
المعايير الجديدة لتقليل الولادات القيصرية خطوة إيجابية غير كافية في غياب منظور أشمل للرعاية الصحية الإنجابية
بيان صحفي
تلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الإعلان الأخير لوزير الصحة بفرض معايير جديدة لتعزيز الولادة الطبيعية وتقليل الولادات القيصرية غير الضرورية باهتمام شديد. وبينما نرحب بسعي الوزارة لمواجهة أزمة ارتفاع معدلات الولادة القيصرية غير الضرورية، فإن المبادرة المصرية ترى أن لا سبيل لتحقيق تحسُّن ملموس في تلك المعدلات إلا عبر تصميم خطة تنفيذية متكاملة تتضمن زيادة الإنفاق على الصحة بشكل عام، وعلى رعاية الحمل والولادة خصوصًا، ومن منظور يرتكز على كرامة النساء وحقهوقهن في الولادة الطبيعية، والتعاون في تطوير تلك الخطة وتنفيذها مع المجتمع المدني بأشكاله المختلفة كنقابة الأطباء، وكليات الطب، والجمعية المصرية لأمراض النساء والتوليد، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالصحة.
وتلزم حزمة الإجراءات المعلنة من وزارة الصحة في 29 أغسطس، المنشآت الطبية الخاصة باتباع معايير وطنية للحد من العمليات القيصرية غير الضرورية وتعزيز الولادة الطبيعية الآمنة، استنادًا إلى إرشادات المجلس الصحي المصري وأحدث المعايير العالمية. وتشمل الإجراءات إلزام المستشفيات الخاصة بتقديم تقارير شهرية مفصلة عن نسب الولادات القيصرية مصنفة وفق نظام روبسون -الذي يسهم في توثيق كل حالة ولادة وتحديد ما إذا كانت العملية القيصرية ضرورية طبيًا- واستخدام أداة البارتوجرام بشكل إلزامي لرصد تقدم المخاض، وتوثيق البيانات عبر سجلات إلكترونية لتسهيل التحليل والمتابعة، مع تكليف مديريات الصحة بالإشراف المباشر على التنفيذ.
تأتي الإجراءات المعلن عنها كرد فعل على الزيادة المطردة والمستمرة على مدار أعوام لمعدلات الولادة القيصرية في مصر، حتى بلغت 72٪ من إجمالي الولادات في الأعوام الخمسة السابقة على إصدار المسح الصحي للأسرة المصرية 2021، مقارنة بـ 51٪ في مسح عام 2014 وهي نسبة تضع مصر أعلى بلدان العالم في معدلات الولادة القيصرية.
ولا تعد الإجراءات الجديدة لتدخل الأول من الوزارة لمواجهة زيادة معدلات الولادة القيصرية غير الضرورية؛ فقد سبقها إعلان وزير الصحة في سبتمبر 2022 عن إجراءات لتحقيق نفس الغرض في المستشفيات العامة، لحقها تصريح من الوزير بأن تلك السياسات قد نجحت في خفض معدلات الولادة القيصرية في المستشفيات العامة بمعدل 2٪ خلال شهري يناير وفبراير 2023، ومنذ ذلك الحين، لم تصدر وزارة الصحة أي معلومات إضافية عن نتائج هذا القرار.
ترى المبادرة المصرية أن أية سياسات تكتفي بتقليل معدلات الولادة القيصرية كهدف مستقل في حد ذاته قد تكون لها نتائج سلبية عكسية، وتدفع الأطباء للتحايل، أو تنتهي بالنساء مجبرات على تدخلات طبية دون إرادتهن وربما دون مصلحتهن. فقد رأينا في السابق نتائج السياسات القائمة على تحقيق مستهدفات رقمية معزولة بدون النظر للمنظومة بشكل أعم في استراتيجية مواجهة الختان التي اقتصرت على الحد من إجرائه على يد غير الأطباء، وهو ما أدى لمعدلات تطبيب الختان الحالية.
وبالمثل، فإن استهداف الحكومة المعزول لخفض معدلات وفيات الأمهات كمؤشر مستقل، أدى بشكل غير مقصود لزيادة معدلات الولادة القيصرية. ولذلك يجب النظر لزيادة الولادات القيصرية باعتبارها عَرَضًا لمشكلة أكبر تتعلق بجودة الخدمات الصحية المقدمة للحوامل، بما يتضمن المتابعة الطبية في كافة مراحل الحمل، والتثقيف بمعلومات دقيقة، وحفظ الكرامة في كل خطوات الرعاية الصحية وخاصة أثناء الولادة الطبيعية.
