لماذا نرفض مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟

بيان صحفي

29 ديسمبر 2024

16 اعتراضًا من حملة (نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية) على المشروع المعروض حاليًا أمام مجلس النواب 

 

(1)  مصر بحاجة إلى قانون جديد للإجراءات الجنائية، يتوافق مع التعديلات الدستورية والتطورات الحديثة التي يشهدها العالم، لكن المشروع المطروح لا يلبى طموحات الشعب المصري، وخاصة أن أكثر من 70% من بنية هذا المشروع هي ترديد لقواعد واردة بالقانون الحالي، ولم تقدم جديدًا حتى لو تم تعديل بعض الصياغات أو تغيير ترتيب المواد، فذلك كله لم يمس جوهر القواعد.

(2) من المهم التعاطي مع كافة الوسائل الحديثة لتطوير منظومة العدالة الجنائية، لكن المشروع اهتم بتلك الوسائل في شأن طريقة الإعلان، وإمكانية عقد التحقيقات والجلسات (عن بُعد) عن طريق وسائط إلكترونية، من دون أن يولى ذات الاهتمام لتوظيف هذه الوسائل في تطوير منظومة حقوق المتهم ودفاعه وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة. فقد خلى التشريع من أي نصوص تتيح تصوير عمليات القبض والتفتيش، وكذلك تصوير جلسات التحقيق والمحاكمة العلنية بالصوت والصورة لتكون تلك الفيديوهات جزءًا مكملًا ومتممًا ومصححًا للإجراءات الجنائية الورقية، وتمكين المتهم ودفاعه من الحصول على نسخة كاملة منها، سواء كان التحقيق والمحاكمة عن بُعد أم لا، ليتمكن من إعداد دفاعه في جميع مراحل الدعوى الجنائية.

كما خلى المشروع من النص على أي وسائل إلكترونية تتيح بقاء المتهم بمنزله أو مدينته كبديل عن الحبس الاحتياطي (سوار القدم الإلكتروني).

(3) المشروع يكرس بعض النصوص التي لا تحارب الفساد على نحو حقيقي، ولا تكفل تحقق الردع العام أو الخاص بشأن جرائم بالغة الأهمية، حيث تتيح التصالح على جرائم الاعتداء على المال العام والعدوان عليه والغدر في جميع مراحل الدعوى الجنائية، بما في ذلك صيرورة الحكم باتًا، أي بعد صدور حكم بإدانة المعتدي  من محكمة النقض. فإن تم التصالح أثناء التحقيقات أو المحاكمة تنقضي الدعوى الجنائية بجميع أوصافها طالما لم يصبح الحكم باتاً أي (صدر حكم محكمة الجنايات أول درجة وثان درجة بإدانته)، ولم ينص المشروع على حرمان هذا المتهم المٌدان بعد تصالحه من تولى الوظائف العامة أو مباشرة الحقوق السياسية، وبعد صدور الحكم من النقض يترتب على التصالح وقف تنفيذ العقوبة ليس للمتهم الذي تصالح فقط، بل لجميع المتهمين. (المادة 22 من المشروع، والتي أضيف للقانون الحالي بموجب التعديل رقم 16 لسنة 2015 وكانت تحمل رقم 8).

(4) التوسع في منح سلطات لمأموري الضبط القضائي تتجاوز مرحلة جمع الاستدلالات إلى القيام بعمل أو أكثر من أعمال التحقيق التي تختص بها النيابة شأن: سماع أهل الخبرة وتحليفهم اليمين، وإصدار أوامر ضبط وإحضار، استجواب المتهم (المواد 31، 39 فقرة أخيرة، 63 من المشروع).

(5) كما يمنح هذه السلطات لكل مأموري الضبط أيا كان مؤهلهم أو درجتهم أو رتبتهم - والمحددين بالمادة 25 من المشروع والتي تبدأ من شيخ الغفر حتى اللواء- دون أن يقصرها على مأموري الضبط الحاصلين على ليسانس الحقوق أو ضباط الشرطة.

(6) المشروع يتيح للنيابة العامة أن ترفع الدعوى الجنائية في كافة مواد المخالفات والجنح (إحالتها للمحاكمة) بدون تحقيق، معتمدة في ذلك فقط على الاستدلالات من رجال الضبط والسلطة العامة، بالرغم أن العقوبات في مواد الجنح قد تصل إلى ثلاث وخمس سنوات حبس، وكان من الملائم قصر هذه السلطة على المخالفات والجنح التي تكون عقوباتها الحبس البسيط البالغ ستة أشهر، أما باقي الجنح التي تزيد عقوباتها عن ذلك يجب إلزام النيابة بالتحقيق فيها. (مادة 62 مشروع). 

