وزارة للعدالة الانتقالية؟
تطل علينا من حين إلى آخر أخبار تنشرها الصحف، عمَّا تقوم به وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، التي يرأسها منذ إنشائها المستشار محمد أمين المهدي. فبعد أن قام الوزير بأداء القسم في يوم 16 يوليو 2013، قال الدكتور مصطفى حجازي المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، خلال مؤتمر صحفي في اليوم التالي إن الدولة هي الراعي لعملية العدالة الانتقالية والتي يتلوها مصالحة. الدكتور مصطفى حجازي قال أيضًا إن المصالحة الوطنية لن تكون بين فصائل سياسية، وإنما ستضمن كل الملفات التي تهدد أو تبدد السلام المجتمعي، وسيتم اتخاذ قرارات ملزمة للمجتمع.
وقبل أن يتم تقديم وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية إلى القطاع الواسع من المجتمع، أو تخصيص مقر للوزارة في الواقع – أو حتى في الفضاء الإلكتروني – نُشر خبر عن قيام الرئيس المؤقت عدلي منصور، بعقد "أولى جلسات المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية بمقر رئاسة الجمهورية"، بعد أسبوعٍ من تعيين المستشار محمد أمين المهدي. ولعدة أشهر تلت إنشاء الوزارة، وتعاقبت علينا أخبارها، لا يظهر سوى تخبط وعدم وضوح في سياسة عمل الوزارة، وكمثال على ذلك، خبر قيام الوزارة بوضع قواعد مبدئية لمشروع قانون ينظم مسألة العفو الرئاسي عن المحكوم عليهم في قضايا، وذلك في إطار مراجعة قرارات العفو عن السجناء التي أصدرها الرئيس السابق محمد مرسي. وأخبار عن تعديل القانون الخاص بإثبات الجنسية والحفاظ على الانتماء الوطني للنشء، وقيام الوزير بمقابلة "وفد من الأقباط لتدعيم مفاهيم المساواة"، وقيام الوزارة باقتراح تعديل على قانون مباشرة الحقوق السياسية، وأخيرًا خبر إحالة "المستشار محمد أمين المهدي، وزير العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والمشرف على مجلسي الشعب والشورى، عددًا من أعضاء مجلس الشعب السابقين الحاصلين على قروض من صندوق الأعضاء بالمجلس، للنيابة العامة".
لم يتراءى لأي شخص يعمل في الوزارة، وعلى رأسهم المستشار محمد أمين المهدي، أن يعلن عن الإطار الذي تعمل من خلاله الوزارة إلا عند مقابلة سفراء الدول الأخرى، فيطل علينا خبر بأن تم " الانتهاء من صياغة استراتيجية للعدالة الانتقالية في مصر، وستطرح قريبا للحوار المجتمعي قبل عرضها على مجلس الوزراء". ولا نعلم متى سيحدث الحوار المجتمعي، وما هي غايته إن كانت الوزارة تقوم باتخاذ إجراءات بالفعل دون إشراك المجتمع في ذلك، فهل إحالة أعضاء مجلس الشعب السابقين له علاقة بالمحاسبة أو ملاحقة الفاسدين من نظام الرئيس السابق محمد مرسي فقط، أم من الأنظمة السابقة جميعًا؟ هل نتحدث عن عدالة انتقالية أم عدالة انتقامية ضد فصيل سياسي بعينه؟ وما هو جدول أعمال "جلسات المصالحة الوطنية"، التي يرعاها الرئيس المؤقت؟ وما علاقة الوزارة بقرار رئيس الجمهورية[1] الخاص بتشكيل "لجنة قومية مستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي واكبت ثورة 30 يونية سنة 2013 وما أعقبها من أحداث وتوثيقها وتأريخها"؟ هل هي نتاج الجلسة الثانية للحوار الوطني كما قال أحد الأخبار المنشورة هذا الأسبوع؟
ما الدور الذي تقوم به المجموعة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء الخاصة بحماية المسار الديمقراطي "خلال المرحلة الانتقالية"[2] – التي لا يوجد في تشكيلها أي ممثل من وزارة العدالة الانتقالية؟[3] فكثير من الأسئلة ليست لها إجابة فيما يتعلق بخطة السلطة الحاكمة لمسألة العدالة الانتقالية، والشيء الوحيد الواضح هو أن هناك تشتيتًا للجهود في أكثر من اتجاه، ما بين مجموعة وزارية لا نعلم ما قامت به إلى الآن، وإنشاء لجان للحقيقة مختلفة ( على الرغم من عدم ظهور تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أنشأها الرئيس السابق محمد مرسي للعلانية إلى الآن)، وأخبار متفرقة بدون أي علاقة واضحة أو معلنة بآليات العدالة الانتقالية.
إن العمل على العدالة الانتقالية، لا يستلزم كل هذا التخبط وانعدام الشفافية، فهي ليست أحد أسرار الدولة العظمى، وهي أيضًا ليست قائمة من الإجراءات يجب على السلطة الحاكمة أن تفي بها حتى تجمل صورة المرحلة الدامية التي تمر بها الدولة، منذ بدء ثورة 25 من يناير 2011 حتى وقتنا هذا. آليات العدالة الانتقالية تستلزم أولًا وقبل أي شيء إرادة سياسية حقيقية – التي من الواضح غيابها إلى الآن – وأيضًا مصارحة ومكاشفة عن كيف ستقوم الحكومة بالمضي قُدمًا بتلك الآليات في الوقت الذي لا يزال القائمون بانتهاكات حقوق الإنسان، خلال الأعوام الماضية، في السلطة. لن نكتفي بآليات ومجموعات عمل شكلية، ولن نعتبر ما تقوم به الوزارة – أو الحكومة بأكملها أو حتى مؤسسة الرئاسة – كافيًا أو مُحقِقًا لما نطمح له، فلن نرضى بأقل مما تستحقه هذه الثورة من كشفٍ كاملٍ للحقيقة، ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان بكل الأنظمة السابقة، وإصلاح المؤسسات الفاسدة، وتعويض الضحايا والناجين والناجيات.
[1] قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 698 لسنة 2013، الجريدة الرسمية – العدد 51 (مكرر) في 21 ديسمبر سنة 2013.
[2] قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 963 لسنة 2013، الجريدة الرسمية – العدد 36 تابع (أ) في 5 سبتمبر سنة 2013، برنامج الحكومة لحماية المسار الديمقراطي. متاح على الرابط التالي: http://www.cabinet.gov.eg/Static_files/democratic_track_a.pdf
[3] مجموعة العمل المسئولة عن متابعة برنامج الحكومة، مُشَكَّلة من: الدكتور زياد بهاء الدين (نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي)، ومنير فخري عبد النور (وزير التجارة والصناعة)، ممثلين عن الحكومة، والمستشار علي عوض (المستشار الدستوري لرئيس الجمهورية)، والدكتور مصطفى حجازي (المستشار السياسي لرئيس الجمهورية)، ممثلين عن رئاسة الجمهورية، والدكتور عمرو الشبكي، والدكتور عز الدين شكري، ممثلين عن الشخصيات العامة.