يقترب الخامس والعشرون من يناير ليسجل مرور أربع سنوات طوال، شهدت أحداثا درامية هائلة فى مسار تاريخنا الحديث، عبرت من خلالها الجموع الشعبية عن توقها العارم إلى التغيير وتدشين عهد جديد فى تاريخنا السياسى واﻻقتصادى، وعبرت عن رغبة وإرادة فى إعادة بناء الوطن وإعادة بناء الدولة التى كانت قد وصلت إلى مرحلة من اﻻنهيار والفشل، تبدت أبرز مظاهره فى انتشار البطالة وفى تدهور منظومتى التعليم والصحة وغيرها من محاور التنمية اﻷساسية.
تقاس مخرجات الصحة من منظور قدرة النظم الصحية على تحسين الحالة الصحية للمواطنين وتوفير الحماية المالية لهم من عبء المرض، والحفاظ على كرامتهم وحقوقهم ورضائهم عما يقدم إليهم من خدمات رعاية صحية. وترتبط هذه التحديات بتطوير سياسات العدالة اﻻجتماعية فى المجتمع ككل!
فى ظل تصاعد الجدل بشأن صفقات الدواء التى تستهدف علاج فيروس سى، تغيب عن المناقشة استراتيجية قومية لمكافحة المرض على كل الأصعدة من السيطرة على معدلات انتشار المرض، إلى محاولة تشخيصه مبكرا، إلى تبنى سياسة علاجية ملائمة والتعاقد على أحدث الاكتشافات العلمية فى مجال صناعة الدواء. يغيب عن الجدل بشأن صفقات الدواء المطروحة للمناقشة طبيعة أزمة المنظومة الصحية فى مصر سواء من حيث التمويل ونسبة الانفاق على الصحة إلى طبيعة الترتيبات المؤسسية التى ساهمت فى وصول نسبة الإصابة بفيروس سى إلى هذه النسب المخيفة.
فى قراءة معمقة لمؤشرات مخرجات الحالة الصحية للمصريين من واقع أعمال المنظومة الصحية فى العشرية الأخيرة، سوف نجد أن هناك تحسنا نسبيّا فى متوسط سنوات العمر المعيشة، وتحسنا فى معدل وفيات المواليد والأطفال تحت سن الخامسة، والأمهات والحوامل بنسبة معتبرة تحقق الكثير مما أعلن عنه فى الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة، إلا أن هذه النتائج قد تبدو مضللة لكثير من الباحثين والخبراء فى ظلال ما يبدو حول أزمة هذه المنظومة المتصاعدة منذ سنوات!
نظام دخل الموظف العمومى فى مصر محمل بكثير من المشكلات، أهمها تدنى الرواتب أو الأجور كثيرا عن مستويات وأسعار سوق العمل. وذلك ما يؤثر على مستويات التحفيز، ويساهم بقدر كبير فى إضعاف دوافع تحسين جودة الخدمات.
هل نريد حقًا إصلاحًا جذريًّا للمنظومة الصحية، يستديم بصورة تحقق وتضمن حق المصريين في الرعاية الصحية؟ هل نود بمسئولية وجدية أن نجد مسارًا مختلفًا يُحِدُّ من هدر الاستثمارات العامة، ويقي من تناقض السياسات، ويحقق تكاملها، ويوفر سبلًا أكثر فاعلية في توفير الخدمة الصحية بجودة مناسبة لمختلف المواطنين في ربوع هذا البلد؟
تأسست نقابة الأطباء عام 1949 وتقزمت أمامها الجمعية الطبية المصرية (المنوط بها متابعة أداء المهنة وأخلاقياتها) لتصبح غرفة أو اثنتين داخل مقر النقابة (دار الحكمة)، وتضخمت النقابة عبر ثلاثة عصور متتالية لتضم فى عضويتها (قرابة 200.000 طبيب) منهم الطبيب صاحب المستشفى، والطبيب الذى يعمل فى نفس المستشفى مثل سائر النقابات المهنية، بما يعنى أنها كيان يشمل فى عضويته صاحب العمل، والمهنى الذى يعمل لديه، فى تضارب للمصالح، لا يجعلنا ندرك عن أية مصالح تدافع النقابة.
وافق مجلس الشورى من حيث المبدأ على تقرير لجنة الصحة والسكان ومكتب الشؤون الدستورية والتشريعية بشأن مشروع القانون المقدم من لجنة الصحة والسكان ـ المشروع لم تقدمه الحكومة ـ لتنظيم الكادر الفني والمالي لأعضاء المهن الطبية. وينص مشروع القانون على أن تُصرف زيادات في الأجور، ترتيبًا على تطبيق هذا الكادر الجديد، على ثلاث مراحل زمنية وفي خلال ثلاث سنوات بنسب محددة، على أن يبدأ التنفيذ من تاريخ التسكين على الكادر الذي يستفيد منه كل العاملين في القطاعات الصحية الحكومية، من أطباء بشريين وأسنان وصيادلة وعلاج طبيعي وهيئات تمريض وفنيين صحيين ومساعدين علميين، تقدر أعدادهم بقرابة 650 ألف مستفيد.
التمويل هو أبرز مفاتيح تشغيل أى نظام صحى، وهو أحد أبرز المحددات لكفاءته. وما يصنع نجاح المنظومة هو قدرتها على تعبئة القدر الكافى من الأموال، وإدارتها على نحو رشيد، وتوزيعها بعدالة كمستحقات ومدفوعات لمقدمى الخدمات، بما يغطى كلفة الخدمات المتصاعدة، كل هذا إلى جانب مفاتيح التحكم الأخرى كالسياسات الرشيدة، والتشريعات الضامنة للإتاحة والجودة، والتنظيم علاوة على سلوك المستفيدين من النظام.
كيف يتأتى فى بلاد يقطن معظم سكانها الريف (57% من السكان) ألا نجد إلا مصادر محدودة تتحدث عن علاقة الطبيب بالعالم الريفى؟ وبالرغم من أن الهدف الأول كان علاج هذا الجمهور الريفى، لا نجد إلا مذكرات لثلاثة من الأطباء مارسوا المهنة خلال الفترة 1920 ـ 1940، وبعض المجلات التى تتحدث عن هذه السنوات التى كرس فيها الأطباء أنفسهم لعلاج سكان الأقاليم». بهذه المقدمة المحملة بالدلالات استهلت سيلفيا شيفولو بحثها المهم الذى صدر فى كتاب مهم يتناول حال الطب والأطباء والريف المصرى قبل نصف قرن، وتُرجم تحت عنوان «الطب والأطباء فى مصر».