أقرّ مجلس النواب في أغسطس الماضي القانون رقم 80 لسنة 2016 الخاص ببناء الكنائس تلبيةً للاستحقاق الدستوري المنصوص عليه في المادة ٢٣٥، والذي ألزم مجلس النواب بإصدار قانون منظم لعملية بناء الكنائس في دور انعقاده الأول. وقد أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حملة بعنوان “مغلق لدواعٍ أمنية” أثناء مناقشة هذا القانون، حاولت من خلالها إلقاء الضوء على أهم العراقيل التي تعترض حق المواطنين المصريين الأقباط في ممارسة شعائرهم الدينية، والتي تظهر بشكل جليّ في التعقيدات الأمنية والإدارية التي تعترض بناء الكنائس. كذلك شددت المبادرة في حملتها على أن استمرار هذه العراقيل يعد من أهم مسببات العنف الطائفي، خصوصًا في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، والتي فتحت الباب واسعًا أمام المواطنين المصريين الأقباط لانتزاع حقوق طال انتظارها ولكنها سرعان ما اصطدمت بجملة من المعوقات الراسخة.

كذلك أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعليقًا مفصلًا على القانون الجديد فور صدوره، تضمن تحفظاتها الرئيسية على محتواه، وعلى طريقة صدوره. وذهبت المبادرة في تعليقها أن القانون لم يتجاوز شرعنة الأمر الواقع القائم على التمييز الصريح بين المواطنين المصريين من حيث الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، عن طريق ترتيب شروط غاية في التعقيد لإقرار بناء كنائس جديدة، وإسناد مهمة تنظيم بناء دور العبادة عمليًا وبشكل شبه حصري للأجهزة الأمنية، فيما يعد وصفة جاهزة لإعادة إنتاج ظواهر العنف الطائفي مرة أخرى، وبما يتناقض مع الهدف المعلن من القانون الذي طال انتظاره. كما انتقدت المبادرة طريقة صياغة هذا القانون وإخراجه للنور عبر مشاورات مغلقة اقتصرت حصرًا على ممثلي الحكومة وممثلي الكنيسة المصرية، في عزلة شبه تامة عن إسهامات المجتمع المدني وعموم المواطنين، بل ونواب البرلمان أنفسهم، كما لو كان الحوار حول تنظيم حق دستوري أساسي هو شأن كنسي/أمني محض لا دخل لعموم المصريين من المسلمين والأقباط به.

نحاول في هذه الدراسة استعراض أهم نتائج بحثنا القانوني والميداني حول الصعوبات التي تكتنف الحق في ممارسة الشعائر الدينية للمصريين الأقباط والتي قصر القانون الجديد عن فهمها، ناهيك عن السعي لإزالتها. ونأمل أن تسهم هذه الدراسة، مع غيرها من مداخلات المجتمع المدني، في توضيح حجم الأزمة التي قصر عن استيعابها القانون الجديد، وحث الفاعلين الرئيسيين من أجهزة حكومية وأعضاء برلمان ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات دينية على الاضطلاع بمسئولياتهم في ضمان ألا يؤدي وضع القانون موضع التنفيذ لمزيد من التضييق على بناء الكنائس، وصولًا إلى تعديل هذا التشريع المشوه في المدى المنظور في ضوء خلاصات ونتائج هذه الدراسة وغيرها.


تنقسم هذه الدارسة إلى جزء تحليلي و ملحقين. يستعرض الجزء التحليلي التشريعات المنظمة لبناء الكنائس والأحكام الشهيرة الصادرة في هذا الصدد، وأثر ذلك على قانونية أوضاع الكنائس الحالية وأنواعها من حيث التراخيص الرسمية. ثم تتناول الدراسة بالتحليل أنماط التوترات والاعتداءات الطائفية المرتبطة بالحق في ممارسة الشعائر الدينية، وقد قسمتها إلى خمسة أنماط:


أولا، ما يعرف بالمناطق المحرومة من وجود كنائس، وأسباب ذلك، قانونيا واجتماعياً، وما يصاحبها من انتهاكات أبرزها منع مصلين من خارج القرى من القدوم للصلاة داخل كنائس قرى أخرى، أو الاعتداءات التي تصاحب الشائعات حول تحويل منازل إلى كنائس.

