من أجل إرساء دولة القانون - عشرة مطالب يتعين على الرئيس القادم فعلها بشأن حقوق الإنسان
بيان صحفي
تؤكد منظمات حقوق الإنسان الموقعة أدناه على أن استعادة الاستقرار السياسي في مصر يتطلب أن يتبنى الرئيس القادم برنامجاً سياسياً واقتصادياً يضع على رأس أولوياته استعادة ودعم مرتكزات دولة القانون التي تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة وإحداث قطيعة نهائية مع سياسات الإفلات من العقاب التي شكلت ملمحاً رئيسياً لنظام حكم مبارك ولمختلف السلطات التي أدارت البلاد من ثورة ٢٥ يناير وحتى الآن. وتنبه المنظمات الموقعة أن الاستقرار، كما ثبت في الأعوام الثلاثة الماضية، لن يأتي فقط من خلال مرشح رئاسي يحصد أصوات الأغلبية في انتخابات نزيهة وشفافة.
تتابع المنظمات الحقوقية الموقعة باهتمام بالغ مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتطلع إليها كثيرون باعتبارها محطة هامة يفترض أن تخرج بالبلاد من الظرف الاستثنائي الراهن. وتدرك المنظمات أن الرئيس القادم سوف يواجه تحديات كبرى فرضتها طرائق إدارة شئون البلاد من قِبل نظام مبارك ومن خلفوه، فهنالك تركة مثقلة من الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي لم تتوقف طيلة هذه السنوات والتي لم يخضع مرتكبوها للمحاسبة.
كما تلفت المنظمات الأنظار إلى التصاعد”الخطير والمؤسف بعد الثالث من يوليو 2013 في انتهاكات حقوق الإنسان حيث يبدو جلياً أن مرتكزات الدولة البوليسية التي لا تقيم اعتباراً لسيادة القانون ولمعايير حقوق الإنسان يتم استعادتها بصورة أكثر قبحاً وفشلاً مما عرفته سنوات حكم مبارك وذلك بدعوى مكافحة الإرهاب. “
فرغم محاولات الأجهزة الأمنية تبرير الدفع السريع باتجاه إعادة بناء مرتكزات الدولة البوليسية بمواجهة التفجيرات التي يقوم بها أطراف تنسب نفسها إلى الإسلام السياسي، إلا أن ما نشهده هو أن الاعتماد على المواجهة الأمنية وتعزيز الدولة البوليسية كآلية أساسية لم يؤدِ إلا لتصاعد موجة الإرهاب وانتشاره ليتحول من بعض الهجمات المحصورة في نطاق سيناء تقوم بها مجموعات محدودة إلى هجمات في القاهرة وباقي المحافظات.
إن ذلك الفشل يستلزم من الدولة القيام بإصلاح جذري وشامل للأجهزة الأمنية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات في الفترة السابقة ورسم سياسات جديدة ترتكز على احترام حقوق الإنسان، فلا تناقض أو تعارض بين مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، بل على العكس فإن احترام الحقوق يبني الأساس القوي لمواجهة أعمال العنف وتحديد أسبابها والعثور على مرتكبيها الحقيقيين. “
لقد أدت التطورات الراهنة وطرق إدارة الصراع مع جماعة الأخوان المسلمين ومواجهة أعمال العنف- وفقاً للمنظمات الموقعة- إلى تدهور أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة من جهة، والى تأجيج المزيد من أعمال العنف والإرهاب من جهة أخرى، وخاصة بعد استخدام القوة المفرطة في فض اعتصامي مناصري جماعة الأخوان المسلمين في 14 أغسطس، وما ترتب عليه من سقوط المئات من الضحايا، وتصاعد حدة الاستقطاب والانقسامات السياسية في البلاد، وذلك بعد أن اتضح جلياً أن تغليب معالجات الدولة الأمنية القمعية على المعالجات السياسية، قاد إلي هجمات منهجية على الحق في التظاهر السلمي الذي انتزعه المصريون بدمائهم منذ ثلاث سنوات والذي -للمفارقة- ساهم في وصول النظام الحالي للحكم بعد مظاهرات عارمة في ٣٠ يونيو.
