مداواة الانتهاكات بالمزيد منها: مصر تطلق أكبر موجة من المحاكمات السياسية لآلاف المعتقلين

بيان صحفي

4 مايو 2025

 تصاعدت وتيرة إحالة قضايا حصر أمن الدولة العليا للمحاكمة بشكل غير مسبوق بداية من سبتمبر 2024، بعدما أحالت نيابة أمن الدولة العليا للمحاكمة ما لا يقل عن 186 قضية . القضايا المُحالة والمُرشحة للزيادة، مفتوحة خلال الأعوام من 2015 وحتى عام 2024، وتضم أكثر من ستة آلاف شخص متهمين بـ"الإرهاب" - من بينهم أطفال- وأكثر من نصفهم محبوس احتياطيًا. 

تحذر المبادرة المصرية من خطورة المرحلة القادمة والتي يُنتَظَر أن يفصل خلالها القضاء المصري في عشرات القضايا في محاكمات جماعية. وإلى الآن، لم تتحدد دوائر الجنايات المعنية بالنظر في الغالبية العظمى لهذه القضايا، ولم يتمكّن دفاع المتهمين من الاطلاع على أي من ملفات هذه القضايا؛ الأمر الذي لا يبشر بضمان محاكمات عادلة لآلاف المتهمين المهددين باستمرار حبسهم احتياطيًا لمدد مفتوحة، في ظل احتمالية استمرار محاكمتهم لسنوات أخرى قادمة.

الوضع الذي تخلقه نيابة أمن الدولة العليا حرج وغير مسبوق، ويهدد ما تبقى من سمعة منظومة القضاء المصري مثلما يهدد مصائر آلاف المتهمين. حيوات أولئك المتهمين وأسرهم لا تحتمل التجريب أو الاستهانة بالوقت أو غض الطرف عن ضمانات المحاكمة العادلة بدعوى ضخامة الأعداد. خاصة وأن عددًا مُعتبرًا يواجه اتهامات قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، بينما يعرض قانون الإجراءات الجنائية الجديد آلاف المتهمين لخطر إخضاعهم للمحاكمة عن بُعد، مفصولين عن محاميهم، ودون مواجهتهم بشهود بسبب تقنين حجبهم. 

من سيحاكم أكثر من ستة آلاف متهم دفعة واحدة؟ حتى اللحظة الراهنة لم يبدأ النظر أو تحديد جلسات لبدء المحاكمة سوى لما يقرب من 20 قضية فقط. لكن دائرتي الإرهاب المنعقدتين في مجمع محاكم بدر، وحدهما اللتان يُتوقّع أن تفصلا في كل هذه القضايا في الدرجة الأولى، وهما نفس الدائرتين اللتين لم تصدرا قرارًا واحدًا بإخلاء سبيل أي من المحبوسين احتياطيًا أثناء نظر تجديد حبسهم أمامهما منذ تشكيلهما في العام القضائي الحالي، حيث سبق وأصدرتا آلاف القرارات بتمديد الحبس بمخالفة القانون بحق عدد من المُحالين، في جلسات افتقر معظمها للحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، أو حتى محاولة الحفاظ على الشكل القانوني للجلسات

تجدر الإشارة إلى أنه في حال صدر حكم أول درجة - خلال العام القضائي الحالي - وحاول المتهمون استئناف الأحكام الصادرة ضدهم، فلن يكون متاحًا أمامهم سوى دائرة استئنافية واحدة، برئاسة المستشار حمادة الصاوي، النائب العام السابق الذي حققت نيابة أمن الدولة في معظم هذه القضايا خلال توليه منصب النائب العام، وهو ما يجعل توليه أيًا من هذه القضايا مخالفة صريحة لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحظر على القاضي أن ينظر دعوى قام فيها بوظيفة النيابة العامة.

محاكمات متأخرة وحبس احتياطي لا ينتهي

قرارت نيابة أمن الدولة الأخيرة، والتي سيحاكم بناءً عليها الآلاف دفعة واحدة، تطرح أسئلة مشروعة حول مفهوم السلطات المعنية عن "العدالة الناجزة." حيث أبقت نيابة أمن الدولة عشرات القضايا مفتوحة دون استكمال تحقيق أو ظهور أدلة جديدة، قبل أن تقرر إحالة متهمين على ذمتها فجأة بعد سنوات من التحقيق معهم فيها. بينما قررت النيابة إحالة آخرين عقب التحقيق معهم مباشرة على ذمة قضايا أخرى مفتوحة منذ سنوات أيضًا، إلا أنهم لم يُعلنوا باتهامهم على ذمتها سوى قبل الإحالة بأسابيع معدودة. 

