يبدأ هذا القسم بمناقشة دور الشرطة، وبتحديدٍ أكثرَ إدارتي النشاط الداخلي والخارجي لحماية الآداب العامة، ودورهما في التتبع والتلصص على حياة المثليين أو من يُظن بهم المثلية وعابرات/ متغيرات الجنس، ورصد ﻷهم الأنماط التي تتبعها الشرطة في القبض عليهم، مع توثيقٍ لأنواع الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء الأفراد داخل أقسام الشرطة وأثناء القبض عليهم.
يقود هذه الهجمة الأمنية الإدارة العامة لحماية الآداب العامة ، وتشير ملفات القضايا، وكذلك التغطية الإعلامية، إلى وجود ثلاث أنماط أساسية لهذه الهجمة الأمنية، أولها وأكثرها ذيوعًا هي الإيقاع بالأفراد من خلال حسابات وهمية على مواقع وتطبيقات المواعدة المخصصة للأشخاص المثليين ومتغيري الجنس (الترانس) وبخاصة النساء، والنمط الثاني هو قيام وزارة الداخلية بترحيل المثليين، أو من يُظن بهم المثلية، من الأجانب حتى في حال عدم ثبوت اتهامات اعتياد ممارسة الفجور عليهم، وفي بعض الأحيان دون حتى إحالتهم إلى المحكمة، النمط الثالث لهذه الهجمة هو محاولات خلق فضائح جنسية كبرى تحظى بتغطية إعلامية استثنائية، مثل: حادثتي حمَّام باب البحر أو الحادثة المعروفة إعلاميًّا بزواج الشواذ أو القبض على رجل أعمال شهير ، أو الحادثة الأخيرة المتعلقة برفع علم قوس قزح في حفل غنائي وشن هجمة قبض عنيفة على المثليين إثر هذه الواقعة. تتنوع باقي القضايا بين القبض على الذكور ممن يرتدون ملابس نسائية، إلى جانب الطرق الاعتيادية من البلاغات التي تستقبلها الشرطة من الجيران أو موظفي الفنادق إذا لاحظوا وجود أشخاص مثليين أو حدوث ممارسات جنسية غير مقبولة اجتماعيًّا. نتناول في الصفحات التالية هذه الأنماط بشيء من التفصيل.
أولًا: حرب على مواقع وتطبيقات المواعدة
تَطَوَّر ترصد مباحث الآداب العامة للمثليين ولعابرات/ متغيرات الجنس (الترانس) أو من يُظن أنهم كذلك من تتبع حساباتٍ يعلن أصحابها عن رغباتهم في ممارسة الجنس التجاري إلى محاولات الإيقاع بأغلب الأشخاص على مواقع المواعدة سواء بأموال أو دون أموال. وعكس ما يحدث في تطبيق مواد الدعارة التي تجرِّم من تقدِّمن الجنس التجاري وتبرئ الشاري، ففي تطبيق مواد اعتياد الفجور _على الأقل على المستوى الشرطي_ لا تُفرِّق الشرطة بين من يشتري أو يبيع أو لا يمارس ذلك مقابل أموال. ويمكن تتبع هذا التطور من خلال محاضر الشرطة. فخلال السنة الأولى من الهجمة الأمنية، كانت محاضر الشرطة تشير إلى أن القبض يتم بناءً على بلاغات أو إعلانات على المواقع تدعو إلى ممارس الجنس المثلي بمقابل مادي. وفيما يلي أمثلة لديباجة محاضر الشرطة خلال السنة الأولى من الهجمة:
"تنفيذًا لإذن النيابة العامة بضبط المتحرى عنهم حال ارتكابهم نشاطهم الآثم وكذا تفتيش الشقة المتواجدة بالعقار كذا دائرة قسم شرطة كذا وضبط المتواجدين بالمسكن حال ارتكابهم جريمة ممارسة الفجور وكذا ضبط أدوات الجريمة وضبط ما قد يظهر عرضًا أثناء التفتيش وتعد حيازته وإحرازه معاقب عليه قانونا. وذلك الإذن بناء على ما أشارت إليه التحريات السرية التي قمنا بها فحص موقع escort.com ومتابعة الصفحات المجودة عليه والمعلن داخلها عن تلك الفتيات"1.
فيما يشير محضر آخر لنفس العام إلى أنه: "حيث وردت للإدارة العامة بعض البلاغات التليفونية تفيد بانتشار صفحة بموقع فيسبوك وموقع www.tsdating.com على الإنترنت لأحد الأشخاص باسم () يقوم من خلاله بالإعلان عن نفسه لممارسة الفجور مع الرجال مقابل مبالغ مالية قدرها ألف جنيه في الساعة الواحدة وأنه يستخدم هاتف رقم () في عقد وترتيب هذه اللقاءات المؤثمة مع الرجال راغبي المتعة الحرام مخالفًا بذلك لأحكام القانون 10 لسنة 1961 وبإجراء التحريات السرية والمراقبات الميدانية، أكدت صحة ذلك وأن موقع tsdating الموجود على الإنترنت هو موقع إباحي يقوم من خلاله الشواذ جنسيًّا بالإعلان عن أنفسهم لممارسة الفجور مقابل مبالغ مالية يتحصلون عليها".2
ويمثل عام 2015 بداية للهجمة الإلكترونية المنظمة على مواقع التعارف والمواعدة كما نعرفها الآن والتي تسعى فيها مباحث الآداب إلى إلقاء القبض على الأفراد من خلال استدراجهم والاتفاق معهم على ممارسة الجنس وإعداد أكمنة لهم. تعد هذه الطريقة هي الطريقة الرئيسية للإيقاع بالأفراد واتهامهم باعتياد ممارسة الفجور والإعلان عن ممارسته. خلال هذه الطريقة، يقوم الضابط أو المخبر، بعمل حساب وهمي على مواقع المواعدة والتعارف الخاصة بالمثليين وعابري/ متغيري الجنس ويبدأ في الحديث إلى الأفراد هناك لمدد تطول أو تقصر، ولا يتعجل اللقاء بهم وفي أحيان عديدة يجعلهم يرسلون صورًا لأنفسهم. وأحيانًا يتقمص المخبر أو الضابط شخصية مواطن خليجي لإيهام وإغراء من يحدثهم بثرائه، وفي النهاية يتم الاتفاق على مكانٍ للمقابلة وعندما يذهب الشخص إلى المكان المتفق عليه يفاجأ بوجود كمين منصوب له للإيقاع به ويتم القبض عليه واقتياده إلى قسم الشرطة أو الطابق الخاص بمباحث الآداب داخل مجمع التحرير.
ومنذ بداية 2015 وجد باحثو المبادرة المصرية ديباجة شبه ثابتة في محاضر الشرطة تقول:
"بناءً على توجيهات السيد اللواء مساعد الوزير لقطاع الأمن الاجتماعي وتعليمات السيد اللواء مدير الإدارة العامة لحماية الآداب بتكثيف الجهود للتصدي لكل صور الجرائم الماسَّة بقيم وأخلاقيات المجتمع المصري والأنشطة الآثمة لشبكات الدعارة الدولية التي تستهدف شباب الوطن ولا سيما ما ظهر حديثًا من رصد المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي".3
ورغم أن محاولات الإيقاع هذه قد تستغرق أيامًا أو أسابيع أو شهورًا فإنه في كثير من الحالات لا يتم استصدار أمر نيابة للقبض على الشخص ﻷنه يتم القبض عليه من الشارع دون ارتكابه أية جريمة.
على سبيل المثال، في أحد أيام شهر يونيو 2015، اتفق فراس _لاجئ _ على مقابلة شخص من خلال أحد المواقع، وكان مكان اللقاء ميدان المساحة بالدقي. يقول فراس في مقابلة أجراها معه أحد باحثي المبادرة المصرية في أكتوبر 2016: "طلب الشخص مني شراء واقي ذكري ومستحضرات من أجل الليلة. ذهبت لهناك ومعي اﻷغراض _والتي تم تحريزها بعدها في القضية_ وانتظرت الشخص وتأخر عليَّ فأرسلت له رسالة أقول فيها إنه تأخَّر ومن حقي أمشي فهو رد عليَّ واعتذر عن التأخير بسبب زحمة الطريق".
