يعصف بالحمايات الأساسية للاجئين ويمثل تراجعًا عن الوضع القانوني القائم.. ملخص سياسات مشترك من منصة اللاجئين في مصر، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حول مشروع قانون لجوء الأجانب المقترح من الحكومة المصرية
إعداد مشترك بين منصة اللاجئين في مصر والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية يعتمد ملخص السياسات على ورقة تحليل مشتركة صادرة عن المنظمتين حول مشروع القانون
مقدمة
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي للبرلمان بشكل مفاجئ على مشروع قانون لجوء الأجانب، الذي أعلنت الحكومة عن نيتها إصداره لأول مرة في يونيو/حزيران 2023 بعد صدور قرار رئيس الوزراء 243 لسنة 2023 بيان مجلس الوزراء المصري، "مجلس الوزراء يوافق على عدة قرارات خلال اجتماعه رقم 243". لم تفصح الحكومة وقتذاك عن أي تفاصيل حول القانون المقترح، الذي من شأنه استبدال منظومة تحديد موقف اللجوء الموجودة بالكامل. فقط أعلنت عن إعداد مشروع لعرضه على البرلمان، ثم ظهر المشروع فور موافقة لجنة الدفاع والأمن القومي عليه، بعد ما يقرب من عام ونصف من إعلان الحكومة.
تتابعت هذه التطورات على خلفية من تصدير خطاب رسمي غير مرحب بالنازحين واللاجئين الذين يحاولون الاستظلال بحماية الدولة المصرية، تجاهلت تلك التصريحات -عن قصد أو عن غير قصد- أن هناك منظومة قانونية قائمة بالفعل لاستقبال وتسجيل طالبي اللجوء والبت في طلباتهم وتنظيم أوضاعهم القانونية، تتوزع فيها المسؤولية بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة المصرية ممثلة في وزارتي الخارجية والداخلية. ترتكز هذه المنظومة على الاتفاقيات الدولية والإقليمية المرتبطة بوضع اللاجئين التي صدقت عليها مصر وخاصة اتفاقية 1951، وبروتوكولها المكمل 1967، إلى جانب اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية 1969. وامتلكت هذه الاتفاقيات قوة التشريع الوطني بموجب الدستور المصري. إلى جانب مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة المصرية والمفوضية السامية للاجئين في 1981 التي على أساسها تضطلع المفوضية السامية بمهمة تحديد موقف اللاجئ في مصر.
تسعى الحكومة المصرية إلى تغيير هذه المنظومة برمتها واستحداث إطار قانوني محلي، كان الأمل أن يسعى إلى معالجة الإشكاليات القانونية في المنظومة القائمة وسد ثغرات الحماية التي عانت منها مجتمعات اللاجئين لسنوات طويلة. ولكن مشروع القانون، وبخلاف تعارضه في أكثر من موضع مع الدستور المصري والمواثيق الدولية، فإنه يتغافل عن أسئلة الحماية الرئيسية للاجئين وملتمسي اللجوء، فيما يعتمد في نصوصه على منظور أمني يوسع الصلاحيات المخولة للجنة الحكومية -المزمع إنشاؤها بموجب هذا القانون- دون أي ضوابط أو ضمانات حقيقية. والأهم أنه يشكل في نصوصه تراجعًا عن وضع قانوني ترسخ وأثبت نجاحًا معقولًا عِدّة عقود، بالرغم من ما يشوبه من عيوب. ما يجعل مشروع القانون المطروح حال إقراره مؤديًا إلى فوضى وفراغ تشريعي خلال المرحلة الانتقالية، وينتزع لاحقًا حقوقًا أساسية ترسخت للأشخاص المنتقلين على أساس إداري وليس قضائي، بمعايير تجريم موسعة.
