يعصف بالحمايات الأساسية للاجئين ويمثل تراجعًا عن الوضع القانوني القائم.. دراسة تحليلية معمقة حول "مشروع قانون لجوء الأجانب" المقدم من الحكومة المصرية
إعداد وتحرير ومراجعة (منصة اللاجئين في مصر، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية)
مقدمة
في خطوة مفاجئة ومثيرة للمخاوف، وفي سياق تعديلات تشريعية كبيرة تشهدها مصر، وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري في 23 أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام على مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب المقدم من الحكومة، بعد ما يقرب من عام ونصف العام من صدور قرار مجلس الوزراء رقم 243 لسنة 2023، الذي حمل موافقة المجلس على مشروع قانون لجوء الأجانب، من دون تفاصيل حول مشروع القانون المقدم، سوى النص على إنشاء لجنة حكومية تهيمن على عملية تسجيل اللاجئين.
وافقت لجنة الدفاع على النسخة الأولى من مشروع القانون التفصيلي بحضور وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، وأعضاء لجنة حقوق الإنسان، واللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، ودون مشاركة تذكر من أيٍّ من مؤسسات المجتمع المدني أو الهيئات الدولية العاملة على قضايا اللاجئين، أو العاملين في مجال حقوق الإنسان والهجرة. حتى أن المشروع لم يُعرض على جميع أعضاء اللجنة التشريعية المختصة بمناقشة التشريعات واقتراحها، ما يعكس استمرارية السياسات التي تقيّد مشاركة المجتمع المدني وتكرّس الطابع الأمني المهيمن على تعامل الحكومة المصرية مع قضايا حقوق الإنسان، وبشكل خاص قضايا اللاجئين والمهاجرين في مصر التي تحظى بالتفات خاص من الحكومة في الآونة الأخيرة.
منذ صدور بيان مجلس الوزراء المصري في 7 يونيو/حزيران 2023 بالموافقة على مشروع قانون لجوء الأجانب، سعت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية إلى الحصول على نسخة من المشروع أو الاطِّلاع على مسودته، من خلال مطالبة الجهات التنفيذية وأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ، وذلك بهدف المشاركة في النقاش حوله وإعداد صياغة تتفق مع المعايير الدولية التي تلتزم بها مصر من خلال المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت وصدقت عليها. إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، إذ بقي مشروع القانون طي الكتمان وكأنه سر من أسرار الدفاع الوطني. وفي إبريل/نيسان 2024، أصدرت منصة اللاجئين ورقة موقف بعنوان "عشرة أشهر من التجهيل والتجاهل"، تناولت فيها القرار المقتضب الصادر عن مجلس الوزراء برقم 243 لسنة 2023، الذي لم يفصح غير عن موافقة الحكومة على مشروع قانون لجوء الأجانب الذي لم يعلم أحد أي من تفاصيله وقتذاك.
ركزت منصة اللاجئين على المطالبات الرئيسية حينها لأصحاب المصلحة، وشملت (إتاحة الوصول إلى مشروع القانون المقدَّم من الحكومة، وفتْح باب المناقشة في البرلمان، بما يشمل استقبال المقترحات والشكاوى والتعليقات، وإتاحة وقت مناسب للمناقشة حول المشروع، وإسناد عملية الصياغة الأولية إلى خبراء مختصين في هذا الصدد). ومنذ ذلك الحين لم يكشف البرلمان أية تفاصيل أو معلومات حول مشروع القانون، سوى المادة الوحيدة التي أتاحها قرار مجلس الوزراء في إعلانه، التي تؤكد تشكيل "لجنة وطنية دائمة" لشؤون اللاجئين في مصر، توكَل إليها عمليات التسجيل والنظر في طلبات اللجوء، والهيمنة على كل المعلومات والبيانات الخاصة باللاجئين.
إن مشروع القانون المُوافََق عليه من لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، لا يمكن فصله عن اتفاقيات شراكة مستمرة ومتصلة مع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء منذ عام 2014. بداية من اتفاقية الخرطوم، مرورًا بالاتفاقيات المرتبطة بما يطلق عليه "دعم حوكمة الهجرة والسيطرة على الحدود"، وصولًا إلى ترقية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية التي وصلت قيمتها إلى 7.4 مليار يورو، أكثر من 200 مليون يورو منها مخصصة لضبط الهجرة، دون تفاصيل معلنة حول طبيعة هذه الاتفاقيات وبنودها، ومقياس المخاطر المرتبطة بحقوق الإنسان حولها. وقد سبق لمنصة اللاجئين في مصر أن وصفت هذه الاتفاقيات بأنها: "مضاعفات لشراكة فاشلة وقاتلة".
وبينما كان إصدار تشريع محلي لتنظيم تسجيل ووجود اللاجئين في أراضي جمهورية مصر العربية، واحدًا من مواضيع النقاش والتفاوض في السنوات الأخيرة وسنوات سبقتها، لم تشرك الحكومة المصرية أيًّا من أصحاب المصلحة أو المتخصصين في المناقشة والتحليل والصياغة الأساسية، الأمر الذي يعكس نظرة أمنية متشددة، أثارت الكثير من المخاوف والقلق حول مستقبل حقوق واستقرار اللاجئين وملتمسي اللجوء في مصر.
يأتي مشروع القانون تاليًا على آمال قائمة منذ عقود في إصدار تشريع وطني يساهم في سد الفجوات القائمة في المنظومة الحالية للحماية القانونية وتنظيم حقوق اللاجئين في مصر. لكن بدلًا من ذلك، وبالتزامن مع الإعلان عن مشروع القانون في يونيو/حزيران 2023، فقد تم تصدير خطاب رسمي تجاهل -عن قصد أو عن غير قصد- حقيقة أن اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر لا يعيشون في فراغ قانوني، وإن كانوا يعانون من ثغرات في الحماية، وأن هناك منظومة قانونية قائمة بالفعل لتسجيل اللاجئين والبت في طلباتهم وتقنين أوضاعهم، تشرف عليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر بالنيابة عن، وبالتعاون مع، السلطات المصرية.
كما أن التصريحات الرسمية احتوت بشكل متكرر على خلطٍ يبدو متعمدًا بين اللاجئين؛ وهم أشخاص اضطرتهم الظروف لطلب الحماية من البلد المضيف، وبين الأجانب بشكل عام، سواء كانوا زائرين أو مقيمين أو مهاجرين لأسباب ليست قسرية. ثم جاءت نصوص المشروع لتعكس توجهًا مقلقًا يبتعد أكثر عن توفير المزيد من الحماية الدولية للاجئين، وهي الهدف الرئيس من أي عملية تشريع محلي تتعلق باللاجئين، ويركز على الجانب الربحي والاستنفاعي. يُضاف إلى ذلك أن مشروع القانون الجديد يطرح جملة من المشاكل في التعامل مع قضايا اللاجئين بطريقة تتسم بالسيطرة الأمنية والحلول العقابية.
في هذه الورقة، نحلل المسودة التشريعية المقترحة، التي أتاح منها البرلمان 8 مواد للمشاركة مع الرأي العام، بينما منع باقي المسودة من النشر حتى عن أصحاب المصلحة، ثم سمح بنشر المسودة كاملة بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. واستند الفريق القانوني القائم على هذا التحليل إلى الأسانيد التشريعية المرتبطة، وأساسها الاتفاقيات الدولية التي وقعت وصدقت عليها مصر في هذا الصدد، والدستور المصري والتشريعات المحلية المرتبطة، في ظل تعقيدات النظام القانوني المصري والتطورات المتسارعة في تعديلاته في العشر سنوات الأخيرة، ما أثَّر بشكل مباشر في الأوضاع والمراكز القانونية المرتبطة بالحالات التي عملوا/ن عليها في السنوات الأخيرة.
للوصول إلى نتائج هذا التحليل درس الباحثون/ات الإشكاليات والتحديات القانونية والإجرائية التي تسببت في حرمان اللاجئين/ات وملتمسي/ات اللجوء من حقوقهم/هن المقررة، وذلك من خلال مراجعة أرشيف القضايا والحالات التي تم توثيقها والعمل عليها خلال السنوات الماضية. وإذ أن الإعلان الغامض عن المشروع الذي تمت الموافقة عليه، على وشك الطرح للتصويت أمام الجلسة العامة في البرلمان، على صورته التي أثارت الفزع والخوف في نفوس اللاجئين وملتمسي اللجوء في مصر، فقد استقبلت "منصة اللاجئين في مصر" العديد من الأسئلة والمخاوف من أصحاب المصلحة الرئيسيين، من اللاجئين أنفسهم والقيادات المجتمعية والمنظمات العاملة على تقديم الخدمات للاجئين وملتمسي اللجوء في مصر.
عقد الباحثون/ات اجتماعات مع قيادات مجتمعية من جنسيات مختلفة لعرض المسودة الموافَق عليها، لفهم مخاوف المجتمعات المستهدفة، وأبعاد هذه المخاوف على حقوقهم وحياتهم اليومية في الإطار التشريعي المصري، كما سعت منصة اللاجئين لتحري وجهة نظر أصحاب المصلحة الآخرين من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمبادرات ذاتية التنظيم.
تعرض الورقة:
أولًا: خلفية تشريعية
ثانيًا: تعليقات رئيسية على مشروع القانون: المواد، والتعليقات، والمخاوف
ثالثًا: الحقوق الأساسية المفقودة في مشروع قانون اللاجئين المصري
رابعًا: توصية
أولا: خلفية تشريعية
شاركت مصر في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووافقت عليه في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948 في أثناء التصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة ووقَّعت عليه، وانضمت للاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين 1951 وكذا البروتوكول الخاص بها 1967.
كان أول تطبيق لهذه الاتفاقية هو إنشاء مكتب تابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، وبدأ عمله في عام 1954 بناءً على مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الخارجية، بهدف تقديم خدمات متنوّعة لطالبي اللجوء، تشمل التسجيل وتحديد وضع اللاجئ والحماية وإعادة التوطين، والعون في العودة الطوعية إلى بلد المنشأ، وغيرها من الخدمات.
ظهر أول شكل قانوني تشريعي محلي يخص اللاجئين، عندما وافق مجلس الشعب المصري على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين وكذا البروتوكول الملحق بها، بالإضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969، التي تحكم الجوانب المختلفة المتعلقة بمشاكل اللاجئين في إفريقيا، وهي الاتفاقية التي وسعت من مفهوم اللاجئ أو طالب اللجوء بشكل أكثر تفهمًا لطبيعة الصراعات وأسباب التهجير القسري واللجوء في القارة الإفريقية، أو هكذا كانت الفلسفة التي قامت عليها الاتفاقية. وصدرت قرارات عدة لرئيس الجمهورية في هذا الشأن وهي القرارات 331، و332، و333 لسنة 1980. وبهذه القرارات، أصبحت تلك الاتفاقيات جزءًا من القانون الداخلي المصري وفقًا للمادة 151 من دستور 1971، التي تنص على أن رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها إلى مجلس الشعب، لتصبح لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها. هذا الدمج جعل اتفاقية 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وما يلحقها من اتفاقيات، جزءًا من التشريع الوطني المصري وواجبة التطبيق، رغم عدم وجود تشريع خاص يُنظّم حقوق اللاجئين بالتفصيل. وقد أعاد دستور 2014 التأكيد على هذا الوضع التشريعي نفسه الذي يعطي للمعاهدات الدولية المصدق عليها من الدولة قوة القانون.
وفي سياق متصل وعلى مدى العقد الماضي، اتبعت السلطات المصرية نهجًا تشريعيًّا يستند إلى، ويعزز من، سياسة عسكرة الحدود وتعزيز السيطرة الأمنية على حركة الهجرة، متجاهلة الاعتبارات الإنسانية التي تميز بين اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين بما يشمل شروط الحماية الدولية والحماية الخاصة للفئات الأكثر ضعفا.
كانت البداية من قرار رئيس الجمهورية رقم 444 لسنة 2014، الذي صنف المناطق الحدودية والقريبة منها مناطق عسكرية تخضع لولاية القانون والقضاء العسكري، دون أي اعتبار للتأثيرات المترتبة على ذلك، وقد سقط سهوًا تحديد القواعد المنظمة لهذه المناطق منذ صدور القرار، فنشرت رئاسة مجلس الوزراء -الأمانة العامة- استدراكًا في الجريدة الرسمية العدد 8 مكرر (ج) في 22 فبراير/شباط 2015، أوضح أن قرار رئيس الجمهورية الذي حدد المناطق أسقط "سهوًا" نشر التشريع المرتبط بالقواعد المنظمة.
وانطلاقًا من هذا القرار، بدأت هذه السياسة المستمرة واشتملت على تعديل على القرار 420 لسنة 2021، فأصبح التواجد أو العبور بدون تصريح من هذه المناطق جريمة يحاكم مرتكبوها أمام القضاء العسكري، ما عرَّض اللاجئين وطالبي اللجوء لمخاطر عالية تصل إلى الاحتجاز التعسفي والمحاكمة العسكرية من دون منحهم فرصة التماس الحماية القانونية أو طلب اللجوء.
وبحسب بيانات قوات حرس الحدود المنشورة بين عامي 2016 و2021، احتُجِز أكثر من 90 ألف شخص من جنسيات مختلفة، في ظل تقارير تفيد باستخدام مقرات عسكرية كمراكز احتجاز سرية يُحتجز فيها اللاجئون قسريًّا ثم يُرحَّلون إلى مناطق نزاع. في الوقت نفسه، يُمنع المجتمع المدني من الوصول لتقديم الدعم الإنساني، في انتهاك واضح للالتزامات الدولية التي تفرض حماية اللاجئين. وقد أدى هذا التوجه التشريعي إلى تزايد المخاطر الإنسانية وتضييق فرص الحماية القانونية للاجئين وطالبي اللجوء في مصر.
