" بدون ضمانات " دراسة حول الطاقة النووية ومشروع الضبعة
المقدمة
تؤثر عواقب استخدام الطاقة النووية على المجتمع بأسره كما تؤثر على الأجيال المقبلة، لهذا تؤكد التوصيات الدولية على حق المجتمع في المشاركة في قرار استخدامها وعلى نشر المعرفة وتحقيق الشفافية في كافة الأمور المتعلقة بالطاقة النووية، إلا أن فرصة نشر المعلومات والشفافية والنقاش لم تُتَح بالشكل الكافي فيما يتعلق ببناء المفاعلات النووية في الضبعة بسبب عوامل سياسية واجتماعية، وأيضًا بسبب صعوبة فهم موضوع الطاقة عمومًا وموضوع الطاقة النووية خصوصَا.
تسعى هذه الدراسة إلى تقديم معلومات وحقائق مبسطة حول استخدام الطاقة النووية ومقارنتها بغيرها من بدائل الطاقة في مصر والعالم، وذلك بغرض المساهمة في بناء المعرفة وإثراء النقاش حول قضية استخدام الطاقة النووية.
وتتبنى الدراسة موقفًا يرى أن توليد الكهرباء من الطاقة النووية باهظ الثمن ومحفوفًا بالمخاطر وغير مستدام وأن هناك بدائل أفضل للحصول على الطاقة، وأنه بينما توفير الطاقة شرط أساسي لتحقيق التنمية والرفاهية في أي مجتمع، فإن الاستمرار في استخدام الطاقة النووية، وكذلك الأحفورية، يدمر الكوكب كما أنهما على وشك النفاد وأن السبيل الوحيد للحصول على الطاقة والحفاظ على الصحة والبيئة هو استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
اعتمدت هذه الدراسة على أبحاث ومعلومات وبيانات دولية ومحلية، وتتكون الدراسة من مقدمة وملخص تنفيذي وسبعة فصول بالإضافة إلى ملحقين. وقد تم تنظيمها بحيث يمكن قراءة كل فصل بشكل مستقل بذاته، ويبدأ كل فصل من الفصول بملخصٍ لمحتوى الفصل.
يتضمن الفصل الأول شرحًا مبسطًا عن الطاقة النووية يهدف إلى تقديم القدر الأدنى من المعلومات التي تساعد على فهم عواقب أو صعوبات توليد الكهرباء النووية التي ستتناولها الفصول التالية. يناقش الفصل الثاني اقتصاديات توليد الكهرباء النووية وأسعارها، ويتناول الفصل الثالث آثار تشغيل المفاعلات النووية على الصحة والبيئة، يتناول الفصل الرابع مشكلة المخلفات النووية المتراكمة، والفصل الخامس مخاطر الحوادث النووية، ويستعرض الفصل السادس دلائل انحسار الطاقة النووية في العالم، والفصل السابع أفضلية البدائل من الطاقة المتجددة في العالم وفي مصر.
يحتوي الملحق الأول على تأريخٍ المشروع وتقييم تطور الإطار التشريعي والتنظيمي لبناء المفاعلات النووية في مصر حتى الوقت الحاضر، ويتناول الملحق الثاني الموقف المجتمعي من المشروع النووي وأهم التوجهات التي أمكن رصدها مما نشر حول الموضوع.
الملخص التنفيذي:
تبدأ الورقة بشرح أساسيات توليد الكهرباء من الطاقة النووية وكيف أن توليد الكهرباء من الطاقة النووية يشبه توليد الكهرباء من مصادر حرارية أخرى مثل الفحم والغاز الطبيعي إلا أن الحرارة في هذه الحالة تنشأ عن الانشطار النووي وليس عن حرق الوقود. وأهمية "المفاعل النووي" كجوهر المحطة النووي، لأنه المسؤول عن توليد الحرارة والتحكم في إطلاقها. هناك أنواع متعددة من المفاعلات التي تستخدم تقنيات مختلفة ومن المعلن أن شركة "روس آتوم" الروسية ستقوم ببناء أربعة مفاعلات في الضبعة من طراز VVER-1200 (مفاعل روسي يعمل بتقنية الماء المضغوط). تُنتج المفاعلات النووية حرارة كبيرة أثناء عملية الانشطار تتجاوز بكثير القدر المطلوب لتوليد الكهرباء لهذا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء لتبريد الحرارة الزائدة، وتختلف كميات الماء المطلوبة حسب نظام التبريد.