فيما يلي ملخص سياسات تقدمه المنظمتان المصريتان بتوصيات وتعليقات تبيِّنان من خلالها تحفظاتهما وقلقهما بخصوص النصوص الأكثر خطورة في مشروع القانون، والأسباب التي تجعلنا نرفض مشروع القانون بشكله الحالي. تطالب منصة اللاجئين والمبادرة المصرية بإرجاء مناقشة القانون وإعادته للجنة المختصة لصياغته بشكل يليق بحجم الأثر المترتب عليه حال صدوره، وتريان أنه من المهم عدم الاستعجال في عرضه على اللجنة العامة بمجلس النواب. وتكرر منصة اللاجئين والمبادرة المصرية المطلب الرئيسي بمشاركة الأطراف صاحبة الخبرة والمصلحة في أثناء إعداد المشروع، وعلى رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الشريكة والمجتمعات المستهدفة، ما يساعد في إخراج تشريع يعالج التحديات القائمة ويتوافق مع التزامات مصر الدولية ومع الدستور المصري.
أبرز الإشكاليات في عملية الصياغة والنصوص الواردة بمشروع القانون:
-
تجاهل أصحاب المصلحة الرئيسيين في المناقشة والصياغة وتسرع في الطرح للمناقشة والتصويت: على الرغم من مطالب المنظمات الحقوقية على مدى أكثر من عام ونصف العام، لحث الجهات التنفيذية والتشريعية المسؤولة على السماح لأصحاب المصلحة من الخبراء ومنظمات المجتمع المدني والمحامين المتخصصين، والمنظمات الدولية العاملة على قضايا اللاجئين والمجتمعات المستهدفة وغيرهم، بالاطلاع على مشروع القانون والمشاركة في المناقشات حوله، للوصول إلى صياغة تعالج التحديات والإشكاليات التي أنتجها نظام اللجوء المعمول به؛ قوبلت هذه المطالب بالرفض من الجهات التنفيذية والتشريعية المسؤولة، ليخرج مشروع القانون المقترح من منظور أمني بحت، يتجاهل وجود منظومة قانونية قائمة، ويحرم الأشخاص من الحقوق الأساسية المرتبطة بالحماية الدولية.
-
فراغ انتقالي: لم يحدد مشروع القانون آلية تنظيم الانتقال السلس من المنظومة القانونية القائمة إلى المنظومة الجديدة، مفترضًا أنها عملية لحظية تتم بشكل تلقائي فور صدور القانون، فجاءت نصوصه خالية من أي مواد تحدد الوضع والمركز القانوني المرتبط بطالبي اللجوء المسجلين الآن بالفعل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو من لا تزال ملفاتهم في مرحلة الفحص. ونخشى أن يتسبب ذلك في خلق فراغ تشريعي وإجرائي في الفترة بين إصدار القانون وإصدار لوائحه التنفيذية، ثم تشكيل اللجنة وتدريبها، وتخصيص الموارد القضائية والمالية المطلوبة لبدء العمل بشكل فعال. تخبرنا الخبرات المماثلة للدول التي قامت بانتقال ناجح من تفويض الأمم المتحدة إلى العمل وفق منظومة لجوء وطنية، أنها احتاجت إلى العمل بالتوازي مع المفوضية السامية لفترة انتقالية إلى أن تستطيع المنظومة الوطنية القيام بتلك المهام بشكل يتسق مع الالتزامات القانونية والإنسانية.
هذا الفراغ التشريعي والتنفيذي يشكل تهديدًا يمس حيوات آلاف الأشخاص المسجلين الذين ينتظرون اكتمال فحص طلباتهم، بتركهم في وضع ومركز قانوني مجهول، لا يخضع لإجراءات تنظيمية وإجرائية محددة قانونًا.
-
قصور قانوني ومخالفات في تعريف اللاجئين وطالبي اللجوء: يتوافق تعريف اللاجئ في مشروع القانون مع التعريف الذي تضعه المادة الأولى من اتفاقية اللاجئين لعام 1951، بل ويتوسع بشكل إيجابي في ضم "عديمي الجنسية". ويتفق أيضًا مع ما شمله التعريف المنصوص عليه في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية (التي تحكم الجوانب المحددة لمشكلات اللاجئين في إفريقيا) 1969.