(7) المشروع يشتمل على نصوص تنال من حقوق الدفاع، حيث تفتح الباب لمنع حصول المتهم ودفاعه على صور من الأوراق أيا كان نوعها، تحت زعم أن مصلحة التحقيق تقتضي ذلك، وتتيح عدم تمكين المتهم ودفاعه من الاطلاع على التحقيق قبل الاستجواب، وتفتح الباب للقبض عليهم تحت زعم التلبس بالإخلال بنظام الجلسات، وتتيح تقويض مرافعات الدفاع تحت زعم الاسترسال والتكرار (المواد 73، 105، 242، 274 من المشروع).

(8) التوسع في منح سلطات للنيابة العامة على حساب القاضي الطبيعي (القاضي الجزئي، وقاضى محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة، وقاضي الجنايات)، فالمشروع يتيح للنيابة العامة، من درجة رئيس نيابة على الأقل، أن تحقق في الجنايات في جرائم الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج والداخل، وجرائم المفرقعات، وجرائم الرشوة، وجرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر. ولرئيس النيابة أن يأذن بأمر مسبب لمدة لا تزيد على ثلاثين يوما بضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والجرائد والمطبوعات والطرود والاتصالات السلكية واللاسلكية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الالكتروني والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف والأجهزة أو أي وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائل الحاوية لها، أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص.

ويجوز تجديد مدة مراقبة تلك الاتصالات (30 يومًا) لمدة أو مدد مماثلة.

ويكون لأعضاء النيابة السالف بيانهم في الجرائم السالف بيانها -عدا جرائم الرشوة- سلطة القاضي الجزئي فيما يتعلق بسلطة الحبس الاحتياطي، أي أن يصدر قرارًا بالحبس مدة لا تزيد على 15 يوما، ولا يزيد مجموعها عن 45 يوماً، وذلك على النحو الذي تنظمه المادة 120 من المشروع.

وتكون لهم سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة بشأن جرائم الإرهاب المنصوص عليها في المواد من 86 حتى 89 عقوبات، بشرط ألا تزيد مدة الحبس في كل مرة عن 15 عشر يومًا، وألا يزيد مجموعها عن خمسة أشهر على النحو الذي تنظمه المادة 123 من المشروع. وهو بذلك يمنح النيابة سلطات بحبس المتهم في هذه الجرائم 150 يومًا.

وإن أرادت النيابة زيادة مدد الحبس الاحتياطي عن المدد السالف بيانها، وجب عليها أن تطلب استمرار حبس المتهم من المحكمة المختصة، والتي لها أن تصدر أمر بالحبس الاحتياطي في الجنايات لمدة تصل إلى 18 شهر.

والملاحظ في المادة 116 من المشروع أنها:

(أ) خرجت على القواعد المنصوص عليها بالمادتين 79 و80 من المشروع نفسه، والتي تشترط الحصول على إذن من القاضي الجزئي لمراقبة الاتصالات، حيث منحت أعضاء النيابة سلطة القاضي الجزئي بشأن الجرائم المحددة في المادة.

(ب) أنها منحت النيابة حق التسجيل دون حد زمني أقصى، على نحو يتجاهل سبب مراقبة الاتصالات فهي بالأساس للكشف عن الجريمة بعد ارتكابها، وليست وسيلة لجمع التحريات والمعلومات قبل وقوع الجرائم، وهنا تبدو خطورة منح النيابة هذا الحق دون ضمانة عرضه على القاضي الجزئي واستصدار الإذن منه، لكونها ضمانة هامة لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم وحرمة حياتهم الخاصة.

