"منتدى الدين والحريات" يناقش "صوت الأزهر": احتفاء برفض تبرير التحرش.. ومطالبة بمزيد من المراجعات في قضايا النساء والحريات الدينية
خبر
عقد منتدى الدين والحريات ندوة "رؤية إعلامية جديدة أم خطاب ديني مختلف: حوار مع رئيس تحرير صوت الأزهر ومسئولي صفحة دار الإفتاء" مساء الجمعة الموافق 10 يوليو 2020، وتمت إذاعة اللقاء عبر بث مباشر من صفحة المنتدى على فيس بوك. استضاف اللقاء كلًّا من: أ. أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر، د. أميمة أبو بكر أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة وعضو مجلس أمناء مؤسسة "المرأة والذاكرة"، د. رشا عبد الله أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية، بينما اعتذر مسؤول صفحة دار الإفتاء عن حضور اللقاء لظروف خاصة، وأدار النقاش عمرو عزت الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
افتتح النقاش عمرو عزت مستعرضًا أبرز ملامح الجدل الاجتماعي الذي انخرطت فيه جريدة "صوت الأزهر" التابعة لمشيخة الأزهر وصفحة دار الإفتاء على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة أثارت دهشة وإعجاب البعض وأثارت غضب آخرين، حيث أكدت الرسائل الإعلامية الصادرة عن المؤسستين على موقف صارم وحازم في رفض جريمة التحرش الجنسي ورفض ربطها بتبريرات تخص ملابس النساء وسلوكهن، وهو الربط الذي كان محل حفاوة من المجموعات النسوية والحقوقية، ولكن على الطرف الآخر اعتبرت قطاعات محافظة أن هذه الرسائل تتضمن "تمييعًا" للأمر الديني بالاحتشام والحجاب، خاصة عندما تصدر هذه الرسائل الإعلامية بصورة غير متوقعة مثل استكتاب مجلة صوت الأزهر في أحد أعدادها عددًا كبيرًا من الشخصيات النسوية واحتواء غلاف الجريدة على صورهن بدون حجاب وبأزياء متنوعة، وهو ما أثار جدلًا كان بين الاحتفاء والرفض، كما دفع البعض إلى التساؤل عمَّا إذا كانت إشارة إلى مدى أولوية أو موقع فكرة الحجاب في مقابل أهمية التعامل مع المجموعات النسوية بخصوص قضايا النساء، كما أن استعانة الجريدة بإحصاءات وتقارير لمجموعات نسوية وحقوقية ومجموعات ضد التحرش ونشرها في أعدادها الأخيرة التي خصصتها لموضوع التحرش قد أثار جدلًا بين احتفاء مجموعات حقوقية في مقابل اعتراض مجموعات محافظة وإسلامية.
وقد جاء هذا الجدل في وسط جدالات أخرى عمَّا أُثير عن معارك على مواقع التواصل الاجتماعي عقب انتحار الناشطة اليسارية المثلية سارة حجازي بين المحتفين بها الساعين إلى التأكيد على أهمية احترام اختلاف الميول الجنسية في مقابل آخرين يرفضون قبول هذا الاختلاف أو التسامح معه، ونشرت دار الإفتاء وقتها منشورات تنهى عن إهانة شخص الميت أو الجزم بمصيره في الآخرة، وشهدت صفحة دار الإفتاء هجومًا لقطاعات من الجمهور اعتبرت ذلك تساهلًا وانحرافًا، وذلك على الرغم من تأكيد الدار على الموقف الديني التقليدي بإدانة المثلية الجنسية والإلحاد في منشورات أخرى.
