سولار بلا كبريت - لهواء أنقى وصحة أفضل

يطلق على الهواء الملوث «القاتل الصامت» لأن تراكم الملوثات في الجو يتسبب فى الإصابة بالعديد من الأمراض القاتلة خاصة في المناطق الحضرية المكدسة بالسيارات ووسائل النقل الأخرى الباعثة للعوادم الخانقة. ويرجع تلوث الهواء في المناطق الحضرية بشكل أساسي إلى حرق منتجات الوقود الأحفوري مثل السولار والبنزين والغاز. وفي مصر تقدر تكلفة الخسائر الصحية التي يسببها تلوث الهواء الناجم عن المحروقات الأحفورية بأكثر من ١٠٠ مليار جنيه، ما يعادل 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي 2018، وفقا لتقرير أصدرته مؤسسة جرينبيس «Greenpeace» العام الماضي.

لا يبدو أننا سنتخلص من حرق الوقود الأحفوري لتسيير أساطيل النقل في المدى القريب، كما يحدث بالتدريج في الكثير من دول العالم التي قللت اعتمادها على الوقود الأحفوري في نقل البضائع - ذلك أن الدوافع الاقتصادية هي التي تقود أيّ تحسين في الأبعاد البيئية لإنتاج الوقود وتداوله، ولو جاء ذلك على حساب الصحة العامة والمناخ. ولكن حتى إذا استبعدنا هذه الأهداف عالية الطموح من سياسات الطاقة والسياسات البيئية المصرية، يمكننا بسهولة العمل على كيفية تحسين جودة الوقود الأحفوري سائد الاستخدام محليا -- تحديدًا السولار -- كأولوية هامة و هدف سهل التحقيق للحد من الخسائر الصحية والوفيات المرتبطة بالتعرض للهواء الملوث داخل مدننا. 

فعلى الرغم من تبني الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة أهدافاً نظرية لتحسين جودة الوقود، وتحديث الخطة القومية لصناعة البتروكيماويات، فإنها لم تقم بتحديث التشريعات المرتبطة بمواصفات الوقود لتحسين الجودة لإلزام مصافي البترول الحكومية القديمة والقطاع الخاص الجديد بمواصفات موحدة. وذلك علمًا بأن المصافي الحكومية تنتج وقودا أقل جودة من مصافي القطاع الخاص الذي تحسن نسبيَّا في الآونة الأخيرة بسبب شروط التمويل الدولي بما تتطلبه من تقديم تحسينات على البيئة المحلية. ومن ثم نجد أن جودة وقود السولار شائع الاستخدام والأقل سعرًا في مصر تتباين بحسب المنتج حكوميًا كان أو محسوبًا على القطاع الخاص. ولا يزال أغلب المتاح في السوق من الوقود عالي التلوث الذي أصبح استخدامه نادرًا في باقي دول العالم. ولا تزال الأدوات الحكومية اللازمة لتحقيق الأهداف المعلنة لتحسين جودة الوقود تفتقر إلى التشريعات التفصيلية اللازمة وأدوات القياس والرقابة التي تسهل تحقيق الهدف المنشود.

وعلى الرغم من سعي الحكومة المصرية الحالي للتحول إلى مركز إقليمي لتداول وتجارة منتجات الطاقة، خلال المرحلة الانتقالية العالمية نحو نمو مستدام يدمج الأبعاد البيئية ضمن سياساته، وعلى خلفية المبادئ والأهداف المعلنة في مؤتمر المناخ الأخيرة بجلاسجو والمتعلق منها بالضرورة بالانتقال إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون أقل ضررا على البيئة وصحة المواطنين، فمن المتوقع أن تقدم الحكومة المصرية المزيد فيما يتعلق باستخدامنا اليومي للوقود، وخاصة الأكثر تلويثًا على الإطﻻق مثل الفحم والسولار. ولكن المتابع للسياسات والخطط الاستراتيجية المصرية ذات الصلة يجد أن الأبعاد البيئية لا يتم إدماجها إلا للأغراض الاقتصادية، مثل مبادرة تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي الأقل ضررا بيئيا من السولار والبنزين - وهي مبادرة إيجابية وستحقق نتائج ملموسة، إلا أنها تظل مدفوعة بالشرط الاقتصادي المرتبط بتحقيقنا للاكتفاء الذاتي من الغاز. في المقابل، لم يكن على أجندتها التشريعية أي تحسين لمعايير انبعاثات تلوث الهواء أو تحديث المواصفات القياسية لوقود السولار. فمن منظور صناع السياسات، لا توجد أولوية اقتصادية ملحة هنا، ولكن هذا الأمر غير حقيقي على الإطلاق. ذلك أن الأثر الصحي والبيئي بعيد المدى له أثر اقتصادي غير مباشر قد يكون أكثر ضخامة بكثير من ضخ الاستثمارات في تحسين جودة السولار. كما أن التباطؤ في الانتقال بشكل عام إلى الوقود منخفض الانبعاثات الكربونية يفوت علينا فرصًا اقتصادية كبيرة للاستفادة من الاستثمار في الطاقة المتجددة والطاقة منخفضة الكربون. ولكن هذا حديث آخر.

ما نعنى به في هذا التقرير على وجه الدقة هو واحد من أهم منابع تلوث الهواء في مصر، وهو وقود السولار عالي الكبريت شائع الاستخدام في النقل الثقيل مثل الشاحنات وأساطيل النقل الجماعي. يساهم هذا التقرير في محاولة الدفع من أجل تخفيض نسب الكبريت ﻷنه العامل الحاسم للتحكم في الملوثات المنبعثة من المركبات. ويسلط التقرير الضوء على مدى تأثير هذا التلوث على صحة الإنسان والبيئة المحيطة، والتكلفة الاقتصادية الناتجة عنه، مقارنة بالأثر الاقتصادي الإيجابي للاستثمار بشكل عاجل في تقليل الكبريت وتحسين جودة الوقود. وكذلك يستعرض التقرير السياسات المصرية المتعلقة بتنظيم جودة الوقود، ويطرح توصيات لتطوير تلك السياسات وتحسين جودة الوقود بشكل عاجل وفعال وتخفيف ملوثات الهواء بهدف حماية صحة المواطنين، والحفاظ على الموارد الطبيعية، والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة في عالمنا اليوم، والذي أصبح يرى أن الانتقال لمصادر طاقة أكثر نظافة واستدامة هي مسألة حياة أو موت وليست فقط اختيارًا اقتصاديًا.