مصر: التعذيب منهجي وواسع الانتشار لدرجةٍ ترقى إلى الجريمة ضد الإنسانية
بيان صحفي
قدّم اليوم تحالف يضم منظمات غير حكومية دولية ومصرية تحليلاً قانونيًا مُفصّلًا إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، خلص فيه إلى أن السلطات المصرية تستخدم التعذيب بشكل منهجي على نطاق واسع لدرجة تشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
ويُشكّل التحليل القانوني أساسا للتقرير الذي أعدته منظمة ريدريس تحت عنوان "التعذيب في مصر جريمة ضد الإنسانية" بالتعاون مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمفوضية المصرية للحقوق والحريات ومنظمة ديجنتي ولجنة العدالة واللجنة الدولية للحقوقيين. ومن المقرر أن تبحث لجنة مناهضة التعذيب في 14 و15 تشرين الثاني/نوفمبر مدى التزام مصر باتفاقية مناهضة التعذيب.
ويخلص التحليل القانوني إلى أن طبيعة التعذيب في مصر ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي للأسباب الآتية:
-
وجود نمط من أشكال التعذيب التي تستخدمها السلطات المصرية، بما في ذلك الضرب والصدمات الكهربائية والعنف الجنسي، مثل الفحوصات الشرجية القسرية و"كشوف العذرية"، والحرمان من الرعاية الصحية والعلاج، ومنع الزيارات العائلية، وغيرها من الممارسات التي تسبب الألم والمعاناة الشديدين.
-
الاستخدام المنهجي من قِبل السلطات المصرية للتعذيب الجسدي والنفسي كأداة سياسية لتضييق الخناق على المعارضة ولأغراض تمييزية أخرى.
-
الانتشار واسع النطاق لحالات التعذيب الموثقة بشكل علني في مصر، بما في ذلك القرارات الصادرة عن هيئات حقوقية إقليمية وأممية ومنظمات غير حكومية، وكذلك التقارير الإعلامية التي تثبت أن أعلى دوائر السلطة في مصر تعرف أو يجب أن تعرف أن التعذيب يُستخدم على نطاق واسع ضد المعارضين وغيرهم. ويبين التقرير أن مسؤولي الدولة لابد وأن يكونوا قد اتخذوا تدابير في إطار استهداف المعارضين المدنيين وذلك من أجل تكريس سياسة رسمية للدولة.
ويوثق التقرير المسؤولية المباشرة لأفراد قطاع الأمن الوطني وجهاز الشرطة عن ارتكاب ممارسات التعذيب المنهجي. كما يشير إلى تورط أفراد من المخابرات العسكرية والمخابرات العامة في تلك الممارسات، بالإضافة إلى تورط السلطات القضائية والنيابة العامة، بما في ذلك نيابة أمن الدولة العليا، بشكل مباشر في تلك الجرائم من خلال خلق بيئة تُسهل ارتكاب التعذيب وغيره من أنماط إساءة المعاملة.
ويدفع التقرير بأن ممارسات التعذيب في مصر هي جزء من سياسة الدولة التي تتيحها قوانين الطوارئ وسياسات "مكافحة الإرهاب" وكذلك الحصانة التي يتمتع بها ضباط الأمن الوطني والمسؤولون عن إنفاذ القانون.
ويعود تاريخ التعذيب في مصر إلى أربعة عقود خلت، حيث قام نظام الرئيس الراحل حسني مبارك الاستبدادي الذي دام 30 عاما بتكريس استخدام التعذيب والاحتجاز التعسفي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. وعندما أطاحت ثورة يناير 2011 بنظام مبارك وحل محله الرئيس الراحل محمد مرسي، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد، واصل مرسي وجماعته، الإخوان المسلمون، استخدام التعذيب ضد المتظاهرين. ثم بعد ذلك واصل الرئيس عبد الفتاح السيسي استخدام التعذيب المنهجي كأداة لقمع المعارضين السياسيين والنشطاء بعد وصوله إلى السلطة بعد الانقلاب العسكري الذي قام به عام 2013.