يذكر محضر الشرطة الخاص بفراس: "إن الفترة ليست طويلة لتمكننا من تحرير محضر تحريات وتقديم هذه التحريات إلى النيابة العامة لاستصدار إذن لضبطهم وذلك لضيق الوقت والخشية لانتهاء فترة زمن ارتكاب الجريمة"، وذلك على الرغم من استمرار المحادثات بينهم على مواقع المواعدة لفترة من الزمن.
وبعد الديباجة السابق ذكرها، يأتي اسم موقع المواعدة ويستكمل المحضر عادة بالشكل التالي:"لاحظنا وجود أحد الحسابات على هذا الموقع باسم () يقوم فيه أحد الأشخاص بعرض نفسه لممارسة الفجور بمقابل مادي يتحصل عليه. قمت باستخدام أحد مصادرنا السرية لعمل محادثة معه على محادثات موقع المانجام ثم على خاصية الواتساب واتفق معه على مقابلة لممارسة الفجور بمقابل مادي وقدره 500 جنيه نظير الساعة واتفق معه على مقابلته أمام محل () بشارع السودان دائرة قسم العجوزة، وقد قام بإرسال صورة له لكي يتم التعرف عليه عند مقابلة المصدر خاصتنا".
هذا التتبع والإيقاع المنظم ظهر أيضًا في الطريقة التي أصبحت المواقع الإخبارية تغطي بها قضايا اعتياد ممارسة الفجور في 2015 كما سيظهر لاحقًا في الجزء الخاص بالإعلام.
تبني شرطة الآداب قضاياها ضد المثليين وعابرات/ متغيرات الجنس (الترانس)، أو من يظن أنهم كذلك، من خلال التعقب الإلكتروني والذي يعد مخالفة قانونية صريحة . فمن المتعارف عليه فقهًا وقضاءً أن احتيال مأمور الضبط القضائي لكشف الجريمة لا يعيب إجراءات الضبط، ولكن بشرط وقوع الجريمة نفسها أو توافر شروط حالة التلبس، كأن يبيع أحد التجار سلعة مغشوشة مثلًا لمأمور الضبط القضائي، أما عدم وقوع الجريمة نفسها وهي ممارسة الفجور في حالتنا، والاكتفاء بالمحادثات الإلكترونية فيعد تحريضًا على جريمة الفجور وفقًا لنص الفقرة (أ) من المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1961 والتي تنص على أن "يعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة (ب) من المادة السابقة :
( أ ) كل من استخدم أو استدرج أو أغرى شخصا ذكرا كان أو أنثى بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة وذلك بالخداع أو بالقوة أو بالتهديد أو بإساءة استعمال السلطة أو غير ذلك من وسائل الإكراه"4
_ حتى إذا سلمنا جدلًا بأن العلاقات الرضائية بن الرجال مجرمة_ ويحرص ضباط مباحث الآداب في هذه القضايا (كما توضح محاضر شرطة وشهادات جمعها باحثو التقرير) على خطوات معينة إلى جانب طباعة المحادثة الإلكترونية واستخدامها كدليل ضد الشخص الذي يتم ترصده، وهي 1- محاولة التأكيد على أن الجنس الذي يتم الحديث عنه هو جنس تجاري حتى لو عن طريق التلفيق. 2- الاهتمام بالأحراز من عينة الملابس النسائية والبواريك (الشعر النسائي المستعار) وبالأخص الواقي الذكري وإن كان ذلك من خلال أن يطلب المخبر أو الضابط المتخفي من الشخص الذي يتحدث إليه عبر مواقع المواعدة والتعارف شراء واقي ذكري ليستخدمه بعد ذلك ليلًا ضده أو حتى زرعه كدليل، حتى وإن لم يكن بحوزة الشخص. 3- الحرص على بناء سيناريو معين يعترف فيه الشخص بأنه تم الاعتداء عليه وهو صغير وبذلك أصبح "شاذًّا جنسيًّا" ومارس عددًا من العلاقات منذ ذلك الوقت ليتم إثبات ركن الاعتياد في الجريمة.
النص التالي جزء من محضر تحقيق عام 2014 "وبمناقشة الأول قرر بأنه يُدعى كذا مواليد… وقرر بأنه اعتاد ممارسة الفجور منذ الصغر وأنه احترف هذا النشاط المؤثم... وأنه أنشأ صفحة على الموقع السابق ذكره لعرض نفسه والإعلان عن ممارسة الفجور وقام بتصوير نفسه مرتديًا ملابس حريمي داخلية واعتاد التشبه بالنساء وإطالة شعره ووضع المكياج مستخدمًا في ذلك التليفون المحمول رقم على الصفحة السابق ذكرها لاصطياد الزبائن راغبي ممارسة الفجور وذلك بمقابل مادي يتحصل عليه وأنه يقوم بوضع صور عارية له على ذات الموقع باستخدام تليفونه المحمول وبفحص جهاز التليفون المحمول تبين أنه يحوي على العديد من صور له مرتديًا ملابس داخلية نسائية ويظهر عورته من الخلف".5
يؤكد الأفراد الذين سبق القبض عليهم وقامت المبادرة بمقابلتهم في ديسمبر 2014 اهتمام الشرطة بالأحراز، في أحد قضايا اعتياد ممارسة الفجور والتي وقعت خلال 2014 وصدرت ضد الأفراد المتهمين فيها أحكام تتراوح بين ثماني وثلاث سنوات في السجن عن تهم اعتياد ممارسة الفجور وحصلوا جميعًا على البراءة في الاستئناف. قام باحثو المبادرة المصرية بمقابلة اثنين من الذين قُبض عليهم في هذه القضية في أحد المدن الساحلية، وأفادوا أنهم استأجروا إحدى الشقق المفروشة بمدينة نصر وكانوا 4 شباب، وبحلول الثانية ظهرًا دق باب البيت وكان هناك ضابط مباحث برفقة ثلاث مخبرين، وأخبرهم الضابط بأنه يريد تفتيش الشقة ليرى إن كان بحوزتهم حشيش أو سلاح أو إن كان هناك فتيات معهم وعندما سأله شهير – أحد ساكني الشقة "كيف تفتش الشقة دون إذن نيابة" بدأ المخبرون في إهانتهم وسبهم وقالوا له "بس يا روح أمك، هو إنت إللي زيك يعرف إذن نيابة؟!". قام المخبرون بتفتيش الشقة وقالوا للضابط "شكلهم كلهم خولات" وحرزوا الملابس النسائية التي كانت في البيت وأدوات التزيين
وفي محضر آخر تحقيق 2015، يفيد المحضر _نقلًا عن لسان ضابط أو مخبر الآداب_ أنه تم استخدام القوة في القبض على الشخصين المستهدفين من الشارع، إذ يذكر أنه: "بالاقتراب منهما تبين لي أنني أمام الشخص المعني بالمحادثات فقمت بإجراء مناقشة ودية معه فأفاد إليَّ بذات ما ورد بمحادثات الواتساب وأن الشخص الذي يرافقه (شيميل)،6 ولِيَ حرية الاختيار بينهما، وأن الحقيبة التي بحوزتهما بداخلها الملابس الحريمي وأدوات المكياج ولوازم السهرة، وطلب مني المبلغ المالي المتفق عليه قبل الانتقال إلى الممارسة. وحال تأكدي أنني أمام جريمة حالة تتمثل في قيام الشخصان اللذان أمامي بعرض نفسيهما لممارسة الفجور فقمت بالإشارة للضباط المرافقين بالاقتراب وضبطهم بمساعدتهم وأثناء ذلك حاول المتهمان الهروب والتعدي على القوات فتم استخدام القدر الكافي من القوة للسيطرة عليهما حتى نتمكن من ضبطهما واصطحابهما لديوان الإدارة… وبمناقشة الأول ومواجهته بالمحادثات الواردة بالواتساب وما لدينا من معلومات وتحريات وما أسفر عنه الضبط أقر بقيامه بإنشاء حساب على موقع هورنيت لعرض نفسه على الرجال راغبي المتعة الجنسية الشاذة والفجور بمقابل مادي يتفق عليه خلال المحادثات وبأنه يمتهن وصديقه الثاني المضبوط معه هذه المهنة منذ مدة طويلة وأنهما مارسا الفجور اليوم مع شخص من راغبي الشذوذ الجنسي بالرضا ومقابل مادي".7
