
تعديلات الحكومة لقانون التعليم تكرِّس التفاوت الاجتماعي وتزيد الأعباء على الأسر
بيان صحفي
تعارض المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مشروع تعديل قانون التعليم الذي أحيل إلى البرلمان قبل أيام فقط من انتهاء دور الانعقاد الحالي، دون حوار مجتمعي جاد أو دراسة لتداعياته على ملايين الأسر المصرية. وتعتبر المبادرة أن التعديلات تكرِّس للامساواة والتمييز الطبقي وتزيد الأعباء على كاهل الأسر، وهي عوامل تهدر أهداف ورسالة التعليم التي ضمنها الدستور المصري، وأكدت الحكومة نفسها عليها في الاستراتيجية الوطنية للتعليم والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
ويتضمن مشروع قانون التعليم المقدم مجلس النواب تعديل 17 مادة وإدخال عدة نصوص جديدة على القانون، في مقدمتها زيادة فترة التعليم الإلزامي وتمديدها للمرحلة الدستورية إلتزامًا بالنص الدستوري في المادة 19 التي تنص على أن "التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون". بالإضافة إلى التأكيد على تدريس مواد اللغة العربية والتاريخ الوطني في جميع المدارس. لكن باقي التعديلات تثير العديد من التساؤلات فيما يخص توسيع فجوة اللامساواة في تقديم الخدمة التعليمية، والاتجاه المتنامي نحو الخصخصة للعملية التعليمية.
أولًا، نصت المادة 9 على أنه " لوزير التربية والتعليم والتعليم الفني بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي أن يقرر إنشاء مدارس تجريبية أو برامج متخصصة داخل المدارس الرسمية والترخيص بها في المدارس الخاصة […]. وتتخذ هذه المدارس أو البرامج مجالا لتطبيق التجارب التعليمية الجديدة تمهيدا لتعميمها". ويفتح هذا التعديل الوارد في المادة الباب أمام وجود برامج وأنظمة تعليمية أخرى مع الأخذ في الاعتبار أن مصر لديها بالفعل العديد من الأنظمة التعليمية المختلفة - إنجليزي، فرنساوي، أمريكي، التجريبي، الخاص … الخ - مما يعزز عدم المساواة في تقديم الخدمة التعليمية للطلاب. ويؤدي هذا التمييز إلى اختلاف في جودة الخدمة التعليمية، ومن ثمَّ تعميق التفاوت بين الطلاب، بعكس ما ينص عليه الدستور بتوفير التعليم وفقا لمعايير الجودة العالمية دون تمييز.
كذلك فإن وجود مصاريف إضافية للتسجيل ومصاريف أخرى لإعادة الامتحانات في ظل وجود نسب عالية من الفقر بين المصريين يجعل هذه البرامج منحصرة في فئات معينة قادرة على تحمل هذه التكاليف، وهو ما من شأنه أن يزيد فجوة عدم المساواة بين الطلاب القادرين على تحمل التكاليف والطلاب غير القادرين ماديا، وهو ما يحد من تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة بين الطلاب. يضاف إلى ذلك أن الأسر تتحمل بالفعل تكاليف متعددة منها مصاريف التنقل والكتب والدروس الخصوصية، وهو ما يزيد من الأعباء والفروق بين الطلاب.
ووفقًا لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نصيب العُشر الأعلى من الطلبة في الأسر الأعلى دخلا من الإنفاق على التعليم بلغ في 2019-2020 أكثر من 22 ضعف نصيب العُشر الأقل من حيث الدخل والإنفاق. وهكذا فإن تقديم برامج تعليمية جديدة بمقابل مادي دون مراعاة الضمان الدستوري لمجانية التعليم في كافة المراحل التعليمية، وبما يمثله ذلك من مزيد من الخصخصة للمنظومة التعليمية؛ يهدد بمفاقمة هذا الوضع السيء بالفعل.
ثانيا: نص التعديل الوارد في المادة (6) من مشروع القانون، على رفع الحد الأدني للنجاح بمادة التربية الدينية ليصبح 70%، بعد أن كان 50% في القانون الحالي. ويُخالف ذلك التعديل أهداف التعليم الواردة في المادة 19 من الدستور؛ وهي إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، حيثُ يُعطي وزنًا نسبيًا أكبر لمادة التربية الدينية، التي تمثل طريقة تدريسها في المدارس نموذجًا صارخًا للتمييز والفرز الطائفي.