(ج)منحت أعضاء النيابة في شأن الجرائم المحددة بالمادة سلطات واسعة، والتي أضحت تجمع بين سلطة التحقيق- وسلطة القاضي الجزئي في مراقبة الاتصالات ومدد الحبس الاحتياطي- وسلطة محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة في شأن مدد الحبس الاحتياطي- وسلطة الإحالة- وسلطة إصدار أوامر بالحبس الاحتياطي والتدابير الاحترازية لمدد التي تزيد على 5 أشهر، والتي قد تصل بها إلى 18 شهر بالعرض على المحكمة المختصة- وسلطة المنع من السفر دون حد زمني أقصى- وسلطة التحفظ على الأموال دون حد زمني أقصى بعد العرض على المحكمة المختصة- وسلطة مراقبة الاتصالات بكافة أنواعها وتسجيل الاجتماعات الخاصة دون حد زمني أقصى- واستمرار التحقيق بالقضية وعدم إلزامها بحد زمني أقصى للتصرف فيها إما بالحفظ أو إحالتها للمحكمة). (المادة 116 من المشروع)

(10) المشروع يمنح النيابة العامة سلطة تتيح لها أن تمنع اتصال المحبوس احتياطيا بغيره من المحبوسين، وأن تمنع الزيارة عنه طوال مدة حبسه، والتي قد تصل إلى 18 شهر، وفى بعض الأحيان قد ترتفع إلى 24 شهر، ولم يتم إلزام النيابة بحد زمني أقصى لهذا المنع، ولم يتح المشروع للمتهم ودفاع أي وسيلة للطعن على قرار المنع أو مدته. (المادة 119 من المشروع).

(11) المشروع يتضمن نصوصًا تنال من فرضية البراءة ومن الحق في حماية الملكية الخاصة، حيث يتيح التحفظ على الأموال دون حد زمني أقصى وقبل صدور أي حكم بإدانة المتهم، وهناك فارق جوهري بين إتاحة الحق للمتهم في التظلم من القرار، وبين وجوب أن يكون هناك حد زمني أقصى يجب على المشرع تحديده في شأن الإجراءات التحفظية التي تنال من حقوق المتهم الدستورية، طالما لم يصدر حكم بإدانته (المادة 143 من المشروع).

(12) المشروع يتيح منع المتهم من السفر ووضعه على قوائم ترقب الوصول دون حد زمني أقصى وقبل صدور أي حكم بإدانته، وهوما ينال من الفرضية الدستورية بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، ومن حريته الدستورية في التنقل والسفر.

وهذه الإجراءات التحفظية (سواء المنع من السفر أو التحفظ على الأموال) شديدة الخطورة، ولها أثر بالغ على حياة ومستقبل المتهم وأسرته، وبما أنه لم يصدر حكم ضده بإدانته، فيجب التعامل على هذه الإجراءات أنها استثنائية، ومن ثم يجب أن يضع المشرع سقف زمني موضوعي لها يراعى فيه حقوق المتهم وأسرته. (المادة 147 من المشروع). 

(13) المشروع يتيح تشغيل المحبوسين دون التزام بالحد الأدنى للأجور المحدد من قبل رئيس الجمهورية، وذلك في شأن: حساب أجر أيام العمل للمنفعة العامة، وحساب الفارق بين الغرامة التي يسددها، وحساب تعويض أيام الحبس الاحتياطي في حالة إدانة المتهم بالغرامة فقط، وفى شأن إبراء الذمة من الغرامة المحكوم بها أو المصاريف ورد التعويضات بتنفيذ الالتزام بعمل للمنفعة العامة، حيث حددها المشروع بقيمة خمسون جنيها لليوم رغم أن الحد الأدنى المعلن من رئيس الجمهورية 6 آلاف جنيه في الشهر، أي 200 جنيه في اليوم.( المواد 463، 465، 472 من المشروع).

(14) نصوص المشروع تفتح الباب لعدم سماع أو مناقشة المتهم ودفاعه لشهود الإثبات في شأن شهادتهم التي قد تكون سبباً في الحكم على المتهم، بما في ذلك مأموري الضبط القضائي الذين عملوا في القضية، وذلك تحت زعم حماية الشهود، وتجعل الأمر جوازي لمحكمة الموضوع، وقد جاء النص عامًا ولم يُستثن منه كذلك المكلفين بإنفاذ القانون ورجال الخبرة الفنية الذين قدموا رأى فنى في القضية، فإذا كان هناك ضرورة لحماية المُبلغ أو الشهود من المواطنين العاديين، فيجب أن يُستثنى من هذا النص رجال الضبط الذين قاموا بالقبض على المتهم، وجمعوا التحريات عنه، وحرروها، وكذلك كل شهود الخبرة التي يتم الاستعانة بهم للفصل في المسائل الفنية.