ثانياً: الكنائس التي كان يصلى فيها وأغلقتها الأجهزة الأمنية بحجة وجود دواع أمنية، ومن الملفت أن بعض هذه الكنائس كان موجوداً داخل تجمعات سكانية مسيحية، والبعض الآخر لم يعترض الجانب المسلم على وجوده .

ثالثاً، نمط أطلقت عليه الدراسة " كنائس البيوت" وهى كنائس تأخذ شكل المنازل من الخارج، وبدون منارة أو صليب، وقد بنيت بالتحايل على الشروط القانونية المجحفة، ويصلى فيها منذ سنوات طويلة بموافقات شفهيه من أجهزة الدولة، ومتعارف عليها بين الجيران المسلمين، لكن لا تحوذ تصاريح رسمية.

رابعاً، هدم وإعادة بناء الكنائس وترميمها، فبالرغم من التطور التشريعي الذي فوض المحافظين في منح التراخيص وصدور أحكام قضائية لا تلزم الكنائس إلا بتراخيص الإدارة الهندسية بالمحليات، لكن تتعنت الأجهزة الأمنية وتمنع ترميم الكنائس ودخول مواد البناء إليها. وفي عدد من الحالات حصلت الكنائس على أحكام قضائية ملزمة للجهات الأمنية بتمكين المسيحيين من إعادة البناء أو الترميم لكن لم تنفذها الجهات الأمنية.

خامسا، مباني الخدمات الدينية، وهى أسهل في الحصول على التراخيص، حيث لا تحتاج إلى قرارات جمهورية، ولكن فقط إلى موافقات من المحافظين وبعض الجهات الإدارية كمديريات التضامن الاجتماعي، حيث أنها تقدم خدمات متنوعة صحية واجتماعية وتعليمية للمواطنين من الجانبين. ومع ذلك في كثير من الحالات التي تحصل فيها الكنيسة على الترخيص تمنع الجهات الأمنية التنفيذ.

كما تقدم الدراسة تحليلاً كميا حول التوترات والاعتداءات الطائفية التي شهدتها مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى أغسطس الماضي، وعددها أربع وسبعين حالة، وقامت بسرد بؤر التوتر وأنماط الاعتداءات وعلاقتها باﻷحزاب أو القوى الحاكمة، وهل تغير خلال السنوات الأخيرة تبعًا لتغير نظام الحكم.

هذه اﻻنتهاكات يتورط في ارتكابها قطاع واسع من المواطنين وأجهزة الدولة، وتجد لها سندًا قانونيًا، خصوصا لو كانت في منطقة عشوائية أو قرية بالريف المصري، فهي تحتاج إلى موافقات قد تستغرق عدة سنوات، وأحيانا بعد الحصول على الموافقات لا يستطيع المواطنون الراغبون في بناء الكنيسة أو افتتاحها تنفيذها نتيجة اعتراضات من الأهالي أو قيام أجهزة الأمن بنفسها بوقف التنفيذ.

وختامًا لهذا الجزء التحليلي نعيد نشر تعليق المبادرة على قانون بناء الكنائس الجديد والصادر في 31 أغسطس 2016.

ويضم الملحق الأول من الدراسة توثيقًا تفصيليًا لأحداث العنف الطائفي التي نشبت على خلفية الجدل بشأن بناء كنائس جديدة أو ترميم كنائس قائمة. أما الملحق الثاني فيقدم مجموعة تمثل الحد الأدنى من المعايير التي كان من الواجب توفرها في أي قانون لتنظيم بناء الكنائس، كما يستعرض هذا الملحق نماذج لتعامل عدد من الدول لموضوع بناء دور العبادة.