
حملة "نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية": موقفنا من تعديلات قانون الإجراءات الجنائية
بيان صحفي
منذ أن بدأ مجلس النواب في مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، آلينا على أنفسنا أن نشاركه في هذه المهمة الوطنية التاريخية، انطلاقاً من واجبنا الوطني والدستوري في المشاركة في الحياة العامة وإبداء الرأي بما يحقق المصالح الوطنية، وانطلاقاً كذلك من واجبنا المهني كحقوقيين ومحامين وأكاديميين متخصصين في مجالات حقوق الإنسان والعدالة الجنائية؛ ولهذا اجتمعنا على طاولة البحث والمناقشة لنقد وتحليل هذا المشروع، ومراجعته وإبداء الرأي فيه من مختلف الجوانب بل وطرح رؤى لنصوص بديلة، وكانت مرجعيتنا في هذا العمل:
-
دستور الدولة النافذ والذي يشكل الإطار المرجعي الأعلى لقوانينها بما ينظمه ويكفله ومن ضمانات للحقوق والواجبات والحريات العامة.
-
المبادئ التي استقرت في قضاء المحكمة الدستورية العليا وقضاء محكمة النقض، والتي تأتي ضمن أهم المصادر التي يهتدي بها المشرع عند سن التشريع.
-
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي أطلقتها الحكومة المصرية للنهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر.
وقد خرجنا من هذه الاجتماعات بورقة عمل تضمنت رؤيتنا لمشروع عادل لقانون الإجراءات الجنائية، وسارعنا بمخاطبة السلطات العامة في الدولة (رئاسة الجمهورية – مجلس النواب- رئاسة مجلس الوزراء) وموافاتها بنسخة من هذه الورقة، والتي حملت مقترحات بناءة لإعادة صياغة بعد مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وكانت منهجيتنا في هذا الطرح معتمدة في الأساس على مراعاة التوازن بين الحقوق والحريات في مجال العدالة الجنائية، بما يلبي تحقيق التوازن الدقيق متطلبات صيانة حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية الضرورية، وبين ضرورة استقرار المجتمع والحفاظ على النظام العام وحماية حقوق وحريات الآخرين.
وقد شعرنا بخيبة أمل كبيرة بإزاء تجاهل هذا الطرح المقدم، وإذا بمجلس النواب يمرر مواد المشروع كما اقترحته الحكومة، وقرر الموافقة عليه وإقراره ورفعه لرئاسة الجمهورية تمهيداً لإصداره، رغم ما شاب الكثير من مواده من عيوب ظاهرة -سواء في الصياغة أو شبهة مخالفة بعض نصوص الدستور- وهو ما كان موضعاً للنقد على صعيد قطاع واسع من جانب الكثير من أساتذة القانون الجنائي بالجامعات والقضاة والمحامين والباحثين القانونيين في مجال العدالة الجنائية المشهود لهم بالكفاءة والدراية.
وقد استشرفنا بارقة أمل فيما قرره رئيس الجمهورية من الاعتراض على بعض نصوص هذا المشروع، وإرجاعه مرة أخرى إلى المجلس لإعادة مناقشة مواده في ضوء هذه الاعتراضات، وهو ما دعانا لمناشدة مجلس النواب للتريث وإعادة النظر في مراجعة مواد المشروع ككل، وألا يكتفي -فقط- بالنظر فيما اعترض عليه رئيس الجمهورية من مواد، على سند من أن المجلس عادت له ولايته كاملة على المشروع، بما يتعين معه التصدي -كذلك- لما اعترى باقي مواد المشروع من عيوب كانت موضعاً للنقد.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه من مجلس النواب مراعاة الظرف السياسي وحالة الريبة الناشئة عن قرب انتهاء الفصل التشريعي الثاني وهو ما تنعدم معه حالتي الضرورة والاستعجال لإقرار المشروع في هذا التوقيت، وأن يترك ذلك للمجلس القادم ليعيد النظر في مواد المشروع واعتراضات رئيس الجمهورية في تؤدة وتأنٍ وتمهل، بما يضمن خروج المشروع في نسيج متماسك ومنسجم مع الدستور نصاً وروحاً.
وتابعنا عن كَثَب أسلوب تعامل مجلس النواب مع مواد المشروع على ضوء اعتراضات رئاسة الجمهورية، وبما أرساه من مبدأ عدم جواز التصدي لباقي مواد المشروع بخلاف المواد المعترض عليها !، وهو ما ينافي مقاصد التشريع الدستوري والذي لم يرد فيه أي نص مقيد لسلطة المجلس في مراجعة نص أي مادة من مواد مشروع القانون المعترض عليه بخلاف المواد التي اعترض عليها رئيس الجمهورية، ومع ذلك مضى المجلس في عمله مقتصراً على النظر في المواد المعترض عليها فقط دون غيرها من مواد كانت تحتاج إلى مراجعة لتكون متناسقة مع ما تم إعادة صياغته على ضوء الاعتراض.
