الأحكام الابتدائية: عقاب على هوية مفترضة

العقوبة القصوى في التهمتين الأكثر شيوعًا في هذه القضايا (اعتياد ممارسة الفجور- الإعلان عن مواد تتضمن إغراء بالفجور) هي ثلاث سنوات لكل تهمة، ومن خلال 18 حكمًا لمحاكم الدرجة الأولى _استطاعت المبادرة رصدهم_ يتبين أن الحكم بالحبس لمدة عام هو أكثر الأحكام شيوعًا سواء يصاحب ذلك غرامة أو مراقبة أو كليهما. ففي خمس قضايا من القضايا المرصودة جاء الحكم بالحبس لمدة سنة، وفي بعض هذه القضايا تم تبرئة المقبوض عليهم من تهمة اعتياد ممارسة الفجور بينما تدينهم المحكمة بتهمة الإعلان _من خلال شبكة الإنترنت_ عن مواد تغري بالفجور، بينما جاء الحكم في إحدى القضايا بالحبس لمدة 3 أشهر فقط. أما الحبس لمدة سنتين فكان هو الحكم في قضيتين والحبس 3 سنوات في قضيتين، بالإضافة إلى 4 قضايا حكمت المحكمة فيها بالبراءة، لكن في حالة واحدة منهم تم ترحيل المتهمين ﻷنهم أجانب. أما في الأربع قضايا الباقية فقد نال المتهمون فيهم أحكامًا قاسية. تعد الأحكام التي تصدرها محاكم الجنح في قضايا الفجور هي الأعنف من نوعها منذ صدور القانون في بداية ستينيات القرن الماضي، ففي إحدى هذه القضايا كانت العقوبة ست سنوات سجنًا عن تهمتي اعتياد ممارسة الفجور وإدارة مسكن لممارسته وفي القضايا الثلاث الباقية وصلت الأحكام فيها إلى 8 و 9 و12 سنة بالسجن. وتأتي هذه الأحكام القاسية كنتيجة لما ناقشناه سابقًا من قيام النيابة بتوجيه العديد من الاتهامات إلى فعل واحد قد يشكل أكثر من جريمة.

من الملاحظ أن قضاة محاكم الجنح يعاقبون الأفراد بناءً على ميولهم وهوياتهم الجنسية المفترضة، إذ اتفق جميع المحامين الذين تمت مقابلتهم على أن أحكام أول درجة في قضايا اعتياد الفجور هي في أغلب الأحيان انعكاس لنظرة مجتمعية محقِّرة وواصِمة لهؤلاء الأفراد عقابًا لهم على مثليتهم الحقيقية أو المفترضة. يقول محامٍ حقوقي عن تجربته في أحد محاكم الجنح: "أرجأنا القاضي إلى آخر الجلسة وانتقل بنا إلى غرفة المداولة وأخرج صور المتهم وهو مرتديًا ملابس نسائية ويضع مساحيق تجميل والتي أرسلها المتهم إلى المخبر أو الضابط الذي كان يوقع به وكانت مرفقة بملف القضية كأحراز وجلس يتأمل الصورة ويقول: أتريد أن تقنعني أن هذه الصور لا تخصك... انظر إنه أنفك وإنها عيناك وأخذ يفصل الصور ويطابقها على المتهم دون أن يلتفت إلى الطريقة التي أخذت بها هذه الصور كأحراز أو إلى أن هذا شأن الأفراد الخاص، أن يرتدوا ما شاءوا داخل منازلهم". وفي قضية أخرى خاطب القاضي المحامين قبل النطق بالحكم قائلا: "كما تعرفون هذه قضايا يهتز لها عرش الرحمن".

كما تحفل نصوص الأحكام بالاستشهاد بقيم دينية وأخلاقية تزدري المثلية وتحقِّر من شأنها حتى ولو كانت أدلة الاتهام نفسها واهية وإجراءات المحاكمة يشوبها الخلل. التالي هو جزء من منطوق الحكم في قضية جنح زهراء مدينة نصر سالفة الذكر:


"المحكمة قد تيقنت من قيام المتهمين بارتكاب جريمة الفجور وهي ثابتة بحقهم ثبوت يقيني وذلك بضبطهم وضبط ملابس للنساء وأدوات تجميل للنساء بحوزتهم، فضلًا عما شاهدته المحكمة على المتهمين من مظاهر التشبه بالنساء وقد قال رسول الله (ص): "لعن الله المتشبهين بالنساء في لبسهم"، فاللواط هو عدوان ظاهر على الإنسانية وخروج عن سنن الطبيعة لهذا أسماها الله الفاحشة، ولهذا هو أفحش من الزنا".