ويذكر محضر في عام 2016 أنه: "وبمناقشة الأول قرر بأنه يدعى () وشهرته () عاطل ومقيم () وأضاف أنه قام بفتح حساب على تطبيق ماتش آب من هاتفه الخلوي رقم () وهو ذات الرقم الذي قمنا بالتواصل معه عليه وذلك للتواصل مع الرجال راغبي ممارسة الفجور واستقطابهم عليه وأن هذا التطبيق أكثر سرية من المواقع الأخرى الخاصة بالشواذ جنسيًّا. كما أضاف أنه يمارس الفجور سلبًا منذ الصغر وأنه اتخذ منها وسيلة لكسب المال وأن الشخص المضبوط معه من الشواذ جنسيًّا وأنهما على علاقة شاذة منذ فترة وقدم لنا هاتف محمول ماركة () أبيض اللون مركب عليه الخط رقم () والمستخدم في عقد وترتيب اللقاءات الجنسية الشاذة بينه وبين راغبي الفجور وبفحص الهاتف تبين أنه يحوي العديد من المحادثات المؤثمة، كما قدم لنا مبلغ نقدي قدره ألف ومئة جنيه كان يحتفظ به بداخل حقيبة يد بنية اللون صغيرة الحجم والذي أفاد لنا شفاهة أنه حصيلة نشاطه الآثم هذا وبفحص الحقيبة المشار إليها عثر بداخلها على واقي ذكري ماركة () وبعض الكريمات والفازلين التي قرر لنا باستخدامها كوسيلة للمساعدة في ممارسة الفجور".8
وتوضح الشهادات التي جمعتها المبادرة المصرية خطوات بناء قضايا اعتياد ممارسة ضد الأفراد، فبعد الإيقاع الإلكتروني للأفراد يسعى الضباط في العادة إلى انتزاع اعترافات مفصلة عن التاريخ الجنسي للأفراد المقبوض عليهم في محاولة لإثبات ركن الاعتياد في الجريمة، ويأتي هذا السعي لانتزاع الاعترافات بطرق عديدة منفردة أو مجتمعة أهمها الإيحاء فيقترح الضباط على المقبوض عليهم أنهم _بالطبع تم الاعتداء عليهم وهم صغار_ ويحاولون انتزاع التاريخ الجنسي للأفراد بالترهيب والترغيب.
ففي هذا الصدد، يقول فراس: "قبل أن يصطحبونني إلى النيابة، جاء ضابط من الآداب إليَّ وطلب مني أن أحكي قصة للنيابة أعترف فيها أني gay وتم الاعتداء عليَّ وأنا صغير وهو ما جعلني مثلي الجنس وأني نادم على ما فعلت، وأقنعني أن هذا في مصلحتي، ووافقته في طلبه اعتقادًا مني أن هذا في مصلحتي".
وفي مقابلة أجراها باحثو المبادرة في أغسطس 2016 مع سامح أحد المقبوض عليهم، يوليو 2016 في القاهرة، قال سامح إنه تم القبض عليه من ميدان التحرير واصطحابه إلى مقر شرطة الآداب بمجمع التحرير، وأفاد "الضابط هناك فِضِل مُصِّر إني أعترف إِنْ حصَلِت لِيَّ حاجة وأنا صغير _اعتداء جنسي_ وخلتني معتاد على ممارسة الفجور، وأنا رفضت كل الكلام ده، طلعوني فوق لضابط أعلى رتبة من إللي قابلته في الدور إللي تحته والضابط ده بدأ يقولِّي: إحنا دكاترة وهنعالجك، وقالِّي وهوه بيشاور على شهادات متعلقة جنبه عالحيط إن عنده خبرة في علاج الحالات الشاذة، كان بيتكلم بشكل بيستهين فيه بعقلية إللي قدامه، وكان معاه واحد عَمَّال يزعق فيَّا ويقولِّي: اعترف. أنا فِضِلْتْ مُصِر على أقوالي".
وعلى الرغم من أن بعض هذه المواقع قام في بداية الهجمة الأمنية بنشر تحذيرات لمستخدمي التطبيقات من مصر، فإن كثرة عدد المواقع والتطبيقات وكذلك العدد الكبير لمستخدميها يجعل كثيرين ليسوا على دراية بهذه الهجمة. وفي ظل أن هذه المواقع والتطبيقات تبقى السبيل الوحيد لعدد كبير للتعرف على أناس بميول واهتمامات متشابهة بشكل يحفظ لهم سرية علاقاتهم، فلا يبدو أن الاستغناء عنها أمر ممكن.
ومن خلال ملفات القضايا تشمل قائمة بالمواقع التي تم الإيقاع بالأفراد من خلالها المواقع الآتية:
واتساب whatsapp
مانجام manjam
Escort.com
tsdating.com
shemalescort.com
Hornet
Craigslist
grinder
growlr
Planet romeo
matchup
who is here
في أغلب هذه الحالات يتم استخدام المحادثة التي وقعت بين المخبر والضابط من جهة وبين الشخص الذي يتم الإيقاع به من جهة أخرى كدليلٍ في محضر الشرطة وتتم طباعتها وإلحاقها بالمحضر. كما يؤكد المحامون الذين تمت مقابلتهم، وبالأخص المحامون أحمد حشمت ورامي إبراهيم وعلاء فاروق، أن الداخلية تستخدم أسلوب كرة الجليد في تتبع المثليين: بمعنى أنها تحرص على تسجيل أسماء وأخذ صور من بطاقات الأصدقاء الذين يقومون بزيارة أصدقائهم المحبوسين على ذمة قضايا فجور ويقومون بصنع ما هو أشبه بقاعدة بيانات لهؤلاء الأفراد.
ثانيًا: ترحيل المثليين الأجانب
بدأت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الانتباه إلى وتوثيق الحالات التي تقوم فيها الداخلية بترحيل أفراد أجانب بناءً على ميولهم الجنسية بعد تغطية استثنائية ومتأخرة حظي بها حكم المحكمة الإدارية العليا الذي صدر لصالح وزارة الداخلية في الدعوى رقم 8084 لسنة 67 ق (الدائرة الأولى) أقامها مواطن ليبي لإلغاء قرار منعه من دخول البلاد الذي فوجئ به أثناء محاولة عودته إلى مصر.
أتى هذا الحكم الذي يطلق يد وزارة الداخلية في ترحيل الأشخاص بناءً على ميولهم وسلوكياتهم الجنسية الخاصة دون الحاجة حتى إلى إدانتهم بحكم محكمة، رغم أن تقرير هيئة المفوضين قد أوصى بغير ذلك.
يذكر تقرير هيئة المفوضين بالقضية:"ومن حيث أن المستفاد من النصوص المتقدمة وما استقرت عليه أحكام محكمة القضاء الإداري أن المشرِّع أعطى للجهة الإدارية سلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بالترخيص للأجنبي بالإقامة في مصر أو بمَدِّ إقامته فيها أو رفض المدِّ أو الإبعاد ومنع الدخول إلى الأراضي المصرية. ومنح المشرِّع وزير الداخلية الاختصاص بإبعاد الأجنبي بغض النظر عن نوع إقامته طالما كان في وجوده ما يهدد أمن البلاد وسلامتها في الداخل أو في الخارج أو ما يمكن أن يهدد اقتصادها القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو السكينة العامة، إلا أن اتساع السلطة التقديرية لوزارة الداخلية في منح تراخيص الإقامة للأجانب في البلاد لا تعني تحلل هذه السلطة من رقابة القضاء أو إلباسها ثوبًا تضحى معه سلطة مطلقة معصومة من رقابة القضاء تمحيصًا لمشروعيتها واستجلاء لمداها وملاءمتها على وجهٍ يكفي لصحة القرار بحفظ الأمن في البلاد ويراعي في ذات الوقت حقوق الأفراد التي تكررت بدساتير وإعلانات عالمية لحقوق الإنسان. ومن حيث أنه ولئن كان قضاء مجلس الدولة قد جرى على إعلاء المبادئ الدستورية وعلى رأسها حق الأفراد في التنقل ودخول البلاد إلا أن ذلك لا يغض الطرف على الواجب المقدس الملقى على عاتق جهة الإدارة والمتمثل في حماية الأمن القومي والمحافظة على النظام العام بما في ذلك إبعاد الأجانب، إلا أن ممارسة الإدارة لهذه السلطة المقررة مشروطة بأن يكون قرارها مستندًا إلى سبب صحيح يبرره ولا يكفي لصحة القرار وسلامته الارتكاز إلى تحريات مرسلة لا تجد سندًا لها في أوراق الدعوى".