ويشير التقرير إلى الزيادة في استهداف وتعذيب النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان على أيدي ضباط الشرطة وقوات الأمن في السنوات القليلة الماضية من خلال احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي قبل توجيه تهم رسمية ضدهم. كما تتعرض بعض الأقليات، مثل مجتمع الميم، للتعذيب بسبب ميولهم الجنسية الحقيقية أو المتصورة أو بسبب هويتهم الجندرية والتعبير عنها.
ويستشهد التقرير بالعديد من الحالات، منها حالة المحامي إبراهيم متولي الذي اعتُقل عام 2017 في مطار القاهرة الدولي أثناء سفره إلى جنيف للتحدث عن الاختفاء القسري لابنه أمام فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. كما تعرض متولي نفسه بعد ذلك للاختفاء القسري، فضلا عن التعذيب وغيره من أنماط إساءة المعاملة على أيدي ضباط قطاع الأمن الوطني.
كما استشهد التقرير بحالة الناشط المعتقل علاء عبد الفتاح، الذي اعتُقل محاميه محمد الباقر في عام 2019 أثناء تمثيل موكله أمام نيابة أمن الدولة العليا. تعرّض الباقر لسوء المعاملة وحُكِم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي"، وتم إطلاق سراحه بموجب عفو رئاسي في يوليو/تموز 2023.
وتُعد مصر الدولة الوحيدة التي خضعت لتحقيقين خاصين من قِبل لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بعد تلقي اللجنة معلومات موثوقة تشير إلى أن التعذيب يمارس بشكل منهجي في البلاد. وخلص كلا التحقيقين في عامي 1996 و2017 إلى أن ممارسات التعذيب في مصر منتشرة ومنهجية. وفي خطوة غير مسبوقة، أعربت 31 دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2021 عن قلقها العميق إزاء تطبيق مصر لقوانين "مكافحة الإرهاب" ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم. وفي أبريل/نيسان 2023، كررت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التعبير عن قلقها بشأن القضية نفسها.
ومع استمرار تكثيف حملة القمع الوحشية ضد المجتمع المدني في مصر، يدعو التقرير الحكومة المصرية إلى التحرك العاجل لوضع حد للاستخدام المنهجي للتعذيب ومحاسبة المسؤولين عنه وجبر الضرر الذي لحق بالضحايا، وذلك من خلال القيام بإصلاحات قانونية وسياسية. كما يحث التقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إنشاء هيئة رسمية مثل لجنة تحقيق أو بعثة لتقصي الحقائق أو مقرر خاص معني بحالة حقوق الإنسان في مصر، لرصد وإثبات وقائع وظروف التعذيب في مصر والتحقيق فيها كجريمة ضد الإنسانية؛ فضلا عن التحقيق في الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان. ومن شأن الأدلة التي تجمعها تلك الهيئة أن تيسر جهود المساءلة. كما يجب على جميع الدول ضمان محاسبة مرتكبي التعذيب في مصر، وذلك من خلال استخدام الولاية القضائية العالمية والدعاوى المدنية والعقوبات وغيرها من السبل المتاحة للمساءلة.
يقول روبرت سكيلبيك، مدير منظمة ريدريس:
"أطلقت السلطات المصرية العنان للتنكيل بمواطنيها على مدى عقود من خلال الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب. ولا يمكن النظر إلى التعذيب باعتباره مجرد أفعال فردية من سوء السلوك، ولكن ينبغي النظر إليه على حقيقته، فهو هجوم مُتعمّد على المواطنين المصريين وهو جريمة ضد الإنسانية. حان الوقت لمحاسبة أولئك الذين يرتكبون التعذيب ويسمحون به ويتسترون عليه، بمن فيهم من هم في السلطة ويغضون الطرف عنه".
ويقول محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات:
"استخدمت الأنظمة المصرية المتعاقبة التعذيب كأداة سياسية لكبح المعارضة، حيث استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات والصحفيين والأكاديميين والسياسيين المعارضين بشكل غير متناسب باعتبارهم يشكلون تهديدا للنظام. وقد أدت سياسات الدولة وقوانينها وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب إلى استمرار التعذيب".