بيانات غائبة وتنسيق قاصر : الإستراتيجية القومية للسكان والإستراتيجية القومية للصحة الإنجابية في خمس سنوات

مقدمة 

يوافق هذا العام نهاية الخطة التنفيذية الخمسية للإستراتيجية القومية للسكان، التي وضعها المجلس القومي للسكان في ديسمبر 2014، كما يوافق انتهاء المدَّة المرصودة لتنفيذ الإستراتيجية القومية للصحة الإنجابية (2015 - 2020) والتي صدرت عن المجلس القومي للسكان في يناير 2015. وبمناسبة اليوم العالمي لموانع الحمل، تقدم هذه الورقة تقييمًا لتنفيذ بعض محاور كلتا الإستراتيجيتين. وسبق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية التعليق على منطلقات وآليات تنفيذ الإستراتيجيتين المذكورتين وشاركت عددًا من الخبراء تحفظاتهم على تركيز الإستراتيجية الأولى على نهج تحديد النسل للحد من الزيادة السكانية، دون تأمين حقوق النساء الإنجابية1 في اتخاذ قرارات حرة مستنيرة2فيما يتعلق بأجسادهن، كما انتقدت افتقار الإستراتيجية الثانية إلى البيانات والأهداف والمؤشرات الكمية لتحسين خدمات الصحة الإنجابية.3

تركز هذه الورقة على محور تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية كنموذج لأوجه القصور والخلل التي كشفت عنها السنوات الخمس الماضية. وعلى وجه الخصوص، تستعرض الورقة مشكلات ثلاثًا أحاطت بتنفيذ الإستراتيجيتين تتمثل:

  • أولًا، في غياب البيانات التي تغذي المؤشرات التي تم اعتمادها سلفًا في الإستراتيجيتين والتي لا غنى عنها لتقييمها، وعدم إتاحتها في الحالات القليلة التي يتم فيها جمع البيانات، وثانيًا، في عدم الالتزام بالتقييم والمراجعة ما يؤدي إلى صعوبة المساءلة المجتمعية،
  • وأخيرًا، في غياب الرؤية الكلية الواضحة لكيفية تنفيذ سياسات الصحة الإنجابية كما يتضح في تعدد الجهات المسؤولة عن الملف وعدم التنسيق بينها، وعدم استقرار الأطر التنظيمية التي تحكم عمل المجلس القومي للسكان. وتختتم الورقة استعراضها بعدد من التوصيات التي تستهدف معالجة المشكلات الثلاث وتلافيها عند أي تخطيط مستقبلي.


 غياب البيانات 

   

تؤكد كلا الإستراتيجيتين، القومية للسكان و القومية للصحة الإنجابية، على ضرورة تجميع واستخراج البيانات للمتابعة والتقييم، كون إتاحة المعلومات من ضمن الحقوق الأصيلة للفرد والضرورية للحصول على والوصول إلى الرعاية الصحية والجسدية عالية الجودة. ففي الإستراتيجية القومية للصحة الإنجابية، تم اعتماد مجموعة من مؤشرات الصحة الإنجابية: نسبة وفيات الأمهات، متوسط العمر عند الزواج الأول، نسبة السيدات اللاتي حصلن على رعاية صحية أثناء الحمل، نسبة الولادات تحت إشراف طبي، نسبة السيدات اللاتي حصلن على مساعدة طبية أثناء عملية الولادة من "داية"، نسبة السيدات اللاتي حصلن على مساعدة طبية بعد الولادة، نسبة التغطية لتطعيم التيتانوس، نسبة المواليد الذين ولدوا  بجراحات قيصرية. واعتمدت الإستراتيجية القومية للصحة الإنجابية على المسح السكاني الصحي ليكون المصدر لتجميع تلك المؤشرات، إلا أنه لم يتم تحديث4قواعد بيانات هذا المسح منذ عام 2014. 

 وتعود أهمية المسح الصحي السكاني إلى أنه يجمع معطيات قابلة للمقارنة حول معدلات الخصوبة، وأنماط استخدام وسائل منع الحمل، وصحة الأم والطفل والتغذية، وعن تقاطع الصحة مع جوانب أخرى بشكل عام. و يوفر المسح السكاني الصحي معلومات وقواعد بيانات لا تتوفر في مصدر آخر، و هو ما يعزز الأهمية البالغة له. أما عن سبب تأجيل إجراء المسح السكاني الصحي، فيشير أحد المسؤولين السابقين عن الملف السكاني إلى تحفظات أمنية من جانب الجهات الرسمية المصرية  على طلب الاطلاع على بيانات المسح الأولية من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية5(الممول الرئيسي للمسح). ومنذ ذلك الحين، تعطل عمل المسح السكاني الصحي ولم يتم اعتماد قواعد بيانات بديلة تمكننا من متابعة وتقييم جودة خدمات الصحة الإنجابية.  