وتقترح المبادرة المصرية على وزارة الصحة وضع خطة شاملة لتحسين خدمات متابعة الحمل والولادة في مصر، تشمل القطاعين العام والخاص والأهلي على حد سواء، وبالتعاون مع المختصين والمجتمع المدني بأشكاله المختلفة، من جميعات الأطباء المتخصصة، وكليات الطب، ونقابة الأطباء، والمجتمع المدني المعني بحقوق المرضى وخاصة النساء منهن. على أن تسعى تلك الخطة لتحسين خدمات رعاية الحمل والولادة، ليس فقط بتقليل الولادة القيصرية غير الضرورية، بل بتحسين خدمات الولادة الطبيعية وضمان كرامة النساء وخصوصيتهن وحمايتهن من العنف أثناءها، حتى تصبح بديلاً مرغوبًا من قبل النساء، مع توفير المعلومات الصحية الدقيقة للحوامل منذ بداية متابعة الحمل. وتوصي المبادرة بأن تتضمن الخطة:
-
الالتزام بتوصيات منظمة الصحة العالمية فيما يخص التدخلات المعنية بمواجهة زيادة معدلات الولادة القيصرية غير الضرورية وخاصة التوصية القائلة: "بكل وسيلة ممكنة يجب توفير عمليات الولادة القيصرية للنساء اللواتي يحتجن إليها، بدلاً من السعي إلى تحقيق معدل معين".
-
الالتزام التام، بتفسير التعليق العام بشأن المادة رقم 12 المعنية بالنساء والصحة، للجنة المعنية باتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي مادة ملزمة لمصر بحكم تصديقها على الاتفاقية.
-
الاستفادة من تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات والصادر في عام 2019 بخصوص "نهج قائم على حقوق الإنسان إزاء إساءة معاملة المرأة والعنف ضدها في خدمات الصحة الإنجابية، مع التركيز على العنف المرتبط بالإنجاب والتوليد". والاستعانة بالتقرير السنوي لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن ”الإرشادات التقنية عن تطبيق ﻧهج قائم على أساس حقوق الإنسان في تنفيذ السياسات والبرامج الرامية إلى الحد من الوفيات والأمراض النفاسية التي يمكن الوقاية منها“ والتي تضع الولادة القيصرية ضمن منظور أشمل لمواجهة الأخطار على صحة وحياة الحوامل. والاستفادة من معايير منظمة الصحة العالمية الخاصة بتحسين جودة رعاية الأمهات وحديثي الولادة في المرافق الصحية.
-
توفير التثقيف الطبي للجمهور بشكل عام، وخاصة الحوامل، بالمعلومات الحقيقية المتعلقة بكل من الولادة الطبيعية والقيصرية، وضمان أن تجيب المعلومات عن الأسئلة التي تؤثر على قرارات النساء؛ على أن يهدف هذا التثقيف لتوفير المعرفة، وليس الدفع في اتجاه محدد مسبقًا، ليحقق هدف التوعية الحقيقة وبناء الثقة، والموافقة المستنيرة.
-
تحسين خدمات الولادة الطبيعية وضمان حقوق وكرامة وخصوصية النساء فيها، وتوفير وسائل تخفيف الألم في حالة الرغبة؛ فمهما سعينا لتقليل معدلات الولادة القيصرية غير الضرورية بدون تحسين خدمات الولادة الطبيعية وجعلها مرغوبة ومطلوبة من الحوامل، سيظل التأثير محدودًا، وخاصة في القطاع الطبي الخاص.
-
الاستفادة من الدروس المختلفة في توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن التدخلات غير السريرية للحد من العمليات القيصرية غير الضرورية. بما فيها إجراءات العمل داخل المستشفيات، والآراء الاستشارية في حالات الولادة القيصرية، وخدمات التوعية والمساعدة في الولادة الطبيعية، وغيرها من الدروس.
-
لا مفر من زيادة الإنفاق على الصحة، والالتزام على الأقل بالحد الأدنى الدستوري له؛ فبدون إنفاق على الخدمات ومقدميها، لا يمكن تحسينها. وخاصة في ظل أن الولادة من أكثر الخدمات الطبية التي تلجأ فيها الأسر للخدمات الطبية الخاصة، وأن القطاع الخاص يمثل النسبة الأعلى في احتمالية إجراء الولادة قيصرية (80٪ للقطاع الخاص، و63٪ للقطاع العام طبقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية 2021). ففي الموازنة الأخيرة للدولة كان الإنفاق الحكومي للفرد على الصحة أقل من 1900 جنيه سنويًا، بينما يتجاوز نصيب الفرد من مدفوعات الفوائد على الدَّيْن 17 ألف جنيه.
-
الالتزام بمحددات وأهداف واضحة، وأن تنشر وزارة الصحة معلومات دورية بخصوص معدلات الولادتين الطبيعية والقيصرية في كل منشأة طبية،مع توزيعها الجغرافي، لضمان وجود مدخلات حقيقية لتغذية تدخلات السياسات وضمان ملاءمتها للواقع. وأن تلتزم الخطة بنشر معدلات الإنفاق العام الحقيقية على خدمات رعاية الأمومة والولادة بشكل دوري.