في تحليل المبادرة لموازنة 2024/2025: نصيب فوائد الديون من الناتج المحلي يفوق الأجور والدعم والتعليم والصحة مجتمعين
بيان صحفي
-
الإنفاق الحقيقي على كل البنود يتراجع إلا تكاليف القروض
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم ورقة تحليلية بعنوان "2024/2025 : موازنة فوائد الديون.. التقشف لنا والأرباح للدائنين".
تقدم الورقة تحليلًا لموازنة العام المالي الجاري، التي بدأ العمل بها في مطلع يوليو 2024، وتوضح كيف أدى التوسع في الاستدانة على مدار عدة سنوات إلى نزح موارد الميزانية وتحويلها بعيدًا عن خدمة المواطنين.
وترتبط مناقشة الموازنة بالموضوعات التي تشغل سكان مصر في الوقت الحالي وتدور حولها النقاشات والهموم، سواء تلك المتعلقة بارتفاع أسعار السلع والخدمات، أو انقطاع الكهرباء أو تدهور مستوى التعليم، وعدم توافر الكثير من الأدوية الأساسية.
إذ تزامنت فترة إقرار الموازنة وبداية العمل بها مع سلسلة من القرارات الحكومية التي تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين في الغذاء والدواء والطاقة والحصول على الخدمات الطبية، بداية من قرارات رفع سعر الخبز المدعم وزيادة أسعار الدواء وخصخصة الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية، وزيادة أسعار تذاكر القطارات والمترو، وحتى رفع أسعار الوقود بكل ما يترتب عليها من آثار تضخمية تؤدي للمزيد من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
وتُحكِم تلك الإجراءات التقشفية قبضتها على معيشة المواطنين بعد بضعة شهور من تخفيض قيمة العملة الوطنية، والمرشح للتكرار بناء على اتفاقات مصر مع صندوق النقد الدولي.
ورغم تأكيد وزير المالية الجديد، في أول مؤتمر صحفي له بعد توليه المنصب، على أن الحكومة تتبنى برنامجًا لخفض فاتورة خدمة الدين الحكومي، فإن الملمح الأساسي لميزانية العام المالي الجديد هو أن الديون والتزامات سدادها وفوائدها تبتلع جزءًا كبيرًا من أوجه الإنفاق التي تخطط لها الحكومة، كما أن الطريقة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في الحصول على موارد جديدة لتغطي الفجوة بين الإيرادات والنفقات هي الحصول على قروض جديدة، مما يرشح هذا الوضع للاستمرار ويدفعه إلى لتدهور مع تراكم مدفوعات خدمة الديون. ما يعني أن سياسات مصر الاقتصادية ستظل حبيسة تلك الحلقة المفرغة التي تحكمها خدمة الدين لعدد غير معلوم من السنوات في المستقبل.
وتُظهر بيانات الموازنة أن مخصصات الإنفاق على معظم بنود المصروفات ارتفعت بنسب تدور حول 20%، ما عدا مدفوعات فوائد الديون التي زادت بنسبة 63%، والاستثمارات الحكومية التي تراجع الإنفاق عليها بنحو 15%.
لكن الورقة توضح أن أخذ مؤشر تضخم أسعار المستهلكين في الاعتبار لحساب القيمة الحقيقية للنفقات، يبيّن أن الإنفاق على كل بنود الموازنة قد تراجع من حيث القيمة الحقيقية، وأن البند الوحيد الذي شهد نموًا في الإنفاق الحقيقي كان بند فوائد الديون، والذي ارتفع بنسبة 21%.
وتوضح الورقة سيطرة الديون وفوائدها على كل جوانب الموازنة حيث تستحوذ فوائد الديون المحلية والأجنبية على نحو 91% من حصيلة الضرائب المتوقعة في العام المالي الجديد. وهو ما يعني أن دافعي الضرائب يمولون في الحقيقة أرباح مقرضي الدولة من بنوك وأفراد ومؤسسات، في الداخل والخارج.
وإذا تم حساب نصيب الفرد من مدفوعات فوائد الديون الحكومية المتضخمة، فإنه يبلغ 17.2 ألف جنيه سنويًا، في حين يقل نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة مثلا عن ألف وتسعمائة جنيه سنويًا.
أما على جانب الإيرادات فتوضح الورقة أيضُا أن هناك إفراطَا من جانب الدولة في الاعتماد على الاقتراض كمصدر للتمويل، يرافقه انخفاض في الحصيلة الضريبية بالنسبة لحجم الاقتصاد المصري وبالمقارنة مع الدول المثيلة في العالم.
وترجع محدودية الحصيلة في جزء منها إلى طبيعة تحيزات الدولة وأولوياتها، كما يظهر من موازنة العام الجديد وموازنات الأعوام السابقة أيضًا. حيث لا تجمع الدولة الضرائب الكافية والمناسبة من الشركات والأفراد الذين يحققون مكاسب وأرباح، وتفرض أعباء ضريبية هزيلة على أصحاب الممتلكات والثروات ومضاربي البورصة وأصحاب الدخول العليا وكبار المهنيين، وشركات الأموال. بينما يتحمل المستهلكون والعاملون بأجر العبء الأكبر في تمويل الضرائب. وبذلك تساهم السياسات الضريبية في تعميق اللامساواة والهشاشة الاجتماعية، بدلًا من أن تلعب دورها في تحجيم الفقر والتفاوت الاجتماعي.
ويسعى الخطاب الحكومي طوال الوقت إلى التركيز على التطورات العالمية والأزمات الإقليمية باعتبارها مسؤولة وحدها عن أزمات الاقتصاد المصري، متنصلًا من أية مسؤولية عن خلق تلك الأزمات أو عن اللجوء إلى أدوات غير مناسبة لعلاجها.
لذلك توضح الورقة أن الدولة اتخذت مجموعة من السياسات والإجراءات على مدار السنوات العشر الماضية وضعت الاقتصاد المصري تحت ضغوط هائلة زادت من هشاشته في مواجهة الأزمات الخارجية، على رأسها التوسع الكبير في الاستدانة المحلية والخارجية بمختلف صورها، وﻷغراض في معظمها غير إنتاجية ولا ذات طبيعة حيوية وملحة ولا موجهة إلى التنمية البشرية، مما خلق ضغطًا متزايدًا على مالية الدولة وعلى مواردها من العملة الصعبة، وفتح الباب لتخفيضات متتالية للعملة المحلية، موجات متعاقبة من التضخم في أسعار المستهلكين.
للاطلاع على نص الورقة اضغط هنا