وتحذر المنظمات من العودة المخيفة والانتشار الواسع لممارسات التعذيب وإهدار الضمانات القانونية والإجرائية لمن يتعرضون للملاحقة الأمنية أو الحبس الاحتياطي باتهامات واهية وتسييس القضاء وتوظيفه في الانتقام من الخصوم السياسيين، وتؤكد أن فرص الخروج من الأزمات المحدقة بالبلاد تتطلب أن يتعهد الرئيس القادم بإعمال الضمانات الكافية من أجل كشف الحقيقة والمحاسبة على الانتهاكات المرتكبة منذ الإطاحة بنظام مبارك وحتى الآن. والالتزام في هذا السياق بما يلي:
أولاً: إعادة النظر في تشكيل لجنة تقصى الحقائق التي شكلها الرئيس المؤقت في 21 ديسمبر 2013 بمشاركة من المجتمع المدني وتذليل أية عراقيل أمامها بما في ذلك الإلزام القانوني لمختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها السيادية بتقديم المعلومات والوثائق التي تطلبها اللجنة واتخاذ التدابير الفعالة لتأمين الحماية الكافية للشهود في هذه الأحداث، والتعهد بنشر التقرير النهائي لأعمال اللجنة، ووضع آليات تشاركية للأشراف على وضمان التنفيذ الفعلي لنتائجه وتوصياته، وتقديم المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلي العدالة أياً كانت مواقعهم، وكذا الضالعين في كافة أعمال العنف السياسي المنسوبة إلي أياً من الخصوم، ويستوي في ذلك المحسوبين على جماعة الأخوان المسلمين أو الضالعين في بعض هذه الأعمال من خصوم الجماعة.
ثانياً:التعهد بالتشديد على الجهات المختصة بضرورة الحيلولة دون تدخل سلطات الأمن في التأثير على التحقيقات الجارية مع المتهمين في أية أعمال عنف، وما يقتضيه ذلك على وجه الخصوص من ضرورة حظر أجراء أية تحقيقات داخل السجون أو مراكز الشرطة أو مقار الأمن المركزي والسماح لجميع المحتجزين بالاتصال بمحاميهم وذويهم. وتشجيع المجلس الأعلى للقضاء على وضع خطة لتعزيز استقلال القضاء وتعزيز كفاءته، بما يتطلبه ذلك من القيام بالإصلاحات الضرورية الكفيلة بتحصين القضاء من التدخلات السياسية والأمنية في العملية القضائية، على النحو الذي تزايد بشكل فادح في السنوات الثلاث الأخيرة.
فإن الإقرار باستعادة الأمن والاستقرار وإنهاء أعمال العنف والتصدي للإرهاب -كأولوية لأية برنامج رئاسي- لا يجب أن يؤدي إلى تعزيز التوجهات والحلول الأمنية –التي أثبتت فشلها بشكل فاضح– بدلاً من الحلول السياسية، بل يتطلب ذلك تعهداً رئاسياً بتهيئة المناخ لاستعادة التوافق الوطني وهو ما يقتضى مراجعة سريعة لأوضاع الآلاف من المحتجزين منذ عزل محمد مرسي، وتطبيق برامج فعالة للعدالة الانتقالية وكشف الحقيقة في انتهاكات الماضي القريب والبعيد. الأمر الذي يقتضى التعهد بإجراء حوار مجتمعي حول سبل طي صفحة الانتهاكات الجسيمة على أسس عادلة، وبلورة القواعد والخطوط العريضة لسن تشريع خاص للعدالة الانتقالية وما يقترن به من إنشاء مفوضية مستقلة ترعى إعمال هذه القواعد بعد إقرارها من مجلس النواب القادم. الأمر الذي يمكن أن يهيئ المناخ للبدء في مصالحة وطنية مع الأطراف التي لم تتورط في أعمال عنف مجرمة ولديها الاستعداد لنبذ وتجريم تلك الأعمال بصورة متسقة.
