خمسة أعوام على فرض حظر السفر وتجميد الأموال بحق ثلاثة من مديري المبادرة المصرية
بيان صحفي
تمر هذا الأسبوع خمسة أعوام كاملة على فرض المنع من السفر والتصرف في الأموال والممتلكات بحق ثلاثة من مديري المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهم المدير الإداري محمد بشير، ومدير البحوث كريم عنارة، والمدير التنفيذي وقتذاك جاسر عبد الرازق.
فرضت السلطات هذه الإجراءات التعسفية في سياق هجمة أمنية غير مسبوقة على المبادرة المصرية في الفترة من 15 إلى 19 نوفمبر 2020، حين ألقت قوات الأمن القبض على المديرين الثلاثة وقدمتهم محبوسين لنيابة أمن الدولة العليا، التي وجهت لهم جملة من الاتهامات المعتادة دون أدلة أو أساس قانوني، من بينها الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة، واستخدام حساب خاص على شبكة الإنترنت بهدف نشر أخبار كاذبة؛ وذلك بعد استجوابهم حصريًا عن عملهم الحقوقي بالمبادرة المصرية.
ورغم قرار النيابة لاحقًا إخلاء سبيل الحقوقيين الثلاثة في 3 ديسمبر 2020، على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، فإن القضية لا تزال مفتوحة من وقتها دون أية تحقيقات، وبقيت التدابير العقابية المفروضة على أعضاء المبادرة المصرية سارية.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي تقدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتظلم إلى مجلس القضاء الأعلى ضد استمرار تجميد الحسابات البنكية لمديريها الثلاثة والتحفظ على ممتلكاتهم ومنعهم من السفر من دون تحقيق أو محاكمة. وإلى جانب التظلم، الذي تم قيده برقم 364 (شكاوي مجلس القضاء الأعلى)، تقدمت المبادرة المصرية أيضًا ببلاغ لمكتب النائب العام للمطالبة بإسقاط الاتهامات ورفع الإجراءات المفروضة عليهم. غير أن المجلس ومكتب النائب العام لم يخطرانا على مدار عام كامل باتخاذ إجراء واحد حيال هذا الإهدار المستمر للقانون.
تعرض الأمين العام للأمم المتحدة لهذه الانتهاكات السافرة في تقريره السنوي بشأن الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، والصادر في سبتمبر الماضي. حيث أورد تقرير الأمين العام أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد تعرضت -حتى وقت صدور التقرير- للاستهداف بخمس قضايا جنائية خلال الأعوام الأربعة الماضية بسبب نشاطها الحقوقي. وقال التقرير:
"منذ 2015، أعرب أصحاب الولايات عن مخاوفهم، بما في ذلك علنًا، بشأن اعتقال موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وتوجيه تهم جنائية إليهم بتهم الإرهاب وجرائم الأمن القومي، وحظر سفرهم، وتجميد أصولهم، فيما يتعلق بعملهم في مجال حقوق الإنسان. ومن بين المستهدفين السيد حسام بهجت، وثلاثة مديرين سابقين للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، هم السيد جاسر عبد الرزاق، والسيد كريم عنارة، والسيد محمد بشير، وموظف آخر في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، السيد باتريك زكي، الذي حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بسبب مقال كتبه عن التمييز الديني في مصر. وقد صدر عفو عن السيد زكي بعد أن أمضى قرابة عامين في السجن."
وأورد التقرير أيضًا انتقادات المقررين الخواص بمجلس حقوق الإنسان لقانون الإجراءات الجنائية الجديد، مشيرًا إلى أنهم "عبروا عن قلقهم من أن المادة 147 تسمح بحظر السفر لمدة عام واحد مع تجديد غير محدود"
غير أن الرد الذي أرسلته الحكومة المصرية للأمم المتحدة في 14 يوليو الماضي -والوارد في تقرير الأمين العام- اكتفى بترديد الادعاءات بأنها "تحترم سيادة القانون وفصل السلطات، وتضمن توافق التشريعات الوطنية مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. كما أكدت أن النيابة العامة المصرية سلطة قضائية مستقلة، وأن توجيه الاتهامات وتنفيذ القانون والإجراءات القضائية لا يتم إلا بناءً على أدلة دامغة."