ثم أشار تقرير هيئة المفوضين إلى أن النيابة قد أخلت سبيل المدعي ولم تُحِله إلى المحكمة ولا يوجد ضده حكم يثبت ما اتهم به، وعليه نصح التقرير بإلغاء قرار منعه من دخول البلاد. إلا أن القاضي قرر أن مجرد ميول المدعي الجنسية وما كتب عنه في محضر الشرطة كافٍ لرفض طلبه بوقف تنفيذ القرار الخاص بإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من دخول مصر، إذ أشار القاضي في حكمه إلى أنه "ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن المدعي لدى وجوده في جمهورية مصر العربية بغرض السياحة حيث كان يقيم في () نسب إليه أنه شاذ جنسيًّا وأنه اعتاد ممارسة الفجور في مسكنه بمقابلٍ حسبما ورد في المحضر رقم () لسنة 2008 جنح () والمحرر بتاريخ () لذلك تقرر ترحيله من البلاد بالتنسيق مع مكتب المتابعة الليبي بالقاهرة... ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملك قانونًا إصداره، استعمالًا للسلطة القانونية المعقودة له بقصد تحقيق الغاية من تقريرها وهي حماية المصلحة العامة، والقيم الدينية والاجتماعية، ومنع انتشار الرذيلة بين فئات المجتمع، قرارًا مشروعًا متفقًا وصحيحَ حكمِ القانون، خلوًا من أية مطاعن، مما يتعين عليه رفض الطعن الماثل عليه بالإلغاء".
ورغم أن الحكم صدر في ديسمبر 2014 إلا أن أغلب الصحف والمواقع الإخبارية قامت بتغطيته في إبريل 2015 تحت عناوين إثارية تخص "قرار الإدارية العليا بشأن أحقية الداخلية بطرد المثليين الأجانب".9 وفي البداية كانت هناك توجسات من استخدام هذا الحكم لعقاب نشطاء أجانب ممن ينتقدون الحكومة أو أن يتم استخدامه لتصفية حسابات شخصية خاصة في ظل إطلاق يد وزارة الداخلية في اتخاذ قرارات بشأن أحقية الأفراد في الإقامة في مصر وتقييد حقهم في حرية التنقل وترحيلهم ومنعهم من دخول البلاد مرة أخرى دون وجود حكم قضائي أو إدانة سابقة. ولكن الحالات التي تم توثيقها على مدار السنوات الماضية تؤكد أن سعي الداخلية إلى استخدام هذا الحكم جاء لمزيد من الترصد للمثليين الأجانب وإبعادهم عن البلاد تحت دعاوى حماية الأخلاق العامة. هذه السابقة القانونية الخطرة تم تدعيمها بحكم آخر للمحكمة الإدارية العليا في شهر مارس الماضي أيدت فيه رفض الطعن المقدم من شخص بريطاني ضد وزير الداخلية لإلغاء قرار منعه من دخول البلاد بعد ترحيله في 2015 بناءً على تحريات الشرطة فقط واتهامها له باعتياد ممارسة الفجور دون وجود أي حكم ضده.10
وتفيد المعلومات التي جمعتها المبادرة أن المتهمين الأجانب المرحلين يتم ترحيلهم سواء تم القبض عليهم من خلال الفخاخ الإلكترونية كما سبق وأشرنا أو إذا قبض عليهم في حملات مهاجمة الشقق، كما لا تشكل جنسيتهم فارقًا إذ تم رصد ترحيل لاجئين ومواطنين عرب كما تم ترحيل أوربيين أو حتى مصريين يحملون جنسيات أخرى.
خلال زمن الهجمة، تم رصد ترحيل 12 أجنبيًّا عن البلاد على خلفية قضايا اعتياد ممارسة فجور، 5 منهم من دول عربية والباقون من دول أوروبية. أغلب عمليات الترحيل التي تم توثيقها وقعت في 2015 (6 حالات) و4 حالات أخرى في 2016 وحالتان في 2017. وكما يتضح من الشهادات المرفقة بالملحق الأول تقوم وزارة الداخلية بترحيل الأجانب المثليين، أو من يُعتقد أنهم كذلك، بغض النظر عن إدانتهم أو تبرئتهم، وأحيانًا يتم ترحيلهم حتى دون إحالة إلى النيابة العامة، كما تتباين معاملة الأجانب حسب الدول التي أتوا منها وتَدَخُّل سفارات دولهم هنا وكذلك طبقتهم الاجتماعية ولكن الثابت أن الشرطة دائمًا ما تماطل في السماح للمقبوض عليهم بالاتصال بسفاراتهم.
فعلى سبيل المثال، يحكي روبيرتو وهو مواطن إيطالي في العقد الرابع من عمره _في إفادته التي أدلى بها لباحثي المبادرة المصرية عبر سكايب في يوليو 2016_ أنه: في أحد أيام رمضان عام 2015 بعد أذان المغرب بقليل، بين السادسة والسابعة مساءً، كان عائدًا إلى منزله وبينما يحاول إيقاف تاكسي بميدان المساحة بالدقي: "اقترب مني شخصان بملابس مدنية وطلبوا مني أن أريهم جواز سفري، قلت لهم إنه ليس معي ﻷنه بالسفارة وأني بحوزتي فقط بطاقتي الإيطالية ولكنهم قالوا إنهم مُصرِّين على رؤية جواز سفري وأني يجب أن أذهب معهم وبدءوا في التصرف بشكل عدواني وأمسكوني من كتفي وأدخلوني إلى ميكروباص. توجهنا إلى المجمع ثم قسم الدقي وطلبت مكالمة السفارة. وبالفعل، تمكنت من خلال زملائي في الحجز من التواصل مع السفارة. وفي اليوم التالي قام القنصل ومحامٍ تابع للسفارة بالمجيء إلى القسم وكانوا يحاولون إخراجي بأسرع طريقة ممكنة ولم يعلم أي منهما ما هي تهمتي. وبعد عدة ساعات من وجودهم قالوا لهم في القسم إنه تم القبض عليَّ ﻷني أنظم حفلات جنس جماعي للمثليين وأنهم قبضوا عليَّ في غرفة في أحد الفنادق. في غرفة الحجز كنت أسمع أصوات أناس آخرين يتم ضربهم وتعذيبهم، لم يمسسني أحد بسوء جسديًّا. قضيت في قسم الدقي 27 يومًا ماطلوني خلالها كثيرًا وعندما عُرضت على القاضي، قال لي: إنني حر وتوقعت أن يقوموا بإخلاء سبيلي لكنهم قالوا لي: إنه عليَّ العودة إلى بلدي ولم يسمحوا لي بالعودة إلى منزلي بالقاهرة لحزم أمتعتي فأنا أعيش هنا منذ سنوات".