كما أن عدم وجود عمليات بحث وإنقاذ إنسانية في النقاط الحدودية يزيد من حجم الخطر، فمعاملة المهاجرين وطالبي اللجوء ضمن إطار أمني بحت يؤدي إلى إهمال الجانب الإنساني، ويؤدي ذلك بدوره إلى فقدان بعضهم حياته بسبب الظروف الصعبة في الصحراء، أو نتيجة عدم توفر خدمات الطوارئ والإسعاف اللازمة. وهو ما ظهر بشكل جلي مع مئات الحالات من السودانيين الفارين من حرب مدمرة في السودان، الذين يضطرون إلى قطع مسافة طويلة حتى الوصول إلى أقرب نقطة تتواجد فيها خدمات طوارئ داخل الأراضي المصرية. ويضع هذا الإطار التشريعي مصر أمام تحديات قانونية وإنسانية، إذ تعرّض هذه السياسة حقوق اللاجئين للخطر، وتقلل من فرص حصولهم على الحماية القانونية التي تضمنها المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي سبق أن وقعت عليها مصر، والتي تُلزمها بحماية الفئات الأكثر ضعفًا بمن فيهم اللاجئين وطالبي اللجوء.
في نهاية عام 2016، صدر القانون رقم 82 لسنة 2016 "بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين"، ونُشر في الجريدة الرسمية، وتبعه صدور اللائحة التنفيذية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 983 لسنة 2018، وعُدّل لاحقًا في إبريل/نيسان 2022 بالقانون رقم 22 لسنة 2022، الذي شدّد العقوبات على "كل من يتورط في الشروع أو التوسط أو يسهِّل أو يشارك" في أعمال الهجرة غير النظامية. كما فرض التعديل عقوبات تجرم الأشخاص أو المجموعات التي تقدم خدمات أو مساعدات للمهاجرين المهربين، بينما لم يوفر القانون أي حماية واضحة للاجئين وملتمسي اللجوء وطالبيه في سياق عمليات الهجرة غير النظامية، ما عرَّض آلاف اللاجئين للتجريم من دون أدلة. ورفع القانون في مواده أي مسؤولية جنائية عن المهاجر المهرب الذي اعتبره القانون "ضحية".
بينما كان من المتوقع حينها أن يعالج إشكاليات القانون اللوائح التنفيذية اللاحقة أو اللجان والصناديق التي يمكن إنشاؤها عبر القانون، كانت الجريدة الرسمية في عددها الصادر في 22 يناير/كانون الثاني 2023 نشرت قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 369 لسنة 2023 بشأن إنشاء وتنظيم "صندوق مكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين والشهود"، وهو الصندوق الذي نصت عليه المادة 32 من قانون "مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين". (لتفاصيل أكثر عن القرار، راجع ورقة منصة اللاجئين المعنونة "لا حماية في ظل القصور والتعارض التشريعي".
تسببت التعريفات المتوسعة حول الهجرة غير النظامية مثل "التهريب"، و"مقدمي المساعدات للمهاجرين"، إلى عمليات احتجاز تعسفي موسعة لمئات الأشخاص -الذين أمكن توثيق وضعهم في الكثير من الحالات- من المصريين وغير المصريين. وشملت عمليات الاحتجاز: انتهاكات في الإجراءات، وتعريض الأشخاص للإخفاء القسري والتعذيب والاحتجاز التعسفي، وانتهاكات لشروط المحاكمة العادلة، كما تعرَّض الأشخاص لتجاوز مدد الحبس الاحتياطي المقررة قانونًا، دون أدلة أو فرصة في محاكمة عادلة تمر عبر تحقيقات مستقلة، أدى فيما بعد لتدوير المتهمين في قضايا جديدة بالاتهامات نفسها. الأمر الذي دفع النائب البرلماني عبد العليم داود لتقديم سؤال برلماني حول مئات الأشخاص من أبناء دائرته الذي تعرضوا لهذه الانتهاكات.
كما أصدر النائب العام بيانًا في 30 سبتمبر/أيلول 2021 قرارًا أمر فيه فيه بإنشاء نيابات مختصة بالتحقيق في "جرائم مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية" بمقرات نيابات الاستئناف، ولكن القرار لم يشمل أي تفاصيل حول نطاق عمل هذه النيابات، والقوانين والإجراءات المتبعة بخصوصها، وأيضًا مدى الحاجة إلى هذا النوع من النيابات، وما حدود اختصاصها في حالة التحقيق حول وقائع حدثت في المناطق المطبقة عليها إجراءات قرار رئيس الجمهورية 444 لسنة 2014.
لم تصدر قرارات أخرى بشأن ذلك حتى 16 فبراير/شباط 2022، حينما أصدر النائب العام بيانًا أمر فيه هذه النيابات بالتحقيق في قضايا الهجرة غير النظامية، وذلك بعد نشرت مئات الأسر -من محافظات مختلفة- شهادات توضح اعتقال ذويهم واتهامهم في قضايا هجرة غير نظامية وتعرضهم لانتهاكات، شملت الانتهاكات: التعذيب والإخفاء القسري والتدوير في قضايا بالاتهامات نفسها دون توفير شروط المحاكمة العادلة. تضمنت شكاوى الأسر: القبض على ذويهم من دون أدلة، واتهامهم في قضايا هجرة غير نظامية. وفي حالة حصولهم على قرار من النيابة بالإفراج عنهم، تقوم الأجهزة الأمنية برفض تنفيذ هذا القرار وتعرِّضهم للإخفاء القسري، ثم تتهمهم في قضايا جديدة بالاتهامات نفسها، بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية المصري الذي يمنع معاقبة الشخص على الجريمة ذاتها مرتين، توضح الشهادات أيضًا أن المحتجزين في هذه القضايا تعرضوا إلى التعذيب.
ورغم تصديق مصر على هذه الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، إلا أنها لم تُترجَم في تشريع خاص يُنظّم حقوق اللاجئين بشكل مستقل، الأمر الذي جعل اللاجئين من الناحية القانونية يُعامَلون معاملة الأجانب من دون تعريف محدد. كما أن التصريحات الرسمية حول أعداد اللاجئين تختلف من جانب الحكومة المصرية عن الأعداد الموثقة والمنشورة بشكل دوري من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ودون التزام مخصص لهم يوفر ظروف الحماية الأساسية، وهذا ما أعطى الفرصة لمنتهكي حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء لكي يهربوا من العقاب.
كما أن غياب التشريع الوطني يعني أن حقوقهم ووضعهم لم يكونوا محددين بشكل تفصيلي في قانون مخصص لهم كما توجب الاتفاقية. وبقيت عملية التسجيل في يد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لعقود طويلة، بينما تضطلع السلطات المصرية بتقنين وضعهم بعد بتِّ المفوضية في طلباتهم، وهي المسؤولية الموزعة بين وزارة الخارجية المسؤولة عن إصدار الرقم المرجعي، ووزارة الداخلية المسؤولة عن إصدار تصاريح الإقامة للأجانب المقيمين على الأراضي المصرية. وبسبب تقاسم مسؤولية الحماية تلك بين الجهة الأممية وبين وزارتي الداخلية والخارجية، صار جزء من العملية الإجرائية المنظمة لحقوق اللاجئين في مصر محصنًا بشكل عملي من المراجعة، وبدون فرص حقيقية للطعن على قرارات هذه الجهات الإدارية.
تكررت عمليات الاحتجاز والترحيل القسري، واستخدام قرارات ترحيل، عادة ما يتم تنفيذها قبل أن تنظر المحاكم الإدارية في الطعون المقدمة من المتأثرين بالقرار، وفي معزل عن المفوضية التي تتجاهل السلطات المحلية أحيانًا دورها أو اعترافها باللاجئ أو بطالب اللجوء. كما أن هذه الفجوات والفراغات التشريعية تسببت في حرمان كثير من الأشخاص الذين ينطبق عليهم تعريف "اللاجئ أو ملتمس اللجوء" من إجراءات ترتبط بالأحوال المدنية، وهي حقوق أساسية يجب أن يتمتع بها أي شخص مقيم على الأراضي المصرية.
كان الأمل إذًا في صدور التشريع الوطني، الذي تأخر إصداره لعقود، كي يسد هذه الفجوات في الحماية وفي تنظيم حقوق اللاجئين في مصر. لكن بشكل مفاجئ صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3326 لسنة 2023 بشأن تقنين أوضاع الأجانب المقيمين على الأراضي المصرية مقابل ألف يورو/ دولار، بدون استثناء للاّجئين في نسخة القرار الأولى، ليتم تعديله لاحقًا واستثناء اللاجئين، ومددته الحكومة أخيرًا لمدة عام في 12 سبتمبر/أيلول 2024، حين أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 3004 لسنة 2024 بمد مهلة التقنين لمدة عام من تاريخ القرار الأخير. وقد وصفت منصة اللاجئين في تقرير سابق هذا القرار بأنه "استغلال من منظور عقابي، يخالف القانون ولا يحقق غرضه".
على خلفية هذا القرار وثقت منظمات حقوق الإنسان عمليات توقيف واعتقال أشخاص من جنسيات مختلفة، يتم عرضهم على النيابة العامة بتهمة التواجد غير القانوني، على الرغم من أن العديد منهم لديهم تصاريح إقامة سارية، والآخرين أو الأخريات مسجلين/ات لدى مفوضية اللاجئين، وعلى الرغم من قرارات النيابة العامة بإخلاء سبيلهم/هن؛ يُحتجزون بناء على قرارات الجهات الأمنية، ويوضعون أمام ثلاثة خيارات وهي إما تقنين الأوضاع مقابل دفع ألف يورو/دولار والغرامات المقررة، أو استمرار الاحتجاز، أو الترحيل القسري.
إن الطريقة التي تم الإعلان بها عن مشروع القانون من مجلس الوزراء بشكل غامض ومقتضب منذ ما يقرب من عام ونصف، ثم التجاهل الذي أبدته الحكومة والبرلمان لمطالبات أصحاب المصلحة بشكل مستمر لأكثر من عام ونصف، ثم ظهور مشروع القانون الكارثي الذي وافقت عليه لجنة الدفاع والأمن القومي، يثير ذلك كلُّه العديد من المخاوف من استمرار السلطات المصرية في نهجها القائم على تقنين العنف والانتهاكات، وحماية مرتكبيها ودعم الإفلات من العقاب، وإضفاء الطابع التشريعي على مخالفة مصر لالتزاماتها، بل ومحاولة التراجع عن الحماية المحدودة والحقوق القليلة التي يحصل عليها اللاجئون وملتمسو اللجوء في مصر منذ سنوات.
مشروع القانون: المواد، والتعليقات، والمخاوف
يتكون مشروع القانون من 3 مواد إصدار، هي مواد تنظم إصدار القانون وتاريخ العمل به و المخاطبين بأحكامه، ثم 39 مادة للقانون ذاته هي المواد التي استحدثها القانون. وتستبدل تلك المواد بشكل كامل الوضع القانوني القائم، الذي كانت تقوم فيه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بكل المهام التي ستأتي الورقة على ذكرها. وقد عرَّفت هذه المواد اللاجئ، وحددت إجراءات تقديم وتنظيم اللجوء، والعقوبات المترتبة على مخالفة أحكام هذا القانون المقترح.
عملية الصياغة والتعريفات الموسعة والصلاحيات الواسعة لانتزاع حقوق اللاجئين من قِبَل اللجنة المزمع إنشاؤها، توضح جميعها البُعد والمنظور الأمني الذي أتت منه وبه بنود مشروع القانون. إذ خالفت بعضُ النصوص التزاماتٍ دوليةً وقانونية أساسية مفروضة على مصر في سياق الحماية، وأتت التعريفات بإشكاليات أخرى، متجاهلة تمامًا معالجة الإشكاليات التي اتضحت في السنوات الماضية عبر النظام القانوني القائم حتى الآن. ولم تتضح من مشروع القانون أي تفاصيل عن أمور هامة وفاصلة، من بينها تفاصيل ومدة وسياسات عملية نقل مهمةِ التسجيل وخدماته، وبدائل الحماية المكفولة من مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمصر، ووضع طالبي اللجوء في هذا النظام القانوني الجديد.
1. مواد الإصدار
تُبرز مواد الإصدار الثلاث في مشروع القانون المطروح عدة إشكالات قانونية رئيسية، يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات قانونية خطيرة للغاية على حقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء وطالبيه المسجلين بالفعل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، كما تؤدي إلى اضطراب اجتماعي قد يستمر لعدة سنوات. فعلى الرغم من أن مشروع القانون قد نص في ديباجته على احترام الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر، إلا أن أحكامه تسري فورًا على اللاجئين وطالبي اللجوء المتواجدين على الأراضي المصرية، سواء كانوا قد اكتسبوا صفة اللاجئ قبل صدور هذا القانون (حال إقراره) أو بعده. ولم يوضح مشروع القانون ما الإجراءات التي يجب انطباقها على الأشخاص المسجلين أو المعترف بهم بالفعل، وما مصير بياناتهم المحفوظة في قواعد بيانات المفوضية السامية، المسؤولة بشكل رئيسي عن كل ما يتعلق بتنظيم أوضاع اللاجئين في مصر منذ القرن الماضي.
والأهم من ذلك أن تلك النصوص لم توضح مصير الأشخاص المسجلين بشكل مؤقت اليوم، وينتظرون أو يمرون بإجراءات تحديد صفة اللاجئ، أي أنهم منخرطون بالفعل في إجراء قانوني لم يكتمل بعد. فعلى الرغم من ضعف الإطار القانوني الحاكم للوضع القائم، نسبيًّا، إلا أنه كان واضحًا لهؤلاء الأشخاص حين قدَّموا طلباتهم، وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تضطلع فيه بمهمة تحديد صفة اللاجئ بالنيابة عن الحكومة.
كما لم يوضح مشروع القانون وضع الوثائق التي يحملها هؤلاء الأشخاص. وبتعميم وصف اللاجئ في نص المادة الأولى، فإن اللاجئين وملتمسي اللجوء المسجلين لدى المفوضية الآن بلغ عددهم في آخر إحصاء 792,783 لاجئ/ة وملتمس/ة مسجلون/ات.
