1. مقدمة

تعد مؤسسة التمويل الدولية IFC، عضو مجموعة البنك الدولي، مؤسسة التنمية الكبرى في العالم الذي تركز حصرًا في عمليات القطاع الخاص في البلدان النامية. وهي تمول عملياتها عبر إصدار سندات في أسواق رأس المال الدولية. وتفخر المؤسسة نفسها بتصنيفها الـ AAA الدائم من وكالات التصنيف الائتماني ستاندارد آند بورز 1Standard and Poor’s وموديز Moody’s، وهو ما يمنحها امتياز الوصول إلى أسواق رأس المال التي قد لا تكون متاحة لعملائها.


وعلى الرغم من كونها هيئة تنموية، فإن اعتماد مؤسسة التمويل الدولية على أسواق رأس المال يعني أن لديها الحافز نفسه لتحقيق الأرباح مثلها مثل أي عملية في القطاع الخاص، مع احتمال حدوث تعارض بين أهدافها الإنمائية وأهداف تحقيق الأرباح.2


تعمل المؤسسة الدولية في مصر منذ عام 1995، وقد تعاونت مع عشرات الشركات المختلفة عبر مختلف القطاعات، وذلك في الأساس من خلال الإقراض أو حيازة الأسهم في الشركات المستثمَر فيها، وكذلك توفير الدعم الفني لتلك الشركات. وقد وجدنا من خلال بحثنا أن المؤسسة تستثمر في عمليات ذات صلة عميقة ببعض أكثر الولايات القضائية سرية في العالم، حيث تُحجَب المعلومات حول المالكين المنتفعين لهذه الشركات في كثير من الحالات. واستخدام مثل هذه الولايات القضائية السرية عادة ما يتماشى مع أساليب التخطيط الضريبي المستخدمة في الالتفاف حول القانون (بدون انتهاكه بالضرورة) لتحقيق خفض كبير في الضرائب المستحقة على تلك الشركات وإخفاء هوية مالكي المشروع.


جذبت قضية التجنب الضريبي قدرًا هائلًا من الاهتمام، لا سيما بعد الانهيار الاقتصادي الذي شهده العالم في 2007-2008، ما دفع العديد من الحكومات حول العالم إلى تطبيق برامج تقشف. وهي البرامج التي عمقت في كثير من الحالات الركود الاقتصادي، مكرسة حالة من الدائرة المفرغة ما زال العالم يكافح للخروج منها. وهذا ما جعل الثروات الهائلة المخبأة في الولايات القضائية السرية قضية غاية في الأهمية، ناهيك عن القدر الهائل من الضرائب المفقودة جراء تلك الممارسات وأثرها في الحقوق التنموية والاقتصادية.


في هذا السياق، تسعى بلدان كثيرة، من بينها مصر، إلى سد هذه الثغرات الضريبية لتقليل الأضرار الناجمة عن هذه الممارسات إلى أقل حد ممكن. وبرغم ذلك، ففي كل مرة تسد فيها ثغرة، تظهر أخرى جديدة بفعل طرق المحاسبة "الخلاقة". وعندما تحدثنا مع محامي إحدى الشركات العاملة في عمليات الدمج والاستحواذ، أوضح أن الاتجاه الآن هو التحول من "دول الأوفشور" offshore jurisdictions إلى "دول الاتفاقات الضريبية" treaty jurisdictions، مشيرًا إلى ما حدث من انتقال الكثير من الشركات إلى البلدان التي لديها اتفاقات منع ازدواج ضريبي ملائمة لتقليل الضريبة على الشركة.3 ومن هنا، أصبحت مصطلحات مثل: "تسوق الاتفاقات treaty shopping"، و"دول الاتفاقات treaty jurisdictions" تمثل اتجاهًا جديدًا. وهذا ما يُصعِّب الأمر بعض الشيء، لأن "دول الاتفاقات" ليست واضحة وضوح "دول الأوفشور" التقليدية، وربما تبدو شرعية تمامًا، إذ تعتبر مخاطر السمعة المرتبطة بتأسيس شركة أوفشور في دبي أو هولندا (دول اتفاقات ازدواج ضريبي) أقل كثيرا من المخاطر المرتبطة بذلك في الجزرالعذراء البريطانية British Virgin Islands، أو بنما (دول أوفشور تقليدية).


ونحن نتوقع ويحدونا الأمل أن تكون المنظمات الإنمائية، مثل المؤسسة المالية الدولية، ذراع البنك الدولي المقرِضة للقطاع الخاص، أكثر حساسية لقضايا شفافية الشركات وكفاءتها الضريبية _أو غيابها_ بسبب تأثيرها السلبي في التنمية.