في الواقع، تجربة روبيرتو تعتبر إيجابية إلى حد ما إذا قارناها بتجربة فراس اللاجئ السوري الذي قبض عليه في يونيو 2015 عن طريق الإيقاع الإلكتروني وأُودع نفس القسم مثل روبيرتو لكنه نال معاملة مختلفة تمامًا. يقول فراس: إنه احتجز ٣ أسابيع كان يتعرض خلالهم للضرب بشكل دوري ولسيلٍ من الإهانات والمعاملة السيئة، ويحكي: "بعد الأسابيع الثلاثة صدر ضدي حكم أول درجة كان باﻹدانة وحكم سنة حبس، لكن المحامي استأنف على الحكم، وبعد ٦ أسابيع تقريبًا من واقعة القبض صدر حكم الاستئناف بالبراءة. مكثت أسبوعين بعدها في القسم وسط رفض حرس القسم لزيارتي وإنكارهم وجودي بالقسم، ولم أكن أعرف هذا حينها ولم أرَ أحدًا من أصدقائي وقاربت اﻷموال معي على النفاد. ذهبت في زيارات للأمن الوطني ٥ مرات تقريبًا خلال اﻷسبوعين، لم يتم ضربي أو إهانتي في أمن الدولة (الكائن بطريق المحور في ٦ أكتوبر). وفي آخر زيارة علمت بصدور قرار اﻷمن الوطني بإبعادي خارج البلاد. وفي الهجرة والجوازات أخبروني أنه أمامي خيارين بعد صدور قرار اﻹبعاد إما الحبس في سجن القناطر حتى تقوم IOM أو UNHCR بتدبير تذكرة الطيران للدولة التي أرغب بالسفر إليها أو أن أقوم أنا ومعارفي أو أهلي بتدبير ثمن التذكرة، وهو ما فضلته حتى لا أسجن مدة أطول ثم أجبروني على التوقيع على ورقة تقول إني متنازل عن حق لجوئي بمصر وأني متجه لدولة أخرى بمحض إرادتي لظروف شخصية".
وعلى عكس روبيرتو الذي عرض على قاضي تحقيق وفراس الذي تم ترحيله بعد البراءة فالمواطن الإنجليزي "جون" قد تم ترحيله في صيف ٢٠١٥ دون حتى إحالته إلى المحكمة، وذلك بعد أن تم القبض عليه في مدينة ساحلية ونقل بعدها إلى مطار القاهرة، في حين قام الأمن الوطني بترحيل مواطن هولندي وآخر بريطاني في 2017 بعد تبرئتهم من قضية اعتياد ممارسة فجور في محافظة البحر الأحمر.
ثالثًا: خلق فضائح جنسية كبرى
في هذه الحالات لوحظ سعي شرطة مباحث الآداب إلى مسرحة الحدث وجعله يبدو حدثًا جللًا، وبالطبع في هذه الأحداث تلعب بعض وسائل الإعلام دورًا تحريضيًّا أو فضائحيًّا بشكل مبالغ فيه، سواء من خلال تحريض الشرطة على القبض على أشخاص بسبب ميولهم الجنسية كما هو الحال في القضية المعروفة إعلاميًّا بزواج الشواذ، أو حتى إلى مشاركة الشرطة في عملية القبض على الأفراد كما فعلت منى عراقي في قضية باب البحر.
القضية المعروفة إعلاميًّا بـ"زواج المثليين" أو "الشواذ" سبتمبر 2014
بعد ظهور مقطع على يوتيوب لمجموعة من الشباب يحتفلون على ظهر مركب، قام الإعلامي تامر أمين بإذاعة أجزاء من الفيديو في برنامجه وحث الشرطة على القبض على من ظهروا في الفيديو ﻷنه ينشر الفجور والرذيلة، فبه شابان يتبادلان الخواتم وقبلات على الخد، وبعد ذلك استضاف في حلقة لاحقة _من خلال الهاتف_ أحد الشابين اللذين تبادلا الخواتم في الفيديو وقام معه بما يشبه التحقيق البوليسي عن ميوله الجنسية وطبيعة علاقته بالشاب الذي ظهر معه، وبعد قيام الشرطة بالقبض على جميع من ظهر بالفيديو قام تامر أمين بالثناء على دور الشرطة في ملاحقة المثليين.
وبينما يقول محضر الشرطة الخاص بالقضية: إنه تم تقديم قرص مدمج عليه الفيديو واستصدار إذن من النيابة بالقبض على المتهمين، ومن ثم قيام الشرطة بالقبض عليهم، فإنه بمقابلة أسامة مع أحد أصدقاء المقبوض عليهم – في نوفمبر 2016- أبلغ باحثي المبادرة المصرية بأن القبض على الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو لم يتم بهذا الشكل ولكن ما حدث أنه "مسكوا حد مثلي من ميدان التحرير وبدءوا يضربوه ويسألوه على س (الذي ظهر في الفيديو)، هل تعرف فلان؟ ﻷ. طب تعرف فلان؟ ﻷ. لحد ما جه اسم حد يعرفه، الشخص إللي كانوا بيسألوا عليه، فقالوا له مش هنخرجك لحد ما تجيبهولنا، واتفقوا معاه إنه هيكلم الشخص المطلوب في التليفون ويقول له إنه مش معاه فلوس وموجود في ميدان التحرير، ولمَّا الشخص ده راح، قوات الشرطة قبضت عليه، وبدءوا يبتزوه عشان يخرجوه إنه لازم يدلهم على حد من إللي طلعوا في الفيديو، لحد لمَّا قدم لهم رقم واحد من إللي طلعوا في الفيديو، وقبضوا عليه برده والشخص إللي طلع في الفيديو إدالهم رقم شخص من الشخصيتين الرئيسيتين في الفيديو "م" وراحوا لـ (م) البيت بس أهله خبوه ولكن صديق الأب كلمه في التليفون وقال له: إن الشرطة كلمته وبيقولوا: إن القضية رأي عام وهياخدوا كلمتين من (م) ويسيبوه يروَّح، أبوه ودَّاه بنفسه وطبعًا ما خرجش زي ما قالوا، وفضلوا يعملوا كده لحد ما وصلوا لبقية الأشخاص، فضلوا كذا يوم في المجمع محدش عارف عنهم حاجة، بعدين نقلوهم قسم قصر النيل".
يصف أسامة تجربة حبس أصدقائه في قسم قصر النيل بأنها كانت بشعة، فعندما كان يتوجه لزيارة أصدقائه هناك كانوا يشتكون من تعرضهم لإهانات وشتائم طوال الوقت، ورأى أمناء الشرطة وهم يخرجونهم للزيارة يسبونهم قائلين: "يلا يا خول منك ليه، فضحتونا". وظلت الإهانات والتحرشات الجسدية بهم مستمرة طوال مدة بقائهم في القسم التي استمرت حوالي 3 أشهر، يقول أسامة: "حتى لمَّا كنا بنروح لهم الزيارة، كانوا بيشتمونا إحنا كمان".
وبحسب ما ورد في المحضر، فقد تم القبض على 8 أشخاص (أي ليس فقط الشخصين اللذين تبادلا الخواتم لكن كل من ظهر في الفيديو) يوم 5 سبتمبر وقامت النيابة بإحالتهم إلى الطب الشرعي مع أن كل تهمتهم تتصل بفيديو في مركب نيلي ليس فيه أي ممارسات جنسية أو شبهتها، ووجهت إليهم النيابة تهم اعتياد ممارسة الفجور والتحريض عليه وكذلك الإعلان عن مواد تخدش الحياء العام ونشر فيديو يغري بالفجور، وفي نوفمبر صدر ضدهم حكم أول درجة يبرئهم من تهمتي الاعتياد والتحريض ويعاقبهم على تهمتي النشر والإعلان وتم تخفيف الحكم إلى سنة في الاستئناف.
قضية حمام باب البحر ديسمبر 2014
قامت مباحث الآداب في أحد أيام شهر ديسمبر 2014 باقتحام حمام شعبي في منطقة رمسيس بمعية الإعلامية منى عراقي التي كانت تصور الرجال الذين كانوا داخل الحمام وكانوا بالطبع شبه عراة بكاميرا فيديو.