ونص مشروع القانون على وجوب نظر اللجنة المزمع إنشاؤها في طلبات اللجوء خلال 6 أشهر إلى سنة والبت فيها، لكن القانون سيدخل حيز التنفيذ في اليوم التالي لنشره، وستتشكل اللجنة التي من المتوقع أن يصدر بشأنها قرار خلال ثلاثة أشهر من صدور القانون. هذا الوضع سيخلق فراغًا قانونيًّا بين فترة سريان القانون، حال إقراره، وتشكيل اللجنة وصدور القواعد المنظمة للقانون والمفسرة لنصوصه، وهو ما سيفاقم من تراكم الحالات التي تنتظر التسجيل أو البت في طلباتها فوق التراكم الذي حدث منذ زيادة أعداد ملتمسي اللجوء بشكل نسبي منذ سنة 2022. وكل هذا يؤشر إلى ضرورة ضمان فترة انتقالية متناسبة مع حجم وصعوبة المهمة.
لم تحدد اللائحة فترة انتقالية لنقل السلطات والملفات التي تديرها وتشرف عليها المفوضية السامية للأمم المتحدة إلى اللجنة الحكومية المشكَّلة للقيام بأعمال المفوضية، فضلًا عن أن مصيرَ اللاجئين ذوي الحالات الاستثنائية، مثل الذين رفضت طلبات لجوئهم وهم في طور الاستئناف أو الذين ينتظرون مواعيد مقابلات التسجيل، غيرُ واضح حال صدور القانون في منتصف العملية أو الإجراءات. كما أن الذين سجلوا ولم تصدر لهم وثائق يواجهون نفس الإشكالية. لم ينظم القانون المقترح هذه الاستثناءات، واللائحة التي يمكن أن تعالجها لن تُصدر إلا بعد ستة أشهر، وهو ما يهدد بضياع حقوق هذه الفئات خلال تلك الفترة.
2. مواد تنظيمية
تعريفات
نص مشروع القانون المقدم في أولى مواده على تحديد التعريفات والاختصاصات. فنص على أن الوزارة المختصة هي وزارة الداخلية، وسيأتي ذكر اختصاصها التنفيذي لاحقًا في تنفيذ قرارات اللجنة المختصة (وهي اللجنة المعنية بالقيام بالمهام القانونية التي كانت تضطلع بها المفوضية السامية). يعكس ذلك النص وهذه التراتبية البعد الأمني للتنفيذ المتوقع من الحكومة لهذا القانون، بينما حدد مشروع القانون تعريف اللجنة المختصة بأنها "اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين"، وتتضح بعض تفاصيل إنشائها وعملها في مواد لاحقة.
تسهل عملية التعريف تحديد المراكز والصفات القانونية، وقد أغفل المشرِّع ذكر العديد من التعريفات اللاحقة مثل (الدخول والتواجد المشروع وغير المشروع، والإبعاد، والأسباب "الجدية"، والتدابير والإجراءات اللازمة، واعتبارات حماية الأمن القومي والنظام العام)، بينما تستمر إشكالية اشتمال القوانين المصرية على تعريف "غير المشروع" بالنسبة للتواجد/الدخول غير النظامي/ أو غير الرسمي للأشخاص، كما يصف مشروع القانون الأشخاص أنفسهم بـ"غير الشرعي"، وهذه الاصطلاحات قد عفا عليها الزمن، وتم استبدالها في القوانين والمواثيق الدولية، فهذا الوصف يبني سردية تجريمية حول المهاجر واللاجئ، ويتعامى عن الأسباب الخاصة التي تدفع اللاجئين والمهجَّرين قسريًّا إلى التواجد بشكل غير نظامي في البلاد المجاورة أو المضيفة. وبينما ينزع الصفة الشرعية والإنسانية التي أقرتها المعاهدات والمواثيق الدولية للبشر دون تفرقة، فإنه يضفي طابعًا شرعيًّا للعقاب، مبنيًّا على شيطنة أفعال أُجبر الأشخاص عليها، وقد رفعت المعاهدات الدولية والقوانين المحلية أي شكل من أشكال تحميلهم المسؤولية، وألزمت الدول بعدم العقاب عليها.
أما ما يخص تعريف اللاجئ في القانون المقترح، فإنه يتوافق مع التعريف الذي تضعه المادة الأولى من اتفاقية اللاجئين لعام 1951. بل إن التعريف توسَّع بشكل إيجابي في ضم "عديمي الجنسية" إلى الفئات الخاضعة للحماية طبقًا للتعريف، كما أن التعريف يتفق أيضًا مع ما شمله التعريف المنصوص عليه في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، وشمل كذلك التعريف الموسع الوارد في اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية، إذ نص في الفقرة الثانية من تعريف اللاجئ في الاتفاقية ليشمل "العدوان الخارجي والاحتلال والأحداث التي تهدد بشكل خطير النظام العام" من ضمن أسباب الهروب.
وبهذا، فقد أدمج أول تعريف تشريعي وطني للاجئ كل الالتزامات المنصوص عليها في المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر (1951 و1969) في فقرة واحدة. ولكن بعد قراءة متأنية، تبرز عدة مشاكل وثقوب في التعريف لا بد من سدها إذ إن تعريف اللاجئ هو أهم نص في المواثيق المعنية بالحماية الدولية لملتمسي اللجوء، فمن يقع داخل نطاق التعريف، فقط دون غيره، يمكنه التمتع بكافة الحقوق التي تمنحها قوانين اللجوء سواء الوطنية أو في المواثيق الدولية.
يضيف النص الذي يعرِّف اللاجئ أو الشخص المستحق للجوء في مشروع القانون مصطلح "جدِّيّ" في الفقرة التي تحدِّد أسباب التواجد خارج بلد النشأة أو الإقامة المعتادة، ليصبح النص في مشروع القانون كالآتي "كل من تواجد خارج الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة، بسبب معقول مبني على خوف "جدِّيّ" له ما يبرره من التعرض للاضطهاد".
إن إضافة هذا المصطلح إلى التعريف، وهو تزيُّد لا مبرر له على النص الوارد باتفاقية 1951، قد يتسبب في إساءة الاستخدام في مواجهة المتقدمين بطلبات اللجوء، فهو يضاعف بلا مبرر حقيقي من العبء الواقع على طالب اللجوء لإثبات أحقيته بالحماية، ولا يضيف -موضوعيًّا- إلى وجود خوف له ما يبرره، إلا الإيهامُ بأن عبء الإثبات يجب أن يكون مرتفعًا. في حين أن الفقه القانوني الدولي يقلل من عبء الإثبات على اللاجئين، فلا تنبغي المغالاة في العتبة التي يحتاج طالب اللجوء إلى اجتيازها من أجل تحديد مركزه القانوني، ويكفي الاحتفاظ الصيغة الأصلية لاتفاقية 1951 "سبب مبني على خوف له ما يبرره".
ثم قرر المشرع أن يضيف المزيد من التعبيرات المبهمة، التي لا نفهم المنطق من ورائها في ختام التعريف، فجعل تعريف اللاجئ مقترنًا ليس فقط بإثبات احتياجه إلى الحماية، ولكن بإسباغ اللجنة المختصة ذلك الوصف عليه، إذ جاء في نص المادة: "والذي أسبغت عليه اللجنة المختصة ذلك الوصف وفقًا لأحكام هذا القانون". قد يعتبر البعض أن هذه الإضافة هي مجرد إعادة تكرار لما هو معلوم وواضح بالضرورة، ولكن فئة من الخبراء القانونيين تعتبر أن هذه الإضافة، وهي بالتأكيد ليست اعتباطية، تحتمل التفسير على أنها شرطٌ إضافي يجب التحقق منه قبل الحصول على الحماية، وهو شرط يتجاوز التعريف المنصوص عليه في اتفاقية 1951 واتفاقية الوحدة الإفريقية 1969.
وعلى عكس الاعتراف وتضمين المنهج الظاهري لصفة "اللاجئ"، اقتصر تعريف طالب اللجوء في مشروع القانون المقترح على "الأجنبي الذي تقدم بطلب للجنة"، مما يحرم "طالبي/ات اللجوء الظاهريين/ات" من الحماية الدولية والوصول إلى الخدمات. الأكثر خطورة، إن النص أغفل بشكل صريح منح الحماية المؤقتة لطالبي اللجوء، ولم يساوهم باللاجئين الذين تحددت صفتهم بالفعل (ويختلف مشروع القانون في ذلك مع اتفاقية 1951، إذ إنه بدأ بتعريف الفئتين تعريفين مختلفين، ثم فرَّق بينهما في الحقوق)، هذه الصياغة تحرم الأشخاص من الحماية في العديد من الحالات، كما ترفع الحماية بشكل كامل عن الأشخاص الذين ينطبق عليهم وصف اللاجئ وفقا للمادة الأولى، وذلك تبعًا للنهج الظاهري لتفسير النص، وإن لم يتمكنوا من تقديم الطلب للجنة المختصة، إن عدم النص على منح الحق في "الحماية المؤقتة" سوف تكون له أبعاد خطيرة على "ملتمسي اللجوء" تشمل الحرمان من الحقوق والخدمات.
اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين: (المواد من 2 إلى 6)
نصَّ مشروع القانون في مادتيْه الثانية والثالثة على إنشاء "لجنة دائمة لشؤون اللاجئين"، تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتكون تابعة لرئيس مجلس الوزراء، ويكون مقرها الرئيسي في القاهرة. تتولى هذه اللجنة إدارة كافة شؤون اللاجئين، بما في ذلك الإحصاءات والمعلومات، والفصل في طلبات اللجوء، كما تنسق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من الجهات الدولية المعنية، بالإضافة إلى إصدار الوثائق الثبوتية.
وتُشكَّل "اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين"، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، من ممثلين عن وزارات الداخلية والمالية والعدل والخارجية، مع إمكانية إضافة أعضاء من جهات ووزارات أخرى ذات صلة، بقرار من رئيس الوزراء. كما يمكن تقديم طلبات اللجوء إلى هذه اللجنة من قبل اللاجئ نفسه أو من يمثله قانونًا، ويتعين على اللجنة الفصل في الطلبات خلال ستة أشهر "إذا كان الدخول شرعيًّا، أو خلال سنة إذا كان الدخول غير شرعي" بحسب نص المادة.
إن إنشاء اللجنة بهذا الوصف وتلك الهيئة ونطاق العمل والاختصاص الواسع، الذي يستبدل عمليًّا كل الإطار الإداري والإجرائي الذي كان يتم عن طريقه البت في طلبات اللجوء طول العقود الماضية، يطرح العديد من المخاوف حول هذه اللجنة ومدى قدرتها على تقديم حماية فعالة تلتزم بالمعايير والالتزامات الدولية، تنشأ هذه المخاوف من الآتي:
إن اختصاص اللجنة الرئيسي يشمل "استقبال، وفحص، ودراسة، واتخاذ القرارات" في طلبات اللجوء المقدمة. وبما أن عملية فحص ودراسة طلبات اللجوء هي عملية محورية، وذات تأثير يشمل تحديد المركز القانوني للشخص وحقوقه المستقبلية التي سوف تلتزم بها الدولة المضيفة في ضوء القانون الدولي والمحلي، وهو ما سيؤثر في جميع جوانب حياة الأشخاص لاحقًا، فلا يمكن على الإطلاق الاكتفاء بهذه التعريفات والاختصاصات القاصرة وغير الواضحة للجنة التي تضطلع بتلك المهمة.
لم يوضح مشروع القانون بشكل كافٍ معايير وآلية اختيار موظفي هذه اللجنة والعاملين بها، ولا كيفية تدريبهم وتأهيلهم والاختبارات التي يخضعون لها قبل أن يُمكَّنوا من تنفيذ تلك المهمة. ولم يحدد النص أي مدد زمنية مرتبطة بتجهيز هؤلاء الموظفين حتى يمكنهم إدارة هذه العملية بالحد الأنسب للمعرفة، التي تشمل فهمًا عميقًا للقوانين المحلية والدولية، وبناء السياسات الداخلية التي سوف تحدد آليات العملية، مرورًا بمراحل الاستقبال السريع والمناسب، وتحديد أولويات الملفات، وعمليات التسجيل، والحفظ، والدراسة، والفحص، واتخاذ القرار، وتحديد المصلحة الفضلى، وتحديد الفئات الأكثر تعرضًا للخطر.
أغفل مشروع القانون بشكل كامل تحديد إطار قانوني وزمني منطقي وواضح، يتأسس عليه لاحقًا بناء اللوائح والسياسات الداخلية والأنظمة المختلفة لإدارة العملية، سواء كان إطارًا لتشكيل وتنظيم اللجنة، التي يتعين على رئيس مجلس الوزراء اختيارها في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القانون، أو للِّجان اللاحقة التي سوف تتغير كل أربع سنوات. كما لم يحدد المشروع مدة زمنية معقولة لضمان توافر نظام استقبال وتسجيل قوي يستبدل النظام المعمول به حاليًا، وهو بالرغم من عيوبه يستقبل ويسجل المئات من طالبي الحماية في مصر شهريًّا، وهذا يحتاج إلى أن يشمل القانون المقترح أيضًا ضمان توفير "موارد بشرية مدربة تدريبًا كافيًا، وموارد تكنولوجية وأنظمة رقمية" يمكن من خلالها ضمان سيولة عملية التسجيل، وعدم حدوث أي نوع من الأخطاء في أثنائها، مما يرتب تداعيات خطرة على حياة الأشخاص.
يظهر هذا الأمر وأهميته مع إبلاغ السلطات المصرية عن استقبال 1.26 مليون سوداني منذ بدء الصراع في منتصف إبريل/نيسان 2023 وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وفي ظل إفادة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن زيادة عمليات تسجيل السودانيين/ات بثمانية أضعاف حتى سبتمبر/أيلول 2024، وخاصة الأطفال والنساء. وبهما تظهر الحاجة إلى أهمية تصميم نظام قوي وإعطاء مهلة ووقت كافييْن لتجهيز البنية التحتية القانونية لنظام التسجيل والبت في الطلبات، قبل منح صلاحيات تشريعية تتعلق بإدارة مصائر وحيوات آلاف الأشخاص لهذه اللجنة.