بالإضافة إلى خلط ما يجرمه القانون بما قد يراه القاضي محرمًا دينيًّا، يشكو المحامون من مشكلة أخرى تخص أحكام محاكم الجنح في قضايا اعتياد ممارسة الفجور، وهي أن الحكم عادة ما يستند إلى نموذج معد مسبقًا ومكتوبًا على الكومبيوتر تقوم المحكمة بملء خانات التاريخ وأسماء المتهمين ورقم القضية والحكم وغيرها ما يجعل الحيثيات مختزلة في كثير من القضايا.


أحكام الاستئناف:

المبالغة الشديدة في أحكام محاكم الجنح في أول درجات التقاضي في قضايا اعتياد ممارسة الفجور تؤكدها أحكام محكمة الاستئناف التي تخفض الأحكام أو تبرئ المتهمين. فمن أصل 12 حكم استئناف _استطاع باحثو ومحامو المبادرة رصدهم_ رفضت المحكمة استئناف النيابة على براءة المتهمين في قضيتين، أحدهما هي قضية باب البحر، وتم تأييد حكم أول درجة ورفض استئناف المتهمين في 4 قضايا، لكن كانت أحكام أول درجة في هذه القضايا هي أحكام هينة لا تتجاوز الحبس لمدة عام واحد (3 أشهر في قضية - حبس سنة في القضايا الثلاث الأخرى). بينما قامت محكمة الاستئناف بتخفيف أحكام محاكم أول درجة في 4 قضايا أخرى. من هذه القضايا التي خففت فيها محكمة النقض الأحكام الصادرة، كانت القضية المعروفة إعلاميًّا بقضية زواج الشواذ والتي قضت فيها محكمة الجنح بحبس المتهمين مددًا تصل إلى 3 سنوات عن تهمتي الإعلان ونشر مواد تغري بالفجور، حيث قامت محكمة الاستئناف بتخفيض الحكم إلى سنة واحدة فقط. وفي قضية أخرى لنفس العام حكمت فيها محكمة الجنح على المتهمين بأحكام تصل إلى 6 سنوات بتهمتي اعتياد ممارسة الفجور وإدارة مسكن لممارسة الفجور، قضت محكمة الاستئناف بتخفيض الحكم إلى 4 سنوات، وفي قضية أخرى قضت فيها محكمة الجنح بحبس ثلاثة متهمين مددًا أقصاها سنتين وتغريمهم ومراقبتهم، قامت محكمة الاستئناف بالحكم ببراءة المتهمين الثلاثة من تهمة اعتياد ممارسة الفجور وقضت بحبس المتهم الأول 6 أشهر فقط عن تهمة الإعلان عن مواد تغري بالفجور. وتأتي قضية 6269 جنح العجوزة التي حكمت فيها محكمة أول درجة على المتهمين بأحكام تبدأ بـ 3 سنوات حبسًا وتمتد إلى 12 سنة عن تهم اعتياد ممارسة الفجور والإعلان عن مواد تغري بالفجور وكذلك إدارة مسكن لممارسة الفجور وتحريض على ممارسة الفجور وإساءة استخدام أحد وسائل الاتصال، تأتي كمثال واضح للتنكيل بالرجال المثليين و/ أو النساء متغيرات الجنس (الترانس) أو من يظن أنهم كذلك إذ قامت محكمة الاستئناف بالحكم عليهم جميعًا بسنة واحدة.

وفي قضيتين أحدهما في 2014 والأخرى في 2015 برَّأت محكمة الاستئناف المتهمين بعد إدانة محكمة أول درجة لهم، وفي القضية التي جرت أحداثها في 2014 أصدرت محكمة جنح مدينة نصر فيها أحكامًا بالسجن تتراوح من 3 إلى 8 سنوات عن تهم اعتياد ممارسة فجور وتحريض على ممارسته وإدارة مسكن لممارسته.