يبلغ عدد رجال الأعمال فى مجلس النوب الحالى، حوالى 103 (عددهم أكبر قليلا من أيام مبارك وابنه)، وانتخب الشعب خمسين ضابط شرطة سابقا (الأكبر فى التاريخ). أما ضباط الجيش السابقون، فلا يتعدون العشرين. أى أنه على عكس الشائع، الغلبة لرجال الأعمال (بحكم العدد وبحكم أهمية المواقع ونوعية القوانين الصادرة عن البرلمان). تشكل تلك المهن معا ثلث أعضاء البرلمان، انضم معظمهم وأبرزهم إلى تكتل دعم مصر.
إجمالا، وصل حجم الدين الخارجي إلى 79 مليار دولار، يضاف إليه 18 مليار دين خارجي متخفٍ في صورة دين محلي. حيث أقبل الأجانب على شراء أوراق الدين المحلي قصيرة الأجل، بعد أن رفع البنك المركزي سعر الفائدة إلى أكثر من 18٪ بالتزامن مع التعويم، مع إعفائهم من الضرائب التي تفرضها الدول الرأسمالية والناشئة على خروج الأموال الساخنة (الأموال التي تدخل البلد لتحقق عائدا - ضمن الأعلى في العالم- عن طريق شراء أسهم أو أوراق دين حكومي وتخرج سريعا باحثة عن مصدر جديد للربح السريع، بدون تحقيق تنمية أو خلق وظائف).
يقصر حديثنا هنا عن الضرائب التصاعدية كبديل لسياسة الحد الأقصى للدخل، والذى أكاد أجزم أنه غير موجود فى أى من الدول الديمقراطية ذات جهاز حكومى على مستوى مرتفع من النزاهة.
وهنا معضلة. فى عهد ليس ببعيد، كانت الضرائب التصاعدية فى نظام لا يقوم على المشاركة السياسية فى اتخاذ القرار، ولا يتمتع بمستوى عال من النزاهة. والنتيجة القابلة للتكرار فى كل زمان ومكان، إما سوف تعنى مستوى أعلى من التهرب الضريبى، وإما مزيدا من الأموال فى يد حكومة لا توجهها إلى الإنفاق الاجتماعى.
لو كان الموقع الالكتروني دليلا على الكفاءة في الإدارة، لما وجدنا أسوأ من هيئة سكك حديد مصر إدارةً. ولكن في حين أن كفاءة الإدارة أشمل وأعقد، فإن الموقع هو بالتأكيد إشارة على عدم استيعاب التطور المعلوماتي في القرن الواحد والعشرين، ولا درجة الإلمام بطبيعة العملاء الذين يحتاجون للموقع، ولا إدراك لكيفية تلبية تلك الاحتياجات بما يعظم إيرادات الهيئة.وإذا البغيض يبرز بنقيضه، فليكن موقع هيئة اقتصادية عامة شقيقة، هي هيئة قناة السويس، مثالا على إتاحة وجودة المعلومات على موقعها. ولكن ما أبعد هيئة السكك الحديدية عن ذلك.
فى بدايات القرن العشرين، ظهر الجيل الأول من الدعم، وهو الدعم التموينى، أى توفير أهم السلع الغذائية إلى كل المواطنين (انتشر أيام الحروب العالمية). وتوالت بعد ذلك ــ مع ميلاد دول الرفاه الرأسمالية ــ أنواع الدعم بأشكال لا نطبقها فى الدول النامية، ولكن انتشر الدعم التموينى بعد ذلك فى الدول الأقل دخلا، خاصة لدى المواطنين فى المدن. حيث شهدت هجرات من الريف إلى المدن، تاركة الزراعة لتلحق كعمال بالمصانع المنشأة حديثا. ثم كان الدعم النقدى المشروط هو الجيل الثانى من الدعم، ظهر فى الثمانينيات من القرن العشرين فى أمريكا اللاتينية. حين عرفت القرى البطالة والفقر والجوع، بعد إهمال السياسات الزراعية العادلة، وسيادة الزراعة من قبل الشركات العالمية العملاقة. وهو يوفر دخلا نقديا شهريا للأسرة، بشرط ذهاب الأبناء إلى المدرسة، وإلى الفحص الطبى بشكل منتظم.