وتأتي زيادة الوزن النسبي للتربية الدينية بينما تعاني المدارس من عجز شديد في أعداد المعلمين، لا يوفر عددًا كافيًا لتدريس التربية الدينية كما يظهر في شكوى محافظة القليوبية مثلًا، من تخطي مدرسي اللغة العربية نصابهم القانوني من الحصص دون أجر، حيثُ لا يُصرَف أجرٌ لحصة التربية الدينية التي يدرسونها، بينما تعجز بعض المدارس عن توفير مدرسين للتربية الدينية المسيحية من الأساس. إذ لا يوجد مدرسون مخصصون للتربية الدينية المسيحية، ويقوم بتدريسها مدرسو المواد الدراسية الأخرى، كما لا يوجد بكليات التربية قسم لإعداد معلم التربية الدينية المسيحية. إضافةً لإجبار الطلاب المسيحيين في حالات متكررة على مغادرة فصولهم إلى فناء المدرسة غير المهيأ للتدريس، بحجة عدم وجود أماكن بديلة.
كما أن هذا التعديل قد يزيد من الأعباء المالية على كاهل الأسر، حيث ستؤدي هذه الخطوة في الأغلب إلى خلق سوق جديدة للدروس الخصوصية في مادة التربية الدينية، وفي المقابل قد تخلق عملية شكلية، من خلال التساهل في وضع الأسئلة ومنح الدرجات، لتحقيق النسبة المطلوبة.
وفي هذا الصدد، يمكن الاستفادة بمبادئ توليدو التوجيهية بشأن تدريس الأديان والمعتقدات في المدارس العامة كأساس معياري. وتنص المبادئ على ضرورة أن يُقدم تعليم الأديان والمعتقدات في المدارس العامة بطرق عادلة ومحايدة وموضوعية وقائمة على أسس علمية سليمة، وأن يتعلم الطلاب في بيئة تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والقيم المدنية، ومما يُسهم في الإعلاء من شأن المساواة وعدم التمييز والتعددية الدينية.
ثالثًا، أُضيف للمادة 18 أنه " يجوز أن يخصص لأعمال السنة نسبة مئوية لا تتجاوز 20٪ من المجموع الكلي لطلاب مرحلة التعليم الأساسي وتحسب باقي النسبة لدرجات امتحان يعقد من دورين على مستوى المحافظة….". ومن حيث المبدأ قد لا تكون المادة إشكالية لكن وضع خمس الدرجة النهائية في يد المعلم قد يفتح الباب لاستخدامها ضد الطلاب بشكل غير منصف، خاصةً في غياب معايير موحدة وفي ظل انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، مما يؤدي إلى ربط الحصول على الدرجات بالعلاقة خارج أطر المدرسة وليس بالأداء الدراسي الفعلي للطلاب.
رابعًا: جاء في التعديل رقم 24 أنه "يصدر وزير التربية والتعليم والتعليم الفني قرارًا منظما لإعادة الدراسة لمن رسب فيها، ويشمل ذلك الصفوف والمواد المسموح بالاعادة فيها وعدد مرات الإعادة بما لا يقل عن مرة في الصف (السنة الدراسية)، ومرتين في المرحلة (ابتدائية، إعدادية…) ومواعيد تلك الامتحانات ورسوم التقدم لها، والتي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألفي جنيه"، بينما كانت الرسوم في النص القديم لا تقل عن 10 جنيهات ولا تزيد عن 20 جنيها. وتغفل الوزارة، التي تتعلل بضآلة المبلغ، أن أكثر من ثلث المصريين يعانون من الفقر والفقر المدقع، مما لا يسمح للطلاب الأفقر بفرص متساوية لمحاولة التحسين، بالاضافة أن هذا يتعارض مع مبدأ مجانية التعليم التي ذكرها وأكَّد عليها الدستور.
التعليم حق مكتسب، وتكفله الدساتير المصرية المتعاقبة، ويؤكد الدستور الساري على مجانيِّته في جميع المراحل، وأن الدولة ملزمة بتقدمه لجميع الأفراد بجودة عالية، بالاضافة إلى تخصيص نسبة 4% من الناتج القومي الإجمالي للتعليم قبل الجامعي و2% منه للتعليم الجامعي. مع ذلك، فإن الدولة لم تلتزم بتلك النسب إلى هذه اللحظة. بما يضعنا أمام أزمة حقيقية تهدد أية محاولة جادة لتطوير المنظومة التعليمية، التي تعاني من نقص فادح في المدارس والمعلمين، ومن كثافات طلابية مرتفعة.
ولا يهدف التعليم فقط إلى التأهيل لسوق العمل كما ورد في مشروع القانون، ولكنه يجب أن يساعد الطلاب على تطوير التفكير النقدي و"تأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار" وفقًا للدستور المصري. كما تؤكد المبادرة على أنه لا يمكن إغفال أهمية تطوير المعلمين ورفع مستوى معيشتهم لضمان قدرتهم على أداء مهامهم بكفاءة وفعالية عالية، وشرح المناهج التعليمية بصورة تساهم في تحسين العملية التعليمية.