لأول مرة: الرئيس يعترف بتجاهل الحكومة لنسب التعليم والصحة الدستورية - تعليق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

بيان صحفي

17 June 2023

أقر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى بأن الحكومة لا تلتزم بالحد الأدنى الدستوري للإنفاق العام على التعليم والصحة. جاء ذلك بعد يومين من تأكيد وزير المالية عكس ذلك أمام مجلس النواب. 

"معاك المبلغ ده؟ هتعمل استحقاق دستوري ازاي للتعليم؟ مش بتقولوا كدة؟ أنتم عاوزين أضحك عليكم؟ تقول لي استحقاق دستوري للصحة والتعليم؟ هل الدولة المصرية معاها هذه الأموال لل100 مليون، تعلمهم؟…الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة، ولازم كلنا نبقى موجودين على أرض الواقع"، كان هذا نص ما قاله السيسي يوم الأربعاء 14 يونيو خلال فعاليات المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية. 

وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن هذا الاعتراف الأول من نوعه والصادر عن رأس الدولة جاء لينهي ثمانية أعوام من التفاف الحكومة حول الدستور، ويؤكد ضرورة إعادة النظر في السياسات المالية الحكومية وأولويات الإنفاق وأبجديات العدالة الضريبية. 

كما يستلزم هذا التصريح مساءلة كل من الحكومة والبرلمان عن سنوات تجاهل أحكام الدستور. فقبل اعتراف السيسي بثمانية وأربعين ساعة وقف وزير المالية محمد معيط أمام مجلس النواب يوم الإثنين 12 أبريل ليؤكد كعادته سنويًا على أن الحكومة ملتزمة بالنسب الدستورية الدنيا للتعليم والصحة: "نحن ملتزمون بنسب الاستحقاقات الدستورية، وتم مراعاة عدم الازدواج في حساب النفقات. الموازنة العامة للدولة لا تستوفي فقط المعايير المحلية، وإنما المعايير الدولية في إعداد الموازنات". 

وفي اليوم اللاحق لخطاب الوزير تحت القبة، صوت البرلمان بالموافقة على الموازنة العامة غير الدستورية المقدمة إليه.


ماذا يقول الدستور؟ 

يقضي الدستور المصري الصادر عام 2014 في المواد 18، و19، و20 و21 بإلزام الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 3% للصحة و4% للتعليم قبل الجامعي (المدرسي) و2% للجامعي و1% للبحث العلمي (النسب كلها من إجمالي الدخل القومي/الناتج المحلي).

وكانت مادة انتقالية من الدستور (رقم 238) قد أعطت الحكومة مهلة ثلاثة سنوات كي تتوافق مع تلك النسب الدنيا من الإنفاق الحكومي، وانتهت المهلة مع بداية العام المالي 2016-2017، بحسب النص الدستوري.


كيف تجاهل كل من مجلس النواب والحكومة الدستور؟

على مدار السنوات السبعة الماضية، رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عدم التزام الحكومة بهذه المواد الدستورية، وذلك في عدة تقارير من بينها: 

مشروع الموازنة مخالف للدستور: الإنفاق على التعليم والصحة وكيفية زيادته (2016)، أين تذهب أموالنا (2017)، خالية من الكورونا: خطط الحكومة للعام 2020-2021 (2020)، موازنة 2021/2022: وأقل من نصف الحد الدستوري للصحة والتعليم (2021)، 10 حقائق عن الإنفاق على التعليم في مصر (2021). 

ويستمر هذا الوضع غير الدستوري في موازنة العام المالي المقبل التي قدمتها الحكومة وأقرها البرلمان قبل بضعة أيام. حيث كشفت حسابات المبادرة استنادًا لبيانات وزارة المالية عن انخفاض نسبة الإنفاق على التعليم إلى 1.94% (أقل من ثلث الاستحقاق الدستوري) مقابل 1.97% خلال العام الجاري الذي ينتهي آخر يونيو، ومقابل 4.9% في عام 2014-2015.

بدأ الالتفاف في عام 2016، حين أقر البرلمان -الرقيب على الحكومة- الخدعة الحكومية التي تضاف بموجبها على الورق نسبة من مدفوعات فوائد الدين إلى مخصصات كل من التعليم والصحة، بحيث ترفع المخصصات شكليًا إلى النسب الدستورية (وتزيد عنها بسبب زيادة عبء الديون الحكومية). بينما في الواقع لا تدخل تلك الأموال خزانات لا التعليم ولا الصحة. بل على العكس، يمكن القول بأن خدمة الدين تحرم الدولة من الإنفاق على تلك القطاعات الداعمة للعدالة الاجتماعية.