إذا أخذنا في الاعتبار الدور الحيوي الذي تلعبه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في حماية حقوق اللاجئين/ات وملتمسي/ات اللجوء ومصالحهم، وعند مراجعة تشكيل اللجنة، نجد أنها تتبع رئيس الوزراء الذي يحدد مهامها، ويسمي رئيسها، ويحدد المعاملة المالية لرئيسها وأعضائها، وله الحق في إضافة أعضاء من جهات ووزارات ذات صلة، لكن لم يتم تحديد طبيعة هذه الجهات أو أدوارها بوضوح.
إن الهدف من إنشاء هذه اللجنة هو أن تكون الجهة الرئيسية المسؤولة عن تنظيم وتنسيق كافة شؤون اللاجئين داخل مصر، بدلًا من مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الذي يقوم بذلك نيابة عن الدولة المصرية، هذا التحول قد يحمل تأثيرات جوهرية، خاصةً أن القانون لم تحدد مواده أي آلية أو مدة لعملية انتقالية من "مكتب مفوضية اللاجئين في مصر" إلى "اللجنة الدائمة" المزمع إنشاؤها. ما يثير تساؤلات حول وضع وبيانات مجتمع اللاجئين وطالبي اللجوء الحاليين بعد إصدار القانون، وهؤلاء يُقدَّر عددهم بـ792 ألفًا و783 لاجئًا ولاجئة وملتمس/ة لجوء (وهو الرقم الإجمالي المسجل لدى المفوضية السامية).
يثير هذا الأمر مخاوف جدية حول سياسات نقل البيانات، أو التقدم بالطلبات من هؤلاء المسجلين، واختلاف بروتوكولات التسجيل والفحص وإدارة الحالة. وكانت هذه الإجراءات واضحة في أثناء عمل مكتب مفوضية اللاجئين بهذا الاختصاص. ومع عدم وضوحه في اللجنة الجديدة، تزداد مخاوف مجتمعات اللجوء التي تحدث الباحثون معهم. كما لا توفر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أي إجابات عن الأسئلة التي يطرحها الأشخاص المسجلون لديها حول التغييرات المزمع إرساؤها بموجب مشروع القانون الجديد حال إقراره، ما يعكس تعتيمًا كاملًا عن أصحاب المصلحة الرئيسيين والمتأثرين بشكل مباشر من القانون. وكان يجب أن تكون آلية ومدة ومعايير العملية الانتقالية شديدة الوضوح في نص مشروع القانون.
كما ينبغي أن ينص المشروع بشكل أكثر وضوحًا على الوضع والمركز القانوني لمكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بعد توطين البنية القانونية لتسجيل طلبات اللجوء والنظر فيها. فهذا الوضع سيتغير بشكل كامل بعد صدور القانون مقارنة بالوضع الذي كان مبنيًّا على مذكرة التفاهم الموقعة بين مصر والمفوضية.
إن تمرير المشروع المطروح للقانون دون تحديد المدة الزمنية والأطر الإجرائية الحاكمة للعملية الانتقالية بشكل محدد ومفصل، سوف تكون له تداعيات خطيرة للغاية على حقوق واستقرار اللاجئين وملتمسي اللجوء، وعلى علاقة مصر بمؤسسات الأمم المتحدة، تحديدًا المعنية منها بالإغاثة الإنسانية وبالهجرة واللجوء. ولا يجب على الجهات الرسمية أن تقلل من شأن وصعوبة الانتقال، وإنشاء بنية تحتية متكاملة تحاكي، أو تتفوق على، البنية الموجودة الآن وتشرف عليها المفوضية السامية بالكامل. وقد تستفيد الحكومة المصرية من الاطلاع على الخبرات التي مرت بها دول ذات أوضاع شبيهة تعاونت مع المفوضية السامية في فترات انتقالية طالت لأكثر من نصف عقد في بعض الأحيان.
يثير غياب التفاصيل عن العملية الانتقالية أسئلة أخرى أكثر حساسية، قد تكون لها تداعيات كبيرة على ظروف الحماية للأشخاص، إذ إن المسجلين/ات لدى المفوضية في أثناء تقديم طلباتهم/ن قد وافقوا على مشاركة هذه البيانات مع المفوضية السامية دون غيرها. وبينما لم يحدد نص القانون المقترح مركز المفوضية السامية القانوني، وشكل مشاركة المعلومات والتعاون مع اللجنة الحكومية، تنشأ مخاوف حول قانونية عملية المشاركة الانتقالية لهذه المعلومات، إلى جانب المخاطر التي يمكن أن تعرِّض أشخاصًا للتجريم بسبب هذه العملية الانتقالية، خاصة للأشخاص الذين تعتمد طلبات لجوئهم على أسباب تجرمها السلطات المصرية.
كما يثير منح اللجنة المحلية هذا الدور كاملًا قلقًا بشأن غياب أي قوانين أو تعليمات تتعلق بسرية معلومات اللاجئين، فلا يجب أن ننسى أن اللاجئين هم أشخاص في معظم الأحوال مهددون في البلاد التي يطلبون اللجوء منها أو الحماية بسببها. كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تلتزم ببروتوكولات حماية تشمل معايير وإجراءات مستقلة وسرية، ما يضمن حيادية القرارات المتخذة بشأن طلبات اللجوء، خاصةً أنها جهة دولية تعمل وفقًا لمعايير لا تخضع لضغوط محلية. ومع تحول إدارة الطلبات إلى جهة محلية، فقد تتأثر عملية الفصل في الطلبات بعوامل وضغوط سياسية محلية، ما يضع ملتمسي اللجوء واللاجئين في موقف غير مضمون من حيث الحيادية والإنصاف، وقد تؤدي هذه التغيرات إلى تأثيرات ملحوظة على قبول الطلبات أو رفضها.
لقد ورد في نص مشروع القانون أن اللجنة تُعد "الجهة المعنية بشؤون اللاجئين، بما في ذلك جمع المعلومات والبيانات والإحصائيات الخاصة بأعداد اللاجئين"، إلا أنه لم يضع أي إطار أو ضوابط لحماية هذه البيانات، أو لتحديد كيفية إدارتها وحفظها ومشاركتها.
أيضًا، ينص القانون على إنشاء مقر رئيسي للجنة في القاهرة، بينما لم يحدد أي معلومات حول تواجد اللجنة أو وحداتها المختصة بالاستقبال والتسجيل في المنافذ والمعابر والمطارات أو النقاط الحدودية، التي يتخذها الأشخاص ممرات غير رسمية للعبور إلى البلاد، ما ظهرت أهميته مع الأزمة الإنسانية الناتجة عن تدفق الآلاف هربًا من الحرب في السودان عبر المنافذ الحدودية الجنوبية.
كما لم يوضح مشروع القانون أماكن تواجد اللجنة في المحافظات الأخرى غير القاهرة، وهذا أحد التحديات الرئيسية الحالية للأشخاص، ويمثل عائقًا أمام طلب اللجوء في مكاتب المفوضية المحددة في مناطق معينة داخل البلاد، ويترتب على هذا عدم نفاذ الكثير من الأشخاص إلى الحماية الرسمية، وتواجدهم في مصر في مساحة رمادية من القانون، وهو ما يجب أن يتلافاه المشرع في الأصل. وكان يجب أن ينص القانون على تخصيص مقرات اللجنة في المعابر والمنافذ والمطارات والنقاط الحدودية الأخرى، وأيضًا في المحافظات التي يقطنها الأشخاص.
على الرغم من النص في مشروع القانون على "التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات والجهات الدولية المعنية" كأحد الأمور التي تتولاها اللجنة الدائمة، إلا أنه لم يحدد طبيعة التعاون مع المفوضية السامية للاجئين بأي شكل من الأشكال، سواء في نصوص مواد اللجنة أو الإجراءات اللاحقة. وقد بيّنَّا في الفقرة السابقة وجهًا واحدًا فقط من أوجه التعقيد في عملية الانتقال التي تتطلب تعاونًا لصيقًا مع المفوضية السامية، وهو ما قامت به كل الدول التي نجحت في إتمام عملية الاستبدال أو التوطين أو التسجيل والبت في طلبات اللجوء. كما أن المقترح هنا يساوي مركز المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بجميع الكيانات والجهات الدولية الأخرى، وهو ما يثير التساؤل أكثر عن إدراك دور المفوضية الأكبر والأكثر تأثيرًا والتصاقًا بوضع اللاجئين في مصر وفرادته مقابل أي هيئة أممية أو منظمة دولية أخرى، فالمفوضية ليست جهة مانحة فقط، بل تنوب عن الحكومة في كل ما يتعلق بالشق القانوني من حياة ملتمسي اللجوء في مصر.
كذا ينص مشروع القانون على تفويض اللجنة الدائمة بـ"التنسيق" مع الجهات الإدارية في الدولة لضمان "تقديم أوجه الدعم والرعاية والخدمات"، لكنه يقصر هذا الضمان على الأشخاص الحاصلين على صفة "لاجئ" فقط، مستثنيًا بذلك "طالبي اللجوء"، الذين يحصلون في مصر حاليًا -بموجب الاتفاقيات الدولية- على الحمايات الأساسية التي تمنحها الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، وأهمها على الإطلاق هي الحماية من الطرد أو الرد إلى حين البت في الطلب (تُعرف تلك الفئات في مصر بصفتهم حاملي البطاقات الصفراء، أي المؤقتة، التي تمنحها المفوضية السامية). النص القانوني في شكله الحالي يؤدي إلى حرمان هؤلاء كلهم من أي ضمانات مماثلة، ويغفل توفير أي دعم أو رعاية لهم خلال فترة طلب اللجوء.
أمّا المادة 4 فإنها تنص على إنشاء أمانة فنية متخصصة للجنة المنصوص عليها في المادة 2، على أن يُترك لرئيس الوزراء إصدار قرار يحدد اختصاصاتها ونظام عملها، وتعيين رئيسها ومدته، وتحديد معاملته المالية واختصاصاته. ويعاون رئيس الأمانة الفنية عدد كافٍ من الموظفين يُندبون من الجهات الإدارية للدولة بموافقتها.
على الرغم من أن الأحكام العامة الواردة في مقترح المادة 4 تلمح إلى دور حيوي وفني للأمانة ضمن اختصاصات "اللجنة الدائمة"، إلا أن مشروع القانون لا يوضح طبيعة العمل الفني الذي ستقوم به هذه الأمانة، أو نطاق اختصاصاتها، أو نظام عملها، أو تشكيل موظفيها وضمان تدريبهم الكافي. يمنح نص المادة السلطة لرئيس مجلس الوزراء لتشكيل هذه الأمانة، مع اشتراط تعيين الموظفين "بعد موافقة الجهات المعنية" دون تحديد هذه الجهات. ورغم إمكانية توضيح هذه التفاصيل في اللائحة التنفيذية، إلا أن الأفضل من الناحية التشريعية والإجرائية أن يحدد القانون -على الأقل- الإطار العام لدور واختصاصات اللجنة وآلية اختيار موظفيها. هذا من شأنه أن يضمن تطبيق المعايير الدولية ويعزز الشفافية والمساءلة، مع توضيح المصطلحات وتقييد التوسع بالأدوار والقرارات التنفيذية.
موارد اللجنة وآلية إيداع الموارد
تنص المادة 5 على أن موارد اللجنة تأتي من مصدرين: الأول هو الميزانية العامة للدولة، والثاني يشمل المنح والتبرعات والهبات والإعانات والقروض التي قد تتلقاها أو تُبرمها. رغم أن هذا النص يبدو مألوفًا ويتشابه مع مواد قانونية أخرى سعت لتنظيم الهجرة غير النظامية، مثل المادة 33 من قانون "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، والمادة 4 من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 369 لسنة 2023 بإنشاء "صندوق مكافحة الهجرة غير الشرعية"، إلا أن النص قد يُسهم في تعزيز خطاب يعتبر اللاجئين عبئًا ماليًّا على الدولة، وهو خطاب يتبناه بعض الأفراد المرتبطين بالسلطة، ويعزز فكرة أن الدولة تتحمل تكاليف إقامة اللاجئين. هذا في حين أن الهيئات الدولية تتحمل عادةً مسؤولية تقديم الدعم المالي للاجئين بدون أن تشكل عبئًا على ميزانية الدولة، بخلاف العبء المالي الذي يتحمله اللاجئون أنفسهم، مع غياب فرص العمل الجيدة. هذا الوضع يسمح بتدفق مساعدات أسرية من الخارج، يرى البعض في حقيقة الأمر أنها تساهم بشكل إيجابي في تخفيف حدة الأزمات المالية المرتبطة بندرة العملة الأجنبية.
أما المادة 6 من المشروع فإنها تنص على أن موارد اللجنة توضع في حساب خاص ضمن حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي المصري، ويُصرف منه على أغراضها وفقا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء، بناء على عرض اللجنة المختصة، ويُرحَّل فائض مواردها الذاتية من سنة مالية إلى أخرى، وتخضع أموالها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
3. مواد إجرائية
تقديم طلب اللجوء
في المادة 7 من مشروع القانون توضح اللجنة عملية قبول طلبات "التماس اللجوء" من اللاجئ أو من يمثله قانونًا، ووضَعَ المشرع مع ذلك تمييزًا صريحًا في السقف الزمني للبت في الطلبات الذي تقوم به اللجنة، ففي حالة الدخول غير النظامي -الذي أسماه المشرع "الدخول غير المشروع"- تكون المدة عامًا، وفي حالة الدخول النظامي تكون المدة ستة أشهر، وهو تمييز غير مفهوم ولم يحاول المشرع شرح منطقه، فهل هو منطق عقابي على الدخول غير النظامي؟ علمًا بأن الفارق الوحيد بين اللاجئ الذي دخل بشكل نظامي أو غير نظامي في بعض الأحيان، قد لا يتعدى أن يكون هو الفارق بين حدة وطبيعة الصراع في بلد المنشأ، وطبيعة إجراءات العبور التي تفرضها الدولة المضيفة، كما هو الحال مع السودانيين/ات الذين اضطروا إلى العبور إلى مصر في الشهور الأخيرة متأثرين بالكارثة الإنسانية والنزاع المسلح في بلادهم/هن.