في مقابلة خاصة مع ربيع، أحد المتهمين في قضية باب البحر، يوم 3 أغسطس 2016 حكى أنه في يوم القبض عليهم كانوا يحتفلون بزواج أحد أصدقائهم وقرروا الذهاب إلى حمام باب البحر في رمسيس وبعد أن وصلوا وبدَّلوا ملابسهم ودخلوا غرفة المغطس، وبعد حوالي ثلث ساعة جاءت قوة من حوالي 15 شخصًا بصحبة المذيعة منى عراقي وفريق تصوير. يقول ربيع "قوة الشرطة ضربتنا وأهانتنا وكنا مش لابسين حاجة غير الفوط، ومنى عراقي كانت واقفة بتصور بفخر شديد وبتخلي حد يصورنا وبتقولنا: "إنتوا شواذ"، بعدها أخدونا على قسم عابدين بعد ما رفضوا يخلونا نلبس هدومنا وهناك كان فيه مخبر بيقول فلان بيمارس مع فلان وعلان مع علان، وأحمد حشاد كان بيكتب وراه، بعدها بدءوا يصورونا تاني وضربونا وأهانونا تاني، في 4 أفراد كانوا معانا مشوهم، منهم واحد مش مصري، وفضلنا إحنا 26 واحد (21 +5 أصحاب الحمام وإللي بيشتغلوا فيه)، خلونا نمسح القسم كله والساعة 6 الصبح إدونا الهدوم وقالوا لنا نلبسها بالمشقلب".
أما الضابط الذي قام بعملية الضبط فيروي المشهد من المحضر الخاص به قائلًا: "ومن خلال مكمن سري تمكن مصدرنا السري المرافق لنا آنذاك من رصد العديد من الشباب الشواذ جنسيًّا السلبيين حال دلوفهم حمام باب البحر وقمت بعمل تحريات فورية وسريعة وتحريات ميدانية وتكميلية بشأن من أشار عليهم مصدرنا السري والتي أكدت بالفعل أنهم من الرجال الشواذ جنسيًّا والذين يقومون بممارسة الشذوذ الجنسي وأعمال الفجور بينهم وبتكثيف التحريات الميدانية توصلنا إلى أننا بصدد جريمة حالة قائمة وانعقاد تام لحفلة جنس جماعي بين عدد من الرجال الشواذ داخل مغطس الحمام البلدي… وعقب إعطاء التعليمات قمت والقوة السرية المرافقة بدخول الحمام وقمت بضبط المدعو (حاتم) الذي كان متواجدًا على يسار الداخل وقمت بإطلاعه على شخصنا وطبيعة مأموريتنا وإذن النيابة العامة وتلاحظ لي تواجد المأذون بضبطه وتفتيشه (أكمل) جالسًا على أريكة خشبية بفناء الحمام، وقمت بضبطه وسؤاله عن الأشخاص الذين تم رصدهم أثناء دخولهم الحمام، أشار لي على باب غرفة المغطس... توجهت لباب غرفة المغطس وقمت بدفعه وبمجرد الدخول داخل غرفة المغطس وجدت حالة من الفجور الجماعي بين عديد من رجال شواذ وعراة الأجساد تمامًا يمارسون الجنس الجماعي سواء جنس بإيلاج من الخلف وكذا جنس فموي فيما بينهم في مشهد تقشعر له الأبدان وعلى الفور قمت والقوة المرافقة بضبط هؤلاء الرجال الشواذ حال قيامهم بممارسة الفجور وفي تلك الأثناء أيضًا قمت بضبط المأذون بضبطه وتفتيشه س. م. و ص. و ك. ل. وهم من عمال الحمَّام والمسئولين عن ترتيب حفلات الفجور الجماعي داخل غرفة المغطس والبخار، هذا وقد تم ضبط المتهم أحمد حمدي حال قيامه بممارسة الفجور مع المتهم محمد خالد والذي كان يمارس معه الفجور عن طريق الإيلاج من الخلف وبمناقشة المتهمان قرر المتهم أحمد حمدي بأنه تربطه علاقة جنسية شاذة مع المتهم محمد خالد والذي تم ضبطهما معًا حال ممارسة الفجور نظير المال، وقرر لنا المتهم أحمد حمدي بأنه يتردد على حمام باب البحر منذ فترة زمنية واعتياد ممارسة الفجور مع الرجال بتدبير مسبق مع المتهم حاتم والمتهم أكمل وقرر لنا أنه قام بدفع مبلغ مالي قدره مئة جنيه نظير السماح له بدخول غرفة المغطس لممارسة أعمال الفجور وكذا القيام بدفع مبلغ خمسون جنيها للمتهم محمد خالد مقابل مادي عن ممارسة الفجور الجنسي".
ويستمر الوصف التفصيلي لمشاهد جنسية تفصيلية متخيلة للـ 26 متهمًا في كل منها، _بحسب محضر الشرطة_ يقرر طرف أنه قام بدفع مبلغ مالي للطرف الآخر لممارسة الجنس معه وكأن وجود قوة من الشرطة داخل الحمام لن توقف عمليات الجنس المستمرة وكأن كل اثنين يستمران في ممارسة الجنس حتى يصل إليهما الضابط ويقبض عليهما.
في اليوم التالي للقبض توجه المتهمون إلى النيابة وبحسب شهادة ربيع كان وكيل النيابة يسبهم ويهينهم أيضًا. ويضيف ربيع: "سألنا إيه إللي بيحصل في الحمَّام فقلنا: ما بيحصلش حاجة". قام وكيل النيابة بتجديد حبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق وتم نقلهم إلى قسم الأزبكية.
يصف ربيع الأيام التي قضوها قبل عرض النيابة التالي بالكابوس ويحكي: "رجعونا بعدها على قسم الأزبكية واتضربنا واتشتمنا هناك تاني وربطونا بأحزمة من رقبتنا وخلونا نهوهو زي الكلاب، مكنش حد يعرف عننا حاجة ﻷنهم واخدين موبايلاتنا وكانوا بيشتمونا ليل نهار ويقولوا لنا: إنتم خولات مش رجالة وإننا هنتسجن 10 سنين، وكانو بينزلوا الساعة 6 الصبح يصحونا من النوم وكانوا حابسينا في أوضة لوحدنا فكانوا بيقلعونا هدومنا في عز البرد ويشغلوا التكييف ويضربونا... بعدها بـ 4 أيام إتعرضنا على النيابة. وكيل النيابة كان متعاطف معانا جدًّا وكان بيعاملنا كويس، بس بتوع الإعلام كانوا بيدخلوا يصورونا وإحنا مش واخدين بالنا، كان حاضر معانا محامين من منظمات حقوق الإنسان، بعدها أهالينا قَوِّموا لنا محامين. النيابة جددت لنا 4 أيام تاني، وطلب عرضنا على الطب الشرعي، لمَّا رجعنا القسم برده كان في جولة تانية من الضرب والإهانة وأهالينا كلهم جُم زارونا في اليوم ده وعاملوا أهالينا معاملة وحشة جدًّا وكانوا بيهينوهم ويقولولهم: إن عيالهم شواذ، كانوا بيدخلوا علينا ناس بلطجية عشان يضربونا، الضباط كانوا بيقولوا لنا: إنتوا مش هتخرجوا تاني أبدًا، كان معانا راجل كبير في السن _شكله في السبعينات_ وكان فيه ضابط كل يوم يربطه بسلسلة ويخليه يهوهو، كانوا بيخلونا متذنبين رافعين إيدنا عالحيط بالساعات، وكل يوم الصبح كانوا بياخدوا مننا 15 جنيه عشان يجيبوا إيريال وصابون للقسم. نزلنا جلسة قدام قاضي وبعدها قالوا: إنهم عايزين ينقلونا سجن، ودُّونا نعمل فيش وبعدين طلعنا على طرة، والسجن رفض ياخدنا، بس لمَّا رجعنا القسم المرة دي المعاملة إتحسنت وبطَّلوا يضربونا ويهينونا وكنا لمَّا نطلب شاي وسجاير بنلاقيهم، نزلنا جلسة تانية إتأجلت وبعدين الجلسة إللي بعد كده منى عراقي وأحمد حشاد رفضوا ييجوا وبعدين القاضي حكم بالبراءة وفجأة لقيت نفسي بتكلم مع المذيعين والصحفيين عادي بعد ما كنت خايف".
