أسئلة وأجوبة عن رفع أسعار الوقود والكهرباء

9 يوليو 2017


قولا واحدا. من وجهة نظر اقتصادية محايدة كان من الممكن أن تتفادى الحكومة هذه الزيادة الأخيرة فى أسعار الطاقة التى فرضتها على المواطنين. ولعل فى الإجابة على الأسئلة التالية ما يقنعكم ــ مثلى ــ بهذا الرأى.
 

 هل الزيادة التى فرضتها الحكومة عادلة؟

بمعنى هل كان يمكن أن تقوم الحكومة بنفس الإجراءات ولكن بنسب تصاعدية؟ بحيث تتحمل الفئات الأغنى نصيبا أكبر فى زيادة الأسعار بدلا عن الفئات الأفقر؟ نعم.

هناك فى السياسة الاقتصادية ما يسمى بالدعم التبادلى. أى أن يتحمل المستهلكون الأعلى دخلا ثمنا أعلى من التكلفة، وتستخدم الحكومة هذا الفرق فى دعم المواطنين الأقل دخلا. ويتميز هذا النظام بأنه لا يحمل الموازنة العامة أى عبء. مثلا: أن يتم بيع بنزين 95 بثمن أعلى من تكلفته لتحقيق فوائض لدى الحكومة تدعم بها بنزين 80. أو أن يتم بيع أنابيب البوتاجاز والغاز الطبيعى إلى المطاعم الفاخرة بأسعار تفوق التكلفة كى تدعم بها أنبوبة البوتاجاز التى تباع إلى المواطنين.

هناك مكسب إضافى من الدعم التبادلى، وهو ترشيد الاستهلاك. حيث من المعروف أن الأكثر غنى هم الأكثر استهلاكا للطاقة، مثلا هناك أكثر من سيارة فى الأسرة الواحدة، أو أكثر من جهاز تكييف. وقد يؤدى رفع أسعار الطاقة إلى تحجيم هذا الاستهلاك. بلغة الاقتصاد، يعتبر الدعم التبادلى خيارا كفؤا وعادلا فى نفس الوقت.
للعلم كان هذا النظام معمولا به فى مصر فى تسعير الكهرباء فى مطلع القرن الواحد والعشرين. وأثنى عليه البنك الدولى آنذاك.

لكن، لسبب ما فضلت الحكومة أن تكون الزيادة غير عادلة. فقد كانت الزيادات فى بعض أنواع المحروقات موحدة (مثل أنبوبة البوتاجاز) وأحيانا رجعية، أى بنسب أعلى على ما يستهلكه المحتاجون، مثل بنزين 80 مقارنة ببنزين 95، وأيضا فى حالة الكهرباء.

هل تكفى حزمة الإنفاق الاجتماعى لتعويض المواطنين؟

«هم ناويين يعملوا فينا إيه؟» كان هذا التساؤل هو أول ردة فعل من أحد المنتفعات بزيادة مخصصات الدعم التموينى. أدركت السيدة بحس غريزى، ناتج ربما عن خبرات متراكمة من عدم الثقة فى الحكومات المتعاقبة أن ما يمنح باليمين سوف يؤخذ بالشمال. تذكرتها بعدها بأسبوع حين رفعت الحكومة أسعار الطاقة.

للحق، كانت الحزمة الاجتماعية خطوة استباقية ذكية، وبلغ حجمها من الكبر بحيث يسمح بامتصاص رد الفعل الغاضب الأولى الناتج عن زيادة أسعار الطاقة. ولكن.

يبقى التخوف من الغضب الاجتماعى قائما.. لأن حزمة الإجراءات الاجتماعية هى كما يشير صندوق النقد أقل من حجم الضرر. والمبرر هو أن الغرض من زيادة أسعار الطاقة هو تخفيض عجز الموازنة. ولهذا بالتعريف، فالمحصلة النهائية بعد الحزمة هى خفض العجز. غضب اليوم المكتوم هو ناتج عن توقع فى ارتفاع جديد فى الأسعار. فماذا بعد أن يذوقوا تلك الارتفاعات؟ ماذا بعد أن يدفعوا فاتورة كهرباء واتصالات أعلى؟ ماذا بعد أن تصل الارتفاعات إلى ملابس وأحذية ومصاريف المدارس وباصاتها؟

الحزمة الاجتماعية بلغة الأرقام والحسابات لا تكفى لتعويض الضرر. فهل تكفى لاحتواء الغضب؟