 أما على صعيد مؤشرات التقييم، فقد تعددت المؤشرات التي اعتمدتها الإستراتيجيتان، إلا أن العديد من الخبراء والمتخصصين يعتبرون انخفاض معدل المواليد الذي يرصده  تعداد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء _ بمثابة المؤشر الأهم على تحسن أوضاع الصحة الإنجابية في مصر. ويتم بالتبعية الاحتفاء بانخفاض المعدل كإنجاز بحد ذاته. إلا أننا نتفق مع رأي عدد آخر من الخبراء على أن هذا المؤشر غير كافٍ  لقياس تحسن وضع الصحة الإنجابية خاصة مع عدم فحص وبحث مسببات الانخفاض، وما إذا كانت حملات تنظيم الأسرة ومبادرات تحديد النسل قد ساهمت في ذلك الانخفاض بشكل فعال.6كذلك لا يقوم قطاع تنظيم الأسرة  أو المجلس القومي للسكان بنشر تقارير دورية، فكل المعلومات المتاحة مصدرها تصريحات إعلامية من مجلس رئاسة الوزراء أو المتحدث الرسمي لوزارة الصحة.7

تدلل الأمثلة السابقة على قصور شديد في إتاحة البيانات الخاصة بتنظيم الأسرة وخدمات الصحة الإنجابية بشكل عام، وصعوبة كبيرة في الوصول إلى البيانات المختصة ببرامج وحملات تنظيم الأسرة في مصر، ما يعيق تحليل وتقييم تلك الجهود. فمصدر المعلومات الحالي لمعرفة أنماط استهلاك وسائل منع الحمل هو تقارير وقواعد البيانات الداخلية لبرنامج تنظيم الأسرة، التي يتم تجميعها من قبل وزارة الصحة من خلال استمارة "ت أ ٨"، التي تقدمها كل عيادة تقوم بتوفير خدمات تنظيم الأسرة، ويحدد الاستهلاك على أساس كم وسائل منع الحمل المصروفة. يتم تجميع المعلومات عن طريق الوحدات الصحية التي تقوم بإرسال الكميات المصروفة إلى المجلس القومي للسكان من أقراص ولوالب وغيرها من وسائل منع الحمل، بالإضافة إلى العيادات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي <<إتنين كفاية>>، والجمعيات الأهلية والخيرية.8 وترسل كل وحدة صحية للمحافظة التابعة لها، والمحافظة بدورها ترسل تقرير ًا بالمصروف من وسائل منع الحمل لفرع المجلس القومي للسكان في المحافظة، الذي تنتشر فروعه بواقع فرع واحد في كل محافظة. يتم جمع هذه المعلومات على عدة مستويات مختلفة حتى تصل إلى وزارة الصحة التي تستخدمها لحساب معدل الخصوبة ومعدل استخدام وسائل منع الحمل ونوع الوسيلة. 9

 كذلك لا تتوفر معرفة دقيقة باستهلاك النساء لوسائل منع الحمل عن طريق القطاع الخاص، بسبب الفجوة في البيانات المتاحة عن أنماط الاستهلاك في هذا القطاع. وتقوم الشركة المصرية لتجارة الأدوية بإرسال تقارير دورية للمجلس القومي للسكان، ولكن هذه التقارير غير معبرة عن الواقع حيث أنها توفر معلومات تخص توزيع الأدوية وليس استهلاكها "من على الرف"، أي إنها تقوم بحصر الوسائل المصروفة وليس المستخدمة. 10 جدير بالذكر أن القطاع العام يغطي تقريبًا 57% بينما يغطي القطاع الخاص 43% من استهلاك وسائل منع الحمل،11وهو ما يعظم من فجوة المعلومات بطبيعة الحال.12

بالإضافة إلى ذلك فالمعلومات التي يتم جمعها على مستوى الوحدات الصحية ليست كافية، فهي معنية فقط بمعدل استخدام وسائل منع الحمل ومدى انتظام استخدامها، الذي لا يبين طبيعة الاستهلاك وعلى أي أساس تتخذ النساء قرارتها الإنجابية. يمثل ذلك مثالًا آخر على ضرورة  إجراء مسوح وطنية تهدف إلى فهم طبيعة استخدام وسائل منع الحمل بين النساء وتحليل العوامل المؤثرة على انتظامهن و/أو  انقطاعهن عن وسائل منع الحمل ومدى رضائهن عن خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة.  