إلا أن النص أغفل بشكل صريح منح الحماية المؤقتة لطالبي اللجوء، ولم يساوهم باللاجئين الذين تحددت صفتهم بالفعل، هذه الصياغة تحرم الأشخاص من الحماية في العديد من الحالات، كما ترفع الحماية بشكل كامل عن الأشخاص الذين ينطبق عليهم وصف اللاجئ وفقا "للنهج الظاهري" لتحديد موقف اللجوء (ما يسمى في القانون الدولي بالحالات الـprima facie، وهو النهج الذي اعترف مشروع القانون بمشروعيته بتضمينه لتعريفات اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية)، ولكنهم لم يتمكنوا من تقديم الطلب للجنة المختصة. ويخالف مشروع القانون في ذلك نص اتفاقية 1951 التي لم تفرق بين الفئتين في حق الحماية. فقد بدأ نص مشروع القانون بتعريف الفئتين (اللاجئين وطالبي اللجوء) تعريفين مختلفين، ثم فرّق بينهما في الحقوق على عكس اتفاقية 1951، التي تعتبر بمثابة دستور المواثيق الدولية المنظمة لشؤون اللاجئين.
يضيف النص الذي يعرِّف اللاجئ أو الشخص المستحق للجوء في مشروع القانون مصطلح "جدِّيّ" في الفقرة التي تحدِّد أسباب التواجد خارج بلد النشأة أو الإقامة المعتادة، ليصبح النص في مشروع القانون كالآتي "كل من تواجد خارج الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة، بسبب معقول مبني على خوف "جدِّيّ" له ما يبرره من التعرض للاضطهاد".
إن إضافة هذا المصطلح إلى التعريف الوارد باتفاقية 1951 قد يتسبب في إساءة الاستخدام في مواجهة المتقدمين بطلبات اللجوء، فهو يضاعف بلا مبرر حقيقي من العبء الواقع على طالب اللجوء لإثبات أحقيته بالحماية، ولا يفهم منه أي إضافة قانونية إلى عبء الإثبات الذي حدده النص بوجود "خوف له ما يبرره"، اللهم إلا الإيهام بأن عبء الإثبات يجب أن يكون مرتفعًا.
في حين أن الفقه القانوني الدولي يقلل من عبء الإثبات المطلوب على اللاجئين نظرًا للظروف المحيطة بعملية طلب اللجوء وبالنزوح من بلد المنشأ أو الإقامة، الذي عادة ما يحدث في سياق من العنف والفوضى، وفي الكثير من الحالات يفقد ملتمس اللجوء بعض أو كل الأوراق الشخصية، فلا تنبغي المغالاة في العبء الواقع على طالب اللجوء للحصول على الحماية، ويكفي الاحتفاظ بالصيغة الأصلية لاتفاقية 1951.
-
ضبابية تشكيل اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين والتوسع في صلاحياتها خارج الإطار القانوني الحاكم للحماية الدولية للاجئين: تشكيل اللجنة واختصاصها -كما يحددهما مشروع القانون- يثيران كثيرًا من التساؤلات والمخاوف فيما يتعلق بالمعايير والمدد المعقولة لاختيار وتأهيل موظفي اللجنة العاملين على استقبال وفحص طلبات اللجوء والبت فيها. بينما يتوسع مشروع القانون في منح صلاحيات واسعة للَّجنة لا تتسق مع المعايير الدولية الملزمة، ودون نظام واضح في الرقابة والتقييم يوفر الحماية للاجئين وملتمسي اللجوء.
