مشروع قانون التأمين الصحي الشامل - ورقة موقف "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" (برنامج الحق في الصحة)

بيان صحفي

10 أبريل 2013

أولًا: مقدمة

للتأمين الصحي بمصر تاريخ بدأ في منتصف الستينيات من القرن الماضي، حين تأسست الهيئة العامة للتأمين الصحي عام 1964، وصدرت مجموعة من القوانين المنظمة للتأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي، وكان هدفها المعلن كفالة الحق في الحماية الصحية التأمينية تدريجيًّا، لجميع المواطنين في عشر سنوات! وهو ما لم يتحقق حتى يومنا هذا.

ومنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تُجرى محاولات متكررة لإصلاح النظام الصحي برمته. وفي المقدمة منه نظام التأمين الصحي، الذي بات بعد خمسين سنة من تأسيسه محلًا للانتقادات بسبب العديد من نقاط الضعف، أبرزها عدم رضاء المواطنين عن جودة الخدمات التي تقدم، إضافة إلى قصور التغطية والإتاحة في الريف مقارنة بالحضر بما لا يزيد عن 50% من إجمالي السكان.

وفي السنوات الأخيرة وقبيل ثورة يناير. كثفت حكومة أحمد نظيف (2004-2011) - والتي كانت تمثل مصالح رجال الأعمال الداعمين لمشروع توريث جمال مبارك حكم مصر - جهودها للانتهاء من مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل كوسيلة دعائية للتوريث من ناحية ولإنعاش ما يسمى بالاستثمار في القطاع الصحي من ناحية أخرى.

وقد ظلت مشكلة التمويل والإنفاق الصحي من أهم التحديات التي تواجه المنظومة الصحية، حيث أشارت الدراسات الرسمية الموثقة ذاتها أن حجم الإنفاق الأسري على الخدمات الصحية من جيوب المواطنين سواء المؤمن عليهم أو غير المؤمن عليهم يتجاوز 72% من الإنفاق الكلي على الخدمات الصحية وذلك ما أسال لعاب القطاع الخاص الصحي على كعكة التأمين الجديدة! هذا بالإضافة إلى أن استمرار تدني ما تخصصه الموازنة العامة للإنفاق على الرعاية الصحية لا يتجاوز 5% من حجم مصروفات الموازنة العامة.

في هذا السياق - وقبل أن نعرض التعليق على آخر مسودات القانون الجديد، فإننا نشير إلى جملة مبادئ عامة حاكمة لرؤيتنا لهذا القانون كالآتي: 

أولًا:     ضرورة احترام وحماية وضمان حق المواطنين في الصحة بما يتضمن حقوقهم في رعاية صحية تأمينية عادلة عبر المشاركة في تحمل مخاطر العبء المرضي، وحماية حقوقهم التأمينية الاجتماعية التي كفلتها قوانين التأمينات الاجتماعية القائمة عبر أكثر من نصف قرن مضى ورفض المساس بتلك الحقوق تحت أي دعاوى تراجعية.

ثانيًا:      التأكيد على مسئولية الدولة فيما يخص العمل على زيادة الإنفاق العام الصحي بما يضمن نصيبًا مناسبًا لتمويل النظام التأميني الجديد، يضمن كفاءته واستمراريته وبما يخفف عن المواطنين العبء المتفاقم الذي يتحملونه مباشرة من جيوبهم (72% من الإنفاق الكلي) لحصولهم على الخدمات الصحية.

ثالثًا:     التأكيد على ضرورة البدء في إعادة هيكلة المنظومة الصحية، وذلك بهدف توحيد معايير العمل الطبي بها وتكامل مستوياتها المختلفة، بما فيها القطاعات الأهلية والتعاونية والخاصة، وبما يضمن كفاءة استخدام البنية التحتية القائمة والموارد المتاحة ماليًّا وبشريًّا.