غياب المتابعة والتقييم 

منذ إطلاق الإستراتيجيتين لم يتم إعلان أي تقارير مرحلية لتقييم تنفيذهما، فكل التحديثات الرسمية بخصوصهما تنحصر في أخبار إعلامية وتصريحات رسمية كمية لا تعبر عن تحديات ونجاحات التنفيذ.13في عام 2016، قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بنشر تحليل الوضع السكاني واعتمد التحليل في بياناته على المسح السكاني الصحي لعام 2014. وكان أحد أهداف التحليل أن يكون بمثابة أساس لرصد تنفيذ الإستراتيجية القومية للسكان. أوضح التحليل أن الأهداف التي تم تبنيها في الإستراتيجية القومية للسكان لم تتحقق بسبب نقص الموارد وضعف التنسيق وانقطاع الإطار المؤسسي والمركزية وغياب المراقبة والتقييم. وأضاف التحليل أن أحد العوامل التي تم التغاضي عنها في الإستراتيجية القومية للسكان هو الحاجة الماسة إلى المزيد من البيانات والمعلومات لمتابعة التنفيذ.14

بالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير مشاكل المتابعة والتقييم وأضاف أن الفشل في هذا الجانب يمكن أن يفسر الإخفاقات السابقة التي تم ذكرها. وتضمن التقرير العديد من التوصيات في هذا الصدد، منها: تحسين أدوات المتابعة والتقييم، بما في ذلك المؤشرات التي سيتم استخدامها على المستوى المحلي وتحسين أساليب جمع البيانات بطريقة محايدة ذات مصداقية، وربط أدوات المتابعة والتقييم بالمساءلة على المستويين المحلي والوطني، ودمج نتائج المتابعة والتقييم في عملية صنع القرار المحلي والوطني، لا سيما فيما يتعلق بتخصيص الموارد وتحديد الأولويات.15

على الجهة الأخرى، يؤدي ضعف التنسيق بين الجهات المعنية بالسياسات السكانية وتنظيم الأسرة 16 إلى ضعف مستوى الخدمة. فعلى الرغم من اختصاص المجلس القومي للسكان كمجلس تنسيقي يشرف على السياسات السكانية بشكل عام، فإن المحصلة لم تكن إيجابية دائمًا. فالترابط بين قضايا السكان وبين تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية 17 أدى إلى تداخل العديد من الجهات الحكومية والدولية في العمل من أجل الحد من الزيادة السكانية، وتبعثر الجهود والموارد لضعف التنسيق فيما بينهم. 

وفي ظل غياب المتابعة والتقييم، تم رفض موازنة المجلس القومي للسكان عدة مرات، فقد قررت لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوو الإعاقة بمجلس النواب رفض موازنة عام 2020-2021  حيث أن اللجنة اعتبرت المبالغ المخصصة إهدارًا للمال العام. وأصدرت اللجنة عدة توصيات تمثلت في منح المجلس القومي للسكان صلاحيات تمكنه من تأدية وظيفته، وتمكنه من المتابعة والتقييم. شملت تلك التوصيات: نقل تبعية المجلس القومي للسكان من وزارة الصحة والسكان ليصبح تحت رئاسة مجلس الوزراء، وتفعيل دور فروع المجلس القومي للسكان بالمحافظات لتكون برئاسة المحافظين، والاستفادة من العاملين بالمجلس القومي للسكان وتوظيفهم بما يعود بالنفع على الدولة المصرية.18

 في ضوء ما تم مناقشته في البرلمان المصري بخصوص ضعف أداء المجلس القومي للسكان وعدم وضوح آليات المتابعة والتقييم التي تم وضعها في الإستراتيجية القومية للسكان 2015-2030، تمت الاستعانة بستة خبراء في العام الماضي من قبل المجلس القومي للسكان، لتقييم تنفيذ الإستراتيجية، واستغرقت مدة التقييم ثلاثة شهور، وتم التوصل إلى أن ما تم تنفيذه أقل من 40% من المخطط له، وتحفظت وزارة الصحة والسكان حينها على  إعلان نتائج التقييم لتجنب الحرج الذي قد يسببه إعلان هذه النتيجة.19

تضارب الإستراتيجيات 

 وبالنظر إلى الخلفية التاريخية لإنشاء وتطور المجلس القومي للسكان يمكننا ملاحظة عدم استقرار الهيكل التنظيمي والقانوني للمجلس ما يعد أحد أسباب التخبط في السياسات السكانية. في عام 1965، أُنشئ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، ليكون تحت رئاسة رئيس الوزراء.20وكان يختص بالآتي:

1) وضع تخطيط شامل لبرامج تنظيم الأسرة بالجمهورية ووضع برنامج زمني محدد للتنفيذ ومتابعته وتقويمه.