ثالثاً: التعهد بإعمال قواعد المكاشفة والمصارحة مع الرأي العام بشأن حقائق الوضع الاقتصادي بالغ التردي وتبنى برامج وخطط مربوطة بتوقيتات زمنية محددة تحقق المطالب المشروعة لقطاعات واسعة من المصريين في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتطبيق الفعلي للحد الأدنى والحد الأقصى للأجور والنهوض بمتطلبات تنمية المناطق المهمشة في سيناء والصعيد والعشوائيات وضمان حد أدنى لائق لتمتع المصريين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالرعاية الصحية والسكن والتعليم والصرف الصحي.
رابعاً: إجراء مراجعة فورية لأوضاع المحتجزين والسجناء عبر لجنة قانونية يشارك في عضويتها ممثلين لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة تقود إلى الإفراج غير المشروط عن جميع الأشخاص المقيدة حرياتهم تنفيذا لأحكام قضائية صادرة بحقهم، أو في إطار الحبس الاحتياطي بدعوى التحقيق معهم في اتهامات وثيقة الصلة بحقهم في التعبير عن آرائهم أو في التظاهر والاحتجاج السلمي.
وإيقاف العمل بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية ومراجعته قبل عرضه علي مجلس النواب القادم لإصداره مرة أخرى بصورة تضمن اتساقه مع المعايير الدولية للحق في حرية التجمع السلمي.
خامساً: إعادة النظر في التشريعات الخاصة بتنظيم استخدام الأسلحة النارية من جانب أجهزة الأمن والقرارات الوزارية ذات الصلة، لضمان تماشيها مع القواعد الدولية لحفظ الأمن والتي تمنع استخدام الأسلحة النارية والذخيرة الحية في المظاهرات وتضع ضوابط صارمة على استخدامها في كافة الحالات الأخرى.
والتعهد بإجراء إصلاحات جذرية لإعادة بناء الثقة في قوات الشرطة والتي كانت وحشيتها في مواجهة المواطنين باعثا رئيسيا للهبة الشعبية الكبرى في يناير 2011. والتي لن يتم إنجازها بغير العمل على إعادة هيكلة الشرطة وتأهيلها والارتقاء بأدائها المهني بما يضمن أن يقوم جهاز الشرطة بوظيفته في حفظ أمن المواطنين كافة وبما يضمن أيضا مواجهة فعالة للجريمة والتي لن تسفر عن أي نجاح سوى عن طريق الالتزام الصارم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في تعقب العناصر الإجرامية المطلوبة للعدالة. والتعهد بالتعاون مع الحكومة ومجلس النواب القادم في اتخاذ التدابير التشريعية الضرورية لحظر ممارسات التعذيب أو العصف بالمعايير الدنيا لمعاملة السجناء والمحتجزين.
سادساً: اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة لانضمام مصر إلي عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان وعلى وجه الخصوص:-
- التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وإعلان التزام مصر بالمواد 21 و22 من الاتفاقية التي تكفل للمواطنين المصريين وكذا لأي دولة طرف في الاتفاقية التقدم بشكاوى للجنة مناهضة التعذيب حيال خرق الحكومة المصرية لألتزمها بموجب هذه الاتفاقية.
- التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري.
- التصديق على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
- التصديق على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
- التصديق على البرتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وسحب التحفظات على المواد 2،16،29 من الاتفاقية، إعمالا للضمانات الدستورية التي تحظر جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
- سحب التحفظات على المواد 2 و16 و29 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إعمالا للضمانات الدستورية التي تحظر كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
- التصديق على البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل.
- التصديق على ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
- التصديق على البروتوكول الاختياري للميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، المنشئ للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان.
سابعاً: توجيه أعضاء الحكومة لتذليل العقبات البيروقراطية والأمنية التي تمنع حتى الآن فتح مكتب لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مصر، وكذلك العراقيل الأمنية والموضوعية أمام فتح مكاتب خاصة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية الراغبة في العمل من داخل مصر، والتشديد على التعاون البناء مع الهيئات التعاهدية لحقوق الإنسان والآليات الخاصة لحماية حقوق الإنسان, والاستجابة لطلبات المقررين الخواص بزيارة مصر والوقوف على أوضاع حقوق الإنسان داخلها.