فمن غير المنطقي حرمان المتهم ودفاعه من سماع شهادة ومناقشة من صنعوا القضية، وقدموا رأيًا فيها تحت زعم حماية الشهود

فماذا تبقى من حقوق الدفاع؟ فالمشروع لا يلزم النيابة بتمكين المحامي من الاطلاع على التحقيقات قبل الاستجواب، وليس هناك نص ملزم بحصوله على صورة من القضية عند إحالتها للمحكمة، ويقتصر حديث الدفاع في التحقيقات عن الدفوع والطلبات، ثم يفاجئ في المحكمة بأنه قد يُحرم من سماع شهود الإثبات ومناقشتهم، وقد يتم منعه من استكمال مرافعته تحت زعم الاسترسال والتكرار، وقد يتم القبض عليه تحت زعم عدم الامتثال لأوامر المحكمة أو الإخلال بنظام الجلسة… الخ فماذا تبقى من حقوق الدفاع؟ (حجب الشهود عن المتهم ودفاعه بالمواد 519 حتى 522، والفقرة الأخيرة 526 من المشروع).

(15) نصوص المشروع تضع قيودًا على استحقاقات تعويض الحبس الاحتياطي، وتجعل فرص الحصول على هذا الاستحقاق ضئيلة، مما يؤدى إلى تفريغ الحق من مضمونه، ومن أمثلة هذه الشروط:

(أ) في حالة صدور أمر نهائي من النيابة بألا وجه لإقامة الدعوى، لا يستحق التعويض إلا إذا كان الأمر استند فقط إلى عدم صحة الواقعة، ومن ثم إذا كان الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى بسبب آخر شأن عدم كفاية الأدلة فلا يستحق المحبوس احتياطيًا أي تعويض مهما بلغت مدة حبسه.

(ب) إذا صدر حكم نهائي وبات بالبراءة فلا يستحق التعويض إلا إذا كان الحكم مبنى على أن الواقعة غير معاقب عليه، أو أن الواقعة غير صحيحة، ومن ثم فإذا صدر حكم البراءة استنادًا إلى أي سبب آخر فلا يستحق التعويض مهما بلغت مدته، ومن ذلك على سبيل المثال إذا حكم البراءة تأسس على توافر أسباب الإباحة التي تدفع المتهم للقيام بهذا الفعل فلا يستحق تعويض. (المادة 523 من المشروع).

(16) نصوص المشروع بشأن المحاكمة عن بُعد تتجاهل الإشكاليات الحقيقية التي تواجه المتهم ودفاعه ولم تعالجها، كما تصطدم مع طبيعة المحاكمة الجنائية، فالتحقيق مع المتهم واستجوابه والمحاكمة الجنائية لا يتصور أن تكون عن بُعد أو عبر وسائط إلكترونية، فقد يتحقق ذلك في الدعاوى الاقتصادية، أو العمالية، أو المدنية، أو التجارية، لكن لا يتصور ذلك في القضاء الجنائي الذي يقوم على عقيدة القاضي، وحضور المتهم بشخصه أمام القاضي أمر ضروري وجوهري لتكوين عقيدته عن المتهم.

فالوجود المادي للمتهم ودفاعه في مقار النيابات والمحاكم وبعيداً عن أماكن الاحتجاز لا يمنحه مجرد شعور نفسي بالطمأنينة فقط، بل ينقله ماديًا من مقر جهات القبض التي يدعي على إجراءاتها بالبطلان أو الإكراه، إلى النيابات المحاكم التي تتمتع بالاستقلال والحيدة. وهذا الانتقال هو التجسيد الحقيقي لتدرج القواعد الإجرائية من الانتقال من قبضة السلطة التنفيذية إلى السلطة القضائية، ومن انتهاء مرحلة القبض والتفتيش وجمع الاستدلالات إلى مرحلة التحقيق والمحاكمة، وهذا الانتقال هو أحد ركائز وقواعد علم النفس الجنائي، وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة.

كما أن وجود المحكمة في مكان والمتهم في مكان آخر يستلزم تواجد المحامي في نفس المكان الذي يتواجد فيه المتهم، وهو ما يعني انتقال مقر عمل المحامين من النيابات والمحاكم إلى أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز ومراكز الإصلاح والتأهيل والتي أصبحت منتشرة على أطراف المدن الجديدة، مما يجبر المحامين على ترك النطاق الجغرافي لعملهم الذي يتابعون فيه أكثر من قضية وأكثر من إجراء تنظر جميعها في ذات المقر بالمحكمة، وكل ذلك فضلاً عن المعوقات التي سيواجهها المحامون في الدخول إلى مقار الاحتجاز ومراكز التأهيل. (المواد 525 حتى 532 من المشروع).