والوقود الرئيسي المستخدم في المفاعل النووي هو اليورانيوم، الذي يمر بمراحل تخصيب مختلفة قبل ان يكون صالحا للاستخدام، هناك ست دول فقط تورد 85% من اليورانيوم في العالم ومن المتوقع ألا تدوم احتياطيات اليورانيوم الاقتصادي إلى أكثر من 80 عامًا . ويُستبدل الوقود النووي داخل المفاعل على نحو دوري بعد استهلاكه، ويتسم الوقود المستهلك/المستنفد بنشاطه الإشعاعي عالي المستوى، تخزن مئات الآلاف من الأطنان من هذه المخلفات عالية الإشعاع بجانب المفاعلات في أنحاء العالم.، وحتى الآن ليس هناك وسيلة للتخلص طويل الأمد من تلك النفايات.
من أهم الحجج ضد بناء المفاعلات النووية التكلفة الاقتصادية العالية إذ لم تعد الحجة ضد الطاقة النووية تقتصر فقط على المخاطر ولكن الحجة ضد النووي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على حجج التكاليف والقيمة الاقتصادية. جادل القائمون على الصناعة النووية منذ ظهورها بأن بناء المفاعلات النووية قد تكون باهظة التكلفة في البداية، ولكن تكاليف التشغيل المنخفضة تجعل توليد الكهرباء من الطاقة النووية الأرخص سعرًا، لكن التحليلات الحديثة للأسعار أثبتت عدم صحة هذه الدعاوى، لقد تبدل الخطاب حول الطاقة النووية من أنها مصدر أرخص كهرباء إلى أنها الأعلى تكلفة.
تُظهر حسابات "سعر الكهرباء المعدل" العالمية،أن سعر الكهرباء النووي يبلغ ضعف سعر كهرباء دورة الغاز المركبة والخلايا الفوتوفولتية وثلاثة أضعاف طاقة الرياح.
وعلى المستوى المحلي، تفوق تكلفة إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة تكلفة إنشاء محطة غاز طبيعي بنحو 12 ضعفًا، وإنشاء مزرعة رياح بنحو ستة أضعاف، وإنشاء محطة خلايا فوتوفولتية بنحو ثلاثة أضعاف وذلك للحصول على نفس القدر من الكهرباء.
تواجه صناعة الطاقة النووية عالميًّا صعوبات ضخمة في الأسواق، سواء بسبب إفلاس الشركات أو خسارة الأسهم في أسواق الأوراق المالية. لقد أصبح الاستثمار في مجال الطاقة النووية محفوفًا بالمخاطر نظرًا إلى ضخامة رأس المال، وتأخر عمليات الإنشاء وتجاوز الميزانية، وتوفر بدائل أرخص.
وتُستخدم عدة أشكال من الدعم لإخفاء التكاليف الباهظة للطاقة النووية،. ولهذا ترتبط الطاقة النووية بأسواق الكهرباء التي تتحكم فيها الحكومات ولا نجد سجلًّا لبناء محطات نووية في أي دولة تشهد سوقًا تنافسية للكهرباء في العالم. وقد وفر تعديل القوانين والتشريعات المصرية الخاصة بالطاقة النووية الأخيرة عددًا من أشكال الدعم لمحطة الضبعة. يبقى أنه بإضافة التكاليف "غير المباشرة" للطاقة النووية، مثل تكاليف تلوث البيئة والتكاليف الصحية، نجد أن الطاقة النووية هي بالفعل أعلى مصادر توليد الطاقة تكلفةً على الإطلاق.