من الجدير بالذكر أن أحمد حسام، أحد المحامين الذين ترافعوا عن المتهمين في القضية، فال لباحثي المبادرة المصرية في مقابلة معه: إن إستراتيجيته في الدفاع عن المتهمين في هذه القضية اعتمدت بشكل كبير على عدم معقولية محضر الشرطة. ويقول أحمد حسام: "لقد حاول الضابط أن يضع كل اثنين متهمين من مرتادي الحمام في ممارسة جنسية مع بعضهما ولمَّا كان العدد فرديًّا قام بكتابة أن الثلاثة الأخيرين كانوا في علاقة جنسية ثلاثية، أي أنه لم يكن هناك أي شخص من جميع مرتادي الحمام لا يمارس الجنس وقت القبض عليه".
هذا وقد جاءت عدم معقولية محضر الشرطة ضمن حيثيات براءة المتهمين في القضية، إذ ذكر القاضي في حكمه:
"أنه لمَّا كان ضابط الواقعة قد قام باقتحام غرفة المغطس وشاهد المتهمين حال ارتكابهم الفجور وحدد دور كل متهم فى ذلك وهو أمر لا يستقيم مع العقل والمنطق، ولا تطمئن إليه المحكمة من قيام ضابط الواقعة باقتحام الغرفة، ويظل المتهمون ممارسين لفجور، ويقوم بتعيين وتحديد دور كل متهم ومن مارس مع من، وقد حدد ذلك بشكل دقيق لا يتواءم مع منطق الأمور من أن يظل المتهمون بممارسة الفجور حال اقتحام الضابط للمكان".
أما صبحي، متهم آخر من باب البحر، فيقولفي مقابلة في أغسطس 2016: "بعد البراءة حاولت العودة إلى حياتي الطبيعية ولكن في المواصلات وفي كل مكان كنت أسمع الناس يعلقون على الحادثة ويتعجبون من البراءة فكنت أدخل في معارك طوال الوقت دفاعًا عن نفسي حتى مع علمي أن الأشخاص الذين يتكلمون لا يعلمون من أنا، يأست تمامًا وقررت الانتحار فسكبت جاز على جسدي وأشعلت في نفسي النار، أهلي ذهبوا بي إلى مستشفى القصر العيني وعانيت من الإهمال وساءت حالتي إلى أن استطعت بمساعدة بعض الناس من الانتقال إلى مستشفى أخرى وتلقي العلاج، أنا الآن مشارك في قضية التعويض ضد منى عراقي، لا أستطيع العودة إلى حياتي الطبيعية مرة أخرى".
في قبضة الشرطة... انتهاكات بالجملة
تفيد جميع الشهادات التي قام باحثو المبادرة بجمعها بتعرض الأفراد المقبوض عليهم لوصلات مطولة من الضرب والإهانة والسباب بأقذع الألفاظ (انظر ملحق الشهادات) من اللحظة التي يتم فيها القبض عليهم وطوال فترة احتجازهم في قسم الشرطة، كما يعد التلويح والتهديد باستخدام العنف الجنسي من قبل أفراد الشرطة تجاه الأفراد المقبوض عليهم وسيلة شائعة لإهانتهم وترهيبهم، ويذكر العديدون قيام أفراد من الشرطة بتهديدهم بإلقائهم في غرف الحجز مع العشرات من المحتجزين مع إفشاء ميلهم المثلي، ما يجعلهم هدفًا سهلًا للعنف الجسدي والجنسي والتنمر والسخرية من قبل باقي المحتجزين. يذكر الكثير من المتهمين في قضايا الفجور كذلك قيام أفراد الشرطة بممارسات قاسية وعنيفة ضدهم بدءًا من إلقاء المياه عليهم، ومنعهم من الطعام أو شرب المياه، وكذلك منعهم من الزيارات أو التعنت الشديد فيها، مرورًا بالسماح لأفراد من الإعلام بتصويرهم دون رغبتهم.
الأحراز: تجريم ما لا تعد حيازته جريمة
تتطابق الأحراز المكتوبة في محاضر الشرطة بالنسبة إلى مثل هذه القضايا، وتضم الأحراز المذكورة عادة: بواريك نسائية، ملابس داخلية نسائية، أدوات تجميل، واقيات ذكرية، مزلجات، صورًا ضوئية للمحادثات الإلكترونية، الهواتف المحمولة للمقبوض عليهم وأي مبالغ مالية في حوزتهم، وفي حالات المتغيرات جنسيًّا تضم الأحراز كذلك الأدوية الهرمونية. من المهم هنا الإشارة إلى أن جميع المضبوطات التي تعدها الشرطة أحرازًا هي مما لا تعد حيازته جريمة. يقول علاء فاروق المحامي بالمبادرة المصرية: "الواقيات الذكرية هي منتجات تباع في الصيدليات، والخمور ليست ممنوعة في مصر وهناك أماكن مرخصة لبيعها، فأين الجريمة في حيازة هذه الأشياء؟!".
من خلال هذه الأحراز تستكمل الشرطة بناء القضية الوهمية ضد المقبوض عليهم، فالهاتف المحمول هو ما يستخدمه المقبوض عليه في الإعلان عن ممارسته الفجور وأي مبالغ مالية معه هي من حصيلة ممارسته الفجور بمقابل مادي، في هذا الصدد يقول المحاميان أحمد حشمت ورامي إبراهيم: إن هذه طريقة معتادة من الشرطة في "حبك" المحضر. تذكر أحد محاضر التحقيق:
"وتم ضبط عدد: إحدى عشر واقي ذكري وكذا مزلق جنسي وكذا جل مساج بالكرز وكذا باروكة شعر (شعر مستعار) كما تم ضبط واحد شريط amatril به ست حبات وكذا بعض الملابس التي تستخدم في الجنس السادي وكذا زجاجة خمور ID ممتلئة ومغلقة وكذا زجاجة chivasregal ممتلئة إلى المنتصف وعدد: اثنين لابتوب".11
ويذكر محضر تحقيق في ٢٠١٥ أنه:"وبتفتيشه قانونيًّا عثر مع الأول على مبلغ نقدي قدره 100 جنيه وعدد: اثنان مغلف توبس ماركة () وتاب ماركة () وبحوزة الآخر مبلغ مئتين جنيه ودولار واحد وجهاز محمول ماركة () وكذا شنطة سوداء صغيرة الحجم بداخلها باروكة حريمي وبعض الملابس الداخلية وأدوات مكياج… وبسؤاله إذا كان يستخدم جهاز التاب المضبوط بحوزته في تسهيل أعمال الفجور وإجراء المحادثات، فأقرَّ لنا بالإيجاب فطلبنا منه فتح الجهاز بمعرفته... فشاهدنا بمعرفته محادثات واتساب عدة وغيرها تحمل اتفاقات جنسية شاذة وصور له بالملابس الحريمي وصور للثاني المدعو () يرتدي ملابس نسائية ويضع مكياج كامل وكذا أرشدنا إلى صفحة المذكور على موقع إنستجرام للتواصل الاجتماعي... وأضاف أن المبلغ المالي الذي ضبط معه مقابل قيامه والأول بممارسة الفجور اليوم مع أحد الأشخاص".12
استخدام الواقي الذكري كقرينة في قضايا اعتياد ممارسة الفجور:
وعلى الرغم من أن الحماية من فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV AIDS قد تم استخدامها كحجة في بعض الحالات لتبرير بعض أحداث هذه الهجمة الأمنية _مثلما حدث في قضية حمَّام باب البحر عندما قامت المذيعة التي صاحبت قوة الشرطة أثناء اقتحام الحمام بأنها كانت تفعل ذلك في محاولة منها للوقاية من انتشار الفيروس_ فإن الثابت في محاضر الشرطة أن استخدام الواقي الذكري كقرينة ضد الأفراد الذين يتم القبض عليهم يكاد يكون ثابتًا في أغلب القضايا. فرصدت المبادرة المصرية استخدام الواقي الذكري كحرز في قضايا اعتياد ممارسة الفجور في أكثر من 10 قضايا. وبعيدًا عن حق الأفراد في اختيار وسائل الحماية التي يقررونها لأنفسهم وأن وجود الواقيات الذكرية في حوزة الأفراد لا يجوز بأي حال اعتباره دليلًا أو حرزًا على ما يسمى باعتياد الشخص على ممارسة الفجور، وأن في ذلك تعديًا على حريات الشخص وحقوقه الجنسية والإنجابية، فإن هذا التجريم غير المباشر للواقي الذكري يعد دليلًا على انعدام التنسيق بين الوزارات المختلفة في مكافحة انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة. إذ تصنف وزارة الصحة والبرنامج الوطني للإيدز "الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال" ضمن الفئات المفتاحية الواجب استهدافها بالتوعية والتعليم والحماية ذلك لإنها من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة،13 وأثبتت السنوات الأخيرة أنه على الرغم من ضعف نسب انتشار الفيروس إلا أن هناك وباءً متمركزًا بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال وكذلك متعاطي المخدرات بالحقن،14 كما أن مصر من الدول القليلة التي تزداد فيها باضطراد نسب الإصابات الجديدة على عكس دول كثيرة في العالم نجحت في الحد من الإصابات الجديدة.