طورت مؤسسة التمويل الدولية سياسات الشفافية لديها في عامي 2012، و2014. فطورت أولًا سياسات الوصول إلى المعلوماتAccess to Information Policy، والتي سنشير إليها من الآن فصاعدًا بـ"سياسة الإفصاح"،4 وثانيًا سياسة "استخدام المراكز الأوفشور المالية في عمليات القطاع الخاص لمجموعة البنك الدولي" Use of Offshore Financial Centers in World Bank Group Private Sector Operations, التي سنصطلح عليها من الآن بـ"سياسة الأوفشور".5 وبرغم ذلك، فإن هذه التحسينات جاءت مخيبة للآمال، ولم تحسن من الأعمال الضارة للشركات. ومثلما سنناقش بالتفصيل خلال هذا التقرير، فقد حددنا ورصدنا حالات كثيرة من التجنب الضريبي الفج من شركات تستثمر فيها مؤسسة التمويل الدولية في مختلف الأوقات وعبر القطاعات المختلفة باستخدام وسائل متنوعة.


في مقابلة مع وليد لبادي، مدير مؤسسة التمويل الدولية في مصر، سأله الفريق البحثي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية عمَّا إذا كانت سياسات الإفصاح قد حسنت من معايير الشفافية فيما يتعلق بالملاذات الضريبية وإذا كانت أثرت في اختيار مؤسسة التمويل الدولية للشركات الممولة عبر القروض و/أو شراء الحصص من عدمه. وجاء رده أن "معظم ما نقوم به في مؤسسة التمويل الدولية هو أننا نستثمر في شركة تدير مشروعًا معينًا ونرصد عن كثب كيف يستخدمون أموالهم ويوزعونها."


وواصل لبادي حديثه قائلًا: "كانت السياسات ناجحة فيما يتعلق بتشجيع البلدان والشركات على المضي قدمًا في الشفافية، وكان ثمة أثر كبير في إطار فرض وإجبار الولايات القضائية التي تعمل كملاذات ضريبية على تحسين الشفافية لديها".


غير أن لبادي لا يعتقد بوجود تغيرات درامية في الطريقة التي تعمل بها مؤسسة التمويل الدولية، وذلك لأن مؤسسات التمويل التنموية، مثل مؤسستنا، كانت فعليًّا متسقة مع هذا النهج في جميع أنحاء العالم. وذكر لبادي أيضًا أن مؤسسة التمويل الدولية لم ترفض قط أي عروض تمويل في مشروع في مصر بسبب وجوده في أي من مراكز السرية المالية.


نظرًا إلى أحجبة السرية التي تميز قضايا التجنب والتهرب الضريبي، فإننا حتمًا سنواجه في هذا البحث كثيرًا من الثغرات. وهذا ما سنناقشه بمزيد من التفصيل في قسم المنهجية (الملحق 1). ورغم ذلك، فإن هذه العيوب لا تأتي نتيجة إهمال أو كسل من جانب الباحثين، وإنما لعدم توافر المعلومات والبيانات الرئيسة اللازمة لتشكيل صورة أقرب إلى الواقع قدر الإمكان.


ومن ثم يعتبر التحرك العاجل لعلاج هذا القصور ضرورة ملحة، إذ إن مؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية ومجموعة البنك الدولي تمتلك نفوذًا كبيرًا وتتمتع بوضع جيد يؤهلها لإدارة قضية الشفافية في القطاع الخاص. وسوف نوضح بالتفصيل أوجه القصور في النتائج التي توصلنا إليها، لكن أي خلل في نتائج البحث كنتيجة لغياب المعلومات سوف يجعل تقديراتنا محافظة، إذ من واقع وعينا بالتحديات المنهجية التي تواجهنا، كان فريق البحث أينما واجه خيارًا، يميل دومًا إلى التقديرات الأكثر محافظة، تجنبًا للاتهامات التقليدية بالمغالاة أو المبالغة.

1 شركة خدمات مالية مقرها الولايات المتحدة. وهي فرع لشركات مكجرو هيل التي تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات. وهي واحدة من وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى، إلى جانب وكالة موديز Moody's ووكالة فيتش Fitch Ratings. [المترجم].

2http://www.ifc.org/wps/wcm/connect/corp_ext_content/ifc_external_corporate_site/about+ifc_new/ifc+governance/funding/ourfunding.

3 Baker, 2013. Improper Use of Tax Treaties, Tax Avoidance and Tax Evasion. United Nations. http://www. un.org/esa/ffd/tax/2013TMTTAN/Paper9A_Baker.pdf.

4http://www.ifc.org/wps/wcm/connect/98d8ae004997936f9b7bffb2b4b33c15/IFCP....

5https://www.ifc.org/wps/wcm/connect/67e4480044930e24a2f7aec66d9c728b/Off....