رابعًا:     ضرورة تأسيس آليات تنفيذ لهيكل أجور عادل لكل الفريق الصحي والإدارة بما يكفل لهم حياة كريمة بوصفه حقًّا طبيعيًّا لهم، وفي الوقت نفسه وسيلة ضرورية لتحسين جودة الخدمة الصحية بما يُرضي المواطنين عنها.


ثانيًا: سلبيات في مقترح القانون الأخير

1-   يفتقد نص القانون ولائحته التنفيذية الكثير من الآليات الفعلية للتنفيذ فيما يتعلق بجوانب إدراة النظام وضمان جودته وجوانب حقوق المرضى والمساءلة الطبية وتنمية القوى البشرية.

2-   مازالت آليات تمويل المنظومة تفتقد الجداول المالية التفصيلية للدراسات اللإكتوراية التي يعتمد عليها القانون في تحديد نسب الاشتراكات والمساهمات، ونسب مساهمة الخزانة العامة فيما يخص الفئات غير القادرة وحجمها الحقيقي وما ستدفعه الخزانة العامة.

3-   يُبنى نظام التأمين الصحي الاجتماعي على اشتراك يمثل نسبة من أجر العاملين، ونظرًا إلي أن هيكل الأجور الحالي يتميز بخلل هيكلي كبير يتمثل في أن الأجور الأساسية تقل عن 20% من إجمالي الأجر الشامل، ولمّا كانت الأجور الأساسية لا تكفي الحد الأدنى للحياة الكريمة، فإن القانون يتدارك ذلك بالتوسع في الأجر الذي يفرض عليه الاشتراك لكي يشمل الأجور المتغيرة بينما يتغاضى عن البدلات التي يحصل عليها العاملون في الإدارة العليا (مثل بدلات التمثيل والسفر والانتقال والسكن إلخ)، لذا فإصلاح هيكل الأجور هو من الضروريات بحيث يصبح الأجر الأساسي كافيًا لتوفير حياة كريمة للمواطن ولا تزيد الأجور المتغيرة عن 20% من إجمالي الدخل، كما أنه ضرورة أولية لضمان توفير موارد مستدامة للتأمين الصحي وهذا ما لم يتم حتى الآن!

4-   تعريف القانون لمفهوم "غير القادرين" يقصر الدعم على فئة محدودة للغاية وهو تعريف غامض وغير واقعي (لمن يحصل على معاش الضمان الاجتماعي لدعمه دعمًا كاملًا).

5-   نسب المساهمات والرسوم في القانون تمثل نصيبًا كبيرًا من التكلفة، مما قد يعوق إتاحة الخدمة للمواطنين (20% من تكلفة التحاليل والاشعات) كما أن فرض رسوم في مدخل النظام (3 جنيهات للممارس العام، 5جنيهات للأخصائي، 20 جنيها للاستشاري و5 جنيهات على كل علبة دواء) قد لا يسهم في الحد من سوء استخدام الخدمة بقدر ما يؤدي لإعاقة إتاحة الخدمة المنصوص عليها، كما أنها تزيد بنسبة زيادة الأسعار سنويًّا!!

6-   رفع قيمة اشتراك التأمين الصحي على طلاب المدارس والأطفال من (4 جنيهات سنويًّا) إلى حد أدنى 60 جنيها سنويًّا يدفعها ولي الأمر عن كل طفل، علمًا بأن الطفل المصري مسئولية الدولة في جميع الجوانب التعليمية والصحية والاجتماعية، وفقًا للدستور وقانون حماية الطفل المصري والالتزامات الدولية الأخرى، وهذه الزيادة قد تزيد عن الرسوم المدرسية نفسها مما قد يساهم في التسرب من التعليم.

7-   إلغاء تحمل الدولة لنصيب صاحب العمل فيما يخص أصحاب المعاشات، وأرامل أصحاب المعاشات وذلك بعد أن احتوت المقترحات السابقة من القانون على هذه المساهمة.