في أغلب القضايا المحالة، تقول نيابة أمن الدولة أن الاتهامات المذكورة وقعت في مدى زمني استمر لسنوات قبل ظهور القضية من الأساس، فعلى سبيل المثال، تتهم نيابة أمن الدولة 18 شخصًا على ذمة القضية 1470 لسنة 2019، بارتكاب الجرائم المنسوبة إليهم خلال الفترة ما بين عام 1992 و2020، وهو ما يطرح تساؤلًا آخر: هل كان قطاع الأمن الوطني "أمن الدولة سابقًا" على علم بهذه الجرائم المستمرة لعشرات السنوات دون أن يتحرك؟ أم أن هذه الجرائم "المستمرة" تم اكتشافها مؤخرًا؟ في الحالتين ستكون الإجابة دليلًا على تقصير وزارة الداخلية، سواء في تقاعسها عن ضبط مرتكبي "الجرائم" لسنوات حال أدين المتهمون، ودليلًا على استهداف صريح لأسباب سياسية لا يمكن التهاون معه في حال التبرئة.

تتولى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الدفاع القانوني عن عدد من المتهمين المُحالين مؤخرًا، بينما تتابع حالات عدد آخر، والذين تختلف قضاياهم وأوضاعهم القانونية. من بين المحالين مواطنين يستمر حبسهم الاحتياطي منذ عدة سنوات بمخالفة القانون على ذمة القضية نفسها قبل إحالتها. بينما أُحيل آخرون للمحاكمة على ذمة قضية تم تدويرهم على ذمتها، رغم ظهورها أثناء احتجازهم، بدون إحالة قضاياهم الأصلية المفتوحة منذ سنوات طويلة. إلى جانب ذلك، أُحيل عدد من المتهمين على ذمة أكثر من قضية بالاتهامات نفسها في الوقت ذاته. وتضم قائمة المُحالين طائفة واسعة من المتهمين ما بين أطفال وشباب ومسنين، منهم محامون وصحفيون وحقوقيون وسياسيون ألقي القبض عليهم على خلفية عملهم أو نشاطهم، ومنهم مواطنون آخرون جاء القبض عليهم واحتجازهم لأسباب غير معلومة لهم أو لأسرهم حتى الآن.

أحالت نيابة أمن الدولة قضايا ضمت محبوسين احتياطيًا على ذمتها لسنوات بمخالفة القانون، مثل أحمد محمد توفيق (39 سنة) المحبوس منذ أبريل 2022، على ذمة القضية 330 لسنة 2020، والتي تضم 59 متهمًا. توفيق هو العائل الوحيد لأسرته المكونة من والديه المسنين وزوجته وطفله المريض. ورغم تخطيه الحد الأقصى القانوني، مازال محتجزًا في "مركز الإصلاح والتأهيل" بالعاشر من رمضان 5، والذي ترفض إدارته علاجه رغم وضعه الصحي الحرج. ويواجه المصور الصحفي حمدي مختار "الزعيم" المصير نفسه، حيث أحيل للمحاكمة ضمن 168 شخصًا على ذمة القضية 955 لسنة 2020، بعدما قضى ضعف الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي. ألقي القبض على "الزعيم" وحُقّق معه في يناير 2021، وأحالته نيابة أمن الدولة العليا للمحاكمة في يناير 2025 لاتهامه بالانضمام لجماعة و"الاشتراك في اتفاق جنائي".

  أما المترجمة مروة عرفة (32 عامًا)، المحبوسة احتياطيًا منذ خمس سنوات بمخالفة القانون على ذمة القضية 570 لسنة 2020 بعد جلسة تحقيق واحدة، فمن المفترض أن تبدأ محاكمتها إلى جانب 38 متهمًا آخرين على ذمة هذه القضية لاتهام أغلبهم "بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها" خلال الفترة ما بين 2013 و2020. ستبدأ محاكمة المتهمين على ذمة هذه القضية بعد خمس سنوات كاملة من وقوع "الجرائم" المنسوبة إليهم. تضم القضية أيضًا طاهر جمال صلاح الدين، والذي يواجه موقفًا أسوأ من باقي المتهمين، فرغم أنه تجاوز 4 سنوات من الحبس الاحتياطي - بمخالفة القانون - على ذمة القضية 570 لسنة 2020، استدعته نيابة أمن الدولة من داخل محبسه، وحققت معه في نوفمبر 2024 على ذمة القضية 585 لسنة 2020، واتهمته من جديد بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها. وعليه فإن نيابة أمن الدولة أحالت طاهر جمال للمحاكمة على ذمة قضيتين مختلفتين لاتهامه بارتكاب الاتهامات نفسها في المدى الزمني ذاته.

