التوترات الطائفية الخاصة ببناء وترميم الكنائس بعد ثورة 25 يناير2011
رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أربعًا وسبعين حادثة عنف واعتداء طائفي مرتبط بممارسة الشعائر الدينية، وذلك خلال الفترة من 25 يناير 2011 إلى نهاية أغسطس2016، ولا يتضمن الرقم عدد الكنائس والمنشآت الدينية التي تم الاعتداء عليها عقب فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة في أغسطس 2013، كما لا يتضمن حالات الاعتداء على الكنائس التي جاءت في سياق اعتداءات طائفية لأسباب أخرى سواء كانت بسبب علاقات عاطفية بين مختلفي الديانة أو مشاجرات عادية تحولت إلى طائفية أو عقب سريان شائعة بحدوث واقعة ازدراء أديان.
يوضح الشكل أعلاه أن إعادة بناء وترميم وتوسيع الكنائس القائمة هي أكثر أنماط الانتهاكات، تحدث غالبًا في الريف المصري. في هذا النوع، تبدأ الكنيسة في إجراء توسيع بضم قطعة أرض مجاورة أو بناء سور أو حتى ترميم حائط متهدم، فيقوم أهالي القرية بالتجمهر ومحاصرة الكنيسة مطالبين بوقف الترميم. وفي عدد من الحالات التي نجحت الكنيسة في الحصول على تراخيص رسمية بالهدم وإعادة البناء بعد رحلة من المعاناة، تشهد مرحلة البناء سلسلة من الاعتراضات على شكل البناء ورفض أن يأخذ شكل الكنيسة القبطية وأن يكون من دور واحد بدون منارة أو جرس وصليب، حيث يفرض اﻷهالي شروطهم على المسيحيين الذين يصبحون أمام خيارين بعد هدم البناء، فإما القبول بالشروط واستكمال البناء وإما رفض الشروط والصلاة في العراء. وقد فرض مسلمون شروطهم بنقل موقع الكنيسة إلى موقع آخر بحجة وجود مسجد مجاور بالرغم من إنشاء الكنيسة قبل المسجد.
كان نتيجة التدخلات الأمنية والأهلية أنه من بين عشر حالات حصلت على موافقات بالهدم وإعادة البناء، كنيسة واحدة فقط بنيت وبها منارة وصليب، هي كنيسة الشهيدين بقرية صول والتي هدمت على أيدي جمع من أهالي القرية في مارس 2011، وقامت بإعادة بنائها القوات المسلحة، بينما أعيد بناء التسع كنائس الأخرى بدون منارة أو صليب.
وفي 16 حالة، بدأت الكنيسة في الترميم أو التوسيع، تم السماح في حالة واحدة بالترميم، أما باقي الحالات، فأوقف الترميم ومنع دخول المعدات والأدوات والمؤن، وأجبرت الكنائس في عدد منها على بناء سور فاصل بين المبنى القديم والأرض الجديدة المراد ضمها.
وبالرغم من أن المباني الخدمية غالبًا ما تكون مسجلة في الشئون الاجتماعية كمنظمات أهلية تقدم خدماتها إلى الجمهور، لكن في حالات كثيرة وقعت اعتداءات ولم يستكمل فتح مبنى الخدمات، وبلغت نسبتها من الانتهاكات 25%، وذلك بالرغم من إشراف الحكومة على أنشطة المكان، حيث يشاع في أغلب الحالات أن هذه المباني هي كنائس، وبالتالي سيتم استخدامها في الصلاة.
وفي محافظة القليوبية لم تستطع الكنيسة الأرثوذكسية افتتاح 4 مبانٍ خدمية حصلت على الموافقات اللازمة من المحافظة ووزارة التضامن الاجتماعي، وفي بعضها استولى بعض السكان المحليين على المبنى قبل أن ينسحبوا فيما بعد، وهو ماحدث في قطعة أرض ملك مطرانية شبرا الخيمة 3 نوفمبر 2012 والتي أقام عليها بعض المواطنين لافتة مكتوبًا عليها "مسجد عباد الرحمن إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر "، واستمر تواجدهم حتى فجر اليوم التالي.
وتم منع استكمال سبعة عشر مبنى خدمات ووقف استخدامه، في حين سمح فقط لمبنى خدمات بقرية كوم غريب بسوهاج بالعمل بعد إزالة منارة وصليب أعلاه. من ضمن أسباب العنف الطائفي المرتبط ببناء الكنائس ما يتعلق ببناء مبنى بغرض تحويله إلى كنيسة. في هذا النمط يلجأ بعض المواطنين الأقباط إلى عدم الإعلان عن نية بناء كنيسة من اﻷصل خوفًا من اعتراضات الأهالي أو الأجهزة الأمنية، لكن في عدد من الحالات تم معرفة ذلك، والهجوم على المبنى ووقف البناء.