وقال عزت إن هذه الرسائل الإعلامية وما أثير حولها من جدل يُشجع على التحاور مع صناع هذه الرسائل الإعلامية وطرح السؤال الرئيسي لهذه الندوة عليهم: هل هذه الرسائل سياسة إعلامية مختلفة أم أنها انعكاس لخطاب ديني جديد يسعى إلى إعادة ترتيب الأولويات؟
هل يعكس الخطاب الإعلامي للمؤسسات الدينية الأفكار السائدة داخلها؟
افتتح أحمد الصاوي حديثه بالإجابة على السؤال الرئيسي للنقاش بشأن ما إذا كان الخطاب الإعلامي لجريدة صوت الأزهر رؤية إعلامية جديدة أم خطابًا دينيًّا مختلفًا، مؤكدًا أنه _ومن خلال تجربته الممتدة لأربع سنوات مع جريدة صوت الأزهر_ يعتقد بأنه ثمة شكل إعلامي جديد ولكن مع خطاب ديني أصيل وموجود، بمعنى أن الجريدة لا يمكن بأي حال أن تعبر عن شيء غير موجود وغير متحقق داخل الأزهر ومناهجه وفكره، ولكن الجريدة في معالجتها الإعلامية مرتكزة بالأساس على مناهج الأزهر وعلى فكر شيخ الأزهر وما يصدر عنه وعن الهيئات الرئيسية بالأزهر من أفكار داخل الأزهر أو في المؤتمرات واللقاءات المختلفة، وعلى سبيل المثال فإن معالجة الجريدة مسألة سب الأموات بسبب اختلاف دياناتهم أو أفكارهم ومواقفهم التي احتلت النقاش العام في وقت قريب، استندت إلى درس في مناهج الأزهر من كتاب الثقافة الإسلامية عنوانه "النهي عن سب الأموات".
وبسؤاله عن مدى وجود اختلاف داخلي بالأزهر حول الرسائل الإعلامية التي تصدر عن الجريدة، أشار الصاوي إلى التنوع داخل الأزهر واختلاف آراء خريجيه وأفكارهم وبالتالي فلا يصح نسب كل ما يصدر عن خريجي الأزهر أو حتى أساتذته إلى الأزهر نفسه، كما أن الجريدة لها جمهور وهذا الجمهور له آراء متباينة ولا يُمكن إنكار ذلك، لكن عندما تبحث جريدة صوت الأزهر عن موقف الأزهر فإنها تعتمد على المصادر الرسمية والأصيلة داخل الأزهر ولا تسعى إلى عمل بروباجندا مصطنعة من شيء غير موجود.
وضرب مثلًا ببيان التحرش الجنسي الصادر عن الأزهر الذي شهد جدالًا حوله داخل الأزهر ولم ينتهِ الأمر بمجرد رأي الإمام، وأن مثل هذه القضايا تطرح بشكل كبير بهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ويتم التشاور بشأنها حتى الوصول إلى الرأي الذي يحقق المصلحة ويتمتع بأقوى الحجج الشرعية، ولذلك صدر بيان التحرش بدون أي إشارة إلى مسألة الاحتشام رغم أنها مسألة أساسية في منهج الأزهر وغير مستبعدة ولكن الأزهر يعتقد أنه يمكن أن نتحدث عن الاحتشام في أي سياق وأي مناسبة إلا في سياق التصدي لجريمة التحرش لأنه يمكن استخدام هذه المسألة كمبرر للتحرش.
وبالحديث عن الرسائل الإعلامية للجريدة بخصوص حرية الاعتقاد والتنوع الديني، مثل الحوار الذي نشرته الجريدة مع رئيس المؤسسة الثقافية لمعتنقي الزرادشتية ودلالات ذلك على توجهات الأزهر بخصوص التنوع الديني والحريات الدينية خاصة فيما يتعلق بما هو شائع في الخطاب العام في مصر من قَصْرِ هذه الحريات على الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، بوصفها أديانًا سماوية، بينما تواجه مجموعات دينية مثل البهائيين والشيعة أو غير المؤمنين مشكلات وانتهاكات لحريتهم في الاعتقاد والتعبير الديني، أكد الصاوي أن هذا الحوار لم يكن تغريدًا خارج السرب وإنما كان انعكاسًا لواقع حقيقي يجري داخل الأزهر، حيث كان رجل الدين الزرادشتي ضيفًا في هذا الوقت على المؤسسة الأزهرية وكان مدعوًّا من قبل مجلس حكماء المسلمين للتوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية في عام 2019.