ماذا يترتب على عدم الالتزام بالدستور؟

يضطر المواطنون للإنفاق على تعليم أبنائهم من جيوبهم. حيث خصصت الأسرة المصرية في المتوسط 10.4% من دخلها للصحة و12.5% للتعليم (للأسر التي لديها من هم في سلك التعليم) أي ما يقرب من ربع دخول الأسر المصرية، بحسب آخر أرقام للدخل والإنفاق أعلنت في 2019/2020، آي قبل أزمة كورونا وموجات التضخم الأخيرة. ويخفي هذا المتوسط تفاوتًا كبيرًا بحسب دخل كل أسرة، حيث لا تحصل أغلبية الأسر المصرية على التعليم اللائق ولا الخدمات الصحية الجيدة بسبب انخفاض دخولها وعدم استقرارها. وهو ما يستلب من حقوق المواطنين الأساسية والتي ألزمت بها مصر نفسها أمام العالم من خلال استراتيجية مصر 2030، والتي تعكس أهداف التنمية المستدامة. وهو أيضا ما يخصم من جودة رأس المال البشري، أحد عوامل قوة الاقتصاد المصري.

"معاك المبلغ ده؟" المبلغ المستحق دستورياً ومصادره المتاحة:

قدر الرئيس المبلغ المطلوب للتعليم في خطابه الأخير بأنه بين 400 و500 مليار جنيه، وهو ما يتوافق مع حساباتنا في المبادرة للمطلوب دستوريًا للتعليم قبل الجامعي فقط (والتي تقدر ب 472  مليار جنيه)، وهو المبلغ المقابل للحد الأدنى الدستوري 4% من الناتج المحلي للتعليم قبل الجامعي. وحيث إن مجمل الاستحقاق الدستوري بما فيه التعليم العالي هو 6% أي بما يساوي إجمالي 708 مليار جنيه. وتخصص الحكومة هذا العام 229.9 مليار جنيه للتعليم بأكمله (جامعي وقبل جامعي)- من المفترض أن يتوجه منها إلى التعليم قبل الجامعي الثلثان أي 138 مليار جنيه (البيانات الرسمية لم تنشر بعد). أي أن المتبقي يبلغ حوالي 334  مليار جنيه للوصول إلى الرقم المستهدف دستوريًا للتعليم قبل الجامعي فقط، بينما تقدر إجمالي فجوة التعليم بقيمة 478 مليار. 

أولًا، تقترب فجوة التعليم قبل الجامعي من قيمة مخصصات العام 2023-2024 من أجل بناء المباني الخاصة بكل من: مجلس النواب - مجلس الشيوخ - رئاسة الجمهورية - رئاسة مجلس الوزراء - المجالس التخصصية - دواوين عموم المحافظات - الجهاز المركزى للمحاسبات - وزارة المالية ومصالحها - ووزارة الخارجية في العاصمة الإدارية الجديدة (تعادل مخصصات العام الحالي للتعليم). 

ثانيًا، هذا المبلغ يمكن توفير بعضه من خلال إعادة النظر في تفاصيل مخصصات التعليم الحكومي: أي من خلال علاج الإهدار وسوء التوزيع. فعلى سبيل المثال، بينما تعاني المدارس الحكومية من نقص في المدرسين، يوجد تكدس في الوظائف في الإدارة المحلية بنفس القطاع. وهكذا من خلال إعادة التوجيه وشيء من التدريب يمكن إعادة تعيين نفس الموظفين كمدرسين (بدون زيادة الميزانية تقريبًا). كما يمكن من خلال تخفيف شروط بناء المدارس وعلاج الإهدار بها بناء عدد أكبر من الفصول بنفس الميزانية، وهكذا. أي أن إعادة توجيه الموارد الحالية حتى في حال عدم زيادتها سيساهم في سد الفجوة التمويلية الحالية. 

وأخيرًا، فإن العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن إعادة هيكلة الدين العام: حيث كل 1% نقص في سعر الفائدة يؤدي إلى براح مالي يقدر ب 70 مليار جنيه بحسب البيان المالي الحكومي للعام 2023-2024. 

الخلاصة: أن تحول اعتراف رئيس الجمهورية إلى بداية طريقة الحل يتطلب محاسبة من تجاهل المواجهة، ومعاقبة من كذب عمدًا على نواب الشعب، والتعهد بالالتزام التدريجي بالنسب الدستورية، من خلال فرض ضرائب على الأغنياء، ومن خلال إعادة توجيه الموارد نحو القطاعات المنشودة بما يعطي الأولوية لحماية حقوق المواطنين والاستثمار فيهم.