مواقف الفاعلين الأساسيين:
تعامل المؤسسات الرسمية: المنع هو الحل
يسيطر قطاع الأمن الوطني ومن قبله جهاز مباحث أمن الدولة على إدارة علاقة الدولة بالأقباط بشكل عام. ويعد بناء وترميم بناء الكنائس هو أحد الموضوعات التي يتحكم فيها الجهاز بشكل رئيسي، وبطريقة متجاوزة للمسئولين السياسيين والتنفيذيين، فقد حصلت بعض الكنائس في عديد من الحالات على الموافقات اللازمة لبناء كنيسة أو ترميم كنيسة بعد جهود وسنوات مضنية لكن عجزت عن التنفيذ بسبب الأمن الذي كان يوقف البناء . و يمكن توضيح بعض الممارسات الأمنية كالتالي:
قيام الأمن بإغلاق كنائس يصلى فيها، أو مباني خدمات تحت الإنشاء بحجة عدم وجود ترخيص أو مخالفة الرسوم الهندسية، وبالرغم من عدم وجود شكاوي من أية جهات أو أفراد ضد الكنيسة، وعادة ما كان يصاحب هذه الانتهاكات اعتداءات على المتواجدين والقبض على بعضهم والتحقيق معه. ومن أبرز النماذج على ذلك، قيام قوات الأمن بغلق مبنى القديس يوسف البار بقرية ميانة بمركز مغاغة شمال محافظة المنيا وتحطيم بعض الصور الدينية ومصادرة الكراسي بالرغم من أن الصلاة في المبنى كانت تتم بموافقة شفهية من قبل الأجهزة الأمنية منذ سنوات.1
وفي واقعة مشابهة، أغلق الأمن مبنى تابعًا لمطرانية المنيا بقرية الإسماعيلية، ومنع الصلاة فيه بالرغم من عدم تقديم شكاوى من الأهالي المسلمين، وبعد فترة سمح الأمن لرواد الكنيسة بالصلاة بخيمة بجوار المبنى. هذا وقد قدم عدد كبير من كبار العائلات المسلمة طلبًا إلى مديرية الأمن بفتح المبنى الكنسي وعدم الاعتراض عليه إلا أنه ما زال مغلقًا حتى الآن.
تعنت الجهات الأمنية في منح تراخيص الترميم والتوسيع، ومما يثير الدهشة أن بعض الكنائس القديمة والتي تهدد حياة المصلين تحوز تراخيص رسمية وتقع في وسط مناطق جميع سكانها مسيحيون. وفي هذا السياق يلعب أفراد الشرطة المخصصون لحراسة الكنائس دورًا بارزًا في مراقبة الكنائس وتحرير محاضر عند إجراء أية تعديلات ولو بسيطة في طبيعة المبنى.
فرض شروط مجحفة على المواطنين الأقباط عند إعادة بناء أو ترميم الكنائس في الكثير من اﻷحيان استجابة لمطالب بعض الجماعات السياسية اﻹسلامية أو لمطالب جمع من اﻷهالي. ومن هذه الشروط عدم وجود مظاهر دينية خارجية كقباب أو منارات أو صلبان. وفي بعض اﻷحيان كذلك ألقى الأمن القبض على أقباط بحجة مخالفة الرسوم الهندسية، أو شروط الترخيص رغم أن بعضًا من هذه المواصفات كان قد ورد في الموافقات الرسمية.
الامتناع عن تنفيذ أحكام قضائية سواء بالهدم أوإعادة البناء لعدد من الكنائس المرخص بها، والتي سلكت الإجراءات القانونية بعد تعنت الأجهزة الأمنية، مثل كنيسة مار جرجس بقرية حجارة بمحافظة قنا التي ذكرناها سابقًا والتي يصلى فيها داخل "الشدة الخشبية" لأن أجهزة الأمن ترفض استكمال إعادة البناء للكنيسة.
وفي بعض اﻷحيان قامت الأجهزة الأمنية بالتحفظ على منازل لمواطنين في طور التشييد والبناء بحجة تردد شائعات أن المبنى سيتحول إلى كنيسة. بل وشارك ممثلون لهذه اﻷجهزة في جلسات عرفية، أقرت إجبار مواطنين على بيع منازلهم خشية تحويلها إلى كنائس، وذلك بالرغم من أخذ التعهدات اللازمة على المواطنين بأن المكان مخصص للسكن ولا توجد نية لاستخدامه ككنيسة.