يجد المسافر إلى الساحل الشمالي أول خط للفصل الطبقي حالما يشرع في الطريق. الطريق الواسع الحر الحديث المليء بالخدمات الذي يربط العاصمة بأحد أهم مصايف علية القوم. لن يعلم المسافر الذي يجري على سرعة ١٢٠ كم في الساعة بفضل الطريق الجديدة، أنه حين يقضي حاجته في أحد الاستراحات الراقية على جانبي الطريق، فإنه يصب في تلويث ترعة الصرف الصحي المكشوفة في مدينة صغيرة اسمها وادي النطرون، يقطنها عشرات الآلاف من المصريين، يشكون من ارتفاع نسب أمراض الإسهال القاتل للأطفال، والسرطان والكلى، بسبب عدم اتصالها بشبكة الصرف الصحي.
هناك مكسب إضافى من الدعم التبادلى، وهو ترشيد الاستهلاك. حيث من المعروف أن الأكثر غنى هم الأكثر استهلاكا للطاقة، مثلا هناك أكثر من سيارة فى الأسرة الواحدة، أو أكثر من جهاز تكييف. وقد يؤدى رفع أسعار الطاقة إلى تحجيم هذا الاستهلاك. بلغة الاقتصاد، يعتبر الدعم التبادلى خيارا كفؤا وعادلا فى نفس الوقت. للعلم كان هذا النظام معمولا به فى مصر فى تسعير الكهرباء فى مطلع القرن الواحد والعشرين. وأثنى عليه البنك الدولى آنذاك.
يقفز أحمد فهمى من المرآة ليطبل لإنجازات الحكومة ويبشر بمستقبل خرافى قريب المنال مقدما معلومات كلها خاطئة، كى يقنع بها أحمد فهمى الذى يشكو واقعا صادقا من سوء نوعية الحياة التى تحيط بالمصريين.
- فكرة ذكية وحوار خفيف الظل.
حوار يجعلك تبتلع أنه يساوى بين من يكذب (المطبلاتى) ومن يصف جانبا من الواقع (المقللاتى). وكأنهما على نفس المنزلة من الخطأ.
هو سائق توكتوك فى منتصف الثلاثينيات. يعمل من العاشرة صباحا حتى التاسعة مساءً، سبعة أيام فى الأسبوع، على العربة الصغيرة التى اشتراها منذ ثمانى سنوات. اشتراها بالتقسيط حين أعطاه أبوه نصيبه من مكافأة المعاش التى حصل عليها. حين تتعطل العربة، كما حدث كثيرا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان يضطر إلى قضاء أيام بالبيت حتى يصلحها. ويعنى هذا أن أسرته لا تجد ما تأكله، إلا من فضل العائلة الممتدة والجيران. لذا فهو عليه أن يعمل باليومية فى أحد مواقع البناء التى أخذت فى الانتشار على الأراضى الزراعية من حوله.
هل أسعدك الحظ ومرضت يوما فى دولة من دول العالم الأول؟ ستذهب للطوارئ فى أى مستشفى، ليفحصك الطبيب. لن يسألك عن تأمين أو فيزيتا حتى لو كنت سائحا أو مهاجرا بدون ورق رسمى. أنت مريض، وهو طبيب يمنحك من جهده وتعاطفه ويمدك بالدواء المجانى كى تشفى، حتى تشفى. هذا هو التأمين الصحى الشامل كما تعرفه جميع الدول المتقدمة والناشئة. فى مصر، هناك 600 مستشفى عام فى مقابل 2000 خاص، كما أن هناك 20 ألف عيادة خاصة فى مقابل 5000 وحدة حكومية. هذا النقص المتزايد من قبل القطاع الحكومى فى البنية التحتية الصحية وفى إتاحة الخدمة قد أدى إلى أن المصريين يضطرون إلى دفع 70% من الإنفاق على الصحة من جيوبهم (من أعلى المعدلات فى العالم). وهكذا، عزف الفقراء عن العلاج، إلا حين يهدد المرض الحياة، فتكون أزمة اقتصادية لعائلة المريض، كما يحمل الدولة عبئا أكبر لعلاجه، مما لو كان قد تلقى العلاج مبكرا.