2) دراسة وتشجيع وتنسيق البرامج السكانية، الطبية والإحصائية والاجتماعية والاقتصادية وما يرتبط بذلك من البحوث العلمية المتعلقة بتنظيم الأسرة.

3) تنظيم التعاون بين الأجهزة المختلفة التي تساهم في هذا البرنامج.

وفي عام 1972، تم تعديل القرار ليكون المجلس تحت رئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء. وفي عام 1985، أعيد  تشكيل المجلس مع تغيير اسمه ليصبح المجلس القومي للسكان، برئاسة رئيس الجمهورية.21 وحدد القانون مهام المجلس، ومن ضمنها إعداد السياسات السكانية التي تحقق أعلى معدل ممكن للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، واعتماد البرامج السنوية للمشروعات السكانية، مثل: المشروع القومي لتنظيم الأسرة. وفي عام 1996، تم تعديل القرار ليجعل المجلس برئاسة رئيس مجلس الوزراء22، وفي عام 2002، عُدل القرار مرة أخرى ليصبح المجلس تحت رئاسة وزير الصحة والسكان،23 وعاد مرة أخرى في عام 2007، لرئاسة رئيس مجلس الوزراء.24وفي عام 2009، أصبح المجلس القومي للسكان برئاسة وزير الدولة لشؤون الأسرة والسكان. وشهد عام 2011 إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارًا بتبعية المجلس القومي للسكان  لوزير الصحة والسكان. وفي 2015، تم نقل كافة اختصاصات وزير الدولة للسكان والصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 745 لسنة 2015 إلى وزير الصحة والسكان. والآن  يترأس المجلس القومي للسكان وزيرة الصحة والسكان وتضم عضويته نائب وزير الصحة والسكان ومقرر المجلس الأعلى للسكان وممثلين عن عدد من الوزارات.25

 وعلى الرغم من وجود الإستراتيجية القومية للسكان 2015-2030، أطلقت وزارة الصحة في عام 2017 ما أسمته <<الإستراتيجية المنضبطة للسكان>>26 التي لم نتبين أوجه تميزها عن الإستراتيجية التي سبقتها بعامين. إطلاق إستراتيجية جديدة في ظل وجود أخرى يزيد من التخبط في قضية بهذا الحجم، تتطلب موارد بشرية ومالية وتقنية ضخمة، وبدون توضيح وتفسير لسبب إطلاقها، ويعكس غموض أهداف السياسة السكانية وتبدلها بتبدل القيادة الوزارية والتقريرية للمجلس القومي للسكان، 27 كما يصعِّب من تحديد المسؤوليات والمساءلة. فعلى مدار الثماني سنوات الماضية، تولى منصب المقرر الرسمي للمجلس القومي للسكان ثمانية أفراد. هذا بخلاف أن طبيعة قضية السكان وارتباطها الوثيق بالصحة الإنجابية وتعدد أبعاد كليهما يتطلب تدخلات أكثر شمولية من اختصاص وزارة بعينها.

على سبيل المثال، تم التخطيط لتنفيذ خدمات توعوية بخصوص تنظيم الأسرة في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة (2015 - 2020)، وعلى رغم من تأكيد هذه الإستراتيجية على ما ورد في الإستراتيجية القومية للسكان، فإنها لم توضح الرابط مع الإستراتيجية القومية للصحة الإنجابية. وهنا تتضح أهمية الدور التنسيقي للمجلس القومي للسكان بتوحيد الجهود الرامية إلى تحسين خدمات الصحة الإنجابية وضمان عدم إهدار الموارد على مشروعات وبرامج متكررة وغير متكاملة. 