هل الإجراء ضرورى ولا مفر منه؟

تبرر الحكومة فعلتها بأن هذا الإجراء لا مفر منه بعد أن تضخمت فاتورة الدعم الموجه إلى الطاقة. حيث تخصص الحكومة هذا العام ــ بعد ثلاثة ارتفاعات فى أسعار الطاقة مائة مليار جنيه. يعادل هذ المبلغ المطلوب للالتزام بالحد الأدنى الدستورى للإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين، كى تستطيع الحكومة تحسين نوعية التعليم فى مدارسها وجامعاتها، وكذلك نوعية الخدمة العلاجية التى تقدمها للمواطنين. فمن هم أولئك الذين فضلتهم الحكومة على أبنائها فى التعليم، وأبنائها من المرضى؟

هذا هو العام الرابع لخطة رفع أسعار الطاقة ــ محروقات وكهرباء ــ ذاق المواطنون فيها المر فى شكل ارتفاعات متتالية فى أسعار كل السلع والخدمات جراء هذه الارتفاعات. ولكن ظلت فاتورة دعم الطاقة عصية على الانخفاض.

توضح دراسة قام بها أحد باحثى البنك الدولى فى عام ٢٠١٤ أن القطاع العائلى ــ أى المواطنين الأفراد ــ لا يستفيدون سوى بخمس مبلغ الدعم الذى تنفقه الحكومة على المحروقات والكهرباء. بينما الأربعة أخماس الأخرى ــ أى ثمانين مليار جنيه هذا العام ــ تذهب إلى مجموعة من المحظوظين الخفيين.

على سبيل المثال، أكبر مستهلكى السولار، أو العملاء الكبار، كما يسمونهم فى أروقة الحكومة، هم شركات كبرى تملك أساطيل من الاتوبيسات السياحية، وشركتان عالميتان تسيطران على ميناءين مهمين وحفنة من المصانع. لسبب لم تشرحه لنا الحكومة، لا نفهم لماذا قررت أن تبقى أسعار الوقود لهؤلاء ثابتا، فى كل مرة قررت أن ترفعه على الميكروباصات الخاصة بنقل المواطنين، والذى لا يستهلك سوى القليل من دعم الحكومة.

أى أن المصريين الفقراء جدا يدعمون من جيوبهم مصانع عالمية بل وأغنى أغنياء أوروبا والخليج. وهم ما زالوا يحصلون على الدعم الخفى السخى حتى اليوم.

ولسبب ما لا توضح البيانات الرسمية أنهم يحظون بهذا الدعم السخى من موازنة الدولة.

لعل الإجراء السليم كان أن تعلن الحكومة عن حجم الدعم الذى يتلقاه المنتجون قطاعا بقطاع، كما تقتضى أصول الشفافية، ويصحب ذلك نقاشا عاما حول القطاعات الأولى بالدعم، من أجل أهداف تنموية وصناعية، ثم تحديد حجم الدعم الذى ينبغى أن تحصل عليه تلك القطاعات، بما يتناسب مع حجمها وأدائها.

عندها، أغلب الظن أننا كنا سنخفض فاتورة دعم الطاقة بدون أن نكبد المستهلكين الأفراد ارتفاعات كبيرة فى الأسعار.

الخلاصة أن أى عاقل رشيد يعمل وفقا لمبادئ الاقتصاد النيو ــ كلاسيكى ــ كان سيسعى لتقليص الدعم الموجه إلى تلك القطاعات (الجزء الأعظم من دعم الطاقة) بدلا من الطاقة التى يستهلكها القطاع العائلى.

ماذا أوصلنا إلى هذه النقطة؟

حين كان يحصل مصنع حديد الدخيلة بأسعار مخفضة للطاقة قبل الخصخصة، كان ذلك مبررا ــ إلى حد ما، لأنه يبيع بالسعر الذى تفرضه الحكومة. أما حين انتقل المصنع إلى أحمد عز، وصار هو المتحكم فى أسعار الحديد فى البلاد، طولها وعرضها، فقد انتفى الغرض من هذا الدعم. ولكن ما زال أحمد عز من كبار المنتفعين بهذا الدعم حتى يومنا هذا.

مازالت شركات المشروبات الغازية العالمية تشترى زجاجات من مصانع تحصل على طاقة مدعمة. وكذلك شركات الموانئ وشركات السياحة (المملوكة ــ أو كانت مملوكة ــ لوزراء السياحة والنقل والإسكان والمرافق فى عهد جمال مبارك) أيضا من كبار المنتفعين. وكذلك مصانع أنشأها أو اشتراها من الحكومة أخو وزير الصحة فى نفس العهد. وتنتفع أيضا من الدعم مصانع الكويز التى تستورد مستلزمات إنتاج من إسرائيل ومصانع مواد البناء وغيرها، أشارت إليهم دراسة صادرة عن البنك الدولى.