كما أن توجهات شيخ الأزهر وجهوده في سبيل التأكيد على التنوع الديني واضحة للغاية في أحاديثة في المؤتمرات واللقاءات التليفزيونية، حتى أنه أكد في برنامجه التليفزيوني في رمضان الماضي على أن التنوع الديني هو مشيئة الله وأن من يعتقد أنه يمكن أن يجمع الناس على عقيدة واحدة هو واهم لأنه بذلك يتحدى مشيئة الله، وقد شارك شيخ الأزهر أخيرًا في الدعوة إلى اليوم العالمي للصلاة من أجل الإنسانية التي شملت كافة الأديان وشهدت استجابة قوية من كل أنحاء العالم، ودعا الصاوي جميع المتابعين إلى القراءة في كتاب الثقافة الإسلامية المقرر على طلاب المعاهد الأزهرية والذي يتضمن دروسًا عن المساواة بين الخلق وغير ذلك من الأمور، أما عن انعكاس هذه الجهود على واقع التنوع الديني داخل مصر فإنه فيما يتعلق بالشيعة على سبيل المثال فإن الأزهر يعتبر مدرسة التقريب بين المذاهب، كما أن مجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر يضم أعضاء من المرجعيات الشيعية، فليس هناك توجه أزهري لمعارضة الوجود الشيعي ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الاستغلال السياسي لهذا الأمر وهو ما يَضر بأي حوار، أما فيما يخص المسيحيين فإن الأزهر قد قطع شوطًا كبيرًا جدًّا في قضايا المواطنة والمناهج التعليمية والخطاب الإعلامي، وأشار إلى أن جريدة "صوت الأزهر" ترد على الدعاوى المتعصبة التي تُثار سنويًّا حول عدم جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم بتخصيص عدد كامل احتفالًا بميلاد المسيح وأنها تفعل ذلك منذ ثلاث سنوات.
وأضاف أنه لاحظ بعض القصور في التواصل المتبادل بين الأزهر ومجموعات مختلفة تتبنى خطابًا نقديًّا للأزهر، بمعنى أن الأزهر كان يعاني قصورًا في إيصال أفكاره ورؤاه للمجتمع، وكذلك الكثير من المجموعات الناقدة للأزهر تعاني قصورًا في تحديث معلوماتها عن الأزهر وتستمر في ترديد بعض الانطباعات غير الحقيقية عنه، وهو ما يفسر دهشة بعض الذين يحملون لواء نقد الأزهر وتعجبهم من العدد الأخير لجريدة "صوت الأزهر"، بل ذهب بعضهم إلى القول بأن المؤسسة الدينية تسعى إلى استغلال التريند أو أنها تخضع لضغوط معينة لاتخاذ هذه المواقف، وكأنهم يتعرضون للمرة الأولى لهذا المحتوى وليس لديهم الحد الأدنى من متابعة التطورات في الأزهر، حيث أن موقف الأزهر من قضية التحرش وعدم ربطها بأي مبرر ليس موقفًا مستجدًّا أو طارئًا ولكن تحدث عنه الإمام الأكبر في حواراته في عام 2014 وصدر عنه بيان في 2018، وفي العام نفسه أطلقت جريدة صوت الأزهر هاشتاج #ليست_مستباحة ، قبل إطلاق هاشتاج #طمنوا_بناتكم هذا العام.
وقالت د. أميمة أبو بكر إن الرسائل الإعلامية لجريدة صوت الأزهر بخصوص قضية التحرش الجنسي منذ عام 2018 هي تطور جديد وحميد، حيث أن تفاعل المؤسسات الدينية مع مشكلات الواقع المعيش للمرأة مثَّل مطلبًا قديمًا للنسويات بصفة عامة وللنسويات الإسلاميات بصفة خاصة، وطرحت تساؤلًا بشأن إذا ما كانت هذه الرسائل الإعلامية تُعتبر مجرد رد فعل لحظي على "تريند" ما، ونتيجة الرغبة الشعبية في السماع لرأي الأزهر في هذا الموضوع المُثار، أم أنها تعكس تطورًا في عمق الفكر والخطاب الأزهري بشأن عموم قضايا ومشكلات المرأة مثل التحرش والختان والعنف.
وأجاب أحمد الصاوي بأن الأزهر لديه موقف متكامل من قضايا المرأة منذ وقت طويل، فمثلًا قضية الختان محسومة عند الأزهر، وكان شيخ الأزهر قد أكد في خطاب مباشر إلى النائب العام على أن الختان لا دليل على مشروعيته وأنه طالما أن الأطباء قرروا ضرره على صحة الفتيات وخطورته على حياتهم فرأي الأزهر ينحاز إلى رأي الأطباء الثقات في هذا الموضوع، وكذلك بخصوص زواج القاصرات، حيث رفض الأزهر زواج القاصرات ودافع عن تقنين سن الزواج.