وتعكس تلك التسمية "الدخول المشروع، وغير المشروع" تناقضًا صريحًا مع أسباب تواجد الأشخاص الراغبين في طلب الحماية أو اللجوء إلى بلد آخر في المقام الأول. ولهذا، فإن من الأفضل في الممارسات التشريعية تفادي القوانين تلك المصطلحات المحمَّلة بالدلالات السلبية، ولا تتناسب مع واقع اللجوء والتهجير القسري في معظم بلاد العالم، والأسباب التي تدفع ملتمسي اللجوء عمليًّا للهروب إلى البلاد المجاورة بشكل غير رسمي أو غير نظامي.
على الرغم من أهمية تحديد توقيتات زمنية للجنة للدراسة والفحص والتقييم واتخاذ القرار، فإنه في بعض الأحيان ومع تعقيد ملفات الأفراد ولبناء فهم للسياقات القادم منها الأشخاص؛ قد تحتاج اللجنة إلى وقت إضافي للنظر في الملف. إلا أن مشروع القانون لم يعط صلاحية للجنة في وضع آلية للملفات التي تتجاوز المدد المذكورة، كما لم يذكر الحالة بالنسبة للملفات التي قد تعجز اللجنة عن تقييمها خلال المدد المقررة في هذا المشروع، الأمر الذي قد يعرض الأشخاص لاتخاذ القرارات بشأن ملفاتهم بسرعة ودون تأنٍّ.
أعطى المشرع أولوية محمودة ومُرحبٌ بها في الدراسة والفحص لحالات بعض الفئات الأكثر ضعفا مثل "الأشخاص ذوي الإعاقة، والمسنين، والنساء الحوامل، والأطفال غير المصحوبين، وضحايا الاتجار بالبشر والتعذيب والعنف الجنسي". وعلى الرغم من أن هذا التمييز إيجابي في بعض أوجهه، إلا أن هذا التحديد حرم فئات أو مجموعات أخرى قد تحتاج لهذه الأولوية نظرا لوضعها الحرج، أو ظروفها الخطيرة، أو احتمالية تعرضها لخطر مضاعف، أو بحاجة لحماية عاجلة، على سبيل المثال لا الحصر: المرضى بأمراض مزمنة، وجرحى الحروب والنزاعات المسلحة، وغيرهم ممن قد يظهر للجنة حاجتهم إلى هذه الأولوية. وكان أحرى بالمشرع -الذي استخدم ألفاظًا شديدة العمومية في مواضع أخرى من القانون- أن يعمم اللفظ في نص القانون، مع إعطاء اللجنة المختصة صلاحيات للتعريف الدقيق، وإلحاق من تراه مستحِقًّا لأخذ أولوية النظر في طلبه، من أجل تحديد مساحات أكبر من الفئات التي قد تحتاج إلى هذه الأولوية.
وضع مشروع القانون قرارات اللجنة أمام خيارين فقط وهما إما قبول الطلب وإسباغ وصف اللاجئ على ملتمس/ة اللجوء، أو رفض الطلب، بينما في كثير من الأحيان قد تحتاج اللجنة إلى إصدار قرار مبدئي بطلب معلومات أو توضيحات إضافية. ويقيد هذا النص الحق في ذلك، بينما قد يجبر اللجنة في هذه الحالة على رفض طلب اللجوء.
لم يوضح المشروع أي تفاصيل حول الوضع والمركز القانوني لطالب اللجوء في أثناء فترة معالجة طلباتهم، وما النظام الذي سوف يستبدل منظومة البطاقات الصفراء التي تمنح الحماية المؤقتة إلى حين البت في طلبات اللجوء، والمعمول بها حاليًا في مصر، ما يثير مخاوف كبيرة حول احتمالات المخاطر الحمائية التي قد يتعرض لها طالبو اللجوء خلال فترة انتظار المعالجة. وتزداد هذه المخاوف مع الصلاحيات الضخمة التي منحها المشروع للجنة والسلطات الأمنية في البلاد.
إن مسألة وجود ضمانات قانونية لطالبي اللجوء -بما يشمل الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وسبل العيش الكريم والحق في العمل في أثناء عملية المعالجة- هي أمور رئيسية يجب أن يشملها نص القانون. كما ينبغي أن يشمل أيضًا توضيح التدابير الاجتماعية التي سوف تتخذها الحكومة لتوفير الحد الأدنى من بدل المعيشة لغير القادرين على العمل أو الحصول على فرصة عمل مناسبة، بما يتناسب مع المعايير والالتزامات الدولية، وبما لا يقل عن الوضع القائم بالفعل.
في حالة صدور قرار اللجنة بعد المعالجة برفض طلب اللجوء وعدم الاعتراف بصفة اللاجئ لصاحب الطلب، فإن المشرع يعطي اللجنة في المادة 7 صلاحية إخطار وزارة الداخلية بـ"إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد"، وعلى الرغم من أن مشروع القانون يعتبِر قرارات اللجنة قرارات إدارية يُطعن عليها أمام محاكم مجلس الدولة، لكنها لم تنظم إجراءات بقائهم في البلاد في أثناء نظر الطعن على قرار رفض طلب اللجوء أو الإبعاد المقدم أمام المحاكم المختصة، وهو الحد الأدنى من المعايير الأساسية للإجراءات القانونية وضمانات الحماية الأساسية التي يجب أن يشملها القانون.
إن هذا النص يخالف بشكل واضح المعايير القانونية الواجبة لتعزيز نزاهة نظام اللجوء ويحرم طالب اللجوء من الحق في استئناف قرارات اللجنة، كما نصت عليها التوجيهات الإرشادية الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ويتعارض مع التزامات مصر في حماية الحق في طلب اللجوء والتمتع به والحماية من الإعادة القسرية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال حرمان الأشخاص من الاستئناف واتخاذ كل درجات وسبل الطعن على القرار أمام المحاكم، إن السماح بالإبعاد أو الترحيل في هذه الحالة مخالفة قانونية لالتزامات مصر الأساسية، ويمثل تراجعًا عن النظام القانوني القائم في مصر لعقود طويلة.
لم يوضح مشروع القانون مسألة الإعلان برفض طلب اللجوء ومدى إلزامية سريان تلك القرارات، بينما كان يجب أن ينص على آلية الإعلان عن قرارات اللجنة الإيجابية منها والسلبية، ففي العديد من الحالات لا يعرف الأشخاص وضع وحالة طلباتهم وقرارات المعالجة فيها إلا بعد مرور وقت طويل من إصدارها، ما يعرض الأشخاص للحرمان من الاستئناف على القرارات الصادرة من اللجنة في الوقت القانوني الملزم لذلك.
يتوسع مشروع القانون في صلاحيات اللجنة ويعطيها الحق في اتخاذ "ما تراه من تدابير وإجراءات لازمة تجاه طالب اللجوء لاعتبارات حماية الأمن القومي والنظام". إن الصلاحيات الممنوحة للجنة بهذا الشكل تقوض من وصول الأشخاص إلى حق اللجوء، وفي ظل الإجراءات المشتملة على عسكرة الحدود وتجريم الحركة التي تتوسع فيها السلطات المصرية، يثير هذا النص مخاوف حقيقية حول استخدامه غطاءً قانونيًّا لعمليات الترحيل القسري والاحتجاز التعسفي وتحديد الحركة والإقامة لطالبي اللجوء.
بينما أوضح مشروع القانون الأولوية لبعض الفئات المستفيدة بشكل قاصر، لم يوضح أو يتخذ أي تدابير أو أشكال حماية فعالة للأشخاص الذين يقدمون طلبات اللجوء على اعتبارات وأسباب مجرمة قانونا أو عمليًا في مصر، مثل الممارسات والهويات الجنسية والجندرية، والنشاط السياسي في بلاد بين حكوماتها وبين مصر شراكات، وحرية العقيدة أو التعبير عن الرأي وغيرها من الاعتبارات التي يمكن أن تعرض أصحابها للخطر بناء على هذا الأساس.
الحرمان من اكتساب وصف اللاجئ: (مادة 8)
تحدد المادة 8 الأسباب المؤدية إلى حرمان ملتمس اللجوء من اكتساب صفة "اللاجئ" القانونية، وعلى الرغم من أن هذه الأسباب معرَّفة بشكل حصري في القانون الدولي في اتفاقية 1951 وهو الحصر الذي ورد في ثلاث حالات التزم بهم المشرع في الحالة الأولى والثالثة التي نص عليها المشروع وهي: أسباب جدية للاعتقاد بأنه ارتكب جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب"، والانخراط في أعمال تتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة". بينما في الحالة الثانية التي نص عليها المشرع فقد حذف "غير سياسية" المنصوص عليها في الاتفاقية لتكون: "ارتكاب جريمة قبل دخول مصر"، الأمر الذي يعرض المتهمين في قضايا سياسية قبل الدخول إلى مصر للحرمان من صفة لاجئ، بينما يخالف النص الأصلي في الاتفاقية.
ويضيف مشروع القانون حالتين مستحدثين وهما: الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية داخل جمهورية مصر العربية وفقا لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 وهو النص الذي يمكن تفسيره على أنه: صلاحية للحرمان من اكتساب صفة اللجوء في حالة القيام بجريمة بعد دخوله للبلاد، وذلك يتعارض مع اتفاقية 1915 التي حددت الحرمان في حالة ارتكاب جريمة بـ"خارج بلد اللجوء… قبل قبول اللاجئ".
ثم تأتي الحالة الثانية التي استحدثها المشروع في مخالفة صريحة لما حددته الاتفاقية من حالات، وباستخدام تعريفات فضفاضة يمكن إساءة استخدامها وهي: "إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام". إن هذا النص يفرغ كل نصوص وضمانات الحماية القانونية للاجئين من مضمونها. إن عملية الاستبعاد والحرمان من صفة اللاجئ مهمة داخل منظومة اللجوء، لذا يتعين حماية حق اللجوء من استغلال ومنح امتيازاته للأشخاص المرتكبين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتشكل بنود الاستبعاد جزءا من تعريف الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية. ولذلك فإن المبادئ الأساسية التي تحكم تطبيق عملية اتخاذ القرار وتنفيذ الاستبعاد والحرمان يجب أن تتضمن الالتزامات والاشتراطات الدولية المحددة، وضماناتٍ عمليةً تقلل من إمكانية إساءة الاستخدام على حساب حقوق اللاجئين/ات وملتمسي/ات اللجوء. ولا ينبغي أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة تسمح بعمليات إعادة قسرية، ولا ينبغي أن يتأثر وضع الحماية الدولية الممنوحة للأشخاص ما دام لم يرتكبوا/ن أي من الجرائم المنصوص عليها في البنود الثلاثة التي نصت عليها الاتفاقية.
إسقاط صفة اللاجئ: (مادة 9)
عمد المشرع في هذا النص إلى توسيع صلاحيات اللجنة -دون أي مبرر- في إسقاط صفة اللاجئ عن الأشخاص، كما لم يضع إطارًا قانونيًّا وآلية لهذه العملية. وفي ظل الصلاحيات الموسعة في "اتخاذ التدابير التي تراها اللجنة مناسبة"، و"إبعاد الأشخاص خارج البلاد بالتنسيق مع وزارة الداخلية"، ومع ضعف أو غياب إجراءات الطعون والاستئناف داخل اللجنة الدائمة المعنية بتقرير وضع اللاجئ، والتأكيد مرة أخرى على مسألة الإبعاد في نص المادة 9 دون الحاجة إليه، فإن هناك تخوفات حقيقية حول هذا النص واستخداماته التي قد تترتب عليها انتهاكات مثل الاحتجاز التعسفي، والترحيل القسري، ما يتعارض مع المبادئ الرئيسية لاتفاقية 1951، كما أنه يقوض حق الاستئناف أمام المحاكم على مثل ذلك قرار.
من بين الحالات التي استخدم فيها المشرع أوصافًا عامة للغاية في مشروع القانون، تبرز حالة منح الصلاحية للجنة لإسقاط صفة اللاجئ عن الأفراد المعترف بهم، وذلك لمجرد "إغفال بيانات أو معلومات أساسية". وبخلاف أن هذه العقوبة غير متناسبة مع جسامة الخطأ أو المخالفة القانونية، وتعكس -مجددًا- النهج العقابي والتشكك المبالغ فيه في ملتمسي اللجوء، الذي يتنافى مع الأسس التي تقوم عليها مواثيق الحماية الدولية للاجئين ونصوص الدستور المصري، فإن هذا النص يتجاهل حقيقة أن معظم طالبي اللجوء هم أشخاص تعرضوا أو ما زالوا في خطر التعرض لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهم في معظم الحالات أشخاص اضطروا إلى الفرار في ظروف استثنائية وفقدوا الاتصال بجزء كبير من حياتهم السابقة، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى صدمات نفسية عميقة بالإضافة إلى فقدان الوثائق والأوراق الشخصية وكل ما يذكر الأشخاص بحياتهم السابقة.
قد ينتج عن هذه الصدمات نسيان بعض التفاصيل أو المعلومات الأساسية بشكل طبيعي، وفقًا للدراسات الطبية والنفسية. وبالتالي، فإن وضع معيار إسقاط صفة اللجوء بناءً على إغفال مثل هذه المعلومات، دون مراعاة الجوانب النفسية والعملية، قد يكون غير منصف.