جريمة "التدوير" 

في ديسمبر 2024، قامت نيابة أمن الدولة العليا بـ "تدوير" 88 متهمًا على الأقل أثناء حبسهم الاحتياطي الذي تخطى الحد الأقصى القانوني على ذمة قضايا مقيدة لعام 2022، ظهرت أثناء حبسهم، وأعقب هذا التدوير صدور قرار بإخلاء سبيلهم على ذمة قضاياهم الأصلية، حتى يبدأ حبسهم احتياطيًا على ذمة القضايا الجديدة المُحالة للمحاكمة. من بين أولئك الذين تم تدويرهم محمود شعبان غانم (عامل، 39 عامًا)، والذي ألقي القبض عليه من منزله في أكتوبر 2018، ولم يظهر أمام نيابة أمن الدولة إلا في فبراير 2019، واستمر حبسه بمخالفة القانون على ذمة القضية 277 لسنة 2019 لما يقرب من ست سنوات، وفي تلك الأثناء قررت نيابة أمن الدولة اتهامه على ذمة قضية جديدة برقم 1095 لسنة 2022، وحققت معه على ذمتها لأول مرة بعد أكثر من عامين على ظهورها.

 قبل أن يُحال للمحاكمة على ذمتها مباشرة، أخلي سبيل غانم على ذمة القضية 277 لسنة 2019، وبدأ حبسه فورًا على ذمة القضية 1095 لسنة 2022، وبالتالي، إذا أدانته المحكمة بالاتهام الوحيد الذي اتهمته به النيابة مرتين (الانضمام لجماعة إرهابية) لن يتم احتساب السنوات الست الماضية ضمن العقوبة، أما في حال براءته فسوف يظل مهددًا باحتمالية إحالته للمحاكمة مرة أخرى.

من بين المتهمين الذين واجهوا التدوير قبل إحالتهم للمحاكمة كذلك ، أحمد صبري ناصف (26 عامًا)، المحبوس هو الآخر منذ 2017، عندما كان عمره 18 عامًا، والذي اتّهم خلال هذه الفترة على ذمة تسع قضايا باتهامات مشابهة، قضت المحكمة ببراءته في عدد منها، وصدرت قرارات بإخلاء سبيله في قضايا أخرى، إلا أن أيًا من هذه القرارات لم يُنفذ، واستمر تدويره حتى قررت نيابة أمن الدولة إحالته ومعه 206 آخرين على ذمة القضية 750 لسنة 2019. وفقًا للنيابة استمرت الجرائم المرتبطة بهذه القضية خلال الفترة ما بين 2013 و2023، وهي الفترة التي كان ناصف خلالها إما طفلًا، وإما محبوسًا في عُهدة وزارة الداخلية.

علاوة على ذلك، ينتظر عدد من المتهمين بدء محاكمتهم على ذمة أكثر من قضية بالاتهامات نفسها كما هو الحال مع المحامي الحقوقي ومنسق رابطة أسر المختفين قسريًا إبراهيم متولي (61 عامًا) المحبوس احتياطيًا منذ سبتمبر 2017. قضى متولي معظم السنوات السبعة الماضية في زنزانة انفرادية، وممنوعًا من الزيارة، واتهمته نيابة أمن الدولة باتهامات مشابه على ذمة ثلاث قضايا، تم إحالتهم للمحاكمة على ذمتها تباعًا خلال أقل من شهرين. 

