ثانيًا: من الأساطير: السيناريو الوردي لما بعد التعويم

الخطاب الثاني الذي تم تعميمه خلال فترة الدعاية المكثفة لتعويم الجنيه يتعلق باستقرار سوق النقد الأجنبي، مما يؤدى إلى توافد الاستثمارات الأجنبية على مصر. وأن التعويم سوف يقضي على ندرة الموارد الدولارية، لأنه يؤدي إلى زيادة السياحة والصادرات أيضًا... وهذا بدوره سوف يؤدي إلى انخفاض سريع في سعر الدولار مقابل الجنيه، مما يرد للجنيه شيئًا من قوته، فتقصر فترة معاناة الشعب. وهذا كله تبرير خاطئ للأسباب التالية:

فترة عدم استقرار:

تشير التجارب الدولية إلى أن التعويم تعقبه فترة من عدم استقرار سوق النقد الأجنبي، وهي فترة تشهد صعودًا مبالغًا فيه في قيمة الدولار مقابل الجنيه، نتيجة مقاومة السوق السوداء.

وعادة ما تمتد تلك الفترة إلى ستة أشهر، قبل أن يبدأ الجنيه في استعادة شيء من قوته. هذا ما حدث في مصر عام 2003-2004 عقب التعويم الكامل، وقبل أن يتم القضاء على السوق السوداء. خلال تلك الفترة، فمن المستبعد أن تأتي أي رؤوس أموال أجنبية إلى مصر ولا حتى أموال ساخنة في البورصة لأنها ستفضل الانتظار حتى حدوث استقرار لسوق النقد الأجنبي.

هذه الفترة قد تمتد إلى أكثر من عامين، لو دخل الاقتصاد في حالة تضخم منفلت، أو حالة ركود تضخمي (انظر الجزء الثالث من الورقة).

أسباب داخلية أخرى:

نتيجة سياسة اقتراض خارجي غير رشيدة، وضع البنك المركزي الاقتصاد في وضع أشبه بالرهينة المحتجزة لدى دائنيه. مبدئيًّا، كل قيمة الاحتياطي النقدي لديه ما هي إلا كومة من القروض الخارجية، معظمها متوسط الأجل وقصير الأجل، ويستحق جزء كبير منها السداد خلال العامين القادمين.

ويفرض هذا الوضع على مصر أن تلجأ إلى مزيد من الاقتراض الخارجي كي تستطيع الوفاء أولًا بأقساط القروض، ثانيًا بوارداتها من السلع الأساسية من غذاء ووقود.

وبالتالي، لن تساهم كل تلك القروض في أي زيادة في المعروض من الدولارات داخل البلاد. بل هو انتقال من أيدي دائنين إلى أيدي دائنين آخرين. لا فائدة للاقتصاد المصري، ولا مشروعات مدرة للعملة الصعبة. وتبقى بذلك أزمة المعروض من الدولار محتدمة خلال الأجل المتوسط.

لكل ما سبق، من الأرجح أن تواصل قيمة الجنيه انخفاضها خلال العام القادم على الأقل.

سبب خارجي:

الدولار يرتفع أمام معظم العملات في العالم كله.

على مدى عامي 2014، 2015، شهدت معظم دول العالم انخفاضًا لقيمة عملاتها أمام الدولار.

وكان ذلك نتيجة لسياسات نقدية فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك كان من الطبيعي أن نشهد تلك الظاهرة في مصر أيضًا. ورغم أنه من غير المتوقع أن نشهد نفس الارتفاعات الكبيرة في سعر الدولار العالمي، كتلك التي رأيناها في العامين السابقين، إلا أن هناك عددًا من الشواهد التي تشير إلى استمرار الدولار قويًّا في الأسواق العالمية في السنوات المقبلة. وهذا يجعل من الأصعب الحفاظ على قيمة الجنيه من مزيد من الانخفاض. فقد واصل الدولار ارتفاعه في أكتوبر ليصل إلى أعلى مستوى له في سبعة أشهر (Bloomberg, 2016). كما ارتفع الدولار خلال أكتوبر بـ3% مقابل عملات الأسواق الناشئة (Business Insider, 2016).