الطاقة النووية ليست طاقة نظيفة، لكنها تحمل تبعات خطرة على الصحة والبيئة، فكل عنصر من عناصر دائرة إنتاج الوقود النووي يُطلق جزيئات مُشعة وسامة. يؤدي الإشعاع الأيوني إلى كسر روابط الجزيئات ما يتسبب في تفاعلات كيماوية لا يمكن التنبؤ بنتائجها. ويؤدي التعرض المُكثف للإشعاع الأيوني إلى الموت في مدى عدة أيام أو أسابيع، ويؤدي التعرض لنسب منخفضة من الإشعاع -على مدى فترات طويلة- إلى الإصابة بالسرطان. ينتُج عن تشغيل المحطات النووية كميات كبيرة من المواد المشعة، وتسمح القوانين المنظِّمة للأنشطة النووية بإطلاق نسب محددة من المواد المشعة إلى البيئة المحيطة بافتراض أن نسب الإشعاع المنخفضة لا تؤثر في صحة الإنسان، ولكن هذا الفرض غير صحيح.
منذ ثمانينيات القرن العشرين، والسكان الذين يعيشون بالقرب من منشآت نووية يشتكون من تزايد حالات السرطان، خصوصًا بين أطفالهم وقد أكدت العديد من التقارير والأبحاث العلمية هذه الظاهرة، رغم هذا أحجمت بعض الأبحاث عن التأكيد على العلاقة بين زيادة حالات السرطان وإشعاعات المنشآت النووية القريبة بدعوى أن مستويات هذه الإشعاعات منخفضة وغير مؤثرة. لكن في عام 2006 صدر تقرير حاسم عن "لجنة المجلس القومي الأمريكي للبحث عن تأثيرات المستويات المنخفضة من الإشعاعات"، والذي أكد أنه لا يوجد ما يسمى "جرعة آمنة"، مهما كانت ضئيلة، من الإشعاعات الأيونية.
تحتاج محطات الطاقة النووية كميات هائلة من المياه من أجل التبريد. هذه الكميات الضخمة يتم سحبها ثم إعادة تصريفها ساخنة ومحملة بالرواسب في المجاري المائية القريبة، وهو ما يؤثر سلبًا على النظام البيئي وعلى جودة المياه.
منطقة شرق المتوسط، حيث تقع الضبعة، تتميز بأنها واحدة من أكثر المناطق البحرية في العالم مناسبة للسباحة وصيد الأسماك وسوف يؤثر إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة على جودة المياه وعلى تنوع النظام البيئي في المنطقة وعلى أنشطة الصيد والسباحة التي تعتمد عليهما.
بينما تتراكم المخلفات من المفاعلات النووية حول العالم لا تلوح في الأفق حلول للتخلص طويل الأمد منها. تخزن كميات كبيرة من هذه المخلفات بشكل مؤقت في أحواض مياه أو في براميل جافة منتشرة في أنحاء العالم و،بينما يُعتقد أن المستودعات الجيولوجية العميقة هي أكثر طرق تخزين النفايات النووية أمانًا، فلم تقم أي دولة ببناء مثل هذه المستودعات باستثناء فنلندا التي بدأت ببناء مستودع عام 2004.
تعتبر المخلفات النووية من الوقود المستهلك أكثر إشعاعًا بملايين المرات من الوقود "الطازج" لليورانيوم وتبقى كذلك لآلاف السنين، ويُقدر أن كمية المخلفات عالية الإشعاع ستبلغ بحلول 2020 نحو 445 ألف طن.
تشكل النفايات المتراكمة خطرًا وشيكًا يتمثل في إمكانية تسرب المواد المشعة إلى البيئة من جراء سوء التخزين أو الحوادث أو أسباب أخرى، هناك سجل حافل لحالات تم التخلص فيها من مخلفات نووية بطريقة خاطئة أو تفتقر إلى القواعد الصحيحة أو حتى تم إلقاؤها وتركها عرضة للتآكل أو للسرقة، لم يُحظر إلقاء النفايات في المحيطات حتى تسعينيات القرن الماضي، حديثًا اكتشف العلماء وجود نشاط إشعاعي مرتفع في قاع بعض البحار وفي الكائنات البحرية.