8-   عدم وضوح عناصر ومحاور هيكلة المنظومة الصحية الجديدة في ظل القانون، وكأمثلة عن ذلك:

أ.    علاقة الهيئة القومية للتأمين الصحي بمقدمي الخدمات ودورها في التعاقدات المنتظرة التي يجب أن توضع في اللائحة أو تحدد في القانون.

ب.  علاقة وزارة الصحة بالهيئة القومية للتأمين الصحي وأدوار الرقابة المجتمعية على الصندوق القومي للتأمين الصحي.

ج.   يوجد في النص خلط بين اختصاصات مجلس أمناء الهيئة القومية للتأمين الصحي ومجلس الإدارة التنفيذي لها (ومجلس الأمناء يجب أن يمثل المجتمع ويكون صاحب دور إشرافي ورقابي على عمل وسياسات الهيئة دون أن يكون له دور تنفيذي في إدارة الهيئة لأنه مجلس يمثل المنتفعين لا الخبراء التنفيذيين).

د.    لا يجب أن تتبع الهيئة القومية للتأمين الصحي وزراة الصحة، حيث أنها تدير أموال المنتفعين، وهي ليست أموال الخزانة العامة، كما يجب أن يكون لصندوقها حساب مستقل عن الخزانة العامة، لأن أموال الصندوق تمثل أموال المشتركين وعلى الخزانة العامة ضمان استدامة دورها.

ه.    مازال القانون يفتقد آليات واضحة فيما يتعلق بتحصيل الموارد وتقديرها من الأطراف المشاركة فيه من القطاع غير الرسمي من الاقتصاد، خصوصًا الفلاحين والعمالة الزراعية الدائمة والموسمية والفئات الهامشية العاملة في القطاعات غير الرسمية من الاقتصاد.

9-   تنص المادة 2 من القانون على أن: يحكم هذا النظام مبدأ فصل التمويل عن تقديم الخدمة. وذلك يعد خطئًا في المفهوم،  ففصل التمويل عن تقديم الخدمة أداة للحصول على الإدارة الرشيدة وجودة الخدمة وتحسين كفاءة المحاسبة، وليست مبدأ في حد ذاته، في حين أن مسئولية الدولة عن صحة المواطنين غير مذكورة في نص القانون.

10-  تدريجية تنفيذ القانون (لمدة 15 سنة) قد تكون مقبولة اقتصاديًّا وفنيًّا لكنها تمثل تمييزًا بين المواطنين ولذا يجب تحديد الفترة الزمنية للتنفيذ فيما لا يزيد عن خمس سنوات وضمان الدولة عدم التمييز بين المواطنين في أثناء ذلك.


ثالثًا: سلبيات تم تداركها في المسودة الأخيرة للقانون، قياسًا لما سبقها من مسودات وخصوصًا مسودة 4/4/2012

1-  وجود نظام موحد للعلاج، ومستويات للإحالة في إطار تأميني وذلك يمثل جانبًا إيجابيًّا في القانون.

2-  تقليص نسب المساهمات والرسوم، مقارنة بمسودات القانون السابقة حيث كانت تقارب ثلث تكلفة الخدمات في المسودات السابقة.

3-  العدول عن إنشاء صندوقًا للأمراض الكارثية حيث تم دمجها في نظام موحد.

4-  النص على حزمة خدمات واحدة وتقديمها في اللائحة التنفيذية مما يعد اتجاهًا إيجابيًّا لعدم التمييز في نطاق الموارد المتاحة.

 

خلاصة

مما سبق فإننا نرى ما يجعلنا نرفض القانون في صورته الراهنة ونرى ضرورة توسيع إطار المشاركة في صنع القرار الصحي وطرحه لمزيد من الحوار المجتمعي الحقيقي، والممثل لفترة ممتدة لا تقل عن عام، تشارك فيه منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان مشاركة فاعلة في اللجنة المسئولة عن صياغته كما يجب أن يشمل النقاش أصحاب المصلحة الحقيقية في إنجاز هذا القانون والمعنيين بتنفيذه من أفراد ومؤسسات وأحزاب ونقابات.