يتعمد المشروع نهجًا تجريميًّا ويتعامل مع اللاجئ وكأنه في الأساس محل شك والحماية الممنوحة له مؤقتة وبالغة الهشاشة، من دون مراعاة الالتزامات الأساسية للدول المضيفة تجاه الأفراد الذي يطلبون الاستظلال بحمايتها. فتتجاهل المواد المخصصة للتعريف وضع تعريف واضح لـ "اللجنة الدائمة" وتشكيلها ونظام عملها (المواد 2-6) وضع أطر قانونية منظمة لسلطاتها بشكل يتسق مع الالتزامات الدولية، بينما يتوسع مشروع القانون في هذه المواد وغيرها في منح صلاحيات موسعة لهذه اللجنة، تقوض من الضمانات الممنوحة في مواضع أخرى للّاجئين بمن فيهم الذين حصلوا على الحماية بإسباغ اللجنة صفة اللاجئ عليهم.
تنص المادة 10 على اتخاذ "ما تراه [اللجنة] من تدابير تجاه اللاجئ" في حالات منها "مكافحة الإرهاب أو الحروب أو الظروف الخطيرة أو الاستثنائية" أو على أساس "اعتبارات الأمن القومي والنظام العام"، من دون وضع أي محددات قانونية أو تعريفات واضحة لكل ذلك. تفتح هذه التعبيرات الفضفاضة الباب لتفسيرات واسعة ومتباينة وذات طابع تنفيذي وليس قضائي، ولا يقيدها النص في أي موضع بالحد الأدنى من أشكال الحماية القانونية التي تفرضها المواثيق الدولية على الدولة المستضيفة للاجئ. إن هذا النص -الأكثر خطورة في مشروع القانون- يرفع عن اللجنة المعنية بالبت في طلبات اللجوء وتيسير أوضاع اللاجئين أي التزام قانوني حقيقي، ويفرغ الحماية الممنوحة سابقًا من معناها عمليًّا، كما أنه لا يوجد أي تنظيم مقترح للطعن على تلك التدابير الخطيرة.
-
التوسع في الاعتماد على اللائحة التنفيذية: يحيل مشروع القانون الكثير من الضمانات الإجرائية وتفاصيل الحماية الأساسية للائحة التنفيذية، وهي الوثيقة التي يفترض أن تكون شارحة وليست مكملة للقانون، إذ تخضع اللوائح التنفيذية لتعديلات بقرارات من السلطة التنفيذية، ولا تخضع لنفس درجة الرقابة التشريعية والقضائية التي تحكم القوانين. ورغم نص مشروع القانون على حد أقصى زمني لإصدار اللائحة التنفيذية، التي يمكن أن تصدر بحسب المقترح بعد تشكيل اللجنة الدائمة؛ إلا أن الممارسة العملية تخبرنا أن إصدار اللوائح التنفيذية للتشريعات يتعطل لسنوات طويلة في بعض الأحيان. ورغم ذلك، فإن عدم صدور اللائحة في حد ذاته لا يعد سببًا للطعن أمام المحاكم على القوانين، يزيد هذا الأمر من احتمالية امتداد أمد الفراغ القانوني والتشريعي.
-
التفرقة بين ملتمسي/ات اللجوء في حالة دخول البلاد بشكل نظامي أو غير نظامي: وذلك في الحدود الزمنية للفصل في طلباتهم (مواد 2-6). يؤسس مشروع القانون في نصه القائم لشكل من أشكال التمييز غير القانوني في مدة الفصل في الطلبات، بل ويجعل من دخول البلاد بشكل غير نظامي سببًا للعقوبة بالحبس والغرامة في حال عدم تقديم الطلب في خلال 45 يومًا من دخول البلاد (مادة 31).
يتعارض هذا النص بشكل صريح مع المادة 31 من اتفاقية 1951، التي تمنع الدول الأطراف في المعاهدة من فرض عقوبات جزائية على طالبي اللجوء في حال الدخول غير القانوني، كما يتعارض بشكل صريح مع قوانين واتفاقيات مكافحة الاتجار بالبشر وكذلك قانون 82 لسنة 2016 الخاص بـ"مكافحة الهجرة غير الشرعية" الذي رفع المسؤولية الجنائية عن المهاجر المهرب وذويه سواء كان ملتمس لجوء أم لا.