من بين حالات إسقاط وصف اللاجئ عن الأشخاص، هي المخالفة لنص المادة 28، التي تتضمن "مراعاة" ما أسماها "قيم المجتمع المصري" واحترام ما أسماها "تقاليد المجتمع المصري"، ومع توسع التعريف الذي تسبب في تجريم العديد من المصريين بسبب تعبيرهم عن رأيهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولأسباب غير مرتبطة بهذا الوصف، بالمخالفة للالتزامات الدولية المفروضة على مصر. يوسع المشرع من صلاحية اللجنة في إلغاء حق اللجوء وحرمان الأشخاص منه بناء على تعريفات مطاطة يمكن استخدامها لأي شكل من الأفعال والسلوك البشري. ولا يراعي هذا الاختلاف الطبيعي بين الثقافات والمجتمعات في العادات والتقاليد، الأمر الذي قد يعرض الأشخاص للتجريم بسبب أفعالهم الطبيعية أو التعبير عن ثقافتهم إذا قرر عضو اللجنة الدائمة أو أحد ضباط وزارة الداخلية أن هذا الفعل ينطبق عليه الوصف العام الذي يعرضه مشروع القانون. ناهيك عن أن هذا يتعارض مع المواد التي تحمي اللاجئين من التمييز في اتفاقية 1951 والاتفاقيات المكملة، إذ إن ارتكاب مخالفة قانونية من اللاجئ أو طالب اللجوء لا يجب أن يعرضه لعقاب أكبر من المواطنين في البلد المستضيف، ولا يجب أن يترتب عليه الحرمان الكامل من الأهلية القانونية والحماية عن طريق إسقاط صفة اللجوء.
أيضا باستخدام المادتين 29 و30 من مشروع القانون اللتين تجرِّمان العديد من أشكال النشاط التي يمكن أن يقوم بها اللاجئ، حتى ولو كانت تعبيرًا عن رأيه فيما يتعلق بسياسات بلاده، أو مؤسسةٍ تتمتع مصر بعضويتها، أو المشاركة في النقابات العمالية التي تكون أساسية أحيانًا لمزاولة العمل المهني. فضلا عن أن بعض النقابات تقبل في عضويتها غير المصريين، ما يجعل انضمام الأجانب، سواء كانوا لاجئين أو غير لاجئين، أمرا قانونيًّا وعُرفًا نقابيًّا، ومنع اللاجئين تحديدا من الانضمام، وقبول غيرهم، يُعد تمييزا يزيد من معاناة اللاجئين ومنع اندماجهم في المجتمع.
وفقًا لهاتين المادتين يمكن للجنة أن تُسقط حق اللجوء عن الأشخاص لأسباب واهية وتسعى إلى ترحيلهم خارج البلاد. إن نص إسقاط حق اللجوء جاء مخالفًا بشكل واضح للالتزامات الدولية المفروضة على مصر، وعلى رأسها التمكين من حق اللجوء والتمتع بالحقوق الأخرى مثل حرية الرأي والتعبير، وحرية اعتناق الأديان، واحترام تنوع الثقافات. كما أنه يعتبر مماثلًا لتوقيع أقصى عقوبة ممكنة على شخص في حال ارتكابه أي مخالفة للقوانين المحلية، وهو عقاب غير دستوري ولا يتفق مع القوانين والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر.
تدابير وإجراءات موسعة للجنة دون رقابة واضحة بالمخالفة للاتفاقيات الدولية
تمنح المادة 10 من مشروع قانون اللجوء في مصر اللجنة المختصة سلطة طلب "ما تراه" من تدابير وإجراءات تجاه اللاجئين في زمن الحرب أو في "إطار اتخاذ التدابير المقررة قانونًا لمكافحة الإرهاب" أو أي ظروف استثنائية أو خطيرة أخرى، وعلَّل ذلك باعتبارات الأمن القومي والنظام العام دون أي ضوابط قانونية وأحالها للائحة التنفيذية. ولعل هذه المادة من أخطر موادة المشروع على الإطلاق في مشروع القانون بأكمله.
تنص المادة 10 على اتخاذ "ما تراه [اللجنة] من تدابير تجاه اللاجئ" في حالات منها "مكافحة الإرهاب أو الحروب أو الظروف الخطيرة أو الاستثنائية" أو على أساس "اعتبارات الأمن القومي والنظام العام"، من دون وضع أي محددات قانونية أو تعريفات واضحة لكل ذلك. تفتح هذه التعبيرات الفضفاضة الباب لتفسيرات واسعة ومتباينة وذات طابع تنفيذي وليس قضائي، ولا يقيدها النص في أي موضع بالحد الأدنى من أشكال الحماية القانونية التي تفرضها المواثيق الدولية على الدولة المستضيفة للاجئ. وفي التحليل الأخير فإن هذا النص بشكله الحالي يقوض، بل يفرغ تمامًا، القانون من أي التزام حقيقي بتوفير الحماية القانونية الواجبة للاجئين وملتمسي اللجوء. كما أنه لا يوجد أي تنظيم مقترح للطعن على تلك التدابير الخطيرة، ولا أي ضمانات أخرى.
ولا يكفي ولا يستقيم أن يعتمد النص في الضمانات الأساسية للأشخاص المخاطبين بالقانون على اللائحة التنفيذية التي لم تصدر بعد. فهذا قد يؤدي إلى غموض أكبر في التطبيق. وبالتالي تحتاج النصوص القانونية عند إصدارها إلى أن تكون واضحة وأن تكون الإجراءات التي تؤثر على حقوق الأشخاص المخاطبين بها شديدة الوضوح، كما أن إجراء بهذه الخطورة يجب ألا يكون متروكًا للائحة التي يمكن تعديلها بقرار، بخلاف التشريع الذي يحتاج إلى موافقة برلمانية، فتشديد إجراءات إصدار وتعديل نصوص أساسية أمر مهم لزيادة الضمانات.
إن غياب التوازن بين الأمن القومي وحقوق الأفراد يسمح ويؤسس للتشريع بهذا الشكل الذي يفتقر إلى الدقة ولا يسمح بأي شكل من أشكال المحاسبة، وهو ما يستدعي استعادة التوازن المنضبط بين حقوق الأفراد ومسؤوليات الدولة والأمن القومي، لتجنب انتهاكات الحقوق ومن أجل ضمان الاتساق مع الدستور المصري والمواثيق الدولية.
إصدار الوثائق
النص في المادة 11 يوضح أن اللجنة المختصة تصدر وثيقة للاجئ تثبت صفته كلاجئ، وتحدد اللائحة التنفيذية للقانون البيانات التي تتضمنها الوثيقة، ومدة صلاحية الوثيقة وإجراءات إصدارها وتجديدها.
لم يتعرض النص لمسألة الإقامة، وهل ستكون الوثيقة الصادرة من اللجنة بديلا للوثائق التي تصدرها مفوضية اللاجئين في مصر، ويحتاج اللاجئ بعدها إلى استخراج تصريح إقامة طبقا للقواعد المطبقة على الأجانب المتواجدين داخل القطر المصري، أم ستكون بديلا للوثيقة والإقامة معًا.
يتيح نص المادة 12 من المشروع للوزارة المختصة منح اللاجئين وثيقة سفر من خلال اشتراط موافقة اللجنة على إصدارها. كما يمنح اللجنة المختصة حق منع إصدار وثيقة السفر "لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام". ومع ذلك، يُلاحظ غياب التوضيح الكافي لماهية هذه الأسباب أو المعايير المحددة لاتخاذ مثل هذه القرارات، ما يستدعي المزيد من الوضوح لضمان عدم استغلال هذه السلطة بشكل تعسفي. إذ إن النص قد يسمح بتقييد غير مبرر لحق أساسي من حقوق اللاجئين في حال إساءة استخدامه، وهو أمر متوقع بالنظر إلى السياق المصري الذي شهد حالات ترحيل قسري للاجئين حاصلين على البطاقة الزرقاء، وهي البطاقة التي يحصل عليها اللاجئين الذين تم تحديد موقفهم وحصلوا على حق اللجوء في مصر. لذلك، من الضروري التأكد من أن مثل هذه الصلاحيات لا تُمارس إلا في الحالات التي تقتضيها الضرورة وتكون مبررة بوضوح.
من الجدير بالذكر أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 تعترف بحق اللاجئين في حرية التنقل، وتلزم الدول الموقِّعة بكفالة وضمان هذا الحق حتى في الظروف الاستثنائية، إذ تُجيز الاتفاقية فرض تدابير محددة إذا وُجد تهديد للأمن القومي، بشرط أن تكون هذه التدابير في أضيق الحدود وتستند إلى مبررات واضحة، وهو ما كان يجب أن يأخذ به المشرع في القانون وينص على أن يكون المنع وفق أسباب جدية مسببة.
الإخلال بالالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية
بينما يحظر مشروع القانون صراحة تسليم اللاجئ إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو بلد إقامته المعتاد، في المادة (13)، وضعَ القانون في المادة (9) إمكانية الترحيل الفوري بالتنسيق بين اللجنة الدائمة ووزارة الداخلية، دون وضع حماية حقيقية للأشخاص تلتزم بالمعايير الدولية لحظر التسليم، إن هذا النص القانوني الذي يحظر التسليم ليست له قيمة قانونية في مقابل العديد من النصوص التي أعطى المشروع الصلاحية للجنة فيها مثل "إسقاط الحق في اللجوء، أو رفض منح صفة اللاجئ" ثم التنسيق من أجل الإبعاد خارج البلاد، من دون منح وقت كافٍ لملتمس/ة اللجوء لتقديم الاستئناف للنظر فيه، واتخاذ كل السبل القضائية وإتاحتها. فلا يوجد حتى الآن بمشروع القانون أي آلية للاستئناف أو التظلم على قرارات تحديد موقف اللاجئ خلافًا للوضع القانوني الحالي الذي تباشر فيه المفوضية السامية تحديد موقف اللجوء.
حظر الطرد أو الرد للاجئ وطالب اللجوء هو الركيزة الأساسية للمواثيق الدولية المعنية بالحق في اللجوء (المادة 33 من اتفاقية 1951) ويعتبره فقهاء القانون الدولي عماد الحماية الدولية للاجئين. ويجب النص عليه بشكل صريح في ديباجة القانون وفي مقدمة المواد المعرِّفة لمسؤوليات اللجنة الدائمة ولحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء. كما يجب النص على حظر الطرد إلى أي بلد قد يتعرض طالب الحماية فيها للتهديد أو تعرض حياته فيها للخطر، وليس لبلد المنشأ فقط، التزامًا بنص المادة 33 من اتفاقية 1951.
حرية الاعتقاد الديني
المادة 14 من مشروع القانون تحدد حقوق اللاجئين فيما يخص العبادة والاعتقاد الديني، لكنها تقصر ممارسة الشعائر الدينية داخل دور العبادة على أتباع الأديان السماوية فقط (اليهودية والمسيحية والإسلام)، بينما تُحرم باقي الأديان والمعتقدات من هذا الحق. هذا التمييز قد يعود إلى عدم اعتراف الدستور والقانون المصري بديانات أخرى غير الديانات السماوية، بالإضافة إلى حظر بناء دور العبادة لغيرها.
يفتقر هذا النص إلى شمولية حرية الدين والمعتقد لجميع اللاجئين، مما يؤدي إلى عدم المساواة بين الأديان والمعتقدات المختلفة، في مخالفة للمواثيق الدولية التي تلتزم بها مصر. كما يغيب عن النص أي آلية لحماية اللاجئين من التمييز أو الانتهاكات، وهو عنصر أساسي لضمان حماية حقوق اللاجئين ضمن إطار قانوني عادل وشامل، خاصة مع التباطؤ المستمر في تنفيذ الاستحقاق الدستوري المنصوص عليه في دستور 2014 بإنشاء مفوضية وطنية لمكافحة كافة أشكال التمييز.
الأحوال الشخصية
جاءت المادة 15 لتؤكد حق اللاجئ في الخضوع لقانون بلده الأصلي في مسائل الأحوال الشخصية مثل الزواج والميراث والوقف، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن، وذلك بشرط ألا يتعارض مع النظام العام في الدولة المضيفة. كما نصت المادة على أن لا يُخل ذلك بالحقوق التي اكتسبها اللاجئ قبل أن يحصل على صفة اللجوء، مع استكمال الإجراءات المتعلقة بها وفقًا للقوانين السارية في مصر.
يمكن اعتبار استناد المشرع إلى الضمانات الواردة في اتفاقية جنيف خطوة إيجابية، ولكن استخدام مصطلح "النظام العام" في الفقرة الأولى قد يفتح المجال أمام تفسيرات واسعة من قبل القضاة. فهل يُقصد به القواعد القانونية التي لا تجوز مخالفتها، مثل قواعد اختصاص المحاكم، أو القيود على التحكيم في مسائل غير مدنية وتجارية، وغيرها من القواعد الآمرة؟
كان من الأفضل لو تضمن النص توضيحًا لماهية "النظام العام" لتجنب أي التباس قد يمنح القضاة سلطة تقديرية واسعة في تفسيره، مما قد يؤثر على حماية حقوق اللاجئين في مسائل الأحوال الشخصية.
التمتع بالحقوق المقررة للأجانب
نصت المادة 16 على تمتع اللاجئ بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الأجانب في مصر فيما يخص الحقوق العينية الأصلية (الملكية والانتفاع والاستعمال والارتفاق) والعينية التبعية (الرهن والامتياز) على الأصول الثابتة والمنقولة والحقوق المرتبطة بها. وقررت للاجئ حقوق الأجانب نفسها فيما يتعلق بالملكية الفكرية، وكذا حق اللاجئ في نقل ممتلكاته التي جلبها إلى مصر بهدف الإقامة، بشرط ألا يشكل ذلك تهديدًا للأمن القومي.
إن غموض بعض العبارات مثل "ما لم يكن في ذلك مساسًا بالأمن القومي أو النظام العام" يحتاج إلى وضع تعريفات واضحة ومحددة لتجنب أي تفسير خاطئ أو تعسف في تطبيقها. ومع ذلك، فمن الواضح أن المقاربةَ التي اعتمد عليها المشرع، والتي تظهر في أكثر من موضع، رهنُ الكثير من القيود الموضوعة على اللاجئين باعتبارات الأمن القومي والنظام العام، وهو ما يعني أن كل هذه الضمانات والحقوق مهددة بشكل دائم، وخاضعة لأهواء الأفراد المعنيين بتطبيق نصوص القانون.