وتعتمد إستراتيجية الوقاية التي تتبناها الحكومة في تعاملها مع الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال بشكل أساسي على ترويج الواقي الذكري والمزلجات إلى جانب تقليل الوصم والتمييز والعمل على تقليل أنواع العدوى المنقولة جنسيًّا،15 ومن هنا يبدو استخدام الواقي الذكري ضمن الأحراز في قضايا اعتياد الفجور أمرًا خطرًا ﻷنه يشجع المثليين، وذوي الميول الجنسية غير المقبولة اجتماعيًّا بشكل واسع، على التخلي عن وسيلة حماية أساسية في سبيل حماية أنفسهم من خطر القبض عليهم كما أنه هدم لجهود وزارة أخرى في نفس الحكومة للسيطرة على انتشار الأمراض المنقولة جنسيًّا. وهذا الأمر يؤكده برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشري، ففي التقرير الخاص بمؤشرات السياسات الوطنية ذكر برنامج الأمم المتحدة ليس فقط غياب أطر قانونية لحماية الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال لكن يؤكد التقرير أن الطريقة التي تطبق بها القوانين في مصر تمثل عائقًا أمام جهود الوقاية والحماية المتضمنة في البرنامج الوطني للإيدز، بخاصة في ظل استخدام الشرطة للواقي الذكري كدليلٍ على اعتياد الفجور وهو ما من شأنه _بحسب التقرير_ أن يقوض من الجهود الرامية لتقليل المخاطر وكذلك الإستراتيجيات الوقائية.16
الإشكاليات القانونية لما تقوم به مباحث الآداب:
كما أسلفنا تبدو تقنية وزارة الداخلية _وبشكل أكثر تحديدًا إدارتي النشاط الداخلي والخارجي لشرطة مباحث الآداب_ في تتبع المثليين أو من يظن أنهم مثليون أو عابرات ومتغيرات الجنس (الترانس) والرجال ممن يمارسون الجنس مع الرجال، تبدو كوسيلة يتم فيها عقاب الأشخاص على جريمة لم تقع على اعتبار ما سيكون. وهذه الطريقة في الاستدراج الإلكتروني تحديدًا تطرح أكثر من إشكالية قانونية. فما تفعله وزارة الداخلية، ووفقًا لتفسيرات أحكام محكمة النقض للقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ بشأن مكافحة الدعارة والفجور، يعد تحريضًا على البغاء وتسهيلًا له وهي الأفعال المجرمة في المادة الأولى من القانون. فما يقوم به الضباط والمخبرون يمثل عرضًا جديًّا في ظاهره يكفي للتأثير في الشخص الذي يحاولون استدراجه، وفي الواقع ما تفعله الشرطة يعتبر مجرَّمًا حتى إذا لم تقع الممارسة الجنسية في ذاتها، ففي حين أن الشروع في ممارسة الفجور غير مجرَّم إلا التحريض على الفجور مجرَّم حتى لو لم تتم الممارسة الجنسية بالفعل،
. تقول محكمة النقض في هذا الصدد:
"شمول الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون 10 لسنة 1961 شتى صور التحريض على البغاء وتسهيله للذكر والأنثى على السواء. () يتحقق التحريض على البغاء بأي فعل من الأفعال المفسدة للأخلاق ولو كان عرضًا ما دام جديًّا في ظاهره وفيه ما يكفي للتأثير على المجني عليه المخاطب به وإغوائه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة".17
ووفقًا للعديد من المبادئ القانونية، يعد ما تفعله الداخلية بشكل عام جريمة تحريضية، إذ اتفق الفقهاء القانونيون على أنه لا يجوز لموظف السلطة تحريض الأشخاص على الجريمة للإيقاع بهم والقبض عليهم.18
كما أنه بات من المؤكد أن مباحث الآداب تحاول إقناع الأشخاص المقبوض عليهم بالاعتراف برواية تعدها الشرطة لهم سلفًا من أنه تم الاعتداء عليهم وهم صغار ومن وقتها وهم منخرطون في ممارسات جنسية مثلية بمقابل مادي، في محاولة من الشرطة إثبات ركن الاعتياد في ممارسة الفجور، مما يعد انتهاكًا جسيمًا لحقوق المقبوض عليهم وإكراهًا لهم على الاعتراف بما لم يرتكبوه، ويستمر خلق القضايا الوهمية من خلال اعتبار كل ما بحوزة المقبوض عليه هو إما لممارسة الفجور (الواقي- أدوات التجميل- الملابس النسائية... إلخ) أو لتسهيل هذه الممارسة (الهاتف المحمول الذي تقول الشرطة: إنه يستخدم للاتصال بالزبائن) أو نتيجة الممارسة (أي مبلغ يكون بحوزة الشخص المقبوض عليه يتم تأييده في المحضر على أنه من مكتسبات ممارسة الفجور لقاء أجر مادي).
المراجع
19071 جنح النزهة لسنة 2014
22 زهراء مدينة نصر لسنة 2014
32864 جنح عمرانية لسنة 2015
9511 جنح دقي لسنة 2015
مذكرة دفاع مقدمة من المحامي احمد حسام لمحكمة شمال الجيزة الابتدائية- دائرة جنح مستأنف الدقي- 2015
520248 زهراء مدينة نصر 2014
مصطلح دارج في العامية الانجليزية لوصف عابري ومتحولي ومغايري وثنا~يي الجنس السابق تعريفهم في المقدمة.
726400 جنح العجوزة لسنة 2015
81412 جنح قصر النيل لسنة 2016
اليوم السابع: القومي لحقوق الإنسان يؤيد قرار القضاء بطرد الأجانب المثليين جنسيًّا من مصر
خبر جريدة اليوم السابع- إبريل - 2015
فيتوجيت: ننشر حيثيات الحكم بمنع المثليين جنسيا من دخول مصر
14-ابريل-2015
http://www.vetogate.com/1582246
10المصري اليوم: الإدارية العليا تؤيد رفض الداخلية دخول بريطاني لأسباب أخلاقية
26 مارس 2017
http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=539294&IssueID=4277
1120248 جنح زهراء مدينة نصر لسنة 2014
1226400 جنح العجوزة لسنة 2015
13NCPI report – Egypt- 2015, UNAIDS
p 4
14National HIV programme situation and gap analysis, Egypt, 2015, p 2
http://www.unaids.org/sites/default/files/country/documents/EGY_narrativ...
15NCPI, p 12
16NCPI P 10
17نقض 27 فبراير سنة 1968 مجموعة أحكام النقض س 37 رقم 2052
18" تحريض رجال السلطة العامه للأفراد على ارتكاب الجريمة من أجل ضبطهم أثناء أو بعد ارتكابها يعتبر أمرًا غير مشروع لا يتفق مع واجبهم في الحرص على حسن تطبيق القانون ، ومن ثم فإن إجراءات الاستدلال والتحقيق المبينة على هذا العمل غير المشروع تعتبر باطلة لا أثر لهما . ( د. أحمد فتحى سرور – الوسيط فى القسم العام – ج 1 – ط 1981 – رقم 394 - س 634)،
وأيضًا نقض 16 يونيو 1953، مجموعة أحكام النقض س 4 (352-988)
نقض 14 فبراير 1967، مجموعة أحكام النقض س 81 (41-209)