تنتقص تلك النصوص من الضمانات العامة لحماية الضحايا والناجين من الاتجار بالبشر، وحقوق العابرين بصورة غير نظامية لأسباب طلب اللجوء والحماية. وعلى الرغم من أن المادة 31 السابق ذكرها تشترط على اللاجئ تقديم نفسه للجهات المعنية دون إبطاء، إلا أنها لا تضع سقفًا زمنيًّا معينًا تترتب عليه عقوبات جزائية، أخذًا في الاعتبار أن النسبة الأكبر من طالبي اللجوء أو الحماية والمهجَّرين قسريًّا يضطرون في الكثير من الأحيان إلى دخول البلاد المضيفة بصورة غير نظامية. ولا بد لأي مهلة سماح أن تقترن بأسباب موضوعية مثل أن يبرهن ملتمسو اللجوء أسباب وجودهم بشكل غير نظامي أو غير قانوني للفترة التي سبقت تقديم الطلب، كما نصت اتفاقية 1951.
-
إهدار الحق في الاستئناف والتظلم: لا ينص القانون بشكل واضح على توفير الحماية المؤقتة الواجبة لملتمسي اللجوء، حارمًا إياهم من المركز القانوني الذي يمكنهم من توكيل محامين والحصول على حقهم في الدفاع القانوني. وعليه، يحرمهم من فرصة الاستئناف بوجود محامٍ يمتلك القدرة والتدريب الكافيين للتعامل مع نظام قانوني وقضائي لا يعلم المتقدمين بطلبات اللجوء عنه في أغلب الأحوال أي شيء.
وضع مشروع القانون قرارات اللجنة أمام خيارين فقط وهما إما قبول الطلب وإسباغ وصف اللاجئ على ملتمس/ة اللجوء، أو رفض الطلب، بينما في كثير من الأحيان قد تحتاج اللجنة إلى إصدار قرار مبدئي بطلب معلومات أو توضيحات إضافية. ويقيد هذا النص الحق في ذلك، بينما قد يجبر اللجنة في هذه الحالة على رفض طلب اللجوء. وفي حالة الرفض يتحتم الإبعاد خارج البلاد. على الرغم من أن مشروع القانون يعتبِر قرارات اللجنة قرارات إدارية يُطعن عليها أمام المحاكم الإدارية، لكنها لم تنظم إجراءات بقاء ملتمسي اللجوء في البلاد في أثناء نظر الطعن على قرار رفض طلب اللجوء أو الإبعاد المقدم أمام المحاكم المختصة، وهو الحد الأدنى من المعايير الأساسية للإجراءات القانونية وضمانات الحماية الأساسية التي يجب أن يشملها القانون.
إن هذا النص يخالف بشكل واضح المعايير القانونية الواجبة لتعزيز نزاهة نظام اللجوء ويحرم طالب اللجوء من الحق في استئناف قرارات اللجنة، كما نصت عليها التوجيهات الإرشادية الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، "المعايير الإجرائية لتحديد صفة اللاجئ تحت ولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين". أغسطس 2020. UNHCR RSD Procedural Standards Unit 7: Appeal of Negative RSD Decisions | Refworld. يسمح النص فقط بالطعن على القرار الإداري للجنة أمام القضاء الإداري دون وجود آلية داخلية للاستئناف كما هو الحال في الوضع القائم (المادة 35). ولكن سلطة الابعاد الفوري المطلقة التي أعطاها المشرع للجنة ووزارة الداخلية في حالة رفض الطلب، يجعل حتى من التقاضي أمام القضاء الإداري ضمانة نظرية فقط.
