في جميع المصادمات التي وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، بررت قوات الأمن – سواء من الشرطة أو الجيش – قتل وإصابة المتظاهرين بأعذار من نوعية: أن المتظاهرين هم من بدءوا بالعنف، أو أن قوات الأمن استخدمت الوسائل المشروعة فقط للدفاع عن الممتلكات العامة أو للدفاع عن النفس، أو أن القتل لم يرتكب بيد قوات الأمن وإنما بيد طرف ثالث. إلى يومنا هذا لم يحاسب أي ضابط شرطة أو جيش على قتل المتظاهرين أو إصابتهم منذ فبراير الماضي، ورغم أن السلطات أعلنت فتح عدد من التحقيقات إلا أن نتائجها – في حال كانت أجريت فعلا – لم تعلن.

هذا وقد جمعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – وستظل تجمع – دلائل لإثبات أن أعذار قوات الأمن وحججها ما هي إلا تحريف للحقيقة يعكس إصراراً على عدم إدانة أي اعتداء يتم على أيديها. ورغم ذلك، تؤكد المبادرة المصرية أنه حتى في حال كانت ادعاءات قوات الأمن عن الأحداث صحيحة تماما، فإن نوع القوة المستخدم وكذلك فداحة هذه القوة غير قانونيين بالمرة ويمثلان جرائم جنائية بموجب القانون المصري والدولي. ينطبق هذا الطرح على أحداث مجلس الشعب خلال شهر ديسمبر الجاري والتي نتج عنها حتى الآن 17 قتيلا، وكذلك مصادمات شارع محمد محمود في نوفمبر الماضي والتي أفضت إلى 45 قتيلا، ومجزرة ماسبيرو في أكتوبر المنصرم والتي أفضت إلى 28 قتيلا، وغيرها من الأحداث السابقة.

تستعرض هذه المذكرة فيما يلي ملخصا للمعايير الدولية المنطبقة على حالات التعامل مع المظاهرات والاضطرابات العامة، حيث تورد الظروف التي يسمح فيها لقوات الأمن بالاستخدام المشروع للقوة أو الأسلحة النارية والظروف التي يعد فيها استخدام القوة غير قانوني ويمثل بالتالي جرائم جنائية.

التعامل مع المظاهرات والاضطرابات العامة

يخضع حفظ الأمن أثناء المظاهرات أو الاضطرابات العامة إلى حد أدنى من المعايير المتفق عليها دوليا، وتنطبق هذه القواعد على قوات الشرطة والقوات المسلحة التي تقوم بعمل الشرطة، ويشتمل عدد من الصكوك الدولية على هذه المبادئ ومنها: "مبادئ الأمم المتحدة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون"1 و"مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون"2 الصادر عن الأمم المتحدة.

ومن الجدير بالذكر أن الظروف الاستثنائية كالقلاقل السياسية الداخلية أو أي طوارئ عامة أخرى لا يمكن استخدامها كمبرر لمخالفة هذه المبادئ الرئيسية.3 

المبادئ الرئيسية

تمثل المبادئ الواردة أدناه الأسس الحاكمة لعمل قوات الأمن في حفظ الأمن أثناء المظاهرات والاضطرابات العامة، ودور المؤسسات الأمنية هو تأمين المظاهرات سواء كانت مخططا لها أو وليدة اللحظة، وتأمين حقوق المشاركين وغير المشاركين بها وذلك من خلال المبادئ الآتية:

1- دور المؤسسات الأمنية هو حماية حقوق المواطنين في الحياة والحرية والأمن،4  لذا فإن أي فعل لهذه المؤسسات الأمنية يجب أن يهدف إلى ضمان السلامة العامة، ومنع الاضطرابات والجريمة وحماية حقوق الآخرين.5

2- حق التجمع السلمي والتظاهر مكفول.6

3- للمسئولين عن إنفاذ القانون استخدام القوة في حالات الضرورة القصوى فقط وللحد الذي يمكنهم من أداء وظيفتهم7، وبالتالي فإن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب قوات الأمن يجب أن يكون:

• متناسبا مع الهدف المشروع المراد تحقيقه ومع خطورة الجريمة.
• قانونيا: أي يجب أن يكون هذا الاستخدام متوافقا مع القوانين المحلية والمبادئ الدولية.
• ضروريا: بمعنى أن القوة والأسلحة النارية لا تستخدم إلا في الحالات التي تصبح فيها جميع الوسائل الأخرى غير فعالة ولن تحقق النتائج المرجوة8،  وفقط في الحدود اللازمة.9
• قابلاً للمحاسبة: أي يجب أن تكون هناك إجراءات محددة للإبلاغ عن كل حدث يتم فيه استخدام الأسلحة النارية وكذلك في جميع حالات الوفاة أو الإصابة، وأن يتبع الإبلاغ مراجعة من قبل وزارة الداخلية للتأكد من مشروعية استخدام القوة. يجب أيضا أن يكون من يعطي أوامر باستخدام قوة غير مشروعة ومن ينفذها قابلين للمحاسبة الجنائية.10