وأشار الصاوي أيضًا إلى تبني "صوت الأزهر" قضية معهد أزهري في إحدى القرى لوحظ أن نسبة غياب الإناث به مرتفعة للغاية ورأوا أن الكثيرات منهن متزوجات في سن صغيرة بسبب رغبة الأهالي في ذلك، فخصصت الجريدة ملفًّا لهذه القضية واهتمت بدراسة بيئة المعهد ومحيطه الاجتماعي واتضح أن الوضع الاجتماعي في هذه المنطقة في العموم يدفع الأهالي إلى الإسراع في الانتهاء من تعليم البنات وتزويجهن، وقد بلورت الجريدة هذه القضية وطرحتها للرأي العام انطلاقًا من موقف أزهري ثابت رافض لزواج القاصرات، وأيضًا بخصوص تعدد الزوجات، فقد نص مانشيت أحد أعداد الجريدة على أن "زوجة واحدة تكفي"، استنادًا إلى موقف واضح لشيخ الأزهر قال فيه إن التعدد رخصة كما هو حال إفطار المسافر والمريض في رمضان، فإن تعدد الزوجات رخصة مقيدة ومشروطة بالعدل، وأن الأصل في الإسلام هو الزوجة الواحدة وقال بالنص إن زوجة واحدة تكفي، وأن التعدد غير المقيد بالشروط هو ظلم للمرأة، كما تحدث الإمام عن الطلاق التعسفي بغير سبب
أو مبرر وأنه حرام شرعًا وأن الإسلام شرع الطلاق للضرورة القصوى وليس لشخص ملَّ زوجته أو غير ذلك، كما تحدث شيخ الأزهر في لقائه مع رئيسة سنغافورة عن أن ولاية المرأةِ رئاسةَ الدولة هو تطبيق عملي لمنهج الأزهر.
خطاب أزهري واحد أم خطابات متعددة؟
وقال إسحاق إبراهيم، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إنه ثمة تناقض في مواقف الأزهر عند مقارنة الخطاب الإعلامي لجريدة "صوت الأزهر" وتصريحات قيادات المؤسسة بخصوص قضايا المرأة بموقف المؤسسة من قانون الأحوال الشخصية وطبيعة اشتباكه مع التوصيات والمقترحات التي قدمتها المنظمات النسوية بمن فيهم المجلس القومي للمرأة والتي تجاهل الأزهر معظمها وأصدر مشروعًا جديدًا بالكامل، وكذلك بالنسبة إلى التراجع عن الوثائق التي صدرت عام 2011 و2012 بخصوص حرية الرأي والتعبير وبخصوص حقوق المرأة تحديدًا، حيث أُحيلت توصيات هذه الوثائق إلى الأدراج، واتخذ الأزهر مواقف مخالفة للقيم التي حملتها هذه الوثائق، وهو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هناك "أزهرين" لا أزهرًا واحدًا، أحدهما تُمثله المشيخة وتعبر عنه جريدة "صوت الأزهر" ويسعى إلى تقديم خطاب توافقي يحترم التنوع والمواطنة وأزهر آخر يمثل باقي أجزاء المؤسسة خصوصًا الجزء التعليمي بالأزهر أو كثيرًا من المشايخ الذين ينتقلون إلى العمل
بالأوقاف، وبذلك فإن جريدة "صوت الأزهر" تخاطب بشكل أو بآخر المجموعات النخبوية وسكان المناطق الحضرية ولكن لا تستطيع الوصول إلى المجتمعات الريفية التي تعاني وضعًا أكثر بؤسًا للمرأة وحقوقها، وكذلك ثمة تناقض آخر بين خطاب الأزهر المتعلق بالمواطنة والحريات الدينية، بين خطاب موجه إلى الخارج في المؤتمرات التي تجمع شعوبًا وحضارات وأديانًا مختلفة دون الاقتصار على الأديان السماوية وحدها، والخطاب الموجه إلى الداخل المتعلق بمشكلات الحريات الدينية في الداخل المصري والمتمثلة بالأساس في رفض الاعتراف بالتنوع خارج إطار الأديان السماوية.