-
التوسع في أسباب الحرمان من اكتساب صفة اللجوء وقواعد إسقاطها، بما يتنافى مع المواثيق الدولية: لا يحتوي مشروع القانون على مواد تمنح ضمانات وتحدد معايير اكتساب صفة اللجوء، وينص على قواعد عامة تمنع اكتساب الصفة. حدد المشروع في (المادة 8) الأسباب المؤدية إلى حرمان ملتمس اللجوء من اكتساب صفة "اللاجئ" القانونية. وعلى الرغم من أن هذه الأسباب معرَّفة بشكل حصري في القانون الدولي في اتفاقية 1951، فقد عدل المشروع فيها بأن حذف "غير سياسية" من السبب الثاني المذكورة في الاتفاقية (ليصبح ارتكاب جريمة سياسية سببًا للحرمان، ما يتعارض بشكل صريح مع أهداف المواثيق الدولية المعنية بحقوق اللاجئين). واستحدث النص سببين إضافيين للحرمان: الإدراج على القوائم الإرهابية، أو ارتكاب أفعال "من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام"، ونفس تلك الأسباب تنتزع من الحاصل على صفة اللجوء تلك الصفة، وتجعله عرضة للترحيل.
يخول مشروع القانون اللجنة المشكَّلة في الحرمان من صفة اللجوء أو إسقاطها عند "إغفال أي معلومات أو بيانات أساسية". وبخلاف أن هذه العقوبة غير متناسبة مع المخالفة القانونية، وتعكس النهج العقابي والتشكك المبالغ فيه تجاه ملتمسي اللجوء، فإن هذا النص يتجاهل حقيقة أن معظم طالبي اللجوء هم أشخاص تعرضوا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهم في معظم الحالات أشخاص اضطروا إلى الفرار في ظروف استثنائية وفقدوا الاتصال بجزء كبير من حياتهم السابقة، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى صدمات نفسية عميقة بالإضافة إلى فقدان الوثائق والأوراق الشخصية وكل ما يذكِّر الأشخاص بحياتهم السابقة. يضاف إلى تلك الموانع، ممارسة الحقوق السياسية والنقابية والتعبير عن الرأي السياسي والإخلال "بالنظام العام". (مادة 30 و31).
-
ثغرة في حماية اللاجئين من الرد أو الطرد: بينما ينص المشروع على منع تسليم اللاجئين لبلاد الأصل وبلد الإقامة السابق (مادة 13)، فالتوسع في أسباب إسقاط صفة اللجوء، وخلو القانون من ضمانات الطعن وبيان التفاصيل التي رُفِض بسببها طلب اللجوء، وخلوه كذلك من النص على أكثر من درجة للاستئناف والتظلم، ونصه على الإبعاد التلقائي في حالة رفض طلب اللجوء، كل هذا يفرغ تلك الضمانة من المعنى والفعالية.
إن حظر الطرد أو الرد للاجئ وطالب اللجوء هو الركيزة الأساسية للمواثيق الدولية المعنية بالحق في اللجوء (المادة 33 من اتفاقية 1951) ويجب النص عليه بشكل صريح في ديباجة القانون المطروح وفي مقدمة المواد المعرِّفة لمسؤوليات اللجنة الدائمة ولحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء. كما يجب النص على حظر الطرد إلى أي بلد قد يتعرض طالب الحماية فيها للتهديد أو تتعرض حياته فيها للخطر، التزامًا بالنص الأصلي للمادة 33 من اتفاقية 1951. وهي المادة التي يعتبرها فقهاء القانون الدولي عماد الحماية الدولية للاجئين.
-
تقييد الحق في العقيدة : يقصر مشروع القانون المطروح حق ممارسة الشعائر على أصحاب ”الديانات السماوية“ فقط، مما يفتح الباب لتقييد الحق في العقيدة وممارسة الشعائر عن غير متبعي ديانات محددة، وكذلك يسمح بحرمان اللاجئ من اكتساب صفة اللجوء أو إسقاطها، إن كان يمارس شعائر دينية تصنفها الدولة على أنها تتعارض مع النظام العام أو ”مراعاة قيم وعادات المجتمع المصري" كما جاء في نص (المادة 14).
