الحماية الصحية التأمينية والعمالة غير المنتظمة

26 مايو 2019

تمثلت رؤية مصر فيما يختص بتطوير القطاع الصحى ضمن الاستراتيجية القومية للتنمية المستدامة 2020 ــ 2030 والمرتكزة على المادة 18 فى الدستور فى تقديم تغطية صحية شاملة لجميع المصريين بخدمات صحية ذات جودة عالية وفى إطار من الإتاحة والمساواة دون تعرضهم لمخاطر الوقوع فى المعاناة المالية من جراء تكلفة الرعاية الصحية.

ويمثل التأمين الصحى الشامل أحد أهم الأساليب العملية لتحقيق التغطية الصحية حيث يتم التوسع بشكل تدريجى للتغطية الإلزامية بالنظام مع وضع سياسات فعالة للإعفاء لغير القادرين فضلا عن توفير شبكات أمان ودعم للفقراء والفئات الأكثر تعرضا لمخاطر المرض، وتأتى هذه الرؤية مصحوبة بآليات جمع ودمج موارد وقنوات التمويل فى وعاء تأمينى كبير يتيح الاستخدام الأكفأ والأمثل للموارد المتاحة داخل القطاع الصحى.

ومن ثم الملامح الأساسية لقانون التأمين الصحى الجديد التى تسعى الدولة لبدء تطبيقه قريبا وهو تغطية جميع المواطنين تحت مظلة الحماية الصحية مع كفالة الدولة لغير القادرين بالإضافة إلى التخلص من التفتت فى النظام الصحى من خلال تطبيق قانون موحد. يتلافى عيوب القوانين الحالية المتعددة (79و 32و 99و 23و 127و 86) إلخ، والنظام الجديد تكاملى تكافلى إلزامى لضمان العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية ويقصد تمويل الخدمة عن أطر تقديمها المختلفة العامة والخاصة والأهلية ويقدم خدمات صحية لجميع الأمراض بما فيها الكوارث الصحية كما ورد فى القانون.

***
وفى هذا السياق ننظر إلى مفهوم اﻻقتصاد غير الرسمى والعاملين به باعتباره حزمة من الأنشطة اﻻقتصادية المختلفة الصغيرة والمتوسطة التى يقوم بها الأفراد بأنفسهم إضافة إلى الأنشطة التجارية أو التبادلات المالية التى تتم خارج نطاق وإشراف ورقابة الدولة وفى بعض الأحيان خارج نطاق التعاملات المالية نفسها ويشمل هذا القطاع أيضا (قطاع الظل) تبادل السلع والخدمات والمنافع والأعمال الموسمية غير المقننة بإطار تنظيمى والمبيعات المباشرة سواء فى الشوارع أو من خلال رابط اجتماعى ما بعيدا عن البيروقراطية الزائدة فى القطاعات الرسمية الأخرى والإجراءات الصارمة التى يتطلبها العمل الرسمى فكثيرا ما يلجا أصحاب الأعمال الصغيرة لعدم تسجيل منشآتهم أو أعمالهم ويمكن ملاحظة أن هذا الدور الذى طالما قام به هذا القطاع فى اﻻقتصاد كان دورا بديلا للدولة لفترات طويلة وقام بامتصاص الكثير من الفراغات التى عانى منها القطاع الرسمى فى اﻻقتصاد حيث ينمو هذا القطاع غير الرسمى فى أوقات الكساد وينكمش أو يقل نموه فى أوقات اﻻزدهار، وتقدر منظمة العمل الدولية نسبة مشاركة هذا القطاع فى الاقتصاد فى الوقت الراهن بما ﻻ يقل عن 30 – 40 % من الناتج المحلى.

وعن العمالة غير المنتظمة فى هذا القطاع غير الرسمى وهم فى الأغلب العمالة التى تعمل لدى الغير بصفة وقتية وغير منتظمة (متقطعة وغير مستمرة) أو لبعض الوقت وﻻ تطبق عليهم قوانين العمل والتأمينات ويعملون بلا ضوابط كالتى تحكم سائر القطاعات اﻻقتصادية الأخرى.