 تناثر الإستراتيجيات والمبادرات والتدخلات المجتمعية والمؤشرات28 دون تجميع ونشر وتحليل دوري للبيانات يحول دون قياس فعلي لجودة الخدمات المقدمة للأفراد، وتعديلها، كما يختزل واقع شديد التعقيد ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًا ويشوش فهمنا عن مدى تأثير كل تلك التدخلات على استقلالية ونجاعة قرارات الأفراد الإنجابية. فقد أوضح تحليل الوضع السكاني أن معظم المؤشرات المتعلقة بالخصوبة والصحة الإنجابية مستمدة من مسوحات أجريت بأحجام عينات ومساحات زمنية لا تسمح بحساب المؤشرات على مستوى الوحدات الإدارية الصغيرة. وتتمثل إحدى التوصيات الواردة في تقرير تحليل الوضع السكاني في بناء مرصد للبيانات والمؤشرات المتعلقة بالسكان، مؤكدة أنه لا توجد حَالِيًّا طريقة لجمع البيانات والمؤشرات وتنظيمها بطرق مفيدة لتخطيط الإستراتيجية ومتابعتها وتقييمها، أو تقديمها للباحثين وأصحاب المصلحة. كما أشار تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى وجود فجوات في المعلومات وضرورة استخدام منهجيات جديدة لسد هذه الفجوات.29

خاتمة وتوصيات 

خدمات تنظيم الأسرة ضرورية لتعزيز رفاهية واستقلالية النساء وأسرهن، وضمان جودة الرعاية في خدمات منع الحمل أمر بالغ الأهمية لتحقيق أعلى مستوى من الصحة. و تتلخص أهم ثلاث مشاكل حول واقع خدمات الصحة الإنجابية والجنسية في مصر في الآتي:

  • غياب شبه تام في المعلومات والبيانات الرسمية واحتكار المؤسسات والجهات الحكومية لها مع عدم الإفصاح عنها، مع الأخذ في الاعتبار أن تاريخ آخر مسح سكاني صحي يعود إلى عام 2014، ما يعرقل جهود  المتابعة والتقييم، فضلًا عن المساءلة والمحاسبة.
  • عدم وجود آليات ثابتة ومستدامة للتقييم والمراجعة والمساءلة.
  • كثرة التعديلات والتغييرات في القواعد التنظيمية التي تحكم عمل المجلس القومي للسكان، كما تم التوضيح سابقًا، وتعدد الجهات الحكومية التي تتعامل مع هذا الملف، تعكس غياب رؤية وسياسة واضحة، وتعقِّد إجراءات المساءلة والمحاسبة.

 ومن أجل ضمان جودة الخدمات ولتأمين إتاحة ووفرة خدمات الصحة الإنجابية والجنسية نوصي بالآتي:

- تشديد الرقابة المستقلة على تنفيذ الإستراتيجيات الوطنية المتعلقة بصحة ورفاهية الأفراد، بنهج يضمن إعلان ووفرة البيانات لكل القطاعات وتجميعها ونشرها بشكل دوري. ليس من الكافي الاقتصار على تصريحات مجلس الوزراء وتصريحات المسؤولين الخبرية عن أعداد الورش التدريبية وصور الزيارات المنزلية، فهي ليست معبرة عن كفاءة الخدمات والرسائل التوعوية ولا تسمح بمجال للمساءلة وفهم التحديات السكانية. 

- فتح نقاش مجتمعي واسع، مع خبراء مستقلين وجمعيات أهلية معنية، حول الشكل القانوني الحالي للمجلس القومي للسكان، وكيفية تعديله بهدف تفعيل دوره التنسيقي الذي أنشئ من أجله وهو  إعداد السياسات السكانية التي تحقق أعلى معدل ممكن للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتنسيق والإشراف على الهيئات والمؤسسات الحكومية والوزارات في تنفيذ البرامج والمشروعات السكنية. 

-  الالتزام بالإستراتيجيات الوطنية في ظل التعديلات الوزارية والهيكلية للحفاظ على الموارد المخصصة لتصميمها وتنفيذها، وتجنب إهدار الموارد المالية والطاقات البشرية بتغيير ممثلي وزارة الصحة والسكان وتوالي مقررين المجلس القومي للسكان. 

- بجانب التركيز على معدلات الخصوبة ومعدلات المواليد، من المهم أيضًا التركيز على كفاءة وجودة الخدمة الطبية المقدمة وشمولها وإتاحتها، والاستثمار في البنية التحتية بحيث تشمل جميع أنحاء البلاد جغرافيًّا،30بالإضافة إلى أهمية تخصيص رواتب عادلة لمقدمي الخدمات الصحية، لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة  ولضمان جودة الخدمات وتوفير الكوادر البشرية.

- و أخيرًا، لا بد من توسيع إطار المشاركة المجتمعية في السياسات المتعلقة بتنظيم الأسرة31والصحة الإنجابية والجنسية، عن طريق خبراء وباحثين مستقلين في الحقوق والصحة الإنجابية والجنسية وبشكل أعم في السياسات السكانية، من خارج الهيئات والجهات الحكومية، وإشراك المجتمع المدني بشكل أكبر وأوسع في وضع السياسات، و أيضًا للرقابة عليها.