وقال محمد جمال الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بأن ما نراه من أئمة الأوقاف التقليديين _وهم من خريجي التعليم الأزهري_ فيما يتعلق بقضايا المرأة وحقوقها وطبيعة العلاقات الزوجية وغير ذلك متأثر بشكل كبير بالقيم الذكورية المحافظة الموجودة في المجتمع، يُعد مؤشرًا إلى أن الخطاب الصادر عن قيادات المؤسسات الدينية وإعلامها ليس مُعبرًا عن قلب المؤسسات الدينية وخطابها الديني الحقيقي المنتشر في المجتمع والذي يحمله الدعاة والأئمة الأكثر تفاعلًا مع الجمهور.
وأكد أحد المعلقين من الجمهور على التناقض في الخطاب الأزهري بين خطاب عالمي يرحب بالتنوع الديني والمواطنة والحريات وخطاب محلي يشارك في قمع الأقليات الدينية مثل الملحدين والشيعة وغيرهم، وتساءل بشأن مدى استعداد المؤسسة الأزهرية لتخليها عن قناعتها بأنها الحاكم الوحيد للسيطرة على الرؤية الإسلامية؟ وهل تقبل وجود أصوات متعددة تعبر عن الإسلام داخل الدولة الواحدة؟ وأضاف بأنه يرى أن الخطاب الإعلامي للمؤسسة الدينية وإن بدا تقدميًّا فإنه يستهدف تعزيز هيمنته على المجال الديني، وأكد على كلامه مُعلق آخر مشيرًا إلى أن الأزهر يُسارع في التعليق على "تريندات" وسائل التواصل الاجتماعي لتسجيل مواقف رسمية من القضايا الإشكالية تحتل الواجهة فقط دون أن تُعبر هذه القضايا عن القطاعات الأكبر والأعمق في المؤسسة الأزهرية، وأن هذه المواقف مما يعزز هيمنة الأزهر واعتباره المورد الحصري للدين في مصر، ومن ثم فلا بد أن يكون الاحتفاء بهذا التطور في الخطاب الإعلامي للأزهر احتفاءً منضبطًا.
وقال أحمد الصاوي إنه لا يصح الادعاء بوجود خطابين متناقضين للأزهر، حيث أن الخطاب المُحتفى به حاليًّا ليس مجرد خطاب إعلامي ولكنه خطاب موجود في مناهج الأزهر وفي المواقف الرسمية للمؤسسة ووثائقها وإصداراتها، وما تنشره جريدة صوت الأزهر يصل إلى الأزهريين بالأساس ويخاطبهم، ولو كان ثمة خطاب مناقض لخطاب الجريدة لتم إخفاء خطابها أو منعه من التأثير في الأزهريين، كما أنكر الادعاء ببحث الأزهر عن شعبية أو استغلال "التريند" قائلًا إنه كان من الأسهل للأزهر اتخاذ جانب الجمهور الواسع من المحافظين الراغبين في ربط التحرش بملابس المرأة وهم الأغلبية، ولكن الأزهر يُصدر المواقف التي تعبر عن قناعاته فقط.
وأضاف الصاوي أن الأزهر لم يمنع أي مؤسسة دينية علمية من أداء عملها في داخل مصر أو خارج مصر بل هو بالعكس يرحب بالتعاون مع هذه المؤسسات، رافضًا الحديث عن أي رغبة أزهرية في الهيمنة على المجال الديني معتبرًا إياه مزايدات ومبالغات كبيرة.
وطرح أحد المعلقين من الجمهور سؤالًا بشأن ما قد تعكسه الرسائل الإعلامية لجريدة صوت الأزهر من مراجعات داخلية بالأزهر حول مواقف تاريخية للمؤسسة تجاه قضايا الحرية الدينية والفكرية تُعد من أبرز ما يستند إليه نقاد المؤسسة الأزهرية، مثل موقف المؤسسة من محاكمات فرج فودة ونصر حامد أبو زيد. وطرحت غادة علاء الناشطة الحقوقية والإعلامية ضمن مجتمع البهائيين المصريين تساؤلًا بشأن حوار جريدة صوت الأزهر مع أحد رجال الدين الزرادشتي وإلى أي مدى يُمكن أن يتم البناء على هذا الموقف لبناء حوارات مجتمعية في الداخل المصري تتجاوز حدود الديانتين الإسلامية والمسيحية لتضم طوائف أخرى موجودة في المجتمع مثل البهائيين والشيعة؟ مؤكدة أن المجتمع المصري هو بالفعل مجتمع متنوع ولكن لم تكن هناك فرصة كافية لحوار مجتمعي يُمثَّل فيه الجميع.