وبالمثل، تناول هذه الإجراءات التعسفية المقرر الأممي الخاص بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، في تقريره السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي خصصه لمسألة "الأوامر التقييدية والإدراج في قوائم الإرهاب والاحتجاز لأسباب أمنية والتدخلات الإجبارية". وأكد التقرير أنه "يجب أن تأخذ قيود السفر في الاعتبار الآثار السلبية على الحق في الحياة الأسرية والعمل والصحة والتعليم، والمصالح الفضلى للأطفال المعالين." وأضاف أنه "قد يصبح الإبقاء على التدابير التقييدية لفترات مطولة أو غير محددة، بما في ذلك تجميد الأصول وحظر السفر، غير متناسب وشبه عقابي مع مرور الوقت."
على مدار السنوات الماضية تقدم فريق الدفاع بالعديد من التظلمات لرئيس محكمة استئناف القاهرة بخصوص المنع من السفر والمنع من التصرف في الأموال والممتلكات، إلا أن المحكمة لم تحدد جلسة واحدة للنظر فيها على مدى السنوات الخمسة. وكان مبرر محكمة استئناف القاهرة في عدم تحديد الجلسة هو انتظار وصول مذكرة المعلومات المطلوبة بخصوص الإجراءات التحفظية والاحترازية من نيابة أمن الدولة العليا، والتي امتنعت طوال هذا الوقت عن إفادة المحكمة بها، ما ترتب عليه حرمان المتظلمين من تحديد جلسة لنظر تظلماتهم، بالمخالفة الصريحة لنص المادة (208 مكرر ب) من قانون الإجراءات الجنائية، والذي يكفل حق المتضرر من قرارات التحفظ على الأرصدة في الطعن على القرار كل ثلاثة أشهر، وهي النصوص التي أبقى عليها قانون الإجراءات الجنائية الجديد رغم الاعتراضات الحقوقية والنقابية والدولية واسعة النطاق.
كما لم يُسمح لأعضاء المبادرة المصرية ولا ممثليهم القانونيين طوال السنوات الخمس بالاطلاع على أي من أوراق القضية، بل وحُرموا من الحصول على نسخة من الحكم الصادر من دائرة الإرهاب بمحكمة جنايات القاهرة في السادس من ديسمبر 2020 بمنعهم من التصرف في الأموال والممتلكات بناء على طلب من النائب العام، ولم يُمكنوا حتى من الاطلاع عليه.
يأتي استمرار استهداف مديري المبادرة المصرية الثلاثة بهذه الإجراءات التعسفية المستمرة منذ نوفمبر 2020 على خلفية سنوات طويلة من الاستهداف الأمني والحملات القضائية المتقطعة ضد منظمات حقوق الإنسان المستقلة في العموم، وضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بسبب نشاطها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان على مدى 23 عامًا منذ تأسيسها. وفي عام 2025 الجاري وحده أَضيفت قضيتان جديدتان إلى قائمة الملاحقات الجنائية للعاملين بها. ففي أغسطس الماضي أخلت نيابة أمن الدولة العليا سبيل مدير البحوث كريم عنارة بالضمان الشخصي، بعد نحو اثنتي عشرة ساعة قضاها قيد الاحتجاز، على ذمة التحقيق في اتهامه بـ"الانضمام لجماعة إرهابية وإذاعة أخبار كاذبة واستخدام حساب الكتروني لارتكاب الجريمة". وفي يناير 2025 أمرت نيابة أمن الدولة بإخلاء سبيل حسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية، بكفالة مالية قدرها عشرين ألف جنيهًا، بعد اتهامه بمشاركة جماعة إرهابية وتمويلها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، على خلفية بيان نشرته المبادرة المصرية تطالب فيه النائب العام بالتحقيق في إفادات عدد من أهالي المحتجزين بسجن العاشر 6 حول تردي أوضاع احتجاز ذويهم.