حكم واحد لن يؤدي الغرض؟

إحالة نيابة أمن الدولة أفرادًا بالاتهامات نفسها للمحاكمة أثناء أو بعد قضائهم عقوبات قضائية، أمر غير قانوني يخالف نص قانون الإجراءات الجنائية الذي يحظر معاقبة الشخص على الفعل نفسه مرتين. إلا أن هذه ليست المشكلة الأساسية؛ بل المشكلة في الأسئلة التي يطرحها هذا النمط من الإحالات، والذي يشكك بوضوح في مدى فاعلية نظام "الإصلاح والتأهيل" المصري، ومدى قيام وزارة الداخلية ممثلة في مصلحة السجون بدورها، حيث أن اتهام أشخاص على ذمة قضايا ظهرت أثناء احتجازهم ووجودهم في عهدة وزارة الداخلية إما يعني أن الداخلية تسمح بارتكاب جرائم تحت نظرها في أماكن الاحتجاز، أو أن تحريات الأمن الوطني بشأن المحتجزين المعزولين عن العالم الخارجي لسنوات يشوبها التلفيق.

تضم قائمة المحالين للمحاكمة عددًا من الأفراد الذين سبق وصدرت ضدهم أحكام غير قابلة للطعن عليها من محاكم أمن الدولة طوارئ، إلا أن نيابة أمن الدولة عادت وأحالتهم للمحاكمة من جديد على ذمة قضايا مشابهة. على سبيل المثال، تنتظر المحامية والعضوة السابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان هدى عبد المنعم (66 عامًا) بدء محاكمتها على ذمة قضيتين لاتهامها "بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها"، رغم أنها سبق وتمت تبرئتها من اتهام التمويل، بينما قضت عقوبتها كاملة بعد الحكم عليها بالسجن خمس سنوات لإدانتها بالانضمام لجماعة إرهابية. ويواجه نائب رئيس حزب مصر القوية محمد القصاص وضعًا مشابهًا، فبعد القبض عليه في فبراير 2018 تم تدويره وحبسه احتياطيًا على ذمة أربع قضايا مختلفة تباعًا، ورغم أن محكمة أمن الدولة العليا طوارئ سبق وحكمت عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في 2022، عادت نيابة أمن الدولة وأحالته للمحاكمة من جديد باتهامات مشابهة على ذمة القضية 786 لسنة 2020. تكرر الأمر مع رئيس الحزب والمرشح الرئاسي السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (73 عامًا)، الذي يقضي حاليًا حكمًا بسجنه لمدة 15 سنة في القضية نفسها مع القصاص، لكن نيابة أمن الدولة قامت في ديسمبر 2024 بتدويره والتحقيق معه على ذمة القضية 786 لسنة 2020، التي ظهرت بعد عامين من القبض عليه، وأُحيل للمحاكمة مباشرة في اليوم نفسه بعد انتهاء التحقيق. أما المحامي عصام سلطان المحبوس منذ عام 2013، والممنوع من الزيارة لسنوات، تم تدويره هو الآخر، حيث التقاه محاميه صدفة لأول مرة منذ سنوات في مقر نيابة أمن الدولة العليا عندما حضر للتحقيق معه على ذمة قضية جديدة، أحيلت للمحاكمة أيضًا برقم 2175 لسنة 2021.

مئات من المحتجزين دون مسوغ قانوني

تنص المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية على أن الحبس الاحتياطي ينتهي بعد مرور 15 يومًا على حبس المتهم، لكنها تسمح في الوقت نفسه لقاضي التحقيق، قبل انقضاء تلك المدة، وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، أن يصدر أمراً بمد الحبس مدداً مماثلة بحيث لا تزيد مدة الحبس في مجموعه على خمسة وأربعين يومًا. ومن المفترض أن النظر في أمر تجديد حبس المتهمين خلال التحقيق في قضايا أمن الدولة المفتوحة يتم كالآتي: تتولى نيابة أمن الدولة العليا النظر في أمر الحبس بما لا يجاوز 150 يومًا بواقع 10 جلسات، مرة كل 15 يومًا، ثم بعد ذلك تنتقل سلطة النظر في أمر تجديد حبس المتهم إلى غرفة المشورة بمحكمة الجنايات، لتنعقد جلساتها مرة كل 45 يومًا. وتؤكد المادة 143 من القانون نفسه على أنه في جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام.

عند الإحالة للمحاكمة، تصبح الدائرة المختصة في الفصل في القضية هي المعنية بإصدار قرارات استمرار حبس المتهمين أو إخلاء سبيلهم على ذمة المحاكمة. لكن معظم المتهمين المحبوسين احتياطيًا والذين تم إعلانهم بإحالتهم للمحاكمة في قضايا محبوسين على ذمتها لم يتم تحديد دائرة للفصل في أمرهم بعد، بينما توقف إدراجهم في كشوف غرف المشورة المنعقدة في بدر للنظر في أمر تجديد الحبس الاحتياطي، ليظل عدد منهم محبوسين منذ شهور دون عرض أمرهم على أي جهة لإسباغ صفة قانونية على احتجازهم. مما يجعل منهم محتجزين دون سند قانوني.