حق التقاضي
نصّت المادة 17 على حق اللاجئ في التقاضي، مشيرة إلى إمكانية إعفاء اللاجئين من الرسوم القضائية عند الضرورة فقط. ورغم ذلك، لم يقدم النص أي جديد مقارنة بالتشريع المصري القائم، إذ تمنح القوانين الحالية الأجانبَ معاملة مساوية للمصريين فيما يتعلق بالرسوم القضائية.
كان من المتوقع أن يتناول النص التحديات الفعلية التي يواجهها اللاجئون للوصول إلى العدالة، كارتفاع الرسوم القضائية التي قد لا يتمكن الكثير من اللاجئين من سدادها، حتى في حال مساواتهم بالمواطنين. لذا، كان ينبغي على المشرّع النظر في إعفائهم من بعض الرسوم في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية والقضايا العمالية، باعتبارها الأكثر مساسًا بحياتهم اليومية. كما أغفل النص معالجة عقبات أخرى تؤثر على قدرة اللاجئين على الوصول إلى العدالة، مثل الحواجز اللغوية التي تعرقل التواصل داخل المحاكم وأجهزة الدولة، ورفض بعض مقدمي الخدمات القانونية تقديم الدعم للاجئين، فضلًا عن امتناع بعض أقسام الشرطة عن تسجيل البلاغات أو الاستجابة لنداءات الاستغاثة بسبب هوية اللاجئين.
الحقوق الأساسية مثل العمل والتعليم والصحة
العمل
القانون المقترح يضع قيودًا شديدة على عمل طالبي اللجوء، إذ يفرض على أصحاب العمل إبلاغ قسم الشرطة التابع عند توظيف لاجئين، ما يعقِّد عملية التوظيف ويحدّ من فرصهم في الحصول على عمل مستقر. وتترتب على مخالفة هذه التعليمات عقوبات تصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، هذا النظام يخلق قلقًا بين أصحاب العمل من التعامل مع اللاجئين، خوفًا من المخاطرة بالتعرض لهذه العقوبات.
فيما يخص اللاجئ، نصت المادة 18 من مشروع القانون على تأكيد حق اللاجئ في العمل وممارسة المهن الحرة، شريطة أن يحمل شهادة معترفًا بها، ويحصل على تصريح مؤقت من السلطات المختصة. على الرغم من أن هذه الأحكام تبدو إيجابية، خاصة إذا قورنت بالوضع القانوني القائم، إلا أنها في الواقع تمثل تحديات حقيقية للاجئين ولا تسد الثغرات الموجودة بشكل فعال، خاصة أمام أولئك الذين يسعون إلى ممارسة المهن الحرة.
فالقانون أوقف عمل اللاجئين في المهن الحرة على هذين الشرطيْن، وهو ما يضع عوائق بيروقراطية يمكن أن تعيق الاندماج السريع في سوق العمل؛ فاشتراط الشهادات المعترف بها يمثل عقبة أمام العديد من اللاجئين، إذ إن كثيرين منهم يفتقرون إلى الوثائق الرسمية أو الشهادات الأكاديمية بسبب الظروف التي دفعتهم للجوء. بعض اللاجئين قد اضطروا للفرار بسرعة، أو فقدوا وثائقهم بسبب هدم المنازل أو مداهمتها، أو في رحلة الخروج من بلدهم.
كما أن إلزام اللاجئين بالحصول على تصريح مؤقت للعمل وفقًا للقوانين المنظِّمة، يرتِّب عليهم إجراءات إدارية معقدة تتطلب تقديم وثائق متعددة ودفع رسوم قد تكون باهظة. فعلى سبيل المثال، سيحتاج اللاجئون الذين يعملون في مجال المحاماة إلى تصريح مؤقت من نقابة المحامين لكل قضية يتولونها. يُشترط لهذا التصريح تقديم شهادة القيد في نقابة المحامين ببلدهم الأصلي وتفاصيل القضية المحددة. هذا التصريح محصور بتلك القضية فقط، كما لا يتيح للمحامي اللاجئ العمل في المهنة بشكل عام داخل مصر، الأمر الذي يحدّ من حرية ممارسته لمهنته، ويؤثر سلبًا على استقراره المهني والاقتصادي.
كما لم يذكر النص أي مواد قانونية متعلقة بحقوق الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي أو البطالة، وهي عناصر مهمة لضمان استقرار وأمان اللاجئين في المجتمع المستضيف، ولا يجب إغفالها في أي تشريع وطني منظِّم لعملية اللجوء، إذ يفترض أن يزيد من الحقوق والضمانات الممنوحة للاجئ، خاصة بعد عقود طويلة من غياب تشريع وطني شامل والاكتفاء بالعمل تحت غطاء مذكرة تفاهم مع المؤسسات الأممية.
أما ما يخص منح مشروع القانون في المادة 19 اللاجئين حق العمل لحسابهم الخاص وتأسيس شركات أو الانضمام إلى شركات قائمة، فهو تطور إيجابي نظرًا لأهمية تمكين اللاجئين اقتصاديًّا واجتماعيًّا، ويعزز اندماجهم في المجتمع، إلا أنهم قد يواجهون عقبات قانونية وإدارية كالحصول على التراخيص والتصاريح المطلوبة، بما فيها التصريح الأمني الذي يكون الرفض فيه غير مسبب، ما يعوق قدرتهم على تأسيس شركات أو الانضمام لها، كما تتطلب هذه الإجراءات وقتًا وجهدًا كبيرين وتكاليف كثيرة.
وعلى الناحية الأخرى، فالقانون -إذ ساوى بين اللاجئين والمواطنين في الضرائب والرسوم المقررة عليهم- فلا يستقيم أن يميز بينهم في الحقوق الممنوحة للاجئين، خاصة الحق في العمل، أو أن يضع عراقيل إضافية على اللاجئين حتى يتمكنوا من الحصول على العمل بأجر مناسب وبالتالي الالتزام بالاستحقاقات الضريبية.
التعليم
يقر مشروع القانون في المادة 20 بحق الطفل اللاجئ في التعليم الأساسي، وهي خطوة إيجابية لدعم حقوق الأطفال اللاجئين، وتعد عدولًا ضمنيًّا عن تحفظ مصر على الفقرة الأولى من المادة 22 من اتفاقية 1951، التي تقضي بمساواة الطالب اللاجئ بالمصري في مجانية التعليم الابتدائي. رغم ذلك، يُغفل القانون الجديد حق اللاجئين في الالتحاق بالتعليم الجامعي الحكومي، ما يخلق فجوة واضحة في النظام التعليمي المخصص لهم، ومخالفة لنص المادة المشار إليه أعلاه. هذا القصور يحرمهم من الفرص التي يوفرها التعليم العالي، الذي يُعتبر ضروريًّا لتحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، وحتى يمكنهم المساهمة بشكل فعال وإيجابي في الاقتصاد المحلي.
كما يجب على السلطات المصرية إزالة العوائق البيروقراطية التي يواجهها اللاجئون عند التقديم في المدارس المصرية، وكذا رفع الحظر وتسهيل استخراج التراخيص للمدارس المجتمعية بدلًا من التضييق عليها وغلقها.
وينبغي مراعاة اللاجئين غير المتحدثين بغير العربية وتقديم دعم إضافي لهم، وكذا تحديات الحصول على التعليم الجامعي لارتفاع الرسوم بسبب معاملتهم معاملة الأجنبي، وهو ما يؤثر في فكرة إدماج اللاجئين بالمجتمع وتأهيلهم.
الصحة
نصت المادة 21 من القانون المقترح على حق اللاجئين في تلقي الرعاية الصحية المناسبة، ولم يحدد ماهية الرعاية المناسبة، في الوقت نفسه لم ينص على حقهم في الوصول إلى المستشفيات الحكومية، ولم يضمن لهم المساواة مع المواطنين في تلقي الخدمات الصحية، بل أرجأ تنظيم ذلك إلى لائحة هذا القانون، وقرارات من الوزير المختص.
الحق في التنقل
أكدت المادة 22 حق اللاجئين في التنقل واختيار محل الإقامة، وأوجبت على اللاجئ إخطار اللجنة المختصة بمحل إقامته الدائم، وبكل تغيير يطرأ عليه، وأحال تنظيم الإخطار إلى القوانين المختصة واللائحة التنفيذية للقانون، واستثنت من هذا الحق الأحوال التي نظمتها المادة 10 من القانون ذاته التي سبقت الإشارة إليها، أي أنها عمليًّا رهنت الحق في التنقل بالشروط والاستثناءات المُعرَّفة بشكل فضفاض في المادة 10، والقابلة للتطبيق في أي وقت. فمكافحة الإرهاب، على سبيل المثال، ليست سياقًا استثنائيًّا له بداية ونهاية معروفة مثل الحروب أو الأوبئة. إن ذلك يمثل تراجعًا عن الوضع القائم إذ تتميز مصر بأنها من الدول التي تكفل حرية التنقل والإقامة بشكل كامل للاجئين.
يجب ضمان أن لا تفرض اللوائح التنفيذية قيودًا غير ضرورية على حرية التنقل، وتظل ضمن المعايير المعقولة التي تضمن الأمن فقط دون المساس بالحرية، وحق التنقل من الحقوق اللصيقة بالإنسان ولا يجوز تقييده إلا بضوابط محددة ولمدد محددة، وتجب إتاحة التظلم والطعن على تلك الإجراءات الاستثنائية بطرق سهلة، مع ضمان الفصل في هذه التظلمات والطعون بشكل سريع وعادل.
الأعباء الضريبية والرسوم
نصت المادة 23 من مشروع القانون على منع تحميل اللاجئين ضرائب أو رسوم تختلف عن تلك المفروضة على المواطنين، ومع ذلك، يثير هذا الأمر إشكالية تتعلق بمساهمتهم في النظام الضريبي دون الحصول على الحقوق والخدمات الاجتماعية التي يتمتع بها المواطنون مقابل تلك الضرائب، مثل التعليم الجامعي، والضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية المدعومة. فعلى الرغم من التزام اللاجئين بالمساهمة المالية، إلا أنهم يظلون غير مؤهلين للاستفادة من هذه الخدمات، الأمر الذي يخلق حالة من عدم التوازن القانوني، ونقصًا في العدالة الاجتماعية.
حظر ممارسة العمل الحزبي والانضمام إلى النقابات
نصّت المادة 24 من مشروع قانون اللجوء على حق اللاجئ في الانضمام إلى الجمعيات أو مجالس إدارتها، ولكنها لم تمنحه حق التأسيس، وفي هذا تقييد لقدراتهم على تنظيم أنفسهم. كما قصَرت هذه المادة حقوق التنظيم الأهلي للاجئين ضمن "القانون المنظم للعمل الأهلي واللائحة التنفيذية"، وهو قانون معروف بسمعته السيئة وتعرضه لانتقادات واسعة من قبل المجتمع المدني بسبب القيود التي تتيح للدولة بسط سيطرتها على المؤسسات الخاضعة له.
في سياقٍ متصل، جاءت المادة 29 لتحظر على اللاجئين القيام بأي نشاط قد يمس الأمن القومي أو النظام العام، أو يتعارض مع أهداف الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، أو الجامعة العربية، أو أي منظمة دولية تكون مصر عضوًا فيها. كما حظرت هذه المادة ارتكاب أعمال عدائية تجاه بلد اللاجئ الأصلي أو أي دولة أخرى، ما يعكس مشاعر قلق مستمرة بشأن الحقوق والحريات الأساسية.
تستند هذه المادة إلى ألفاظ فضفاضة مثل "النظام العام، والأمن القومي، وأعمال عدائية، وأهداف الأمم المتحدة"، وهذا منهج المشرِّع في هذا القانون، ما يثير تخوفات من إمكانية استخدامها بشكل تعسفي لتقييد حقوق اللاجئين، خاصة في حال انتقادهم لبلدهم الأصلي أو المؤسسات الدولية وكانت هذه الدولة على علاقات جيدة مع مصر.
أما المادة 30، فقد حظرت ممارسة اللاجئين لأي نشاط سياسي أو حزبي ونقابي، والنص يفرض قيودًا شاملة قد تُعتبر تقييدًا مفرطًا للحقوق الأساسية للاجئين، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتنظيم السلمي، والحظر الذي فرضه القانون على الأنشطة النقابية قد يُقلل من فرص اندماج اللاجئين في المجتمع، خاصة إذا كانوا يعملون في وظائف تشترك مع العمال المحليين في الحقوق والمصالح، وهذا التقييد يخالف التزام مصر في المادة 15 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين 1951 وبروتوكول 1967 المكمِّل لها.
العودة الطوعية
أكد نص المادة 25 حق اللاجئ في العودة الطوعية إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة، في أي وقت. ومنح اللجنة سلطة التنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والدولة التي يحمل اللاجئ جنسيتها، أو كانت فيها إقامته المعتادة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للعودة الطوعية، على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية.
ولكن تاريخ السلطات التنفيذية في التعامل مع اللاجئين يجب أن يدفع نحو تضمين ضمانات إضافية في النص، لمنع إجبار اللاجئين على توقيع استمارة العودة الطوعية، لإضفاء الصفة القانونية على ترحيل اللاجئين. ومن الأهمية بمكان أن تكون الجهة التي تتلقى طلبات العودة الطوعية مستقلة تمامًا عن السلطة التنفيذية، وذلك لضمان شفافية وشرعية العملية، خاصةً في ضوء التاريخ السيئ في مصر الذي شهد حالات لإجبار اللاجئين على توقيع طلبات العودة الطوعية.
إعادة التوطين
منحت المادة 26 من القانون اللجنةَ قرار إعادة توطين اللاجئين، بالتنسيق مع الجهات الدولية المختصة، خلاف الدولة التي خرج منها وأحال تنظيم هذه الإجراءات إلى اللائحة التنفيذية.