هكذا بدأت الحكومة منذ عشرين سنة فى توجيه دعم، تزايد عاما بعد عام، إلى حفنة قليلة من أصحاب الأعمال، بسبب مواقعهم فى الحزب الوطنى، وعلاقتهم برئيس الدولة وأصدقائه وابنه وأصدقائه.

كانت الخطة التى وضعتها الحكومة فى عام ٢٠١٤ فرصة ممتازة للقطيعة مع هذا النمط الفاسد منطقه من إهدار الدعم على غير مستحقيه.

وبالفعل، بدأت بداية خجولة، برفع سعر الغاز الطبيعى لبعض المصانع. ولكنها توقفت عن المواصلة. (وهناك أيضا خطوة صغيرة مماثلة اتخذت هذه المرة فى سعر السولار الموجه إلى مصانع الأسمنت). وهى خطوات صغيرة فى الاتجاه الصحيح.

ولكننا لم نفهم لماذا الغاز الطبيعى بالذات، (أو مصانع الأسمنت بالذات) ولم نفهم لماذا توقفت الحكومة عند هذا القدر. كما لم نعرف إذا كانت تلك المصانع قد التزمت بسداد الأسعار الجديدة أم لا (فقد سبق واضطلعت منذ ثلاثة أعوام على وثيقة رسمية تفيد بأن بعض المصانع لم يلتزم بسداد فواتير الغاز للحكومة).

والأهم لم نعرف من البيانات الرسمية المنشورة أثر هذا الرفع على تخفيض فاتورة الدعم.

بلغة الاقتصاد، لقد أدت سنوات من الوقود الرخيص إلى تلك القطاعات إلى تشوه نمط تخصيص هذا المورد الناضب، بل وإلى استنزافه بحيث تحولت مصر فى سنوات قليلة من مصدر صافى للنفط إلى مستورد صافٍ.

فالحكومات المتعاقبة قد أعطت إشارات خاطئة لهؤلاء المنتجين، عن طريق تسعير الوقود بأقل من تكلفته. فقاموا بالتوسع فى صناعات كثيفة الطاقة لم تكن فى معظمها هى الأفضل لمصر، لا تنمويا ولا بيئيا، على حساب قطاعات أخرى أولى بالدعم. وأدى ذلك فوق البيعة إلى استنزاف سريع لموارد الطاقة التى تنتجها مصر، مما أثقلها بفاتورة واردات لم تكن تتحملها منذ عشر سنوات.

أوصلنا إذن إلى هذا الوضع سنوات وسنوات من اختلاط مصالح اقتصادية ضيقة بالنفوذ السياسى. ولا نجد من الدلائل ما يمكننا أن نقول إن تلك الأمور قد أصبحت من الماضى. كما أوصلنا انعدام الشفافية، فغابت قدرتنا على محاسبة الحكومة بشكل علمى قائم على تحليل البيانات.

ما هو دور الصندوق؟

جاء الصندوق ليقرضنا ووضع شرطا واحدا، لم تكن الحكومة تنتوى أن تنفذه، لولا الحوجة.

هو شرط خفض سعر الجنيه أمام الدولار. هو شرط يعنى أننا صرنا ندفع ضعف المبلغ المطلوب كل عام لسداد فاتورة وارداتنا من الطاقة. وهو ما أعادنا إلى النقطة صفر.

هكذا حملت الحكومة المواطن ما لا طاقة به طوال أربع سنوات، وجاءت الرياح بما تشتهيه السفن، فانخفض سعر البترول العالمى، وأدى هذا وذاك إلى أن تنخفض فاتورة دعم الطاقة إلى الثلث، أى إلى ٣٥ مليار جنيه فقط بدلا من مائة مليار جنيه فى بداية خطة رفع أسعار الطاقة. حتى جاء التعويم ــ وارتفاع طفيف فى أسعار البترول ــ كى تعود فاتورة الدعم إلى نفس هذا المبلغ الضخم. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت. ذهبت تضحيات المواطنين طوال أربع سنوات هباء.

لكل ما سبق أحاجج بأن قرار رفع أسعار الطاقة على المواطنين كان قرارا غير رشيد اقتصاديا، وغير عادل اجتماعيا، وكان يجب استبداله برفع أسعار الطاقة على الشركات التى لا تحتاجه.

وأخيرا، لعل هذا الوضع المأزوم وهذا الغضب المكتوم يرغمان الحكومة على إعادة النظر فى سياسة الدعم الذى توجهه إلى الشركات المحظوظة، مصرية كانت أم خليجية أم غربية.

تم نشر هذا المقال عبر منصة الشروق الإلكترونية بتاريخ 7 يوليو 2017