لنأخذ مروة عرفة كمثال، وهي المحبوسة احتياطيًا منذ أبريل 2020، لكن الجهات المعنية تجاهلت نص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية التي حددت الحد الأقصى لحبس مروة احتياطيًا بسنتين، وبدلًا من إخلاء سبيلها وجوبيًا في أبريل 2022، استمر عرضها على غرفة المشورة وتجديد حبسها مرة كل 45 يومًا. منذ أُعلنت مروة بإحالتها للمحاكمة في ديسمبر 2024 لم يتم إبلاغها بموعد لبدء محاكمتها، أو حتى الإعلان عن الدائرة المسؤولة عن الفصل في القضية، بينما توقف عرضها على غرفة المشورة أو أي جهة أخرى للنظر في أمر حبسها. 

من المفترض وفقًا لنص المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية أن تعلن النيابة العامة الخصوم بالأمر الصادر بالإحالة إلى محكمة الجنايات خلال الأيام العشرة التالية لصدوره، على أن يرسل ملف القضية وفقًا لنص المادة 214 (مكرر أ) إلى قلم كتّاب محكمة الاستئناف فوراً، تمهيدًا لأن يقوم رئيس محكمة الاستئناف - وفقًا لنص المادة 378 من القانون نفسه- عند وصول ملف القضية إليه، بتحديد الدور الذي يجب أن تنظر فيه القضية. على أن يعد جدول قضايا كل دور من أدوار الانعقاد، ويرسل صور ملفات القضايا إلى المستشارين المعينين للدور الذي أحيلت إليه القضايا، ويأمر بإعلان المتهم والشهود بالدور وباليوم الذي يحدد لنظر القضية. كل ذلك لا يبدو أنه تم إلى الآن بالنظر إلى الواقع العملي الذي يشهد إحالة مئات القضايا دون تحديد الدوائر المعنية بالنظر فيها منذ شهور.

تُلزم المادة 143 النيابة العامة عند إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة بعرض أمر حبسه خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة التي تتولى النظر في أمر حبسه وفقًا للمادة 151، التي أوضحت أنه في حالة الإحالة إلى محكمة الجنايات يكون النظر في أمر مد الحبس الاحتياطي في غير دور الانعقاد من اختصاص محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة. وتختص الأخيرة بالنظر في طلب الإفراج أو الحبس إلى أن ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة، مع التأكيد على أنه في حالة كانت التهمة جناية فلا يجوز زيادة مدة الحبس الاحتياطي على خمسة شهور، إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وإلا يكون من الواجب الإفراج عن المتهم.

 

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 151 أوضحت أنه في حال تمت الإحالة دون وجود محكمة مُعينة للنظر في القضية؛ تكون محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة هي المختصة بالنظر في طلب الإفراج أو الحبس، إلى أن ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة. وحدد قانون الإجراءات الجنائية ضوابط واضحة لمسار القضايا في الفترة ما بين الإحالة وبدء المحاكمة، من المفترض أن تحافظ على إطار قانوني واضح لحبس المتهمين أو إخلاء سبيلهم. ولكن من الواضح أن غياب جزاءات أو ترتيب بطلان على مخالفة هذه الضوابط، أوحى للجهات المعنية بعدم وجود أزمة في تجاهل هذا القانون، أو حتى مخالفته. ما تسبب في وجود مئات المحبوسين بلا مسوغ قانوني، دون إدانة، ولمدة لا يعلم أحد متى تنتهي، ودون وجود آليات تسمح لهم بالاعتراض أو حتى طلب إنفاذ القانون.

