تصاعدت فى الآونة الأخيرة وتيرة الإعلانات الفضائية التى تدعو المواطنين إلى التبرع لعلاج مرضى السرطان والقلب والحروق وغيرها من اﻷمراض الكارثية؛ التى تصنف وفق منظمة الصحة العالمية باعتبارها اﻷمراض اﻷكثر تكلفة ماليا بما يجاوز قدرات المواطنين والأسر حتى الميسورين منهم ماليا على تحمل أعبائها.
إن أى نظام صحى فى العالم ما هو إلا محصلة نهائية لحزمة السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحاكمة للواقع، وأنه مهما كانت هذه السياسات وفقا لدراسات خبراء اقتصاد الصحة والعبء المرضى، فثمة معادلة أساسية لعبء المرض مؤداها أن 40% من المواطنين يُعدون من الأصحاء فقط، وأن هناك 40% آخرون يُعدون أصحاء مع عوامل الخطر، والباقى وهو نسبة 10% يعانون من الأمراض المزمنة المعوقة، و10% يعانون من الأمراض الحادة والطارئة، وهذه هى المعادلة الحاكمة والأساسية لفهم رؤية الفقه الصحى وتحديد أهدافه وآليات تمويله، وذلك بهدف الحصول على التغطية الصحية الشاملة لجميع القطاعات السكانية، دونما تمييز فى الخدمة أو الجودة والكفاءة المطلوبة لضمان استدامة خدمة التأمين الصحى.
من الأقوال المأثورة (إنك إذا أردت معرفة الحقيقة فى أسباب أية مشكلة، عليك البحث فى جذورها، بالتساؤل بلا تردد، خمس مرات على الأقل، لماذا؟ لماذا حدث ما حدث؟ والمعروف علميا فى إطار السياسات الصحية والنظم أن هناك خمسة مفاتيح تحكم أساسية، العمل عليها فى اتجاهات مختلفة، يؤدى بطبيعة الحال إلى نتائج متباينة! وهى أساليب تمويل النظم، وأنماط هيكلة هذه النظم، والتشريعات والقوانين واللوائح الحاكمة لها، وآليات الدفع والتحفيز لمقدمى هذه الخدمات، إضافة إلى ثقافة وسلوكيات متلقى هذه الخدمات.
للحق فى الصحة كمنظور شامل ومعيارى أيضا حد أدنى للالتزامات التى تقع على عاتق الدولة لتنفيذ واحترام هذا الحق بوجه عام والحق فى الدواء على وجه الخصوص، يشمل هذا الحد اﻷدنى اﻹمداد باﻷدوية الضرورية المنقذة للحياة والأساسية على قاعدة من عدم التمييز لأى سبب من الأسباب.
منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى وتجرى محاولات متكررة لإصلاح النظام الصحى المصرى برمته، وفى المقدمة منه نظام التأمين الصحى الاجتماعى، والذى بات بعد خمسين عاما من تأسيسه يعانى من العديد من نقاط الضعف أبرزها عدم رضاء المواطنين عن جودة تقديم الخدمات، إضافة لمحدودية إتاحة الخدمة خاصة فى الريف مقارنة بالحضر وفى القطاعات غير المنتظمة من العمل قياسا للعاملين فى أطر العمل الرسمية.
يعانى نظامنا الصحى من أزمة مزمنة منذ سنوات طويلة تتبدى مظاهرها فى عدم رضاء المواطنين عن جودة وكفاءة أدائه إلى جانب ضعف انتماء مقدمى الخدمات فيه من أطباء وتمريض وعاملين داخل المؤسسات العامة التى ينخرطون بها، ما ينعكس على النتائج الصحية المرجوة من هذا النظام.
أسست عديد من دول العالم أو توسعت في نظم التأمين الصحي الشامل اﻹلزامي برغم اختلاف اﻷساليب التي اتبعتها في ذلك أو النتائج التي تربت عليها.
وصنفت هذه اﻵليات التأمينية غالبًا تحت مسمى التأمين الصحي اﻻجتماعي (النظام البسماركي في ألمانيا في عام 1883)، واعتبرت وسيلة لتمويل النظم الصحية لتحقيق هدف التغطية الصحية الشاملة الذي يتضمن إتاحة الخدمات الصحية بجودة لجميع المواطنين دون أن يعانوا من أية صعوبات مالية بسبب تكلفة العلاج ما جعل هدف التغطية الصحية الشاملة محورًا أساسيًّا لتحقيق العدالة اﻻجتماعية لكل مواطن دون تمييز.
تعتبر برامج التغذية المدرسية من أهم السياسات المستخدمة على مستوى العالم لخفض معدلات الفقر وتقليل التسرب من التعليم اﻷساسى.
وكان برنامج الغذاء العالمى قد تم تأسيسه فى سنة 1963 كإحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة بهدف مواجهة الجوع فى العالم، وتمثل برامج التغذية المدرسية فيه محورا أساسيا، حيث يقوم بدعم التغذية المدرسية فى أكثر من سبعين دولة نامية.
إذا كانت الرعاية الصحية حقا أساسيا من حقوق الإنسان، على الدول أن تحترمه وتحميه وتعمل على تنفيذه تدريجيّا وفقا لمعايير أخلافية محترمة من التضامن والعدالة والكرامة الإنسانية، فقد يكون علينا كباحثين فى مجال الصحة والحق فى الرعاية الصحية المنصوص عليها دستوريّا، أن نسعى إلى تفسير تلك المفاهيم الملتبسة، التى ما زالت تثير كثيرا من الجدل حولها وبخاصة فى إطار السعى إلى إعادة هيكلة وإصلاح المنظومة الصحية الحالية، والذى يهدف إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة لكل مواطن دون تمييز وإلى تأسيس أداة تمويلية تأمينية تتسم بالكفاءة والاستدامة فى استخدام الموارد المتاحة.
نحن لا نزرع التبغ، ولكننا نستورده، فلماذا لا نمول التأمين الصحى من حصيـلة ضرائبه فيما يعـرف بالـEar Marked taxation، فبموجب اتفاقيات مكافحة التبغ الدولية التى وقعت عليها مصر وصدقت عليها بالاحترام والتنفيذ، تزيد الضريبة على التبغ بنسبة سنوية لتمويل الرعاية الصحية. إن فرض الضريبة على التبغ وفق الاتفاقات الدولية المنظمة يتم بحسابات دقيقة تراعى الحفاظ على تأثيره الإيجابى فى الحد من الاستهلاك ومن ثم تخفيف عبئه الضار بالبيئة وبالصحة، وتحصيل موارد مالية كافية لتحقيق الرعاية الصحية وتخفيف الآثار السلبية الناتجة عن التدخين.