المبادرة المصرية تدين استمرار استهداف هشام قاسم بتقديمه لمحاكمة جديدة بذات الاتهامات
بيان صحفي
تدين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قرار السلطات تجديد ملاحقة الناشر الصحفي هشام قاسم، المعارض السياسي والرئيس الأسبق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، للمرة الثانية بتقديمه متهمًا أمام محكمة جنايات بنفس الاتهامات المسيسة وعن نفس الواقعة التي دانه فيها القضاء قبل عام ونصف العام وقضى بسببها عقوبة سجن جائرة بعد محاكمة افتقرت لأبسط ضمانات العدالة.
وعلم قاسم عبر مواقع إلكترونية مطلع الشهر الجاري بطلبه للمثول أمام محكمة الجنايات الاقتصادية بجلسة 10 فبراير في دعوى أحالتها النيابة العامة للمحكمة، تتهمه فيها بقذف وتعمد إزعاج وزيرة القوى العاملة السابقة ناهد عشري. ليكتشف محامو المبادرة المصرية -عضو فريق الدفاع عن قاسم- لاحقًا أن الدائرة الخامسة بالمحكمة عقدت أولى جلسات نظر القضية (رقم 2347 لسنة 2024 جنح شؤون اقتصادية) بالفعل في يوم 11 ديسمبر 2024، في غياب قاسم أو محاميه، وقررت تأجيل نظر الدعوى لإعلانه بالحضور.
تستند الاتهامات إلى عبارة واحدة وردت بمنشور كتبه على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك في شهر أغسطس من عام 2023، أعاد فيه نشر موضوعات صحفية تضمنت معلومات حول اتهامات وجهت لوزير القوى العاملة والهجرة الأسبق كمال أبو عيطة بالاستيلاء على المال العام أثناء توليه الوزارة، بصفته رئيسًا لمجلس إدارة صندوق إعانات طوارئ العمال التابع للوزارة، ورده للمبالغ محل الاتهام بعد التصالح عليها. واقتصرت الإشارة إلى المدعية - الوزيرة السابقة ناهد عشري- في المنشور على كونها واجهت، صحبة أبو عيطة، اتهامات في قضية نظرتها مباحث الأموال العامة، وهي المعلومة المنشورة في عدة صحف ومواقع صحفية قومية.
أدانت محكمة الجنح الاقتصادية قاسم عن نفس الاتهامات وعلى أساس نفس المنشور في سبتمبر 2023 في بلاغ تقدم به أبو عيطة، حيث حكمت عليه بالحبس ثلاثة أشهر ودفع غرامة 20 ألف جنيه عن تهم السب والقذف و"تعمد الإزعاج" بحق أبو عيطة، إلى جانب الحبس ثلاثة أشهر أخرى بتهمة الإهانة بالقول لضابط وشرطيين بقسم شرطة السيدة زينب أثناء احتجازه على ذمة القضية (رقم 760 لسنة 2023) . وقضى قاسم بالفعل عقوبة السجن لمدة ستة أشهر بين أغسطس 2023 وفبراير 2024، في محاكمة قالت المبادرة المصرية وقتها إنها افتقرت لأبسط قواعد العدالة والإنصاف، وشهدت انتهاكات جسيمة للحق في الدفاع كان من الطبيعي أن تؤدي في النهاية لإدانة قاسم بتهم ذات دوافع سياسية واضحة. وفيما أيدت محكمة الجنح الاقتصادية المستأنفة ذات الحكم في أكتوبر 2023، آقام فريق الدفاع طعنًا على الحكم أمام محكمة النقض التي ينتظر أن تنظر الطعن للمرة الأولي في الثالث والعشرين من يناير الجاري.
إلا أن محامي المبادرة المصرية اكتشفوا أن الوزيرة السابقة تقدمت ببلاغها المطابق لذلك الذي تقدم به أبو عيطة حول نفس المنشور، بعد حوالي أسبوعين من الحكم في قضية أبو عيطة ضد قاسم في سبتمبر 2023، وأن نيابة السيدة زينب حققت ذلك البلاغ أثناء وجود قاسم في السجن من دون سماع أقواله أو حتى إخطاره.
وتعد المبادرة المصرية إعادة محاكمة قاسم عن نفس الواقعة وبذات الاتهامات بعد عام ونصف من القبض عليه وقرابة عام من خروجه من السجن، لا يمثل فقط محاكمة لنفس المتهم عن نفس الفعل مرتين؛ بل يشير بجلاء إلى رغبة واضحة في معاقبته بسبب تصريحاته السياسية الناقدة لنظام الحكم ونشاطه السياسي المعارض.