والنص بحالته لا يقدم معايير واضحة حول كيفية اتخاذ قرار إعادة التوطين أو تحديد الدولة المستقبِلة، الأمر الذي قد يترك مجالًا للغموض والانتقائية في التطبيق، ويجب أن تحدد اللائحة التنفيذية الشروط والضوابط، كما أن النص تجاهل دور اللاجئ في عملية إعادة التوطين، وأحقيته في الموافقة ورفض دولة التوطين.
التجنيس
تمنح المادة 27 من القانون اللاجئين الحق في التقدم للحصول على جنسية جمهورية مصر العربية وفقا للقوانين ذات الصلة.
يُعد هذا النص سابقة تشريعية، إذ إنه للمرة الأولى يَطرح نص قانوني إمكانية منح الجنسية للاجئين، ما يجعل من مصر دولة توطين بعد أن كانت تُعد دولة عبور فقط. ومع ذلك، لم يوضح النص الشروط أو المعايير التي يجب أن تتوفر في اللاجئ ليصبح مؤهلًا للتقدم بطلب الجنسية، بل أحال ذلك إلى القوانين ذات الصلة. والأفضل أن تتضمن المادة شروط الحصول على الجنسية المصرية وضوابطها، بالإضافة إلى المدة اللازمة لاكتسابها.
في غياب هذا التنظيم، قد يؤدي النص بصيغته الحالية إلى إشكالات وغموض حول من يحق له فعليًّا الاستفادة من هذا الحق. تكتسب هذه الضمانات ضرورة إضافية، بالنظر إلى صعوبة اكتساب الجنسية للأجانب المقيمين في مصر لفترات طويلة، بغض النظر عن مركزهم القانوني، فقوانين الجنسية تحتوي على نفس تلك المواد التي تُخضع قرار الموافقة على التجنس لتقدير السلطات، حتى إذا تم استيفاء كافة الشروط المطلوبة للحصول على الجنسية.
الدخول غير النظامي
تنص المادة 31 من مشروع القانون على ضرورة أن يقدم أيُّ شخص دخل مصر "بطريقة غير شرعية"، وتتوفر فيه شروط طلب اللجوء، طلبَه إلى اللجنة المختصة في غضون 45 يومًا من تاريخ دخوله.
واشتراط القانون مدة 45 يومًا لتقديم طلب اللجوء يعتبر تقييدًا زمنيًّا صارمًا يمكن أن يشكل عائقًا أمام اللاجئين الذين تتعدد الأسباب التي قد تمنعهم من التقدم لطلب اللجوء في هذا الإطار الزمني، إذ قد يواجهون صعوبات مادية، أو نفسية، أو أمنية تعوق قدرتهم على تقديم الطلب في هذا الوقت المحدود، فضلا عن أنه قد يفتح الباب أمام السلطات التنفيذية لتحديد تاريخ الدخول، غير المعلوم بطبيعة الحال، وهو ما قد يفتح بابا من سوء استعمال السلطة والتعسف ضد هذه الفئة من اللاجئين.
هذه المهلة الزمنية قد تؤدي إلى استثناء العديد من الفئات الهشة، مثل الأطفال، والنساء، وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين قد يحتاجون إلى مزيد من الوقت لتنظيم أمورهم أو التوصل إلى المعلومات المناسبة حول حقهم في اللجوء.
وقد فرضت المادة 39 من المشروع ذاته عقوبات بالحبس أو الغرامة على من يخالف حكم المادة 31، وهو ما يمثل مخالفة صريحة لنص المادة 31 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تمنع الدول من فرض عقوبات على اللاجئين بسبب الدخول أو التواجد غير القانوني، إذا ما أثبتوا أن دخولهم كان بسبب الاضطرار للبحث عن ملاذ آمن. كما يتعارض بشكل صريح أيضًا مع قوانين واتفاقيات مكافحة الاتجار بالبشر بما فيه القانون المصري لمكافحة الاتجار بالبشر.
إن وجود عقوبات جنائية على اللاجئين المتأخرين في التقديم يعزز من مخاوفهم من التقدم بطلب اللجوء، ما قد يدفعهم إلى البقاء في الخفاء خوفًا من العقوبات، ويؤدي إلى حرمانهم من الحماية اللازمة، ويتجاهل السياقات التي عادة ما ينشأ فيها الاحتياج إلى اللجوء، والتي عادة ما تنتهي بالهروب ودخول البلاد المجاورة بشكل غير نظامي أو غير قانوني في كثير من الأحيان.
علاوةً على ذلك كله، تتعارض المادة 31 من مشروع القانون مع قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010، الذي يهدف إلى حماية الفئات الأكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات، وهو ما ينطبق بشكل خاص على المهاجرين الذين يصلون بطريقة غير نظامية ويعانون من قلة الموارد والحماية، كما يشير بروتوكول باليرمو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (العابرة للحدود الوطنية)، إلى ضرورة دعم ضحايا الاتجار بالبشر ومنع عقابهم بسبب دخولهم غير النظامي.
لذا، فإن عدم حصول اللاجئين على الحماية الملائمة قد يجعلهم عرضة لمزيد من الاستغلال من قبل شبكات الاتجار بالبشر، ما يجبرهم على القبول بأوضاع غير إنسانية أو العمل في ظروف صعبة، في غياب قدرة فعالة على الدفاع عن حقوقهم.
تحديد القضاء الإداري جهة للطعن
يعطي نص القانون المقترح للَّجنة الدائمة حق اختيار واحد من اختيارين اثنين فقط عند البت في طلبات ملتمسي اللجوء، إما القبول أو الرفض، دون إعطاء فرصة لطلب معلومات إضافية، وفي حالة الرفض يتحتم الإبعاد خارج البلاد. يفتئت النص بشكله الحالي على حق اللاجئين وطالبي اللجوء في الاستئناف، إذ يسمح فقط بالطعن على القرار الإداري الصادر من اللجنة أمام القضاء الإداري في المادة 35. ولكن طبيعة عمل اللجنة يتطلب وجود آليات مماثلة لآلية تحديد موقف اللجوء والتظلم والاستئناف قبل اللجوء للقضاء الإداري، كما هو الحال في النظام القائم حاليًا الذي تباشره المفوضية السامية.
والإبعاد التلقائي في حالة رفض الطلب يجعل حتى من التقاضي أمام القضاء الإداري ضمانة نظرية فقط. فهناك تاريخ وحالات موثقة لعدم امتثال وزارة الداخلية المصرية لقرارات القضاء الإداري، خاصة في قضايا اللاجئين وقرارات الترحيل القسري، وهو ما يُظهر عدم كفاية هذه الضمانة. وحتى في الحالات السابقة التي أصدر فيها القضاء الإداري حكمًا بوقف قرار إداري بالترحيل، ففي الكثير من الأحيان ينظر القضاء في الطعن ويصدر هذا الحكم بعد تنفيذ القرار بفترة طويلة. إن نفس المنظومة التي تقوم بترحيل اللاجئين قسريًّا رغم حيازتهم بطاقات لجوء أو بطاقات صفراء ستتحمل مسؤولية تحديد مصيرهم فيما يتعلق بقبول اللجوء أو رفضه.
علاوة على ذلك، يساهم غموض بعض مواد مشروع القانون في تفاقم هذه التحديات. مثل المادة السابعة، التي سبق التفصيل في التحفظات عليها، وكان ينبغي على المشرع أن يُشدد على ضرورة عدم نفاذ القرارات الصادرة عن اللجنة إلا بعد استنفاذ جميع طرق الطعن المتاحة في المادة 35. كما يجب على مشروع القانون أن يستحدث وينص على آليات للاستئناف والتظلم داخل اللجنة العليا نفسها، حتى لا يتحول القانون إلى مشروع للانتقاص من حقوق اللاجئين الموجودة في الوضع القانوني القائم.
تجريم مساعدة ملتمسي اللجوء
تنص المادة (37) من مشروع القانون على فرض عقوبات تتضمن الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة مالية تتراوح بين خمسين ومائة ألف جنيه، على من يستخدم أو يؤوي طالب اللجوء دون إخطار قسم الشرطة المختص. هذه المادة من أخطر المواد الواردة بمشروع القانون وأكثرها عبثية، وهي بشكلها الحالي غير دستورية بل غير قانونية، بخلاف كونها غير إنسانية. تشدد المادة العقوبات على الأفراد الذين يوفرون فرص العمل أو "الإيواء" لطالبي اللجوء، مما يجعلهم أكثر ترددًا في توظيفهم أو تقديم الدعم لهم، وهذا يؤدي إلى تفاقم وضع اللاجئين ويزيد من صعوبة إدماجهم في المجتمع، ويشكل عائقًا أمام حقوقهم الأساسية في العمل والسكن. ولا يوجد أي سند قانوني أو دستوري لتجريم فعل مثل "إيواء" لاجئ أو مساعدته في الحصول على السكن، بل أن تعبير "إيواء" في ذاته مستخدم في التراث القانوني المصري في الإشارة إلى التستر على المجرمين وإخفائهم، ما يعطي انطباعًا أن اللاجئ مجرم أو مطلوب للعدالة. ويتعارض هذا النص شديد الخطورة مع الأسس القانونية للحماية الدولية للاجئين المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وبشكل خاص المادة 31 من اتفاقية اللاجئين 1951.
كما تتسم المادة بغياب التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان، إذ يعكس التركيز على ضرورة إخطار السلطات قلقًا مبالغًا فيه بشأن الأمن على حساب حقوق الأفراد، ولا يوجد أي سند قانوني يجبر أي مواطن على إخطار السلطات بأي شخص يستضيفه الشخص المخاطب بهذه المادة. ويعتدي هذا النص على حق طالبي اللجوء في الحصول على المساعدة والإيواء. تجب مراعاة أن العديد من طالبي اللجوء يفرون من ظروف خطيرة، وتجميد الإيواء أو العمل معهم دون إخطار قد يدفعهم إلى ظروف أسوأ بدلًا من تقديم الحماية لهم. إضافةً إلى ذلك، يضع هذا النص إجراءات معقدة قد تؤدي إلى إحجام المواطنين عن تقديم الدعم أو فرص العمل لهؤلاء الأشخاص، الأمر الذي يعارض أهداف الحماية الإنسانية.
الحقوق الأساسية المفقودة في مشروع قانون اللاجئين المصري
أغفل مشروع القانون العديد من الحقوق الأساسية للاجئين التي أقرها القانون الدولي واتفاقية 1951، فلم ينص على حق لمِّ شمل الأسرة للاجئين، وهو أمر حيوي لضمان استقرارهم النفسي والاجتماعي في ظل الظروف الصعبة التي يفرضها اللجوء. ويحظى الحق في لمِّ الشمل بحماية اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الاتفاقات الدولية التي وقَّعت عليها مصر.
أما الحق في السكن الذي يُعد حقًّا أساسيًّا يُعزز من كرامة الأفراد، خاصة اللاجئين الذين يتعرضون لظروف قاسية. فإن غياب سكن مناسب يمكن أن يؤدي إلى تفشي الفقر، ما يهدد قدرتهم على الاندماج في المجتمع واستعادة حياتهم الطبيعية. يعكس مشروع القانون المصري تجاهلًا لهذه الحاجة الأساسية، فلم يحدد بوضوح التزامات الدولة في توفير سكن مناسب للاجئين.
كذلك، لم يتضمن المشروع أي حماية لطالبي اللجوء، إذ اقتصرت الحمايات على الحاصلين على اللجوء. كذا لم يتضمن المشروع أي حقوق لطالبي اللجوء، مثل الحق في التعليم والصحة والعمل، على الرغم من تحديد القانون فترة تتراوح بين ستة أشهر وسنة للنظر في طلبات اللجوء، وعلى الرغم من أن التجربة العملية تثبت أن هذا السقف الزمني قد يكون متفائلًا وسيتم تجاوزه في الكثير من الأحوال، ما يُظهر غياب الرؤية الإنسانية تجاه احتياجاتهم الأساسية.
يعكس غياب النصوص القانونية المتعلقة بالضمانات الاجتماعية والإعانات الحكومية للاجئين في التشريع المقترح تناقضًا واضحًا مع التزامات الدول بموجب اتفاقية جنيف لعام 1951. على الرغم من أن الاتفاقية تنص على ضرورة منح اللاجئين المقيمين بصورة نظامية نفس المعاملة الممنوحة للمواطنين في مجالات الضمان الاجتماعي، إلا أن التشريع المقترح لم يتطرق إلى أي من هذه الحقوق، ما يعكس تهميشًا لحقوق اللاجئين الأساسية.
علاوةً على ذلك، ينص القانون على أن اللاجئين ملزمون بدفع الضرائب، ما يجعل من الضروري أن يتضمن التشريع أيضًا ضمانات اجتماعية وحقوقًا عامة، تكفل لهم الحصول على الحماية والرعاية اللازمة. من غير المنطقي أن يُفرض على اللاجئين التزامات مالية دون أن يُمنحوا في المقابل حقوقًا اجتماعية تكفل لهم حياة كريمة، وتضمن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
توصية
توصي كل من منصة اللاجئين في مصر، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بإرجاء مناقشة مشروع القانون باللجنة العامة بمجلس النواب، حتى يحظى بنقاش أوسع بمشاركة كل الأطراف من أصحاب المصلحة والمؤسسات التي تقوم بتلك المهام بالفعل في الأراضي المصرية منذ عقود طويلة، وفي مقدمتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والاستعانة بخبرة المفوضية السامية في التجارب المماثلة، التي عملت الدول فيها بشكل انتقالي بالتوازي مع المفوضية السامية، إلى حين إتمام تأسيس بنية تحتية قانونية متكاملة، تسمح باستبدال الإطار الذي تباشر فيه المفوضية مسألة تسجيل وتحديد موقف اللاجئين. وذلك حتى نضمن أن يصدر قانون جديد يضمن، بل ويعزز، من الضمانات الأساسية لحقوق اللاجئين في مصر، ولا يتعارض مع الدستور المصري ومع الالتزامات القانونية لمصر وشركائها الدوليين في اتفاقيات حقوق الإنسان المتعددة ومنها الاتفاقيات المنظمة لحقوق المهاجرين واللاجئين.