على مدى قرون طويلة كان يُنظر إلى الاضطرابات النفسية نظرة متحيزة ورافضة تستوجب الخوف والاجتناب فضلا عن إساءة المعاملة واﻻستغلال والاضطراب النفسى، كان عبر العصور يرجع ذلك إلى قوى شريرة غير قابلة للتفسير العلمي، وقد شهدت أوروبا في العصور الوسطى قسوة شديدة في التعامل مع المرضى النفسيين الذين كثيرا ما كان يتم تعذيبهم وقتلهم وحرقهم لطرد الأرواح الشريرة التي تسكنهم
ﻻ يخلو بيت أو أسرة من التعرض لأزمات صحية تضع الأسرة في دوامة مواجهة تكاليف العلاج التي تصاعدت في العقود الأخيرة بوتيرة متسارعة بسبب استخدام تكنولوجيا طبية معقدة ومركبة في الأدوية وخلافه من التدخلات الطبية الحديثة مثل نقل وزرع الأعضاء أو العلاج بالخلايا الجزعية أو التدخلات الجينية إلى آخره.
قارب مشروع التأمين الصحى الشامل الذى قدم إلى البرلمان مراحله الأخيرة عقب الموافقة عليه فى لجان الصحة والموازنة والشئون التشريعية مصحوبا بتقرير لتقديمه إلى الجلسة العامة تمهيدا لمناقشته ربما للمرة الأخيرة، وذلك فى رحلة طويلة من الجدل والحوار والصراع بين مصالح متضاربة تسعى كل منها لضمان عدم المساس بما اكتسبت بغض النظر عن انعكاسات ذلك على المبادئ الكلية للحق فى الصحة والمصلحة العامة والعدالة الاجتماعية وقد يكون هذا من طبيعة الأمور فى كل المجتمعات البشرية.
عرضت الحكومة أخيرا مشروع قانون التأمين الصحى الشامل على مجلس النواب بعد اﻻنتهاء منه فى رحلة طويلة امتدت لسنوات، وعرض مدعوما بدراسته المالية الاكتوارية التى أجرتها شركة دولية متخصصة فى مثل هذه الدراسات، ولم تكن المرة الأولى التى تستعين بها الدولة فى هذا الشأن. وتدور الآن حوارات مهمة حول هذا القانون الحاكم والأساسى لإصلاح المنظومة الصحية بإعادة هيكلتها وبنائها عبر تأسيس ثلاث هيئات عامة جديدة إلى جانب وزارة الصحة التى سيتغير دورها جوهريا لتصبح مراقبا ومنظما مسئولا عن المنظومة دستوريا وعن أمور الصحة العامة والسياسات الصحية وتطوير القوى البشرية بها.
تختلط المفاهيم وتستعمل المصطلحات بكثير من عدم الدقة فى ملف الصحة والعلاج والطب. ففى مصر مثلها مثل كثير من دول العالم النامى تستخدم تكنولوجيا طبية متقدمة مرتفعة الثمن دون كثير من الدواعى. وتقاس التنمية بمؤشرات سطحية عن عدد الأطباء أو عدد المستشفيات الجديدة المزمع إنشاؤها وخلافه من الرقميات المضللة، فى حين أن الصحة كمفهوم أشمل وأكثر رحابة يتوارى فى الخلفية بكثير من عدم الاهتمام إﻻ حين تنفجر أزمة فى المجتمع ودروبه من نوبات انتشار مرض معدٍ أو وبائى أو منقول من البعوض وخلافه، وغيرها من نواقل إهمال محددات الصحة اﻻجتماعية مثل مياه الشرب النظيفة أو الصرف الصحى أو الغذاء المتوازن النظيف أو المأوى الآمن.
منذ أيام احتفلت مجموعة من الهيئات والمنظمات غير الحكومية وبمشاركة حكومية بإطلاق أول وثيقة مكتوبة بمنظومة حقوق الكبار؛ تعبيرا عن اهتمام المجتمع المدنى ورغبته فى وضع آليات عملية تضمن تحويل هذه الحقوق فى الوثيقة إلى تشريعات قانونية وإجراءات عملية وخطط تنفيذية لها. والواقع أن هذا العمل الذى شارك فيه العديد من الأطراف كان خطوة فى سلسلة طويلة من الأنشطة واللقاءات المتعددة لهيئة تنفيذية أشرفت على صياغة الوثيقة وإصدارها واﻻحتفال ببعض رموز المجتمع من الكبار الذين تركوا بصمات مضيئة فى إطار العمل الأهلى والخدمى لكبار السن باعتباره رصيد حكمتهم وخبرتهم.
منذ أيام احتفلت مجموعة من الهيئات والمنظمات غير الحكومية وبمشاركة حكومية بإطلاق أول وثيقة مكتوبة بمنظومة حقوق الكبار؛ تعبيرا عن اهتمام المجتمع المدنى ورغبته فى وضع آليات عملية تضمن تحويل هذه الحقوق فى الوثيقة إلى تشريعات قانونية وإجراءات عملية وخطط تنفيذية لها. والواقع أن هذا العمل الذى شارك فيه العديد من الأطراف كان خطوة فى سلسلة طويلة من الأنشطة واللقاءات المتعددة لهيئة تنفيذية أشرفت على صياغة الوثيقة وإصدارها واﻻحتفال ببعض رموز المجتمع من الكبار الذين تركوا بصمات مضيئة فى إطار العمل الأهلى والخدمى لكبار السن باعتباره رصيد حكمتهم وخبرتهم.
تعد التشريعات الصحية أحد مدخلات الإصلاح الصحى الأساسية والتى تعكس إمكانية تنفيذ التوجهات الاستراتيجية الصحية (مادة 18 فى الدستور) وتحويل تلك السياسات إلى خطط قابلة للتطبيق على أرض الواقع وضمان الوصول للأهداف النهائية والكلية للنظام. ولنظامنا الصحى تاريخ طويل من التشريع الصحى يمتد منذ بدايات عصر محمد على وما بعده ففى كتاب صادر فى عام 1934 عن الإدارة الصحية فى مصر للطبيب محمد أحمد كمال، وقبيل تأسيس وزارة الصحة مباشرة فى عام 1936 رصد طريف ومهم للقرارات واللوائح التى سعت الدولة الوليدة وقتها من خلالها إلى تنظيم جميع نظم الصحة العامة وإجراءات الوقاية من الأوبئة والأمراض المنتشرة فى حينه.
تلقيت أخيرًا دعوة كريمة لحضور ورشة عمل نظمها اﻻتحاد النوعى لتطوير القطاع الصحى، وهو كيان مجتمعى مدنى نشيط يضم العديد من الجمعيات اﻷهلية العاملة فى قطاع التطوير الصحى فى مختلف المحافظات.
أى نظام صحى كُفء ﻻ يخلو من خلفية أخلاقية إلا فى نظم الخدمة الصحية الخاصة التى ﻻ تخضع للرقابة وتعتمد على التسليع المطلق الذى ﻻ يعترف بأية مسئولية اجتماعية مهما كانت، وهذا ما أصبح عنصرا متصاعدا للأسف فى نظامنا الصحى فى العقود الأخيرة وهو ما نهدف إلى التحذير من استشرائه على مستقبل النظام ونؤكد على أهمية النظر إلى الخلفية الأخلاقية للخدمة الصحية باعتبارها من الأولويات الكبرى خاصة ونحن مقبلون على محاولة جديدة لتأسيس نظاما للتأمين الصحى الشامل يسعى لغلق فجوة العدالة اﻻجتماعية فى الرعاية الصحية.