كم مر من الوقت على خروجي/خروجنا المفاجئ من السجن؟ عليَّ أن أركز وأستدعي التاريخ وأقوم بالحساب: أربع سنوات. ألا أشعر بمرور الوقت أم لازلت في نفس اللحظة التي كنت فيها من سنة أو اثنين؟ أقرأ نص مر عليه أكثر من عامين لأتمكن من الكتابة الآن، كتبت في مارس 2017 أن التعافي من تجربة السجن لم ينته بعد، والآن أشعر بمسافة تفصلني عن كلمة تعافي أو تصور العودة إلى ما كنت عليه قبل «عبور البوابة الخشبية»**. لم أعد أريد العودة لمن كنته من قبل، يكفيني أنني استطعت قراءة نفسي السنوات الماضية بشكل أفضل وفهم التغيرات التي طرأت عليَّ بشكل فيه قدر كبير من القبول والنضج. أخاف من النسيان.
ما الذي تخافه دولة، تدعي عدم تفشي التعذيب بها، من هيئة مستقلة للتحقيق في «ادعاءات » بتعذيب من يعيش على أرضها؟ ألم يحن الوقت للحكومة المصرية بأن تعترف أن جريمة التعذيب تمارس في مصر بشكل منهجي، وليس فقط لإجبار أشخاص على الاعتراف بجرائم ما ومحاكمتهم بناء على هذه الاعترافات، وإنما بغرض الإذلال أيضًا؟
فاكرة مرة كنا بنحكي فيها مع واحدة من السجّانات، وقالت لنا إن مش كل الظباط قلبهم جامد، مش كلهم بيقدروا يحضروا الإعدام. ما فهمتش وقتها التضاد ما بين اقتناعهم بشرعية عملهم وعدم قدرتهم على رؤية نتيجته. هل يعني ذلك أن مهمًا كان القتل بيُنفذ باسم القانون، وتحت مسمى «عقوبة على جريمة»، ففي نهاية الأمر هو أمر صعب تقبله عند رؤيته يحدث بشكل فعلي؟
في مايو ٢٠١٤ كنت راجعة من رحلة شغل، في الطيارة، بالصدفة، أخدت الجرنال من المضيفة وبدأت أقرأ. كان فيه خبر عن القبض على مجموعة بيستغلوا الأطفال ومتوجهلهم اتهامات تانية كتير. كان باين ساعتها من الخبر إن القضية متفبركة، بس ما كانش فيه أسماء المتهمين. وصلت القاهرة وعرفت إن القضية فيها آية. بعد شهر أنا كمان كنت في سجن القناطر باتهامات كتيرة متلفقة.
تطل علينا من حين إلى آخر أخبار تنشرها الصحف، عمَّا تقوم به وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، التي يرأسها منذ إنشائها المستشار محمد أمين المهدي. فبعد أن قام الوزير بأداء القسم في يوم 16 يوليو 2013، قال الدكتور مصطفى حجازي المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، خلال مؤتمر صحفي في اليوم التالي إن الدولة هي الراعي لعملية العدالة الانتقالية والتي يتلوها مصالحة. الدكتور مصطفى حجازي قال أيضًا إن المصالحة الوطنية لن تكون بين فصائل سياسية، وإنما ستضمن كل الملفات التي تهدد أو تبدد السلام المجتمعي، وسيتم اتخاذ قرارات ملزمة للمجتمع.
أحد آمالي هو ألا يسأل الشخص الذي يعلم بواقعة تعذيب عن التاريخ الجنائي لضحية التعذيب (أو غيره مما يعتقد البعض أنه قد يكون مبرر للتعذيب بمختلف أشكاله ودرجاته) وأن نكتفي بأن هناك إنسان تم تعذيبه أو تعذيبها. هناك فخين نقع فيهم مؤخرا بسبب خوفنا من غياب الدعم المجتمعي في بعض قضايا التعذيب، الأول هو تصوير ضحية التعذيب على أنه شخص سياسي أو ثوري (في حين أن من الممكن ألا يكون كذلك أو مدان في قضية جنائية ما) لحشد عدد أكبر.