وقال حاتم الهادي الناشط الإعلامي بمجتمع البهائيين المصريين إن غياب المهنية عن كثير من محتوى الإعلام المصري يُسفر عن كثير من المعلومات المغلوطة والمفاهيم الخاطئة لدى المواطنين، وأن الأقلية الكبرى في مصر المتمثلة في الطائفة القبطية تعاني في بعض الأحيان بعض التصورات الخاطئة عنها وعن عباداتها وعاداتها لدى الأغلبية، ويكون هذا الأمر أكثر صعوبة في حالة الأقليات الصغيرة، وأعرب عن أمله في أن تقوم جريدة "صوت الأزهر" بتحقيقات جادة وشاملة عن هذه الأقليات.
وقالت د. رشا عبد الله إنها متفقة مع ما طرحه الأستاذ أحمد الصاوي فيما يتعلق بضرورة اشتباك المثقفين مع الأزهر وتعاونهم معه والبناء على ما يصدره من فتاوى ووثائق وألا يكتفوا بموقع الناقد للأزهر فحسب، ولكن في أغلب الأحيان لا يكون
التواصل مع المؤسسات الدينية سهلًا، وأنها في بعض لقاءاتها التليفزيونية مع شيوخ أزهريين تعاني أحيانًا من وصول النقاش إلى طريق مسدود حين يقول لها الشيخ إنكِ غير دارسة وغير مؤهلة للحديث في الدين، وتساءلت إذا كان كل من يتحدث باسم الدين من خارج الأزهر يُقال له إنك غير دارس وغير مؤهل أو قد يُتهم بازدراء الأديان فكيف سيكون هناك تجديد للخطاب الديني؟ وكيف سيكون هناك حوار حول القضايا الدينية من زوايا مختلفة؟
إلى أي مدى يصل تأثير "صوت الأزهر"؟
طرحت د. رشا عبد الله تساؤلًا بشأن مدى تأثير الرسائل الإعلامية للمؤسسات الدينية في قطاعات الشباب وقطاعات المجتمع المختلفة، خاصة أن مواقف الأزهر الجيدة من جريمة التحرش قديمة وتتكرر كلما حدثت مشكلة كبيرة احتلت النقاش العام ولكن دون تأثير يُذكر في المجتمع وفي نسب التحرش، بل إن قطاعات كبيرة من المجتمع تهاجم المؤسسات الدينية الرسمية على هذه الرسائل الإيجابية وتعتبرها أقل تدينًا وغير جديرة بالثقة.
وأجاب الصاوي بأن هذه الظاهرة ترجع إلى أسباب كثيرة، بعضها سياسي وبعضها اجتماعي، ولكن السبب الأهم في رأيه خلال الأربعة عقود الأخيرة هو دعم كيانات كثيرة أُريد لها أن تكون موازية للأزهر الشريف داخل مصر حتى باتت الأعلى صوتًا والأكثر نفاذًا، وظهرت بصورة أكثر جرأة وأكثر ابتعادًا عن السلطة وبالتالي تمكنت هذه الكيانات من اكتساب أرضية كبيرة جدًّا تحت سمع وبصر الدولة وربما برعايتها خلال الأربعين سنة الماضية، وأضاف أنه يعتقد أن جزءًا كبيرًا من أسباب التعصب في المجتمع ليس سببها الأزهر وتأثيره ولكن ترجع إلى محاولات إقصاء الأزهر وإسكاته.
وعن تأثير الرسائل الإعلامية للأزهر على نسب التحرش الجنسي قال الصاوي إن الأزهر مؤسسة تعليمية ومهمته الأساسية هي بيان رأيه وموقفه ولكنه ليس مؤسسة تنفيذية أو تشريعية لبناء آليات تتمكن من تقويض هذه المشكلات المجتمعية، ولكن البناء على بيانات الأزهر وفتاواه هو دور مؤسسات وجهات أخرى، ولعل هذا ما حدث بالفعل بتحرك النيابة العامة ومؤسسات الدولة وفتح تحقيقات في قضايا التحرش المثارة.