وبعد أن انتهت اللجنة الخاصة المشكلة من مجلس النواب بإعادة صياغة بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية على ضوء اعتراضات رئيس الجمهورية؛ طالعنا تقريرها النهائي وما تضمنه من اقتراحات وافق عليها المجلس في جلسته العامة، لإعادة صياغة بعض مواد المشروع، والتي جاءت لتمثل رِدَّةً وتراجع عن المبادئ الحاكمة لمواد المشروع، والتي أفقدت حق الدفاع قيمته وانتقصت من ضمانات الحريات الفردية في هذا المشروع.
وفيما يلي نعرض لأسباب اعتراضنا بعض المواد المعاد صياغتها والتي وافق عليها المجلس بعد تعديلها في ضوء اعتراض السيد رئيس الجمهورية:
أولاً: فيما يتعلق بصياغة المادة السادسة (إصدار): والتي كانت تنص على سريان القانون اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره، فجرى إعادة صياغتها واستبدال عبارة "ويعمل به اعتباراً من الأول من أكتوبر التالي لتاريخ نشره" بالعبارة السابقة؛ وقد تعللت اللجنة أن هذا التعديل يأتي استجابة لاعتراض رئيس الجمهورية.
وهو قول غير دقيق؛ لأن الاعتراض من رئيس الجمهورية على مادة النشر، كان مقصوراً على بعض المواد التي استحدثت أموراً لم تكن موجودة في القانون الحالي، مثل المادة (232) والتي نصت على إنشاء مراكز الإعلانات الهاتفية التابعة لوزارة العدل، وهو ما يحتاج إلى تجهيزات واستعدادات تحتاج لإرجاء تطبيقها، هذا فضلاً عن الأحكام المستحدثة في المشروع والتي تحتاج إلى إحاطة ودراية من القائمين على تطبيقها والمتصلين بها من القضاة وأعضاء النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي والمحامين، وبالتالي فما دون ذلك من أحكام ونصوص في المشروع قابلة للتطبيق بأثر فوري، على الأخص تلك المواد المنظمة لمدد الحبس الاحتياطي والتي كان من الممكن أن يستفيد منها كل من بلغ الحد الأقصى وفقاً للتعديل الجديد الذي جاء به هذا المشروع، إضافة لما نظمه المشروع من إجراءات لم تكن محل تنظيم من القانون الحالي، كإجراء المنع من السفر وأحكام التظلم منه وأحكام التظلم من التدابير الاحترازية، وهي في مجملها نصوص لم تكن بحاجة إلى إرجاء إلى الأول من أكتوبر التالي لتاريخ نشره، بما كان يتعين معه على اللجنة أن تراعي الاعتراض وأن تنزله قدره في ضوء ما أفصح به رئيس الجمهورية، وألا تتوسع في تفسير مضمون هذا الاعتراض بما يهدر ضمانات جوهرية أتى بها المشروع الجديد.
ثانياً: فيما يتعلق بصياغة المادة (105) من المشروع: والتي لم تكن تجيز استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من المتهمين إلا في حضور محام موكل أو منتدب، ولم تكن تجيز بأي حال اتخاذ هذا الإجراء دون مراعاة هذه الضمانة الهامة والتي تأتي تطبيقاً لصريح عبارات نص المادة (54) من الدستور، إلا أن اللجنة الخاصة أضافت فقرة أخيرة للمادة المذكورة أجازت فيها لعضو النيابة العامة في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت أن يمضي في استجواب المتهم إذا لم يحضر المحامي في الموعد المحدد لحين حضوره، وتعللت اللجنة بأن هذه المادة لم تحقق التناسق مع حكم الفقرة الثانية من المادة (64) من المشروع ذاته والتي خولت المنتدب صلاحية تفوق الصلاحية المقررة للأصيل حين أجازت الأخيرة لمأمور الضبط القضائي المنتدب من النيابة العامة القيام بعمل من اعمال التحقيق باستجواب المتهم في أحوال الضرورة.
ولئن ارتأى المجلس عند مناقشة الصياغة الجديدة عدم إقرار ما انتهت إليه اللجنة الخاصة على النحو المذكور، وجرى إعادة النظر فيها بتعديل الصياغة بقصر جوازية المضي في استجواب المتهم في غيبة محام على الحالة التي يخشى فيها على حياة المتهم وبعد طلب ندب محام؛ إلا أننا نرى أن المجلس وقع في تناقض صريح، فبينما عمد إلى إصلاح ما في المادة (105) من عوار -بحسب ما ذهب إليه- إلا أنه فاته معالجة ما في صياغة المادة (64) من ذات المشروع من عوار ناشئ عن إغفال النص على وجوب التزام مأمور الضبط القضائي المنتدب بدعوة محامي المتهم للحضور أو ندب محام له في حال عدم وجود محام، وذلك قبل الشروع في استجواب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت، وهذا التناقض الجلي الذي وقع فيه المجلس كان نتيجة طبيعية لحالة التسرع والاستعجال غير المبرر في معالجة اعتراض رئيس الجمهورية، فضلاً عن الخطأ المنهجي الذي وقع فيه المجلس بقصر عمله على النصوص المعترض عليها فقط دون غيرها، ودون أن يهتم لأن يمتد عمله إلى المواد المرتبطة بالمواد موضوع التعديل ارتباط لا يقبل التجزئة، كما هو الحال بالنسبة للمادة (64) المرتبطة بالمادة (105)، ليحقق التناسق بين المادتين وفقاً لما جاء باعتراض السيد رئيس الجمهورية.