ما العمل؟

سبق وأعلن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في يناير 2023، عن نجاح الدولة في القضاء على الإرهاب، وصرح أنه "بعد عشر سنين تقريبًا إحنا الحمد لله رب العالمين مفيش إرهاب". إلا أنه بعد مرور عامين كاملين على التصريح الرئاسي، يبدو أن نيابة أمن الدولة لها رأي آخر يخالف رئيس الجمهورية، حيث تصاعدت وتيرة توجيه اتهامات الإرهاب بحق قائمة طويلة من المواطنين، إما بسبب ممارستهم لحقوقهم المدنية والسياسية المكفولة بالدستور في بعض الأحيان، أو بشكل عشوائي في أحيان أخرى. وبخلاف الآلاف المحالين للمحاكمة مؤخرًا، شهد العامان الماضيان توجيه اتهامات بالإرهاب لمواطنين مصريين وحُبس أغلبهم احتياطيًا على ذمة قضايا أخرى مازالت "قيد التحقيق"، بسبب إعلانهم التضامن مع الفلسطينيين ورفض الإبادة الدائرة بحقهم، أو بسبب الدعوة للتظاهر أو انتقاد زيادة الأسعار واستمرار قطع الكهرباء في أوقات سابقة.

 من المهم الأخذ في الاعتبار أن محاكمة الآلاف بدعوى "الإرهاب" دون وقائع ملموسة، ودون وقوع ضرر حقيقي أثّر على سلامة المواطنين والممتلكات العامة أو "هيبة الدولة"، لن يؤثر على المتهمين فحسب، لكنه سيطال عائلاتهم الممتدة، فضلًا عن إثقال كاهل مرفق العدالة المصري بأعداد ضخمة من القضايا قد يمتد نظرها لسنوات. الأخطاء تقع، وإصلاحها بدلًا من التمادي فيها، سيكون دائمًا القرار الأصوب. ويتيح القانون المصري قائمة من الحلول التي ترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنها ستساعد على حل هذا الوضع المأزوم ووقف هذه الجرائم، أبرزها: 

  •  قيام النائب العام المستشار محمد شوقي، بإنفاذ القانون، والإفراج الفوري عن كافة من تخطوا الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي، والذي حددته المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي. وحفظ القضايا المفتوحة دون استكمال تحقيقات أو تحريات فيها منذ سنوات.

  •  مراجعة النيابة العامة بشكل عاجل لكافة أوامر الإحالة الصادرة، قبل تحديد جلسات المحاكمة، لضمان الالتزام بالقانون وعدم محاكمة الشخص نفسه أكثر من مرة على خلفية اتهامه بارتكاب الجرائم ذاتها.

  • التزام النيابة العامة بمبدأ الشفافية المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، وإتاحة حصر يَسهُل للعامة الوصول له بكافة قضايا أمن الدولة العليا المُحالة أو المتداولة أمام القضاء، وأسماء كافة المتهمين على ذمتها سواء من المحبوسين أو غيرهم. 

  • تحديد دوائر كافية لنظر القضايا المُحالة بشكل عاجل، بما يضمن تماشيها مع القانون، مع تحديد إطار زمني واضح لإنهاء أعمالها. على أن تقوم هذه الدوائر بالأخذ في اعتبارها ضرورة مراجعة قيد ووصف الاتهامات الموجهة.

  • تعديل قانون مكافحة الإرهاب، رقم 94 لسنة 2015 ليتماشى مع الدستور المصري، بما يضمن فاعليته لمكافحة الإرهاب فعلًا، دون أن يمتد للأفراد وخاصة الأطفال. والعمل على إعادة صياغة تعريف مُحكم وعام ومُجرد، بما يضمن عدم مساواته بين الأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية والأفراد المنتمين إلى هذه الكيانات وبين التنظيمات الإرهابية. مع ضمان عدم تطبيقه على الأفراد بسبب ممارستهم لحقهم في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي. 

  • وجوب نص قانون الإجراءات الجنائية على الإفراج عن المتهمين فور إتمامهم الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي، من خلال آلية واضحة، مع عدم جواز اتهام الشخص بارتكاب جرائم مشابهة في مدى زمني متقارب على ذمة قضايا مختلفة.

  •  وجوب نص قانون الإجراءات بشكل واضح على ضرورة حضور المتهمين جلسات محاكمتهم بشخصهم مع محاميهم، مع إلزام الجهات المعنية بإتاحة وتيسير الحصول على كافة الأوراق الخاصة بالقضية، والتشاور مع فريق الدفاع قبل بدء المحاكمة.

  • أخذ السلطات المعنية وعلى رأسها رئيس الجمهورية ومجلس النواب، بنص المادة 76 من قانون العقوبات في الاعتبار، والعمل على إصدار قانون بالعفو الشامل، ما يسمح بمراجعة موقف الآلاف ممن لم يتسببوا بأي أضرار مباشرة، وذلك إعمالًا لروح القانون ونصوصه.