تدين المبادرة المصرية كذلك إصرار النيابة مرة أخرى على أن تضيف إلى تهمتي السب والقذف (الذين لا يعاقب قانون العقوبات عليهما بالحبس ويكتفي في حال الإدانة بالغرامة المالية) تهمة أخرى هي "تعمد الإزعاج بإساءة استخدام إحدى وسائل الاتصالات" بموجب قانون تنظيم الاتصالات، والتي تبيح توقيع الحبس أو الغرامة أو كليهما، وهو ما يعرض قاسم لخطر الحبس مرة أخرى عن اتهامات أدين على أساسها من قبل وعن نفس الفعل. كما قررت النيابة إحالة الدعوى الجديدة إلى دائرة جنايات -بخلاف المحاكمة السابقة التي نظرتها دائرة الجنح- على أساس كون الشاكية ناهد عشري موظفة عامة نظرًا لمنصبها السابق وزيرة للقوى العاملة وقت الواقعة المنسوبة إليها في المنشور محل الاتهام.
وأضافت المبادرة المصرية أن شبهة التربص والكيدية تظهر كذلك في التفاوت الواضح في أداء النيابة التي قررت إحالة قاسم للمحاكمة مرتين رغم قضائه عقوبة السجن بدوافع سياسية، في الوقت الذي تجاهلت فيه التحقيق أو الإحالة للمحاكمة في بلاغ اتهم فيه قاسم الوزير الأسبق كمال أبوعيطة بسبه وقذفه في تصريحات إعلامية مسيئة ورغم سماع النيابة لأقواله كمجني عليه منذ عام ونصف في 22 أغسطس 2023.
وتعرب المبادرة المصرية عن قلقها من أن تشهد المحاكمة الجديدة نفس الانتهاكات التي شهدتها المحاكمة السابقة، والتي وثقتها المبادرة وقتها في تقرير بعنوان "القانون في خدمة القمع". ورصد التقرير تجاهل المحاكمة السابقة في كل من الدرجة الأولى والاستئناف لأبسط طلبات الدفاع الأساسية والضرورية من أجل التحقيق في التهم المنسوبة لقاسم. حيث رفضت المحكمة تمكين فريق الدفاع من تقديم ما يثبت صحة الوقائع التي نسبها قاسم لأبو عيطة -والمنشورة في عدد من الصحف القومية والخاصةـ بشأن خضوعه للتحقيق من قبل نيابة الأموال العامة في 2015 بدعوى الاستيلاء دون وجه حق على مبلغ من أموال صندوق إعانات طوارئ العمال التابع لوزارة القوى العاملة أثناء توليه الوزارة، ثم موافقته على إعادة المبلغ المزعوم الاستيلاء عليه في سبيل إغلاق التحقيقات. وبالمثل فقد رفضت كل من النيابة العامة ثم المحكمة الاقتصادية بدرجتيها طلب فريق الدفاع تفريغ وضم تسجيلات كاميرات المراقبة بقسم الشرطة في التوقيت الذي زعمت فيه قوة القسم حدوث الواقعة. كما رفضت المحكمة طلب الدفاع سماع أي من شهود النفي الذين تواجدوا بصحبة قاسم في التوقيت المزعوم لواقعة الإهانة الملفقة، بل ولم تلتفت لشهادتهم حتى عند تقديمها للمحاكمة مكتوبة وموثقة من وزارة العدل.
وترى المبادرة أن توقيت تحريك البلاغ الجديد وإحالة قاسم للمحاكمة يدلل أيضًا على تلك العلاقة السببية بين التربص به ونشاطه السياسي. فقد أوصت النيابة بإحالة الدعوى في مارس 2024، أي بعد شهر واحد من خروج قاسم من السجن وإدلائه بعدد من التصريحات الإعلامية التي أصر فيها على مواصلة نشاطه السياسي المشروع، وذلك رغم انتهاء التحقيقات في القضية وعدم اتخاذ أي إجراءات بشأنها قبل قرار الإحالة بثلاثة أشهر كاملة. ورغم تحرير مذكرة النيابة في مارس، فإن المحكمة لم تنظر الدعوى سوى بعد مرور تسعة أشهر، مع اقتراب قاسم من إعلان تأسيس حزب معارض جديد باسم "حزب النداء الحر"، وهي إشارة أخرى على إصرار السلطات الأمنية والقضائية على استعمال القانون في استهداف قاسم عقابًا على ممارسة حقه المكفول دستوريًا في التعبير والنقد والعمل السياسي.