ثالثاً: فيما يتعلق بصياغة المادة (112) من المشروع: والتي جرى الاعتراض على صياغة فقرتها الثانية والتي تجيز إيداع المتهم أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو أماكن الاحتجاز إلى حين استجوابه متى تعذر استجوابه دون حضور محام؛ فقد أعيد صياغة الفقرة المذكورة لتنص على أنه في حالة تعذر استجواب المتهم في جريمة يجوز فيها الحبس الاحتياطي فإنه يجوز إيداعه أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو أماكن الاحتجاز إلى حين استجوابه بحضور محام، ويسري على الأمر بإيداع المتهم وإجراءاته ومدته ومدها واستئنافه ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي.
وعلى الرغم من أن اللجنة أوردت في تعليلها لإعادة الصياغة ما جاء باعتراض السيد رئيس الجمهورية من وجوب إعادة النظر في الصياغة السابقة على ضوء المادة (54) من الدستور، إلا أن اللجنة جاءت -في صياغتها الجديدة- بمخالفة جسيمة لنص المادة (54) من الدستور المشار إليها؛ لأنها أتت ببديل جديد للحبس الاحتياطي وهو (الأمر بإيداع المتهم) وهو ما قد يفتح الباب أمام سلطة التحقيق لأن تصدر أمرها بإيداع المتهم أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو أحد مقرات الاحتجاز، بحجة تعذر استجوابه دون حضور محام، وهو التعذر الذي لا نجد معيار له يمكن الاهتداء إليه وأن تقدير وجوده متروك لإطلاقات سلطة التحقيق، وهو ما قد يجعلنا أمام حالة اعتقال للمتهم دون استجوابه، وبما أن التعديل الجديد يفتح الباب أمام تمديد هذا الاعتقال المسمى (بالإيداع) بذات الطرق والإجراءات التي يمدد بها الحبس الاحتياطي، فإننا في هذه الحالة قد نصادف استمرارا لتمديد هذا الإيداع قبل استجواب المتهم، حتى إذا ما تم استجواب المتهم بعد ذلك وأمرت سلطة التحقيق بحبسه احتياطياً، فإن الفترة التي قضاها المتهم في الإيداع لا تحتسب ضمن مدة الحبس الاحتياطي، وهو ما يشكل التفافاً على المدد القصوى للحبس الاحتياطي، ويهدر حريات وحقوق المتهمين.
وبعد هذا العرض الوجيز للقليل من العيوب التي اعتورت لا نقول نصوصاً بل اعتورت سياسة تشريعية لأهم القوانين المكملة للدستور، فإنه يتضح أن الخطب جلل، والمصاب عظيم، وأن التعديلات الجديدة -فيما اقتصرت عليه- لم تضاعف الضمانات المقررة للحقوق والحريات، بل أضعفتها وانتقصت منها إلى حد الحرمان منها، وجاءت أقل ما توصف بأنها مخيبة للآمال.
وهو ما نرفض معه هذه التعديلات جملة وتفصيلاً السيد رئيس الجمهورية بعدم إصدار القانون وأن يقرر إحالته إلى مجلس الشيوخ في فصله التشريعي الثاني، لإعداد تقرير بشأنه تمهيداً لإعادته مرة أخرى إلى مجلس النواب في دو الانعقاد الجديد في الفصل التشريعي الثالث، لإعادة النظر في مواد المشروع برمته، والنظر في الاعتراضات المثارة على بعض مواد المشروع في فسحة من الوقت ودونما الحاجة إلى العجلة، ليقره في توقيت ملائم ومناسب وبعيداً على حالة الريبة السياسية وهو ما يكفل للقانون الجديد فرصة لأن يصدر في مناخ تشريعي صحي يحقق الغرض المقصود منه من تعزيز احترام حقوق الإنسان وكفالة عدالة جنائية سريعة ومنصفة.
الموقعون:
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
حزب الكرامة
حزب العيش والحرية
الحزب الشيوعي المصري
أمانة العمال بحزب المحافظين
نقابة محامين حلوان
المركز العربي لدراسات القانون والمجتمع
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مؤسسة قضايا المرأة المصرية
مؤسسة الحق لحرية الراي والتعبير وحقوق الانسان
مؤسسة المرأة الجديدة
تبيان للحقوق والحريات
مبادرة ميزان للقانون
ثيميس لسيادة القانون
مكتب حرية المحاماة- هالة دومة وشركاها
المفوضية المصرية للحقوق والحريات
المنبر المصري لحقوق الإنسان
الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
إيجيبت وايد لحقوق الإنسان
المركز الاقليمي للحقوق والحريات
دفاع- خالد على للمحاماه