ويرى البعض أن هذا القطاع من العمالة يدخل ضمن البطالة المؤقتة بمعنى أنها قد تعمل لفترة وتتوقف عن العمل لفترة أخرى وﻻ تندرج تحت أى نوع من أنواع القوانين كما أنها ﻻ تخضع لمعايير العمل الدولية وهم ما يطلق عليهم أيضا العمالة «الأرزقية» الذين يعيشون عمل يوم بيوم أو العمالة الموسمية فى مواسم الحصاد فى الريف أو فى قطاع المقاوﻻت والمناجم والمحاجر والباعة الجائلين وباعة الصحف وفى النقل البرى والبحرى والصيادين وعمال المخابز وغيرهم.

ونظرا لطبيعة هذا القطاع غير المنتظمة وعدم وجود جهة تستطع تمثيلهم فإن عملية ضم هذا القطاع فى منظومة صحية تضمن للعاملين به ولأسرهم حقهم فى الرعاية الصحية تعتبر من أكبر تحديات قانون التأمين الصحى الشامل الجديد.

وتختلف تقديرات تحديد حجم دقيق لهذا الفئة العاملة إجمالا حيث لا تتوافر بيانات دائمة ومحدثة عن شرائحهم فى سوق العمل المصرية وإن كان الحديث يجرى عن نحو 8 مليون عامل يضمهم هذا القطاع بمختلف أنواعه.

ولذا يطرح السؤال كيف يضمن التأمين الصحى الشامل الحماية الصحية لهذه الفئة من العمالة غير المنتظمة؟ خاصة أن منظومة التأمينات الاجتماعية الحالية (قانونى 112و 108) ﻻ تشمل أية حماية صحية للعمالة غير المنتظمة ولذلك حرص قانون التأمين الصحى الشامل الجديد على إلزامية وأسرية التطبيق للجميع ويعتمد إدخال ودمج الأسر أيا ما كان وضعها فى المجتمع على مجرد التسجيل عند مدخل النظام الجديد أى وحدات ومراكز صحة الأسرة حسب مكان الإقامة وبالبطاقة الشخصية لرب الأسرة حيث يتم حصر وتسجيل هذه الأسر ثم البدء فى تصنيفها بعد ذلك إلى فئات قادرة على دفع اﻻشتراكات وغير قادرة وفق معايير استهداف تقوم بها لجنة مشكلة من وزارات التضامن والمالية والقوى العاملة وتكون مؤشرات الإعفاء دورية ومرنة تشمل الحد الأدنى للأجر ومؤشرات الدخل واستهلاك الأسرة من الكهرباء والمياه وغيرها من سلسلة الخدمات الأساسية لتحديد غير القادرين على دفع أى اشتراكات فى النظام. ويضمن القانون أيضا تقديم الخدمة لهم دون وصم أو تمييز سلبى وبنفس الجودة بمجرد انخراطهم فى النظام بالبطاقة الشخصية لرب الأسرة.

***
هذا على مستوى تطبيق القانون نظريا ولكن من المعروف أنه ستمر سنوات ﻻ تقل عن عقد من الزمن قبل تعميم هذا القانون، فما هى الإجراءات الواجب اتخاذها لضمان الحماية الصحية الجيدة لهذه الفئات من العمالة غير المنتظمة للحصول على الخدمات الصحية فى تلك المرحلة اﻻنتقالية التى تسبق تعميم القانون الجديد.

ربما تقوم حاليا وزارة القوى العاملة بمحاولة لعمل قاعدة بيانات دقيقة لهذا العمالة أولا، وتصنيفها، تسمح ببعض التحصيلات المالية من أصحاب الأعمال لديهم مثل ما يحدث لتحصيل 6 بالألف من المقاولين مثلا على المستخلصات الخاصة بهم لحساب تلك العمالة تنفيذا للمادة 26 فى قانون العمل وذلك لتقديم خدمات صحية واجتماعية لهم وتحويل هذه الأموال من وزارة القوى العاملة لحسابهم فى الهيئة العامة للتأمين الصحى الحالية وتلتزم الهيئة من ثم بتقديم خدمات صحية لهم طوال فترة المرحلة الانتقالية وحتى يتم تعميم وتطبيق القانون الشامل الجديد.

هذه مجرد بداية قد تعقبها مبادرات مختلفة أخرى لدمج هذه العمالة غير الرسمية فى أطر رسمية يكون من أهمها على الإطلاق نظام شامل للتأمين الصحى.

نشر هذا المقال علي موقع  الشروق بتاريخ ٢٤ مايو ٢٠١٩