من بين 12 مبنى كان مخططًا للصلاة بداخله، وتحويله إلى كنيسة، تم فتح كنيستين فقط بعد موافقات شفهيه من قطاع الأمن الوطني واسترضاء السكان المحليين، هما كنيسة الأنبا كاراس بمدينة سمالوط وكنيسة مار جرجس بقرية النصيرات بمركز دار السلام جنوب محافظة سوهاج، بينما سمح باستمرار الشعائر الدينية في ثلاث مبانٍ بدون تغيير هيئة المبنى، ونقلت كنيسة الشهداء بقرية العور بسمالوط إلى منطقة أخرى بالقرية، في حين تم غلق ستة مبانٍ وعدم السماح بالصلاة داخلها.
يختلف النمط السابق عن نمط آخر، مرتبط بشائعات تطلق حول منازل أقباط بأنها ستحول إلى كنيسة، وفي هذا الحالة لا يكون المبنى مخططًا لاستخدامه ككنيسة، وبمجرد سريان هذه الشائعة يتم الاعتداء على المنزل أو حتى حرقه مع المنازل المجاورة، وهو ما تكرر أربع مرات خلال شهري يونيو ويوليو 2016، بثلاث محافظات مختلفة في قرى البيضاء المهندسين بالإسكندرية، صفط الخرسة ببني سويف، نزلة أبو يعقوب وكوم اللوفي بالمنيا.1
وفي معظم الحالات تستدعى الأجهزة الأمنية المواطن القبطي للتوقيع على إقرارات بأن المبنى عبارة عن منزل وغير مخصص لأية أغراض أخرى، كما وقع مسيحيون إقرارات أخرى بنفس المضمون لدى كبار العائلات في القرى، ومع ذلك وقعت الاعتداءات. وفي بعض اﻷحيان أجبر مواطنون على بيع منازلهم بعد شائعات تحويلها إلى كنيسة. وكان من المفارقات المثيرة للدهشة مثلًا أن منزل المواطن شراقة جاد الله بمحافظة البحيرة تعرض للهدم من قبل عدة مئات من مسلمي القرية بحجة أنه كنيسة بالرغم من أنه هو المواطن الوحيد المسيحي بالقرية. الاعتداء على مصلين من خارج القرية ومنعهم من الصلاة، هو أحد أشكال الانتهاكات، حيث هاجم في كثير من الحالات جمع من اﻷهالي المسلمين سيارات لمسيحيين قادمين من خارج القرية للصلاة، بحجة رفض دخول غرباء إلى القرية، أو أن الكنيسة القائمة هناك هي جمعية مسموح بها للصلاة فقط لأقباطها. وصاحب بعض هذه الاعتراضات أعمال عنف واعتداء على المصلين وتحطيم سياراتهم. وفي جميع هذه الحالات عقدت جلسات عرفية برعاية رسمية أقرت عدم استقبال المصلين، والتنازل عن المحاضر المحررة ضد المعتدين. ونذكر ثلاث حالات تكرر فيها نفس الاعتداءات في قرى العليقات بأسوان وماركو طلا ببني سويف والبصرة بالإسكندرية.
وفي واقعة واحدة تم الاعتداء على مدرسة نوتردام بمحافظة أسوان واحتجاز ثلاث راهبات داخلها بحجة تحويل مبنى ملحق بالمدرسة يستخدم كاستراحة للعاملين إلى كنيسة قبل أن تتدخل قوات الأمن وتفض التجمهر وتصدر الإدارة التعليمية تقريراً بأن هذا الادعاء ليس له أساس من الصحة.
هذا، وفي عدد آخر من الحالات كان يفرض على الجانب المسيحي تغيير رجل الدين، كاهن الكنيسة، ومنع دخوله، بحجة أن وجوده هو سبب المشكلة أو أنه غير متعاون مع اﻷجهزة اﻷمنية، وكانت الكنيسة عادة ما تستجيب لهذا الشرط بهدف تقليل حدة التوتر.
كما انطلقت الاعتداءات في كثير من الأحيان من مساجد القرى، بعد تحريض واضح من المسئولين عنها برفض وجود كنيسة في القرية. وفي الكثير من هذه الحالات كانت الاعتداءات تعقب صلاة الجمعة كما هو وارد في الملحق التوثيقي للأحداث.
