مع العودة التدريجية في المحاكم والنيابات للعمل بكامل طاقتها: الإجراءات الاحترازية المُطبقة حتى الآن تتحايل على القانون وعلى قرارات رؤساء محاكم الاستئناف, وتعصف بحق الدفاع والحمايات الدستورية التي تكفل عدالة الخصومة القضائية
بيان صحفي
تعرب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن قلقها إزاء استمرار تأجيل نظر أوامر تجديد الحبس وتعثر إحضار المتهمين وملفاتهم لحضور الجلسات على مدى شهرين، ما يُعد انتهاكًا لحقوق المُتهمين المنصوص عليها دستوريًّا وقانونيًّا، ويخالف نص قانون الطوارئ المُعدل أخيرًا.
لمدة تقترب من الشهرين إلى اليوم، أُهدِر حق الدفاع، أحد الأركان الجوهرية من مبادئ سيادة القانون لكفالته عدالة الخصومة القضائية، والذي نظمه الدستور مُحَدِدًا بعض جوانبه، وقرر كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية ولصون الحقوق والحريات جميعها، بحرمان المحبوسين احتياطيًّا وممثليهم من الحضور أمام النيابة، وما ترتب عليه من استمرار حبسهم لمجرد شبهة ارتكاب جريمة، على الرغم من أن القاعدة هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
فمنذ بداية شهر مارس الماضي، اتخذت الدولة المصرية العديد من الإجراءات لمواجهة جائحة "كوفيد 19"، واستخدمت سلطتها في إصدار العديد من القرارات لتقنين هذه الإجراءات، وقد طالت هذه القرارات السجناء المحكوم عليهم، والمحبوسين احتياطيًّا على حد سواء، فى مرحلة التحقيق الابتدائي أو مرحلة المحاكمة، بمنع الزيارة عن السجون وأماكن الاحتجاز, دون تمكينهم من إجراء مكالمات تليفونية لذويهم أو توفير أي بدائل أخرى ملائمة تضمن عدم إغفال حق أصيل للمتهمين، كحق الزيارة لما يزيد على شهرين.
ومن ناحية أخرى، جاءت إجراءات السلطة القضائية لمواجهة الجائحة في شكل قرارات من محاكم الاستئناف بتأجيل نظر جلسات الدعاوى المتداولة1. لكن، ضمانةً للحرية الفردية والشرعية الإجرائية، قررت استمرار نظر أمر تجديد حبس المتهمين أو إخلاء سبيلهم، حتى لا يسقط أمر الحبس الاحتياطي، فيفتقر حبسهم إلى سند قانوني. بيد أن مصلحة السجون تقدمت بتعذرات أمنية في كل مرة تفيد بالحول بين المحبوسين احتياطيًّا وبين نقلهم، لنظر أمر تجديد حبسهم سواء أمام النيابات أو الدوائر الجنائية، ما ترتب عليه تأجيل نظر أمر تجديد حبسهم لمدة تقترب من شهرين.
ثم قام البرلمان بمناقشة العديد من القوانين العاجلة، من بينها استحداث بعض البنود بنصوص قانون الطوارئ، لضمان عدم سقوط الحقوق المرتبطة بمواعيد إجرائية، وذلك بوقف سريان مواعيد سقوط الحق في المواعيد الإجرائية الخاصة بالتظلمات الوجوبية والدعاوى والطعون القضائية وغيرها. لكن ضمانًا للحرية الشخصية المكفولة بالمادة 54 من الدستور المصري، جاء في نص التعديل أنه "لا يسري حكم وقف سريان المواعيد على الآجال والمواعيد الخاصة بالحبس الاحتياطي". وقد تم إقرار هذا البند بالفعل بالقانون 22 لسنة 2020 بتعديل قانون الطوارئ، فى السادس من مايو2.
وفي بداية شهر مايو الحالي، صدرت قرارات محاكم الاستئناف بنظر أمر تجديد حبس المتهمين دون حضور المتهمين لسماع أقوالهم, بالمخالفة للمادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية، لكن واقع الحال كان أسوأ، فقد تم نظر أمر تجديد حبس المحبوسين احتياطيًّا دون حضور المتهمين، ودون إحضار أوراق التحقيقات من أجل فحصها من قبل الدائرة القائمة بنظر أمر تجديد الحبس -- وما تنطوي عليه من أدلة وقرائن للتأكد من مدى كفايتها كمبرر للحبس الاحتياطي من عدمه -- ودون السماح بسماع دفاع محاميِّ المتهمين بالمخالفة للمادة 136 من قانون الإجراءات.
لذا، ترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن مواجهة انتشار فيروس كوفيد 19 لا تعنى استمرار حبس أفراد لم تثبت إدانتهم بعد. للنيابة العامة سلطة إخلاء سبيلهم أو استبدال بالحبس الاحتياطي بأحد التدابير الاحترازية، وعلى مصلحة السجون بالتنسيق مع النيابة العامة النظر في أحوال السجون وأماكن الاحتجاز واتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة للحفاظ على صحة المحبوسين احتياطيًّا ووقايتهم من الإصابة بالفيروس، مع تمكينهم من الانتقال لنظر تجديد أمر حبسهم أو إخلاء سبيلهم، مع ضمان حق الدفاع عنهم وحضور محاميهم للدفاع عنهم.
وبناء على ذلك, نناشد المجلس الأعلى للقضاء، وبشكل خاص رؤساء محاكم الاستئناف والنائب العام، ممثلًا عن النيابة العامة في المجلس الأعلى, كما نطالب مصلحة السجون بصفتها المسؤول عن نقل المحبوسين احتياطيًّا والمساجين, أن يضمنوا عدم إهدار الشروط الموضوعية والشكلية الخاصة بمرحلة التحقيقات التي نص عليها قانون الإجراءات الجنائية المُكمل للدستور، والحفاظ على التوازن بين حماية مصالح المجتمع، وحماية الفرد وحريته وحقه الأصيل في الدفاع عن نفسه أمام القضاء، واتخاذ ما يلزم من أجل:
- تفعيل نص قانون الطوارئ المُعدل خصوصًا لمواجهة جائحة كورونا وقرار محاكم الاستئناف بنظر جلسات تجديد الحبس في مواعيدها, مع ضمان نفاذ المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية الذي يضمن حق المتهمين في الدفاع القانوني عند نظر تجديد أمر حبسهم.
- التعجيل بوضع خطة تشمل تفاصيل الإجراءات الاحترازية والوقائية التي ستتخذها الدولة، مُمَثَلة في مصلحة السجون، من أجل ضمان حضور المتهمين في جلسات تجديد حبسهم في الفترة القادمة، وبخاصة مع توقع استمرار إجراءات مواجهة جائحة كورونا بشكل جزئي لأجل غير مسمى. وذلك لحين إقرار القيام بإجراءات تجديد الحبس أو جلسات المحاكمة باستخدام آليات أخرى قد تشمل المحاكمة عن بعد, وإلى أن يتم تطوير البنية التحتية التي تسمح بذلك مع ضمان كافة حقوق الأطراف المتقاضية وبشكل خاص الحق في الدفاع للمتهمين.
- في الوقت الحالي وبشكل عاجل، إلزام النيابات والمحاكم بالسماح للمحامين بحضور جلسات تجديد الحبس وبإحضار أوراق التحقيقات والاتهام إلى جلسات تجديد الحبس، وهو الحد الأدنى الذي لا يستكمل الشكل القانوني لإجراءات الحبس بدونه.
- إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًّا ممن لهم محل إقامة ثابت، أو استبدال بالحبس الاحتياطي أحد التدابير الاحترازية.