-
نصوص تمييزية ليس لها سند قانوني وتتعارض مع التزامات مصر الدولية: يحرم مشروع القانون اللاجئ من العمل داخل النقابات (المادة 30) ما يقوض من الحقوق الإضافية الذي منحها المشرع فيما يتعلق بالعمل مدفوع الأجر، ويتعسَّف دون مبرر في منح اللاجئ حرية التنقل والحق في اختيار محل الإقامة بأن وضع ذلك الحق رهنًا لنص المادة 10 السابق ذكرها. يمثل ذلك تراجعًا عن الوضع القائم، إذ تتميز مصر بأنها من الدول التي تكفل حرية التنقل والإقامة بشكل كامل للاجئين داخل أراضيها.
-
فئات مجتمعية في خطر خاص: النص على موانع قانونية فضفاضة وغير قابلة للتعريف مثل "النظام العام والأمن القومي" وقانون الإرهاب و"قيم وعادات المجتمع المصري"، وخلو القانون من تفصيل لإجراءات الحماية لملتمسي اللجوء، يجعل الكثير من الأشخاص عرضة للإبعاد والتجريم بناءً على العقيدة والممارسات والهويات الجنسية والجندرية والنشاط السياسي، ويمنعهم عن حقهم في تقديم كامل أدلتهم على استحقاقهم لصفة اللجوء، والتي ترتبط في بعض الأحيان بهذه الأمور السابق ذكرها. ويزداد الأمر خطرًا باستخدام مشروع القانون لنفس تلك التعبيرات الفضفاضة لتجريم اللاجئين بالحبس والغرامة بعقوبات مغلظة (مادة 29 و38).
-
مساواة في الضرائب وليس في الحقوق: يساوي مشروع القانون بين المصري واللاجئ في الضرائب والرسوم، بدون المساواة في الحق في الوصول إلى الخدمات العامة كالتعليم والصحة (مادة 23). ويضع الكثير من العوائق والعراقيل أمام تمكُّن اللاجئين من العمل، باشتراط إجراءات أمنية غير دستورية، ويسمح بفرض عقوبات الحبس والغرامة في حالة توظيف لاجئ خارج تلك الاشتراطات الأمنية، وهو تجريم ليس له سند قانوني أو دستوري.
-
تجريم مساعدة اللاجئين وتوظيفهم وأحكام بالحبس غير دستورية: يجرم مشروع القانون تقديم مساعدات للاجئين وإيوائهم من دون إبلاغ الشرطة، ويعاقب المخالفين بالحبس والغرامة (مادة 37). ولا يوجد أي سند قانوني أو دستوري لتجريم فعل مثل "إيواء" لاجئ أو مساعدته في الحصول على السكن، بل إن تعبير "إيواء" في ذاته يقترن في التراث القانوني المصري بالتستر على المجرمين وإخفائهم، ما يعطي انطباعًا أن اللاجئ مجرم أو مطلوب للعدالة حتى يثبت عكس ذلك.
يتعارض هذا النص شديد الخطورة مع الأسس القانونية للحماية الدولية للاجئين المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وبشكل خاص المادة 31 من اتفاقية اللاجئين 1951. كما أن مشروع القانون يمد نفس القيود وأسباب التجريم إلى توظيف اللاجئين، ما يعيق وصولهم إلى العمل وتمتعهم بحقوقهم المنصوص عليها في مواضع أخرى من القانون. كما يضع هذا النص مزيدًا من العوائق -الموجودة بالفعل- أمام عمل المنظمات التنموية ومجموعات الدعم، وحتى النشاط الفردي المدفوع بدوافع إنسانية بحتة الذي أصبح مُعرَّضًا للتجريم في ظل نصوص هذا القانون المقترح.
