تأديب المجتمع: تقرير جديد للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حول الحملة على منتجي المحتوى الرقمي
بيان صحفي
تطلق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم، الثلاثاء 9 ديسمبر، تقريرًا بعنوان ”تأديب المجتمع“، يرصد ويحلّل وقائع خمس سنوات من استخدام تهمة ”التعدي على قيم الأسرة المصرية“ الواردة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لملاحقة المحتوى الرقمي غير السياسي وتجريم أشكال من التعبير والسلوك لم تكن مجرمة من قبل، على أسس منحازة طبقيًا وجندريًا بالأساس.
يرصد التقرير وقائع القبض التي جرت خلال الفترة من أبريل 2020 وحتى نهاية نوفمبر 2025، والتي طالت ما لا يقل عن 327 شخصًا في 252 قضية مختلفة، على خلفية اتهامهم بهذه المادة. ويبيّن أن أعداد الرجال والنساء المستهدفين متقاربة للغاية —163 رجلًا مقابل 164 امرأة. كما يوضح أن هذه القضايا امتدت إلى 17 محافظة مختلفة، ما يعكس تحول هذا النمط من الملاحقات إلى سياسة عامة على مستوى الجمهورية، بعد أن كانت أغلب وقائعها تجري في العاصمة.
عبر رصد هذه القضايا وتحليل أوراق عشرات منها، وما صاحبها من بيانات رسمية ومرافعات وزخم إعلامي، يرصد ويحلل التقرير منهجية هذا النمط من التجريم. حيث يُمارس "الضبط المجتمعي" من خلال إثارة ذعر اجتماعي واسع النطاق، تارة باستخدام ”قيم الأسرة“ وتارة باستخدام اتهامات شديدة الخطورة مثل ”الاتجار بالبشر“ و“غسل الأموال“ لإضفاء حالة من التربص الشعبي تجاه المحتوى الرقمي -حتى غير السياسي منه- وتصويره خطرًا على ”الأمن القومي الاجتماعي“، كما أصبحت تسميه بيانات النيابة العامة.
يوضح التقرير أن القاسم المشترك بين أغلب المتهمين هو استخدام الإنترنت للتعبير أو العمل، والانتماء إلى شرائح فقيرة أو من الطبقة الوسطى الدنيا، وأن جوهر الاتهامات يرتبط بما تعتبره الدولة خروجًا عن الأدوار الجندرية "المقبولة"، أو عن الصورة المتخيلة للأسر والنساء والرجال من هذه الطبقات. كما يعكس نمط الملاحقات حصارًا رسميًا مستمرًا لفرصهم في التكسب المادي والصعود الطبقي في بعض الأحيان. ويضع التقرير هذا الاستهداف ضمن سياقه الأوسع المرتبط بالإحباط العام بخصوص فرص الحصول على عمل كريم ومجزٍ، والحد من فرص الصعود الطبقي لعموم المصريين، وكذلك خطاب الدولة المتصاعد حول الأسرة من حيث مركزيتها وترابطها.
ويفرد التقرير مساحة لموجة الملاحقات الأحدث في صيف 2025، والتي وثقت المبادرة المصرية فيها القبض على ما لا يقل عن 167 شخصًا في 134 قضية خلال أقل من أربعة أشهر، أي ما يقارب نصف عدد القضايا التي وثقتها المبادرة المصرية منذ بدأت هذه الممارسات في عام 2020.
كما يحلل التقرير خطاب مؤسسات الدولة المعنية -بما فيها للنيابة العامة ووزارة الداخلية- الذي يصاحب هذه الملاحقات، ويتتبع آثار خطاب الذعر الاجتماعي الذي تثيره وتستثمر فيه، بما يتضمن دعوات النيابة العامة الصريحة للمواطنين إلى الإبلاغ عن المحتوى الذي لا يوافق أذواقهم باعتباره تهديدًا للأمن والأخلاق، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام بلاغات كيدية، واستهداف للنساء والفتيات خصوصًا باستخدام البلاغات والحملات المصاحبة لها.
يحلل التقرير استخدام السلطات الأمنية والقضائية لكل من المادتين 25 و27 من قانون جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لعام 2018)، المعنيتين بـ“التعدي على قيم الأسرة المصرية“ و”إنشاء وإدارة واستخدام حساب بهدف ارتكاب جريمة“ في القضايا التي حركتها النيابة. بداية من محاولات القضاء إجابة عن سؤال ما هو تعريف "قيم الأسرة" وكيف ينضبط تجريم فعل غير معرف بشكل واضح، وكيف أصبح تعريفًا تخلو منه أية وثيقة تشريعية أو مذكرة تحضيرية حتى؛ مصدرًا مستمرًا للتجريم. وعلى الناحية الأخرى، ينظر التقرير لكيفية استخدام المادة 27 في غير دورها، لتغليظ العقوبة لمجرد وقوع أي ”جريمة“ عبر وسائط الإنترنت، وترصد الأحكام القضائية التي تصدت لتقييد أو إطلاق تلك الأشكال من التجريم للمحتوى المنشور عبر الإنترنت، وتقاطع استخدام الإنترنت مع ”الجريمة“ في أي شكل كانت.
ويخلُص التقرير إلى أن استخدام تهمة "الاعتداء على قيم الأسرة المصرية" قد تحول خلال خمس سنوات فقط، من استثناء قانوني إلى إحدى أكثر أدوات الملاحقة الرقمية استخدامًا، وأن جوهر المشروع هو تأكيد وجود منظومة ضبط اجتماعي جديدة تُستَخدم فيها سلطة التأويل الأخلاقي لتحديد ما هو مقبول أو مرفوض من التعبير الرقمي، وكذلك المقبول والمرفوض من أنماط الملبس والسلوك، وخاصة للفئات الأوسع من المصريات والمصريين، دون تعريف قانوني واضح لماهية "القيم" أو "الأسرة المصرية".
وبناءً على هذه النتائج، يؤكد التقرير أن ما يجري لا يمكن فهمه باعتباره حتى مجرد تطبيق محايد لقانون تشوبه مواده ومصطلحاته حالة من السيولة غير المنضبطة تعريفيًا؛ بل إن ما يجري هو جزء من مشروع أشمل لضبط المجال العام، بهدف الحفاظ على تراتبية هرمية على أسس الطبقة والنوع الاجتماعي، وتُستخدم القوانين الجنائية أدوات أساسية ضمن هذا المشروع.