وأضاف الصاوي أن دور جريدة صوت الأزهر يتمثل في أن تكون جسرًا بين المجتمع والأزهر، وأنه حين تولى رئاسة تحرير الجريدة كانت جريدة يقرؤها الأزهريون وتُوزع داخل الأزهر، ولكن الآن تسعى الجريدة إلى التواصل بين الأزهريين وغيرهم، بمعنى أن تستكتب الجريدة كتابًا من خارج الأزهر ليقرأ لهم الأزهريون، كما تعرض وجهات النظر الأزهرية في الوقت ذاته لتفعيل هذا الحوار بين الأزهر والمجتمع.
وقال عمرو عزت إن الأزهر كمؤسسة دعوية وجريدة "صوت الأزهر" قاموا بواجبهم في قضية التحرش الجنسي وصدرت رسالة واضحة وقوية في هذا الشأن، وأضاف أن قيمة هذه الرسالة تكمن في كونها تفاعلت مع الفاعل الرئيسي الذي أحدث التغيير والنقلة الاجتماعية الكبيرة في مناقشة قضية الاعتداءات على النساء، وهي المجموعات النشطة من النساء أنفسهن اللائي أثرن القضية وجمعوا شهادات وعرضوها بشكل قوي ومتماسك، وساندتهن المجموعات الحقوقية والنسوية، ثم تأتي رسائل المؤسسات الدينية ومواقف الدولة التي كانت إيجابية على صعيد حماية النساء وتشجيعهن على الإبلاغ عن المتحرشين، ودعا عزت المؤسسة الأزهرية إلى مواصلة اتخاذ مواقف مماثلة فيما يتعلق بمظالم وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، وقال إنه فيما يبدو أننا نتمنى أن السياسات الإعلامية الأخيرة لا تكون مجرد انعكاس للخطاب الديني بل أن تكون مؤثرة فيه تدفعه إلى النظر في السياق الاجتماعي الأوسع واتخاذ مواقف إيجابية تجاه المظالم الاجتماعية المختلفة.
وقال محمد جمال إن تفاعل جمهور السوشيال ميديا مع الرسائل الإعلامية للمؤسسات الدينية تعكس حالة المزاج الشعبي العام تجاه هذه المؤسسات، ففي حين نلاحظ مزاجًا إيجابيًّا تجاه الأزهر فثمة مزاج سلبي وغياب كبير للثقة تجاه دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، ويُمكن تفسير ذلك بالصورة الذهنية التي بدأت تتكون عن شيخ الأزهر باعتباره صاحب خطاب وفكر يحتفظ بقدر من الاستقلال النسبي عن السلطة السياسية خلافًا للصورة الذهنية النمطية المستمرة عن دار الإفتاء ووزارة الأوقاف باعتبارهما من المؤسسات التابعة للسلطة، ويحيل ذلك إلى التفكير بشأن أسباب ضعف تأثير الرسائل الإعلامية التقدمية للمؤسسات الدينية ومواجهتها بسيل من الهجوم والاتهامات والمزايدات من الجمهور المحافظ، فبينما تُفضل هذه المؤسسات تفسير ذلك بتأثير التيارات السلفية المتشددة على المجتمع، يجب أن نعترف بتحمُّل المؤسسات الدينية والسلطات السياسية جانبها من المسؤولية عن تردي الصورة الذهنية لخطاب المؤسسات الدينية لدى الجمهور، حيث استُنزف هذا الخطاب في المعارك السياسية للسلطات السياسية مع خصومها من المعارضين الإسلاميين وغير الإسلاميين ودأبت على شرعنة سياسات وعلاقات سلطة معينة باستخدام تفسيراتها الخاصة للنص الديني، وفتحت بذلك الباب أمام التيارات الدينية الأخرى لاكتساب ثقة قطاعات كبيرة من الجمهور باعتبارها تيارات مستقلة عن السلطة.
وأضاف أن ثقة الجمهور في الأزهر وخطابه والمؤسسات الدينية الرسمية لن تُكتسب عن طريق إزاحة خصوم هذا الخطاب من السلفيين والتنويريين وإقصائهم من المجال العام كما يطالب الأزهر وتستجيب الدولة في بعض الأحيان، وإنما تُكتسب هذه الثقة عندما يشعر الجمهور بأن خطاب المؤسسة الدينية هو بالفعل معبر عنها ومنطلق من ذاتها غير مفروض عليها وغير قاصر على نخبها وقياداتها، كما أن من عوامل فقدان المصداقية أن يكون الخطاب التقدمي للمؤسسات الدينية خطابًا غير شامل، بمعنى أن تتبنى المؤسسات الدينية قِيمًا تقدمية فيما يتعلق بحقوق المرأة وقضايا الختان والتحرش وغيرها في حين تستمر في تبني أفكارًا رجعية على صعيد الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بشكل عام.