-
عدم وضوح سياسات جمع وحفظ وأرشفة وتنظيم ومشاركة البيانات: لم يضع مشروع القانون أي إطار أو ضوابط لحماية البيانات المقدمة إلى اللجنة أو التي تجمعها اللجنة بنفسها أو عبر المؤسسات المعاونة، أو لتحديد كيفية إدارتها وحفظها ومشاركتها. وهو ما يعد قصورًا واضحًا في حماية خصوصية اللاجئين، إذ يُعهد للجنة بجمع بيانات حساسة عنهم دون وضع إطار قانوني لضمان سريتها أو تقييد استخدامها. هذا الإغفال قد يعرض اللاجئين لمخاطر تسريب بياناتهم أو سوء استخدامها لأغراض أمنية أو إدارية، ما يتعارض مع المعايير الدولية التي تضمن حق اللاجئين في الخصوصية ويعرضهم للتمييز، وقد يتسبب في الترحيل القسري في حال فقدان أو إساءة إدارة معلوماتهم، خاصة مع عدم النص على أي مسؤولية قانونية في حال سوء إدارة معلوماتهم. بالإضافة إلى ذلك، لم يحاول القانون أن يضع إطارًا عامًا لتنظيم وحماية البيانات في المرحلة الانتقالية التي يتوقع أن تنتقل فيها بيانات اللاجئين من المفوضية السامية إلى اللجنة.
خاتمة وتوصية
يتعارض مشروع القانون المقدم من الحكومة مع الكثير من التزامات مصر الدولية المعنية بحماية حقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء، ويفتح الباب للتوسع في تجريمهم وترحيلهم، بل وإسقاط صفة اللجوء عنهم بعد الحصول عليها، وتجريم مجموعات الدعم والمجموعات العضوية بل والأفراد الذين يحاولون مساعدتهم مدفوعين بدوافع إنسانية أو تضامنية مجردة.
وقد صيغ مشروع القانون بمعزل عن المؤسسات الدولية المعنية بحقوق اللاجئين، والمنظمات الحقوقية المصرية والدولية، وأصحاب الشأن، وفي لحظة تاريخية شديدة الحساسية لزيادة أعداد النازحين والمحتاجين إلى الحماية من مصر، وتصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين واللاجئين بما في ذلك من أطراف رسمية أو محسوبة على الدولة، وتزييف للحقائق بتضخيم أعداد اللاجئين في مصر، والمبالغة في الحديث عن حصولهم على حقوق لا يتمتعون بأغلبها في الأراضي المصرية.
يأتي ذلك في الوقت نفسه الذي يُرفع فيه مستوى الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، ضمن اتفاق يضع في قلبه إدارة حركة المهاجرين. ما يجعل الوضع القائم بكل ما به من عيوب وقصور -الذي يُفترض أن يحسِّنه إصدار قانون وطني لتنظيم اللجوء- أكثر قدرة على حماية حقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء في مصر للأسف من البديل المطروح.
بناءً على التحليل السابق، توصي كل من منصة اللاجئين في مصر والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بإرجاء مناقشة مشروع القانون باللجنة العامة بمجلس النواب حتى يحظى بنقاش أوسع، ومراجعة النصوص بشكل متأنٍّ وبمشاركة كل الأطراف من أصحاب المصلحة والمؤسسات التي تقوم بمهام تنظيم منح حق اللجوء ورعاية اللاجئين بالفعل في الأراضي المصرية منذ عقود طويلة، وفي مقدمتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وتؤكد منصة اللاجئين والمبادرة المصرية أنه لا يوجد أي سبب يدعو إلى التسرع في إصدار مشروع القانون، وأن الأفضل هو التأني والاستفادة من التجارب والخبرات المماثلة والتفكير في المرحلة الانتقالية بجدية إلى حين ضمان وضع مشروع قانون جديد يضمن، بل ويعزز، من الضمانات الأساسية لحقوق اللاجئين في مصر، ولا يتعارض مع الدستور المصري ومع الالتزامات القانونية لمصر وشركائها الدوليين في اتفاقيات حقوق الإنسان المتعددة ومنها الاتفاقيات المنظمة لحقوق المهاجرين واللاجئين.