إعادة معالجة الوقود المستهلك لا تحل مشكلة المخلفات النووية بل إنها تفاقم من خطر تكاثر الأسلحة النووية.
المفاعلات النووية خطرة بطبيعتها، ففي أي لحظة قد يؤدي مزيج غير متوقع من الإخفاقات التقنية أو الأخطاء البشرية أو الكوارث الطبيعية إلى خروج المفاعل عن السيطرة.
يدعي القائمون على الصناعة النووية أن احتمال وقوع حادث كبير ضعيف جدًا، لكن الواقع مختلف كما أن عبء الحوادث يقاس ليس فقط بمرات تكرارها وإنما كذلك بجسامة عواقبها:
عدد من الجهات البحثية الهامة تقدرا أنه من المتوقع حدوث أربع حوادث خطيرة خلال الخمسين عام القادمة، وأن احتمال تكرار تشيرنوبيل أخر يصل إلى 50% في الأعوام الثلاثين القادمة. على الرغم من عدم وجود سجل تاريخي رسمي وشامل لحوادث الطاقة النووية، فإن عدد الحوادث النووية التي وقعت ليس قليلًا، والقوائم غير الرسمية الموجودة قد وثَّقت أعدادًا كبيرة من أنواعً مختلفة من الحوادث في كافة أنحاء العالم.
آثار الحوادث النووية هائلة، وتبعاتها الصحية تبدأ من حالات الإصابة والوفاة الناجمة عن الانفجار، مرورا بمتلازمة الإشعاع الحاد، حتى الإصابة بالأمراض المزمنة والسرطان والاضطرابات النفسية إضافة إلى تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية. ويقدم هذا الفصل ملخصًا عن خمس حوادث كبرى معروفة في التاريخ
يتراجع استخدام الطاقة النووية على نحوٍ متواصل منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي الوقت الحالي تمثل الطاقة النووية 10.5% فقط من إنتاج الكهرباء في العالم. الطاقة النووية لم تكن يومًا واسعة الانتشار، حيث تستخدمها 31 دولة فقط من دول العالم في توليد الكهرباء، خمسة دول منها تولد 70% من إجمالي الطاقة النووية. في السنوات الأخيرة بدأ عدد من الدول المتقدمة في التخلص تدريجيًّا من المفاعلات النووية ما أدى إلى انتقال السوق النووي إلى الدول النامية. وباستثناء الصين، فهناك عدد قليل من المنشآت الجديدة التي تُشيد في الوقت الراهن، والتوقعات المستقبلية للطاقة النووية في تراجع.
- هناك العديد من الخيارات المتاحة لتلبية احتياجات العالم من الكهرباء أفضل من الطاقة النووية، على رأس هذه الخيارات مصادر الطاقة المتجددة الأبقى والأرخص والأكثر أمانًا واستدامة على البيئة، وفي حين أنه من المتوقع أن تنفد مصادر اليورانيوم والوقود الأحفوري بعد عدة عقود من الزمن، فإن الموارد المتجددة وفيرة ولا تنضب.
- تقود الرياح والخلايا الفوتوفولتية نمو سوق الطاقة المتجددة، في نهاية عام 2017، أصبحت طاقة الرياح تليها الطاقة الشمسية الفوتوفولتية أرخص أنواع الطاقة وأصبحت تتصدر جميع أنواع الطاقة في جذب الاستثمارات، ومن المتوقع تطوير وسائل تخزين فعالة في المستقبل القريب ستتغلب على تفاوت إنتاج الكهرباء من تلك المحطات.
- تتمتع مصر بوفرة في مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأظهر تحليل خارطة الطاقة المتجددة، الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة عام 2018، أن مصر لديها القدرة على توفير 53% من مزيج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وأن هذا يقلل إجمالي تكاليف الطاقة بمقدار 900 مليون دولار سنويًّا