1للمزيد، يمكن مراجعة مقطع فيديو من إنتاج المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان : منازل وممتلكات تم نهبها وحرقها بعد شائعة تحويل منزل إلى كنيسة. https://www.youtube.com/watch?v=ZMzSbTlGqUA
خريطة بؤر التوتر والاعتداءات
محافظات الجمهورية التي شهدت توترات وأعمال عنف على خلفية ممارسة الشعائر الدينية
شهدت خمس عشرة محافظة من محافظات الجمهورية السبع والعشرين أحداث توترات واعتداءات طائفية، بما يزيد على نصف عدد محافظات الجمهورية، وهو ما يشير إلى أن هذا النمط من المشاكل متشعب ولا يقتصر على منطقة بذاتها. ويلاحظ أن الانتهاكات توزعت ما بين الريف والحضر، وإن كانت النسبة الكبيرة في القرى والعزب، حيث شهدت ثمانٍ وستين قرية أعمال توتر واعتداء بسبب الصلاة، بينما جاءت ست حالات في المدن كان أبرزها التظاهر لمنع فتح كنيسة العذراء بعين شمس في مايو 2011 .
شهدت كافة محافظات قطاعي القاهرة الكبرى والصعيد درجات مختلفة من العنف الطائفي على خلفية بناء وترميم كنائس، بما فيها العاصمة القاهرة. وجاءت المنيا في المركز الأول بنسبة 42% من إجمالي الأحداث، تليها بني سويف وسوهاج والقليوبية وأسيوط. وقد يرجع هذا إلى التواجد المسيحي الكبير في المنيا وما يترتب عليه من الحاجة إلى أماكن لممارسة الشعائر الدينية، تنامي التيارات الإسلامية والتي تبنِّي القطاع الغالب منها في المحافظة رؤًى طائفية صريحة يعد سببًا آخر لهذه النسبة المرتفعة.
كما يمثل العنف بسبب ممارسة الشعائر الدينية نسبة 40% من إجمالي أحداث العنف الطائفي بمحافظة المنيا والتي بلغت 77 حادثة عنف في المحافظة خلال نفس الفترة، وهو ما يشير إلى أن بناء وترميم الكنائس أحد أهم المشاكل التي تؤدي إلى اعتداءات طائفية في المنيا، خصوصًا أن هذه الأحداث وقعت في جميع مراكز المحافظة.
الاعتداءات الطائفية موزعة وفقًا لفترات الحكم
يلاحظ أن عام 2012 كان أكثر السنوات التي شهدت حوادث عنف طائفي على خلفية بناء وترميم الكنائس بواقع 18 حالة، يليه عاما 2013 و2011 بعدد 14 و13 حالة على الترتيب، بينما سجلت التوترات 11 و10 خلال عامي 2014 و2015. وتكشف هذه الأرقام أن الاعتداءات توزعت على السنوات كلها وبأرقام قريبة من بعضها.
وإذا قسمت أحداث العنف حسب متولي مسئولية الحكم، نجد أن أقل نسبة توتر وعنف كانت وقت الرئيس المؤقت عدلي منصور، حيث سجلت سبع حالات خلال ما يقرب من العام، بينما كان العدد والنسبة متقاربين خلال فترتي حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي (8 يونيو 2014 – أغسطس 2016) والمجلس اﻷعلى للقوات المسلحة (11 فبراير 2011- 30 يونيو 2012) بعدد 25 و21 حالة على التوالي، وبمعدل حالة كل شهر خلال فترة حكم السيسي، وما يزيد قليلًا على الحادثة الواحدة كل شهر أثناء فترة المجلس العسكري، بينما شهدت فترة الرئيس اﻷسبق محمد مرسي (1 يوليو 2012- 3 يوليو 2013) أكثر عدد من الاعتداءات بواقع 21 حالة بمعدل 1,75 كل شهر.
وفي جميع الأحوال تؤكد الأرقام المتقاربة عدم وجود اختلاف كبير في معدلات تلك الحوادث مع تغير نظام الحكام ومتولي السلطة باستثناء عام الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي قلت فيه الاعتداءات بشكل واضح. تقديم تفسير شامل لهذا التراجع يخرج عن نطاق بحثنا ولكن ربما يكون مردُّ هذا التراجع إلى طبيعة السياق السياسي وقتها والذي بدأ على وقع أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة وما أعقبه من اعتداءات واسعة النطاق على كنائس وممتلكات مواطنين أقباط خصوصًا في محافظات الصعيد على النحو الذي شكل عامل ردع للكثير من اﻷهالي خوفًا من التصنيف كأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين إذا تورطوا في اعتداءات على الكنائس.