وقال أحمد الصاوي إنه يرحب بأي خطاب نقدي للأزهر، وليس حتى بالضرورة أن يكون "منصفًا" ولكن طالب الباحثين والمفكرين أن يكون نقدهم مستندًا إلى معلومات صحيحة ووافية واطلاع على مجمل حقيقة ما يجري داخل الأزهر.
وأضاف أن دور الأزهر أن يقول رأيه، وهو دور دعوي وتعليمي واستشاري، ولكن هناك العديد من القضايا تتطلب أن يستكمل آخرون هذا الجهد، فمثلًا وثائق الأزهر تحتاج إلى أن يدرسها خبراء وسياسيون وإعلاميون ويعملوا عليها لكي يكون لها التأثير في المجتمع، وأشار الصاوي إلى أن الإعلام المصري مقصِّر في التعامل مع جهود الأزهر وقال إن فعاليات مهمة مثل توقيع شيخ الأزهر وثيقة الأخوة الإنسانية مع بابا الفاتيكان لم يتم إبرازها بشكل مناسب في وسائل الإعلام وبرامجها الأهم. وأضاف أن الأزهر برسالته فيما يخص التحرش أعطى سلاحًا وسندًا لمقاومة هذه الظاهرة ولكن على الآخرين البناء على ذلك والقيام بدورهم.
وعلق الصاوي على الانتقاد الذي يخص تراجع مصداقية المؤسسات الدينية بسبب مواقفها السياسية، فقال إن المواقف الوطنية للمؤسسات الدينية ضرورية وأنها ليست تدخلًا للدين في السياسة، وأن المؤسسات الدينية من منهجها أن يكون هناك استقرار.
وردًّا على الانتقادات بخصوص المفارقة بين خطاب الأزهر في السياق العالمي عن التنوع الديني وافتقاد ذلك في السياق المحلي، قرأ الصاوي نصًّا من أحد كتاب أصول الدين للمرحلة الإعدادية في المعاهد الأزهرية: "واعلم أيها الطالب الذكي النجيب أن الله لو أراد أن يخلق الناس على دين واحد أو لغة واحدة لخلقهم كذلك، ولكنه سبحانه شاء أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم وعقائدهم ولغاتهم "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"،
فالقرآن الكريم يقرر أن الناس سوف يظلون مختلفين إلى يوم القيامة وأن مرجعهم إلى الله وهو محاسبهم، واعلم أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وأن العلاقة بيننا وبين غيرنا هي علاقة التعارف والتعاون، وليست أبدًا علاقة الصراع أو حمل الناس على الإسلام بالقوة أو الإساءة إلى أديانهم وعقائدهم، فالناس كما يقول الإمام علي: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الإنسانية والخلق، وكما تحب ألا يساء إليك أو ينتقص من شأنك فكذلك لا يجوز أن تسيء إلى الآخرين أو تنتقص من شأنهم.
واختتم النقاش عمرو عزت مؤكدًا أن السبب وراء تنظيم هذا النقاش هو الحفاوة بالرسائل الإعلامية القوية التي تعبر عن موقف واضح تجاه مظالم اجتماعية، وتعكس تفاعلًا مع كل الجهات التي تعمل على قضايا المرأة وتجاوز الخلافات الفكرية والدينية وتتضمن شكلًا من أشكال التضامن العابر لكل هذه الحواجز، مشيرًا إلى أن أكثر مداخلات المشاركين في الحوار عبرت عن تطلعاتهم إلى خطاب ورسائل إعلامية مماثلة، واضحة وحاسمة، في المزيد من القضايا المتعلقة بانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان وأشكال الظلم الاجتماعي، وأن نشهد مثلها رسائل واضحة وحاسمة فيما يخص حرية الاعتقاد والتأكيد على ضمان التنوع الديني والعديد من القضايا الأخرى.
قام بكتابة هذا التقرير محمد جمال الباحث ببرنامج الحريات المدنية