عام عصيب على عمال مصر.. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تصدر مذكرة سياسات لتعميم حد أدني منصف للأجر لكل العاملين
يأتي عيد العمال هذا العام بعد سنة شديدة الصعوبة من الناحية الاقتصادية على كل العاملين بأجر في مصر. فقد أدت أزمة الدين العام، والخارجي منه تحديدًا، وأزمات سعر الصرف التي نتج عنها تخفيضات كبيرة في قيمة الجنيه أمام الدولار ثم صدمات تضخمية متتالية وارتفاعات في أسعار السلع الأساسية، بالإضافة إلى توجهات السياسة الاقتصادية برعاية صندوق النقد الدولى، إلى ضربات موجعة متتالية لأجور ومستويات معيشة أغلبية العاملين بأجر في مصر.
الضربات الرئيسية جاءت بسبب الارتفاعات المتتالية في الأسعار، التي تواصلت منذ عام 2016 بعد كل تخفيض للجنيه، ومع الإجراءات التقشفية التي تتعمق عامًا بعد عام في موازنة الدولة عمومًا وفي الخدمات العامة والإنفاق الاجتماعي تحديدًا. وقد بلغ التضخم التراكمي منذ عام 2016 حوالي 991٪ أو حوالي عشرة أضعاف. في الوقت ذاته شهدت الأجور الحقيقة تراجعًا مستمرًا، وفي العام المالي الحالي وحده تراجعت الأجور الحقيقة في الموازنة العامة 15٪ بعد زيادتها بالأسعار الجارية بحوالي 20٪ فقط، بينما بلغ متوسط التضخم للعام المالي ذاته بحسابات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 35.7٪.
ومما يزيد الطين بلة أن نصيب العمل والأجور من الدخل القومي تراجع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، "حيث ارتفع نصيب الأرباح والريوع من الدخل القومي على حساب الأجور"، بحسب البنك الدولي في دراسته التشخيصية الأخيرة عن مصر لعام 2022. ويقدر البنك نصيب الأجور من الدخل القومي بحوالي 25٪ فقط مقارنةً بـ 40٪ في العقد السابق، وهو ما يعني زيادة اللامساواة بين العاملين بأجر وبين الدخول من الأرباح ومن ملكية الأصول سواء كانت مالية أو غير مالية.
ومع التضييق على الحركة النقابية وعلى قادتها، تراجعت قدرة العمال على المساومة والتفاوض لتحسين أحوالهم، كما استمرت وتعمقت الفجوات في الأجور بين النساء والرجال وبين القطاعات المختلفة داخل الموازنة العامة، حيث استحوذ قطاعا "الخدمات العامة" و"النظام العام وشؤون السلامة العامة"على حوالي ثلث كل قيمة بند الأجور في الموازنة. ويضم القطاع الأول المجالس النيابية والرئاسة ووزارة المالية وبعض الجهات السيادية، بينما يضم القطاع الثاني الداخلية والقضاء والمحاكم، كما كانت معدلات الزيادة في أجور هذين القطاعين أعلى من باقي قطاعات الموازنة.
ولأن قطاعًا كبيرًا من العاملين بأجر هم من الفقراء، فقد أدت الصدمة التضخمية الهائلة في 2023 و2024، إلى إيقاع عدد كبير منهم تحت خط الفقر، وتقدر دراسة مقدمة لليونيسيف نسبة الفقراء في يونيو 2023 بمعدل تضخم 23٪ فقط بحوالي 38٪ من المصريين مقارنة ب 29.7٪ في مارس 2020، ويتوقع أن تزيد النسبة بسبب وصول متوسط التضخم إلى ما يفوق 35٪.
وبرغم الخطوات الإيجابية التي اتخذها المجلس الأعلى للأجور بتحديث الحد الأدنى للأجر عدة مرات ليصل إلى 6 آلاف جنيه ومد مظلته لبعض العاملين في القطاع الخاص، إلا أن الحد الأدنى يظل أقل من الخط الوطني للفقر محسوبًا بمعدل التضخم من مارس 2020، آخر رقم معلن لخط الفقر القومي. كما تعاني سياسات تطبيق الحد الأدنى مشاكل كبيرة، سواء في عدم شموله كل العاملين في الدولة والقطاع العام واقتصار تطبيقه في القطاع الخاص على نسبة ضئيلة من المنشآت، مع آلية للاستثناءات، واستبعاد للعاملين في القطاع غير الرسمي.
ولمحورية الحد الأدنى للأجور في سياسات الأجور في مصر في اللحظة الحالية، تصدر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اليوم الأول من مايو الذي يوافق عيد العمال، مذكرة سياسات بعنوان "نحو أجر منصف للجميع في مصر- خيارات تعميم الحد الأدنى للأجر"، تحدد خطوات عملية للتعامل مع فجوات التطبيق للوصول لحد أدنى يقي من الفقر وقابل للتطبيق على كل العاملين بأجر.
وتعتبر المذكرة، المبنية على دراسة تحليلية للمبادرة في سبتمبر الماضي بعنوان “نحو أجر منصف للجميع في مصر.. خيارات تعميم الحد الأدنى للأجور”، أن مد سياسة الحد الأدنى الموحد لجميع العاملين بأجر في مصر سيخفف من عبء وتكلفة تخفيض الفقر الواقعة على عاتق الحكومة، خاصة أن هناك مجالًا كبيرًا لتوزيع أوّلي أفضل للدخل في القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي، بالإضافة إلى تنشيط الطلب المحلي، ومن ثم رفع معدل النمو، وذلك لارتفاع الميل الحدي للاستهلاك لدى شرائح الدخل الدنيا. وهو تنشيط للنمو من النوع الحميد والاحتوائي، وتحقيق توزيع أفضل لثمار النمو، فيه تقاسم أكثر عدلًا للدخول بين عناصر الإنتاج (العمل ورأس المال). وهو ما ينتج عنه زيادة القدرة على الصمود لدى الملايين من العاملين في وجه الصدمات الخارجية. يُضاف إلى هذا تشجيع النساء على الالتحاق بالوظائف.
إن الحد الأدنى الشامل للأجر هو خطوة أولى على طريق العدالة الاجتماعية، وينبغي أن يليها تحسين نوعية العمل بأجر، عبر آليات الحماية الاجتماعية التي تنادي بها منظمة العمل الدولية.
لقراءة المذكرة اضغط هنا