والتعهد باحترام المعايير الدولية التي تضمن حق المنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحقوقية في ممارسة أنشطتها بحرية واستقلال بعيدا عن أي وصاية حكومية. ومراجعة قانون الجمعيات والمنظمات الأهلية بما يضمن اتساقه الكامل مع تلك المعايير من خلال شراكة حقيقية لمنظمات حقوق الإنسان في هذه المراجعة، ونبذ وشجب كافة حملات التشهير وإساءة السمعة التي تستهدف تقويض دور هذه المنظمات.
ثامناً: وضع استراتيجيات واضحة بمشاركة منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية لوضع حد لجميع أشكال العنف ضد النساء، وتفعيل المواد الواردة في الدستور المتعلقة بالمساواة بين النساء والرجال، لاسيما تمثيلهن بشكل عادل في المجالس النيابية، وإنشاء المفوضية المستقلة للمكافحة التمييز.
وضرورة الحفاظ على المكتسبات التشريعية التي تحققت للطفل في مصر عن طريق تفعيل قانون الطفل المصري المعدل بالقانون 126 لسنة 2008 ومجابهة أي تعديلات مقترحة بشأن تغليظ العقوبات على الأطفال لتصل إلى السجن المشدد أو الإعدام ! لكونها جريمة ضد الإنسانية لو حدثت في مصر. والتعامل مع الأطفال المتهمين في القضايا السياسية على أنهم ضحايا للاستغلال السياسي وليسوا مجرمين أو إرهابيين مع تخصيص ضابط بكل قسم مختص بحقوق الطفل وتفعيل توفير المساعدة القانونية للطفل منذ التوقيف وتفعيل التخصص القضائي المستقل للأطفال الذي نص عليه الدستور في المادة 80
تاسعاً: التعهد بإصلاح منظومة العدالة بركنيها، النيابة والقضاء، من أجل توافر شروط ومعايير المحاكمة العادلة وذلك عن طريق إصدار قرارات بقوانين بتعديل قانون الإجراءات الجنائية لجعل التقاضي في الجنايات على درجتين وليس على درجة واحدة كما هو الحال الآن، وإلغاء التعديل الأخير الذي أدخل على ذات القانون في شهر سبتمبر2013 والذي بمقتضاه ألغى الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي في الجنايات. وتعديل قانون السلطة القضائية بإلغاء ندب القضاة للعمل في الجهات التنفيذية بالدولة، هذا بالإضافة إلى وضع ضوابط لتعيين النائب العام بصورة تتماشى مع الدستور. وتشمل أيضا العمل على إصدار قرارات بقوانين ترمي إلى تحقيق الاستقلال المالي والإداري للقضاء، وذلك عن طريق إلغاء وصاية وزارة العدل- باعتبارها جزء من السلطة التنفيذية- كونها تتحكم في مصير القضاة عن طريق الندب، النقل، الترقيات، المعاشات. واختصاص مجلس القضاء الأعلى بكل ما يخص شئون القضاة.
عاشراً: حفز وسائل الأعلام المختلفة على وقف كافة أشكال التحريض والكراهية الدينية والمذهبية وحملات تشويه الخصوم السياسيين، والدفع باتجاه تنفيذ القانون بشكل متساوي على كافة الانتهاكات والتعدي على الحريات الشخصية والتشويه والتحريض على العنف من قبل الإعلام. والتعهد بإعادة تنظيم وهيكلة الأعلام المملوك للدولة والخاص انطلاقا من مشروعات القوانين التي سبق وأن تقدم بها نقابة الصحفيين وخبراء الإعلام وحقوق الإنسان.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- الائتلاف المصري لحقوق الطفل
- مركز الأرض لحقوق الإنسان
- مركز هشام مبارك للقانون
- مصريون ضد التمييز الديني
- مؤسسة المرأة الجديدة
- المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة