تأديب المجتمع: الملاحقة القانونية برعاية "قيم الأسرة المصرية"

مقدمة

اقرأ التقرير كاملاً من هنا

في أبريل 2020، ومع بداية تطبيق الإجراءات الاستثنائية لمواجهة جائحة كوفيد-19، شنت النيابة العامة حملة ملاحقات "أخلاقية" تحولت إلى نهج رئيسي في عمل النيابة العامة حتى يومنا هذا، ارتكزت على استهداف المحتوى غير السياسي عبر الإنترنت تحت دعوى “التعدي على قيم الأسرة المصرية".

تمثل هذه الملاحقات القضائية التي رافقتها حملات وصم وتشهير إعلامية واسعة النطاق القمة الظاهرة لمشروع الدولة الجديد للضبط الاجتماعي، الذي بدأ باستهداف مجموعة من صانعات المحتوى عبر تطبيق تيك توك. وظهرت ملامح خطابه في البيانات المتتالية للنيابة العامة ثم وزارة الداخلية، واحتل مساحة كبيرة من حيز النقاش العام بالإضافة لاستحواذه على جزء لا يستهان به من موارد النيابة العامة والقضاء الجنائي المصري في نصف العقد الماضي. ولكن هذه التحقيقات والمحاكمات التي تحولت إلى مصدر متجدد لإغراق مساحات النقاش العام في أزمات أخلاقية مصطنعة هي مجرد غيض من فيض. فالجزء الأكبر من هذه الملاحقات كان ولا يزال مخفيًا خارج البيانات الرسمية.  

وعلى مدار أكثر من خمس سنوات، من أبريل 2020 وحتى نهاية نوفمبر 2025، اتضح مدى اتساع نطاق هذا النمط من الملاحقات ليتبين أنه مؤشر على مشروع سياسي واجتماعي للسيطرة على المحتوى على الإنترنت، حتى غير السياسي منه، واستخدام الملاحقة القانونية والعقاب كأداتين عمليتين لضبط المجتمع ككل، وخاصة فيما يتعلق بكل من البُنى الهرمية الجندرية وأشكال التعبير عن النوع الاجتماعي المقبولة من الدولة، والبُنى الاجتماعية والاقتصادية واستقرار المواقع الطبقية للسواد الأعظم من المصريات والمصريين. 

تسعى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في هذا التقرير لتحليل استخدام المادة القانونية التي أصبحت عنوانًا لهذا النمط من الملاحقات، وهي المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (175 لعام 2018)، استحدث جريمة جنائية جديدة أطلق عليها” التعدي على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري“، باتت تستخدم في تجريم أفعال لم تكن يومًا مجرمة خارج نطاق الإنترنت في أغلب الأحوال، أو كانت تحمل عقوبة أقل قسوة بكثير سواءً كانت بالحبس أو الغرامة. 

يحلل هذا التقرير الممارسات القانونية التي تستخدم فيها تلك المادة، والخطاب الرسمي المصاحب لها. وبالنظر لخلفيات ضحايا تلك الحملة الشرسة، يقدم التقرير تحليلاً اجتماعيًا قانونيًا مبدئيًا. ستحلل المبادرة المصرية أيضًا الدور الخطابي لهذا المشروع الذي نرى أن جوهره هو حملة لإثارة الذعر المجتمعي، كما تحلل تأثير ذلك الدور الخطابي الذي يتجاوز أثره الأفراد الذين تعرضوا للملاحقة القانونية، وخاصة الدور الذي يقوم به هذا المشروع بوصفه أداة للضبط الاجتماعي، لضمان استقرار انحيازات طبقية وجندرية بعينها. 


المنهجية

اعتمد هذا التقرير على منهجية توثيقية وتحليلية تجمع بين الرصد الكمي والكيفي، ويستند إلى بيانات وأوراق القضايا والتحقيقات التي تحتوي على اتهامات بالتعدي على "قيم الأسرة المصرية". بالإضافة إلى مراجعة النصوص القانونية، وأحكام المحاكم وتحليل خطابي معتمد على قراءة تفصيلية ومعمقة في الخطابات والبيانات الرسمية والإعلامية ذات الصلة والصادرة عن الجهات التنفيذية. ويغطي هذا التحليل القضايا والملاحقات التي وقعت في الفترة الزمنية بين أبريل 2020 ونهاية نوفمبر 2025.

جمع البيانات وتوثيق القضايا: جمعنا بيانات تخص 252 قضية على الأقل تعود جميعها إلى الفترة المذكورة، اعتمادًا على رصد المبادرة المصرية الناتج إما عن الاحتكاك المباشر في القضايا التي قدمت فيها المبادرة المساعدة القانونية أو النصح، أو رصد الأخبار المنشورة، وبيانات النيابة العامة، وأوامر الإحالة والأحكام التي أتاحها فريق المساعدة القانونية بالمبادرة أو محامو المتهمين، وكذلك ما رصدته التغطيات الصحفية من مادة قانونية أو أحكام قضائية. ومن المهم توضيح أن ما تم جمعه من قضايا لا يعتبر رصدًا إجماليًا لكل القضايا ذات الصلة في تلك الفترة، بل هو في الغالب أقل كثيرًا من إجمالي عدد القضايا والتحقيقات المشابهة والمبنية على نفس طبيعة الوقائع والاتهامات. 

شملت عملية الجمع أيضًا تتبّع البلاغات المقدّمة من محامين ضد صانعات وصانعي المحتوى، والمعلومات المتعلقة بمراحل التحقيق والحبس الاحتياطي والإحالة للمحاكمة.

التحليل القانوني والتشريع: ركز التقرير على تحليل القوانين والنصوص التي استندت إليها سلطات التحقيق في هذه القضايا، وعلى رأسها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وخاصة المادتان (25) و(27).

ركّز التحليل على الكيفية التي فُسِّرت بها هذه النصوص في المحاضر وأوامر الإحالة وحيثيات أحكام المحاكم المختلفة. كما يرصد التحليل القانوني بشكل خاص أحكام المحاكم الاقتصادية الابتدائية أو الاستئنافية والتي مثلت سوابق قانونية مهمة في تفسير تلك المواد سواء كانت إيجابية أو سلبية.

 تحليل الخطاب العام والإعلامي: اعتمد التقرير على تحليل محتوى بيانات النيابة العامة ووزارة الداخلية والتغطية الإعلامية للقضايا من أجل استخلاص السمات المهيمنة على الخطاب الرسمي والتي تسمح باستنباط سياسة الدولة فيما يخص تلك القضايا والفاعلين الرئيسيين فيها؛ بالإضافة إلى الخطاب الرسمي من فاعلين تنفيذيين وتصريحاتهم في الوسائل الإعلامية. 

 الإطار الحقوقي: اعتمد التقرير في تحليله على المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تلتزم بها الدولة المصرية، والقواعد الدستورية الراسخة والحاكمة -نظريِا- للمنظومة التشريعية المصرية. 

استفاد التقرير من اصدارات سابقة للمبادرة المصرية من تقارير وبيانات وأخبار، وخاصة تقارير سابقة أصدرتها المبادرة المصرية منفردة، أو جماعية بالمشاركة من منظمات أخرى، على مدار ما يقرب من عشرة أعوام.  مثل تقرير "معاداة التقنية" المعني بمشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في طور صياغته، وتقرير "حرية افتراضية: نحو إنهاء قمع قانون الجريمة الإلكترونية لحرية التعبير الرقمي"، وورقة "دليل السائلين عن قضية مودة وحنين: تقرير بشأن الأحكام المشددة ضد صانعات المحتوى على الإنترنت بتهمة الاتجار بالبشر"، بالإضافة إلى بيانات المبادرة المصرية الصادرة بشأن قضايا بعينها.

اقرأ التقرير كاملاً من هنا