول إلى عائلات المساجين، وخصوصًا في "العقرب"، صعبًا بشكل استثنائي بسبب رفضهم المشاركة لاعتبارات أمنية، مما أثر على الالتزام بالجدول الزمني للمقابلات الميدانية.
صعوبة أخرى هامة تمثلت في غياب أي معلومات رسمية مُتاحة حول أسعار الكانتين أو اﻹنفاق داخل السجن، وذلك ﻷن سلطات السجن ووزارة الداخلية لا تكشف عن أي معلومات حول ميزانية تشغيل الكانتين وعائداته. لهذا اضطرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى الاعتماد على مصادر غير رسمية.
استعانت الباحث\ة بنسخ من أحكام قضائية أصدرتها المحكمة اﻹدارية وتتعلق بقضايا رفعها أقارب مساجين في "العقرب" ضد منع الزيارات، باﻹضافة إلى شكوى قدمتها رابطة أسر معتقلي "العقرب" إلى المجلس القومي لحقوق اﻹنسان في 2015. طالبت الشكوى المقدمة إلى المجلس بالتحقيق في منع الزيارات المنهجي والعقاب الجماعي في سجن العقرب، خصوصًا بعد إغلاق الكانتين والكافيتريا أثناء منع الزيارة في 29 يونيو 2015، وتشريح جثامين المساجين الذين ماتوا داخل السجن للوقوف على أسباب الوفاة الحقيقية ومحاسبة المسؤولين عن الوفاة. وتشمل أرشيف اﻷقارب الشخصي لانتهاكات سجن "العقرب" من فبراير 2014 وحتى صيف عام 2015 ومن بينها التجريدات ومنع الزيارات وإغلاق الكانتين.
كما تم الاستعانة بالتقارير المتعاقبة التي نشرها المجلس القومي لحقوق اﻹنسان، والتعليقات عليها، في أغسطس 2015 ويناير 2016. يشير البحث إلى أحكام القضاء اﻹداري وأرشيفات رابطة أسر معتقلي "العقرب" باﻹضافة إلى قاعدة بيانات وفرها مركز عدالة للحقوق والحريات تحوي أرشيف شكاوى مساجين من سجن العقرب التي ذُكرت في تسجيلات جلسات محاكمة في قضايا إعدام منذ 2014 وحتى اللحظة الراهنة. نظمت قاعدة البيانات هذه الشكاوى في أقسام متنوعة تشمل _ولا تقتصر على_ الشكاوى من سوء جودة الطعام وأسعار الكانتين واﻷوضاع الطبية المتدهورة للمساجين. كل اﻷرشيفات وقواعد البيانات المذكورة أُلحقت في نهاية هذا التقرير.
اعتمد هذا البحث بشكل كبير على شهادات المساجين واﻷرشيفات القانونية حول إمكانية الحصول على الطعام والملابس والسلع الضرورية داخل السجون المصرية. ولم يمكن استكمال هذا البحث بتحليل اقتصادي ﻹنفاق الدولة على السجون بسبب غياب الشفافية بخصوص إنفاق الدولة من ميزانيتها.
وكان من الممكن أن يشمل هذا البحث توضيحًا أكثر عمقًا لكانتين السجون في السياق اﻷوسع لاقتصاد السجون، خصوصًا فيما يتعلق بأجور عمالة المساجين الاستغلالية (وذلك بالنسبة إلى المساجين الجنائيين الذين يعملون بمقابل) داخل السجون أو في هيئات خارجها مثل المزارع أو الورش. ومع ذلك، فإن هذا التقرير يؤكد أن توغل الكانتين في حياة السجناء عبر السجون المختلفة، إلى جانب ندرة التوثيق حول إدارته يستوجب إجراء تحليل منفرد للكانتين في حد ذاته.
يكرر أقارب المساجين شكاواهم من الكانتين أثناء محادثات دارت حول تأثير التضخم الاقتصادي الحالي على عالم ما وراء القضبان. على الرغم من هذا، يكشف مسار البحث تحيزًا مضمرا في منهجية التقرير، فبالرغم من اعتماد المساجين السابقين الذين أجريت المقابلات معهم أو أقاربهم على الكانتين بدرجات وميزانيات متباينة، لم يكن أيٌّ منهم غير قادر على تحمل المصاريف بشكل كامل. بالإضافة إلى أن عددًا من اﻷقارب استرجع حكايات لأقارب مساجين لم يستطيعوا دفع أي أموال إلى الكانتين أو إحضار طعام أثناء الزيارات، فإن هذه الروايات, وما يترتب عليها من تحليل يختص بقدرة المساجين المنتمين إلى طبقات اقتصادية متباينة على تحمل التكلفة, يأتي من شهادات منقولة وليس من مقابلات مباشرة مع اﻷقارب أنفسهم.
كذلك من ضمن أوجه القصور، هو أن اعتماد دراسات السجن على مقابلات مع أقارب المساجين يتسبب في استبعاد الخبرات المباشرة لأولئك الذين لا أقارب لهم يحاولون زيارتهم سواء بانتظام أو بشكل متقطع، وهو ما يمثل بقعة عمياء بالنسبة إلى هذا التقرير.
أخيرًا، كل من أجريت مقابلات معهم تحدثوا عن خبرات السجن السياسي (وليس الجنائي). يأتي اﻷخير عادة من طبقة محرومة اقتصاديًّا، حيث يضطر عدد منهم إلى العمل داخل السجن لدعم عائلاتهم وليس العكس. ولهذا، فإن دراسة الاستغلال الاقتصادي للمساجين الجنائيين من خلفيات اجتماعية مختلفة في الأبحاث المستقبلية يعد تكملة ضرورية لهذا البحث.