رعاية جلسات عرفية، وتأييد القرارات الصادرة عنها، والتي أوقفت الصلاة داخل كنائس ومنعت استكمال الترميم بحجة الانتظار إلى حين الحصول على التراخيص الرسمية من الجهات الأمنية، ثم امتنعت الجهات نفسها عن الموافقة على الطلبات التي تقدم بها الجانب المسيحي فيما بعد.
وبالرغم من الإشارات المبكرة التي كانت تنذر بتزايد الاحتقان داخل عدد من القرى إلا أن المسئولين قد فشلوا في إيجاد حلول سريعة لبوادر العنف الطائفي والتعامل معها قبل تفاقمها، فضلًا عن فشلها في حماية الضحايا أثناء تعرضهم للهجوم. فقد استمرت التوترات في قرية المريناب شمال أسوان على سبيل المثال طوال شهر سبتمبر 2011 – وهي التوترات التي انتهت بمجزرة ماسبيرو المأساوية في أكتوبر من نفس العام- في حين فشلت الأجهزة الأمنية في وضع حلول للمشكلة رغم قبول الجانب المسيحي بكل شروط اﻷهالي من هدم القباب وعدم وجود منارة أو صليب. بل إن التحريض على الاعتداءات صدرت عن أحد المساجد التي كان يحضر مفتش المباحث صلاة الجمعة بداخلها.
عدم القبض على المحرضين والمتورطين في أعمال العنف ضد الكنائس وممتلكات الأقباط التي تعرضت للنهب والحرق، وذلك بالرغم من تقديم مواطنين أقباط ومسلمين مقاطع فيديو وصور أثناء الاعتداءات بها ملامح واضحة تحدد هوية المعتدين. وفي عدد قليل من الحالات التي ألقي القبض عشوائيًّا على البعض تم إخلاء سبيلهم فيما بعد.
رفض مجتمعي: مش عاوزين كنيسة
أظهرت حالات التوتر والعنف الطائفي أن معارضة فاعلين غير رسميين من سكان القرى والأحياء التي كانت مسرحًا لتلك التوترات تلعب دورًا حاسمًا في إعاقة ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين. بل ويفرض هؤلاء الفاعلون شروطًا مهينة ومذلة على المواطنين الأقباط ـ كما سبق الذكر ـ للسماح ببناء أو ترميم كنيسة.
ففي بؤر التوتر التي رصدناها في العرض البياني تصبح المنطقة قابلة للاشتعال بمجرد وجود مؤشرات على بناء كنيسة أو ترميمها، خصوصًا في ظل ما سبق ذكره من تباطؤ أجهزة الدولة في التحرك والتعامل مع بوادر الأزمة. فعادة ما تبدأ الأحداث بقيام عدد من أقباط منطقة ما بالشروع في ترميم كنيسة أو توسيعها أو الصلاة داخل منزل، فيتجمع مسلمون مناهضون لذلك، ويقومون بمحاصرة المبنى ومنع المسيحيين من دخوله، وفي بعض الحالات وقعت اعتداءات على الكنائس وصلت إلى الحرق والهدم، وكذلك اعتداءات على ممتلكات المسيحيين في المنطقة بشكل عام وعشوائي. هذا وقد وقعت كثير من الاعتداءات في ظل تواجد قوات أمنية، سواء كانت تقوم بالحراسة الدورية أو حضرت مع بدء التوتر في المنطقة.