4- في جميع الأحوال: لا يجب استخدام الأسلحة النارية – وتشمل الخرطوش والرصاص المطاطي والرصاص الحي - إلا في حالات الدفاع عن النفس أو عن الآخرين ضد تهديد وشيك بالموت أو الإصابة البالغة، أو لمنع ارتكاب جريمة خطيرة تتضمن تهديدا للحياة، أو للقبض على شخص خطير يبدي مقاومة للسلطات، أو لمنع هروبه، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأخرى الأقل تطرفا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف.11
وفي جميع حالات الاستخدام المشروع للقوة والأسلحة النارية، يجب على المكلفين بإنفاذ القانون تقليل الإصابات والخسائر إلى أقل حد ممكن والحفاظ على حياة الإنسان.12

5- لا يجوز الاستخدام العمدي  للأسلحة القاتلة إلا عندما لا يمكن تجنبه بأي وسيلة وفي سبيل الحفاظ على الحياة فقط.13

عمليا، ماذا تعني هذه المبادئ؟
 

عندما تكون المظاهرات سلمية إلا أنها غير قانونية:

عندما تكون المظاهرة غير قانونية إلا أنها سلمية، على قوات الأمن تجنب استخدام القوة في فضها، وعندما يكون ذلك غير قابل للتحقق يجب أن يكون استخدام القوة محدودا وفي أقل مستوياته.14

ويعني هذا أنه على قوات الأمن أولا أن تتفاوض مع المتظاهرين، وإذا فشلت هذه المفاوضات في فض التظاهرة فإن على قوات الأمن تحذير المتظاهرين من أنها ستستخدم القوة في حالة عدم إنهاء المظاهرة، وإذا لم يفلح التحذير يمكن لقوات الأمن استخدام أقل الوسائل تطرفا مثل خراطيم المياه، وإذا لم يثمر ذلك حينها فقط يمكن لقوات الأمن استخدام الأسلحة غير القاتلة والتعجيزية مثل الغازات المسيلة للدموع.

وفي جميع الأحوال يجب أن يكون استخدام القوة متناسبا مع الهدف، وبأقل إصابات وخسائر ممكنة، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك 20 شخصا معتصمين في حديقة عامة فلن يكون من المتناسب استخدام الغازات المسيلة للدموع لفضهم.

استخدام الأسلحة النارية لفض المظاهرات السلمية غير قانوني على الإطلاق.15

عندما يستعمل بعض المتظاهرين العنف:

إذا كان بعض المتظاهرين يستخدمون العنف ضد قوات الأمن – يلقون بالحجارة مثلا أو بزجاجات المولوتوف على الأمن – فإن لقوات الأمن الحق في الاستخدام المشروع للقوة بالدرجة المطلوبة وإنما في أدنى حدودها وبأقل خسائر ممكنة.16
 
ويجب أن يفرق الرد الأمني بين المتظاهرين السلميين وأولئك الذين يستخدمون العنف، ويحاول عزل المجموعة الأخيرة وحماية المتظاهرين السلميين17.  وفي كل الأحوال فإن تعميم استخدام القوة على جميع الموجودين في محيط المظاهرة – السلميين وغيرهم – أمر غير قانوني.

إذا كان العنف الممارس من قبل المتظاهرين لا يشكل تهديدا بالموت أو الإصابات الخطيرة فلا يحق لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية. فعلى سبيل المثال، إلقاء الحجارة على أفراد الشرطة الذين يرتدون خوذا ودروعا لا يشكل تهديدا بالموت أو الإصابات الخطيرة لذا لا يمكن لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية للرد على هذا العنف.

فقط في الحالات التي يصل فيها عنف المتظاهرين إلى درجات تهدد الحياة أو تسبب إصابات بالغة يحق لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية والرصاص الحي ولكن في أضيق الحدود ودون أن يكون الهدف هو القتل.

وننوه هنا أنه في حالة حدوث أعمال عنف يجب أن يكون هدف قوات الأمن هو منع الموقف من التفاقم، وتقليل وتيرة العنف، وإذا كان استخدام القوة من جانب الأمن – وإن كان مشروعا وضروريا – سيؤدي إلى اشتعال الموقف وإلى مزيد من العنف والاضطراب فإن على قوات الأمن التراجع عن استخدامه، وقد يكون الانسحاب حلا في بعض الأحوال لمنع تفاقم الوضع.

عندما يقوم مدنيون آخرون باستعمال العنف ضد المتظاهرين:

إذا كان هناك شخص أو أكثر يستعمل العنف ضد المتظاهرين السلميين فإن دور قوات الأمن هو القبض على مرتكبي هذه الجرائم ومنع مزيد من العنف. لذا يجب على قوات الأمن القبض على من يستعمل العنف ضد المتظاهرين سواء بإلقاء الحجارة عليهم أو باستخدام الأسلحة النارية. ويعد الفشل في تنفيذ هذه المهمة عندما يكون ذلك ممكنا خرقا لمهام وظيفتهم ويشكل جريمة جنائية بموجب قانون العقوبات المصري.18
 
وفي جميع الحالات فإن دور أفراد الأمن ينحصر في إلقاء القبض على المدنيين المعتدين ولا يجوز لأي منهم اتخاذ إجراءات عقابية ضد المدنيين.

في حالة الهجوم على ممتلكات عامة أو خاصة:

دور قوات الأمن هو حماية الممتلكات الخاصة والعامة، وفي هذه الحالات تنطبق نفس قواعد استخدام القوة والأسلحة النارية، أي يجب أن يكون استخدام القوة ضروريا وقانونيا ومتناسبا مع الهدف المرجو تحقيقه.

يجب استخدام القوة والأسلحة النارية فقط في حالات التهديد الوشيك بالموت أو الإصابات الخطيرة، ولا يمثل التهجم على الممتلكات الخاصة والعامة في حد ذاته مثل هذا التهديد.

حماية الممتلكات العامة والخاصة لا يمكن أبدا أن يبرر الاستخدام العمدي للأسلحة القاتلة.

في جميع الحالات

- يحظر تماما على قوات الأمن إلقاء الحجارة أو أي مواد أخرى على المتظاهرين حتى وإن كان المتظاهرون يلقون عليهم حجارة، وقوات الأمن التي تفض المظاهرات لا يجب أن تحمل – في أي ظروف – سيوفا أو أي أسلحة أخرى لا يقرها القانون.

- يحظر على قوات الأمن استخدام العنف الجسدي تجاه الأفراد إلا في حالات الضرورة القصوى، وضرب أي شخص لا يبدي مقاومة أو ملقى على الأرض أو فاقد للوعي، أو هتك عرض أي شخص، جميعها تعد جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات بالسجن، وعندما يكون مرتكبها أحد أفراد السلطة العامة تكون العقوبة مشددة.

- يعاقب القانون جنائيا استخدام أي من أفراد الأمن لعبارات مسيئة أو إشارات مهينة أو قيامهم بتهديد المتظاهرين.

- عمل الشرطة يجب أن يستهدف الأشخاص الساعية إلى خرق الأمن19 واستهداف أي شخص آخر هو أمر غير قانوني، ويتضمن ذلك استهداف الصحفيين أو المواطنين الذين يصورون ما يحدث بالصور أو الفيديو.

- يحظر استخدام الأسلحة غير القاتلة والتعجيزية بشكل قد يسبب الوفاة أو يتسبب في إصابة أشخاص غير متورطين،20 فمثلا: لا يجب إطلاق الخرطوش أو الرصاص المطاطي على النصف الأعلى لأجساد المتظاهرين، وقنابل الغاز لا يجب استخدامها بشكل مفرط ويحظر تماما استخدامها في أماكن مغلقة، ولا يجب تصويبها على الأجساد، ويجب أن يقيد استخدام قنابل الغاز في المناطق السكنية.

- لا يمكن تبرير إطلاق الرصاص الحي على رأس أو صدر شخص إلا في حال ما كان هذا الشخص على وشك أن يقتل أو يصيب شخصا آخر إصابة بالغة، على سبيل المثال يوجه مسدسا عليه، وعندما يكون هذا هو السبيل الوحيد لمنعه من القيام بذلك.

---

الهوامش

1. المبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة الجناة، هافانا ، كوبا ، 27 أغسطس - 7 سبتمبر1990  - وسيتم الإشارة إليها لاحقا بـ "المبادئ الأساسية".
2. مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار رقم 34/169 في 17 ديسمبر 1979 – وسيتم الإشارة إليها لاحقا بـ "مدونة السلوك".
3. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 8.
4. المبادئ الأساسية، المقدمة.
5. رابطة كبار ضباط الشرطة في اسكتلندا، دليل إرشادات بشأن المحافظة على السلام،  2010- وسيتم الإشارة إليها لاحقا بـ "دليل الإرشاد".
6. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، المادة 21، 1976.
7. مدونة السلوك، المادة 3.
8. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 4.
9. مدونة السلوك، المادة 3.
10. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 7 والمبدأ رقم 26.
11. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 9.
12. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 5.
13. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم  9.
14. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 13.
15. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 9.
16. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 5.
17. أنيكي أوسي، فهم العمل الشرطي – دليل لنشطاء حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، 2006.
18. المادة 145 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937.
19. دليل الإرشاد.
20. المبادئ الأساسية، المبدأ رقم 3.