"لمعتنقي 'الأديان السماوية' حصرًا؟" - المبادرة المصرية تطلق الورقة الثانية من دراستها حول جذور مصطلح "الأديان السماوية"

تُطلق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم مقالة بعنوان لمعتنقي الأديان السماوية حصرًا؟ - جذور مصطلح "الأديان السماوية" في التراث الإسلامي وخطاب عصر النهضة. المقالة التي كتبها محمد جمال وحررها عمرو عزت هي الثانية من ثلاث مقالات تضمها الدراسة المطولة للمبادرة حول مصطلح "الأديان السماوية" الذي يشير إلى الأديان التوحيدية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية. 

تنطلق الدراسة من أن هذا المصطلح يتمتع بمكانة محورية في العديد من النصوص الدستورية والقانونية وفي الأحكام القضائية والقرارات الإدارية، فضلًا عن استخداماته الإعلامية والتعليمية باعتباره أحد العناصر الأساسية المكونة للنظام العام في مصر، وفقًا لخطاب المؤسسات التشريعية والقضائية المصرية. ومن ثم تهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على الأصول المرجعية لهذا المصطلح، والكيفية التي نال بها هذه المكانة المركزية في الخطاب القانوني المصري إلى الحد الذي لا تكاد تخلو منه أية نصوص قانونية أو دستورية أو أحكام قضائية تخص المسائل الدينية أو التنوع الديني.

هذه الدراسة موجهة بالأساس للنخب القانونية المصرية من محامين وقضاة ومشرعين. وهي تدعوهم إلى إعادة النظر في الاستخدامات الدستورية والقانونية لمصطلح "الأديان السماوية" والتي تتناوله كمسلمة ثقافية أو دينية انتقلت من ساحة الفكر والتعليم والإعلام إلى النصوص القانونية والدستورية والأحكام القضائية بما أدى إلى قصر نطاق الحريات الدينية على أصحاب الأديان الثلاثة، واستبعاد غيرهم من منظومة الحقوق والحريات المحمية دستوريًا.

تنقسم الدراسة إلى ثلاث أوراق بحثية: تناقش الورقة الأولى التي أصدرتها المبادرة يوم 29 يونيو 2022 الأعمال التحضيرية للدساتير المصرية الصادرة عام 1923 و2012 و2014. وقد قدمت الورقة تحليلا لنقاشات أعضاء اللجان المنوطة بوضع هذه الدساتير حول قضايا حرية الدين والمعتقد وحول حدود الحريات الدينية وقصرها على الأديان الثلاثة المقصودة من عدمه. كما قدمت الورقة الأولى حججًا مهمة للمحامين وللقضاة ردًا على الأحكام القضائية التي تؤسس لقصر الحريات الدينية على أصحاب "الأديان السماوية" وحدهم استنادًا إلى الأعمال التحضيرية لدستور 1923. وذلك حيث تقدم تلك الأحكام القضائية قراءة مفتقرة للدليل لهذه الأعمال التحضيرية، مفادها أن النقاشات التحضيرية لدستور 1923 شهدت اتفاقًا حول حصر الحريات الدينية لأصحاب الأديان السماوية وحدهم. وهي قراءة تنتقدها الورقة الأولى من هذا المشروع وتقدم بديلًا مغايرًا لها. كما سلطت الورقة الضوء على الكيفية التي تمت بها دسترة مصطلح الأديان السماوية منذ دستور 2012 ومن بعده دستور 2014، وطبيعة النقاشات والخلافات التي شهدتها هذه العملية في الأعمال التحضيرية للدستورين.

الورقة الثانية التي ننشرها اليوم تناقش الأصول المرجعية والفكرية لمصطلح "الأديان السماوية"؛ وجذور هذا المصطلح أو مضمونه في أدبيات العقيدة والفقه الإسلامي منذ عصر التدوين. كما تتناول نشأة المصطلح أو مضمونه في خطاب عصر النهضة الذي يعتبر أحد أهم مصادر الخطاب الوطني والقومي المصري. وتتساءل هذه الورقة عن مدى انضباط مصطلح "الأديان السماوية" وأصالته وعن الكيفية التي اكتسب بها هذا الشيوع في الفكر والخطاب المعاصرين بما يتضمن تأثيره في إقصاء غير المؤمنين بالأديان التوحيدية من منظومة الحريات الدينية. كما تتساءل هذه الورقة الثانية عما إذا كان الاستخدام القانوني للمصطلح يعبر عن ممارسة مستمرة ومتوارثة من التراث الإسلامي الفقهي والتاريخي تستند إلى المدلول المشابه لمصطلح "أهل الكتاب" كما يقول بذلك بعض الفقهاء والمعاصرين. وذلك بينما تطرح الورقة السؤال من ناحية أخرى حول وجود اختلافات مهمة بين مصطلحي الأديان السماوية و"أهل الكتاب"، وإذا ما كان  ثمة اتجاهات أخرى في التراث الإسلامي - فقًها وممارسةً تاريخية - تختلف عن ذلك الاتجاه الإقصائي في استخدام مصطلح الأديان السماوية الذي تتبناه الدولة المصرية؟

هذا، وسوف تتناول الورقة الثالثة شرحًا تفصيليًا للاستخدامات المتعددة لمصطلح الأديان السماوية في التشريعات المصرية، وفي النصوص الدستورية والأحكام القضائية. كما ستوضح كثافة استخدام هذا المصطلح على مستوى التشريعات المصرية، وتقدم نقدًا لهذا المصطلح الذي لا يعد معيارًا موضوعيًا يمكن استخدامه دستوريًا وقانونيًا.