ومن بين الظواهر اللافتة بعد 25 يناير أن عددًا من الأحداث بدأت على خلفية نزاعات بين طرفين أحدهما مسلم والآخر مسيحي لسبب ليس له علاقة بوجود كنيسة أو ممارسة الصلاة، ولكن سرعان ما يتم التحريض والاعتداء على الكنيسة الموجودة بالمنطقة، ورفض ترميمها أو إعادة بنائها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث بقرية صول بمركز أطفيح في فبراير 2011، حيث وقعت اشتباكات على خلفية علاقة بين مسيحي ومسلمة، تبعها مهاجمة الكنيسة وحرقها وهدمها، ورفض بنائها فيما بعد إلا بعد تدخل قوات من الجيش وقيادات سلفية.2
واستخدمت الجلسات العرفية كأحد آليات التدخل المجتمعية ضد ممارسة الشعائر الدينية، فقد استخدمت في ست وعشرين حالة توتر وعنف، وفي أغلبها اتخذت قرارات بوقف الصلاة أو الترميم، وفي أحسن الظروف صدرت قرارات بفرض شروط معينة على المبنى كما سبق الإشارة كشرط لممارسة الشعائر.3
ويرجع تشدد الأهالي مع بناء وترميم الكنائس إلى أسباب دينية وثقافية، نستعرض منها ثلاثة فقط وردت في عدد من الشهادات واللقاءات مع قيادات دينية واجتماعية:
أولًا: تبني رؤًى دينية محافظة أو سلطوية ترفض بناء الكنائس. ويعتبر قطاع من المواطنين ذلك الرفض مكونًا من تعاليم الدين الإسلامي. وما عبر عنه الشيخ عبد الجواد إمام مسجد بقرية كوم اللوفي بقرية سمالوط في تعليقه على حرق عدد من منازل الأقباط بحجة تحويل أحدها إلى كنيسة يعد نموذجًا كاشفًا لهذه الذهنية4:
" البلد حوالى عشرين ألفًا، الأقباط حوالى 7.3% فقط من عدد السكان وهو عدد قليل بالنسبة للسكان فهم لا يزيدون على 500 فرد, وعددهم لا يسمح ببناء كنيسة فكما عرفت لا بد أن يشكلوا على الأقل 15% من السكان لكي نسمح لهم ببناء كنيسة".
وأضاف:
"لا يصح ولا ينفع هذا لأن ديننا ضد أن تبني هذه دولة مسلمة كما أنها أيضًا مرفوضة أمنيًّا من زمان ومنذ الثمانينيات لم نسمع عن بناء كنيسة فى قرية، نحن نقول إن لدينا قوانين طبقوها وأكثر من 30 من أبناء القرية قدموا بلاغًا أن هناك كنيسة تبنى ولم يستجب لنا أحد والشرطة قالت سيهدم ولم يحدث، وصاحب المكان جار لنا ونحن من نوفر له العمل وسبل العيش ولكن يبدو أن هناك من لعب بعقله وأقنعه ببناء كنيسة".
ثانيًا: بعد اجتماعي ثقافي له علاقة بنظرة الجانب المسلم إلى المسيحي كمواطن، وهل هو مساوٍ له في الحقوق والواجبات. ما زال البعض يرى المسيحي في منزله أقل منه حتى لو كان في مكانة عملية واجتماعية متميزة، وبما أن مفهوم وجود الكنيسة أصبح يتجاوز مكان الصلاة فقط إلى القيام بأدوار اجتماعية وتعليمية وثقافية، وبالتالي يرفض وجود الكنيسة أو المبنى الخدمي حتى لا تحقق تنمية قد تغير من هذه النظرة الاستعلائية تجاه الآخر.5
ثالثًا: تحريض بعض أجهزة الدولة خصوصًا الأمنية، فهذا السلوك ينقل رسالة إلى المسلمين بأن الدولة نفسها غير حريصة على تمتع الأقباط بحقوقهم، وأنها هي التي تقوم بممارسات تمييزية ضدهم، خصوصًا في ظل عدم تطبيق القانون وتقديم المتهمين والمتورطين إلى العدالة استجابة لمطالب اﻷهالي أو القوى السلطوية في المجتمع.
1مصدر سابق . https://www.youtube.com/watch?v=89HdxUK8PFE
2يمكن مراجعة تقرير " الأقباط تحت حكم العسكر: وقائع عام ونصف من جرائم المرحلة الانتقالية" الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في 2012. http://eipr.org/report/2012/10/09/1520
3لمزيد من المعلومات يمكن مراجعة " في عرف من؟ دارسة عن دور الجلسات العرفية في النزاعات الطائفية ومسئولية الدولة" الصادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2015. http://eipr.org/report/2015/06/11/2404
4المتشددون يصنعون الفتنة والفقراء يدفعون الثمن، جريدة الأهرام، حنان حجاح، 15 أغسطس 2016.
5مقابلة مع الشيخ محمد عبد العال من القيادات الشعبية بمحافظة المنيا، يونيو 2016 .