كتاب مناسب فى توقيته، صادر حديثا عن الأوبئة والأمراض فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين من عام 1902 إلى عام 1947 (لمؤلفة شابة اسمها نسمة سعد) صادر عن الهيئة العامة للكتاب فى 2019، ولا أظنها طبيبة، وهذا اتجاه إيجابى أن يقبل على دراسة علم الاجتماع الطبى والانثروبولوجيا الطبية باحثون من غير الأطباء، ونتمنى أن تزيد مثل هذه الدراسات التى تعتمد على مدخل تاريخى واجتماعى وتوثيقى للأمراض والأوبئة فى مصر.
الحق فى الرعاية الصحية حق شامل ومعيارى ضمنته وحمته العديد من الوثائق العالمية والمحلية، وأكده الدستور المصرى الصادر فى 2013/ 2014 فى مادته رقم 18. ويلجأ المدافعون والمناصرون لهذا الحق إلى آليات عديدة فى الدعوة له، منها البحث والتقصى والدراسة، وحملات المناصرة فى أشكالها المتنوعة، وعند اللزوم يتم اللجوء إلى آلية شهيرة عالميا ومحليا هى التقاضى الاستراتيجى أمام المحاكم محليا ودوليا أيضا. وذلك المفهوم الهام ترسخ عبر السنين فى نماذج عديدة وفى عدة دول.
فى حوار قريب مع زميل باحث فى مجال الصحة، اتفقنا على وجود مشكلة أمام الباحثين فى مجال الصحة تتمثل فى أن آخر مسح صحى سكانى DHS كان منذ خمس سنوات لبيانات صحية بالطبع ترجع إلى قبل ذلك بعامين على الأقل (يعنى قرابة سبع سنوات).
من أعقد التحديات التى تواجه تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل الجديد هى تحديات إعادة هيكلة القطاع الصحى برمته وفق ما نص عليه القانون وتحديد الأدوار الجديدة للهيئات الثلاث الجديدة ووزارة الصحة ومستويات القيادة والإشراف ومسارات العلاقات بينها أو ما يسمى اختصارا إطارا جديدا لحوكمة المنظومة، فوزارة الصحة مثلا من الآن ومستقبلا عليها أن تعيد هيكلة تنظيمها للعمل كمنظم عام وكمسئول دستورى عن الصحة العمومية ــ فقط ــ والعمل على مكافحة الأوبئة ومراقبة التغذية والآثار الضارة على الصحة العامة للمواطنين بيئيا وغذائيا وغيرها.
يهدف نظام التأمين الصحى الشامل إلى إتاحة وتوفير الرعاية الصحية لجميع المواطنين فى الوطن بلا تمييز وبجودة عالية وبغض النظر عن قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج وفق أسلوب تمويلى تضامنى فعال وقوى يعتمد على تأسيس Risk Pool أو صندوق مالى تأمينى يجمع موارده من اشتراكات عادلة بنسبة من دخل كل مواطن حسب قدرته الفعلية لتوفير الرعاية والعلاج للجميع وخاصة غير القادرين على الاشتراك بأى نسبة، وهم الذين سوف تدعمهم الخزانة العامة للدولة من حصيلة إيراداتها المتنوعة، والذين يصلون إلى قرابة 32 % من إجمالى المواطنين كمتوسط عام متغير من عام إلى آخر.
جاء قانون التأمين الصحي الشامل نتاج عمل مستمر اشترك فيه خبراء وحكوميون ومسئولون من المجتمع المدني (لقرابة سبع سنوات متواصلة) وعقدت العديد من جلسات الاستماع بهدف تصميم نظام تأميني شامل يحقق الإتاحة والتوافر وإمكانية الوصول والمقبولية والجودة فى الخدمات والحماية الصحية المقدمة بدون تمييز وبغض النظر عن مستوى الدخل. وأقر القانون في سبتمبر 2017 من البرلمان وصدق عليه رئيس الجمهورية في يناير 2018. ثم شرعت الجهات التنفيذية المختلفة فى التجهيز لتطبيق هذه المنظومة وفقا لخطتها التى تشمل ست مراحل، بالبدء فى محافظة بورسعيد يعقبها بقية محافظات القناة وسيناء والأقصر وأسوان فى المرحلة الأولى منه.
ارتبط نموذج طبيب الأسرة الحديث فى نظام التأمين الصحى الشامل الجديد بمستوى الرعاية الأساسية من الخدمة الصحية (الذى ترسخ عالميا منذ إعلان ألما آتا الشهير فى عام 1978) والذى اختار المؤتمرون فيه الرعاية الصحية الأساسية كمدخل لتحقيق هدف الصحة للجميع فى عام 2000، وفى هذا المؤتمر المهم وجَّه ماهلر نائب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية سؤالين للحاضرين: هل أنتم مستعدون للدخول فى تحديات سياسية للتغلب على الصعوبات الاقتصادية واﻻجتماعية والمقاومة المهنية لتبنى الرعاية الصحية الأولية؟
تمثلت رؤية مصر فيما يختص بتطوير القطاع الصحى ضمن الاستراتيجية القومية للتنمية المستدامة 2020 ــ 2030 والمرتكزة على المادة 18 فى الدستور فى تقديم تغطية صحية شاملة لجميع المصريين بخدمات صحية ذات جودة عالية وفى إطار من الإتاحة والمساواة دون تعرضهم لمخاطر الوقوع فى المعاناة المالية من جراء تكلفة الرعاية الصحية.
أتول غواندى، جراح فى مستشفى ببوسطن، من أمريكا وكاتب فى مجلة نيويوركر، وأستاذ فى كلية الطب فى هارفارد، كتبه هى الأكثر مبيعا فى قائمة نيويورك تايمز (المضاعفات ــ أفضل ــ بيانات قائمة المراجعات) وهو أمريكى من أصول هندية، فى كتابه الأخير الصادر والمترجم عن عالم المعرفة والمعنون (being mortal medicine and what in the end) يتعرض لقضية شديدة الأهمية لأنها تفتح ملف نهاية العمر بالنسبة للإنسان فى علاقاته بالنظم الصحية العلاجية والنظم الموازية التى تسمى ملطفة أو تلطيفية Palliative care لتجعل النهايات أكثر إنسانية ورحمة.
أشار تقرير حديث نسبيا لشركة استثمارات طبية (جونز لانج ﻻسال) إلى أن القاهرة بلغ عدد سكانها قرابة 23 مليون نسمة، وأن تحرير سعر الصرف جعلها جاذبة للمستثمر الأجنبى والمحلى فى الخدمات الطبية، وأنه وفق الإحصائيات المتاحة فهناك 3.5 سرير مستشفى لكل عشرة آﻻف نسمة أى ما يعادل قرابة 4600 سرير فى نحو 363 مستشفى خاص صغير ومتوسط وكبير، منها 500 سرير رعاية مركزة فقط! وأن القطاع الخاص الطبى بذلك أصبح يستحوذ فى القاهرة على قرابة 73% من المستشفيات الموجودة بها (ﻻحظ أن عدد الأسرة فى كل المستشفيات المملوكة للدولة تصل إلى قرابة 5000 سرير).