في دراسة جديدة للمبادرة: زيادة المعاشات لن تحمي حقوق أصحابها في ظل التضخم وأوضاع سوق العمل
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم ورقة بحثية بعنوان "حقوق أصحاب المعاشات في مواجهة الأزمة الاقتصادية.. دراسة نقدية لقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019"، ترصد فيها تغير أحوال أصحاب المعاشات في ظل موجة الغلاء الطاحنة، وفي إطار قانون التأمينات الاجتماعية، بكل ما أدخله من تعديلات على نظم المعاشات.
وقد استفاد أصحاب المعاشات من سلسلة القرارات التي اتخذتها الدولة بهدف تخفيف الآثار الاجتماعية للتخفيض المتكرر لقيمة العملة وموجات ارتفاع الأسعار، ومنها قرارات مارس 2023 بزيادة قيمة المعاشات بنسبة 15%، وقرارات سبتمبر من نفس العام بمضاعفة المنحة الاستثنائية لمجابهة غلاء المعيشة لأصحاب المعاشات والمستفيدين منها، لتصبح 600 جنيه. ثم قرارات يناير الماضي بزيادة الحد الأدنى للمعاش ليصبح 1300 جنيهًا بدلاً من 1105 جنيهات.
ورغم أهمية هذه الخطوات في تخفيف أثر الأزمة عن المستفيدين من معاشات التأمينات الاجتماعية، والذين تقدر الحكومة عددهم بنحو 11 مليون مستفيد، فإنها تظل بعيدة عن تعويض أثر ارتفاع معدل التضخم في الأسعار الذي وصلت نسبته السنوية إلى 31.8% على مستوى الجمهورية في إبريل 2024.
الأزمة الاقتصادية الحالية وما ترتبه من آثار على أصحاب المعاشات، تعيد طرح قانون التأمينات الاجتماعية للنقاش، بعد أن أثار الجدل أكثر من مرة منذ تطبيقه في يناير 2020، لأسباب تتعلق بفلسفته العامة وبكثير من تفاصيله التي تنظم حقوق أصحاب المعاشات، ومنها نسبة الزيادة السنوية في قيمة المعاش التي ربطها القانون لأول مرة بمعدل التضخم، لكنه وضع لها سقفًا لا يتجاوز 15%، في بلد يعاني من موجات تضخم مرتفعة بشكل متكرر.
وترتبط مناقشة هذا القانون بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لقطاعات واسعة من المجتمع، كونه أدخل تغييرات كبيرة على طبيعة أشكال الحماية الاجتماعية والامتيازات التي يحصل عليها ملايين من الناس، في إطار سعي الدولة لتخفيف العبء عن ماليتها العامة، وما يترتب عليه من تراجع لدورها الاجتماعي.
يسعى القانون إلى الحد من اعتماد نظام التأمينات الاجتماعية على الدعم المالي المقدم من الدولة، وأن يكون اعتماده الرئيسي على اشتراكات المؤمن عليهم، ويرى المدافعون عنه أنه الحل الوحيد لإنقاذ منظومة التأمينات من الوضع الذي وصلت إليه من اعتماد مفرط على دعم الخزانة العامة، بشكل يمكن أن يهدد بالاضطرار إلى خفض قيمة المعاشات في المستقبل.
ووضع منظومة التأمينات هو محصلة عقود من فلسفة اجتماعية قائمة على خلط مفهوم التأمينات الاجتماعية (الذي يفترض أن يقدم مزايا في مقابل اشتراكات) بمفهوم الإعانة (الممولة من خزانة الدولة). لكن هذه الفلسفة لم تأت من فراغ، فهي رد فعل طبيعي على مشكلات سوق العمل في مصر، ﻷن أي محاولة لزيادة موارد النظام التأميني عبر الاشتراكات يعترضها تواضع مستويات أجور نسبة كبيرة من العاملين، وبالتالي رغبتهم في التهرب من عبء التأمينات، هذا بالإضافة إلى تفشي علاقات العمل غير الرسمية، وفوق ذلك كله ضعف قدرة الاقتصاد على التشغيل.
يشمل قانون التأمينات رقم 148 لسنة 2019 أربع فئات كانت تغطيهم عدة قوانين تأمينية سابقة، وهم العاملين لدى الغير، والعمالة غير المنتظمة، والعاملين لدى أنفسهم، والعاملين في الخارج. وأدخل القانون تغييرات عديدة تخص تلك الفئات بهدف زيادة موارد التأمينات عن طريق الاشتراكات، منها تغيير طريقة حساب أجر الاشتراك، ومكافأة نهاية الخدمة، ومنها زيادة سن الخروج على المعاش وتعديل نظام المعاش المبكر، بالإضافة لتغيير طريقة التأمين المتبعة مع عدد من الفئات التي صارت خاضعة له.
ورغم سعي القانون لتوسيع قاعدة المستفيدين، وزيادة قيمة المعاشات المستحقة إلا أنه في تعامله مع فئات من العمالة ذات الدخل شديد التدني مثل باعة الصحف وماسحي الأحذية وعمال التراحيل، فإنه يضيف أعباء مالية تجعل مثل هذه الفئات عاجزة عن النفاذ لمنظومة التأمينات.
وانسحبت الدولة من تمويل بعض البنود في هذا القانون، كما فعلت مع دعم معاشات الشيخوخة، بعد أن كانت تساهم فيها بـ 1% من أجر الاشتراك، لكن مساهمتها استمرت في تمويل بنود أخرى مثل الزيادة السنوية للمعاشات التي ستظل الخزانة العامة تساهم في تمويلها بالمشاركة مع صندوق التأمين الاجتماعي، مع الالتزام بضمان معاش أكثر سخاء لأصحاب المناصب العليا.
وتقدم هذه الورقة قراءة نقدية لقانون التأمينات الاجتماعية، والإشكاليات الخاصة بتطبيقه، وتناقش مدى قدرته على تقديم حد أدنى للمعاشات يغطي الاحتياجات الأساسية للمتقاعدين، ومدى الحماية التي يكفلها للمعاشات في مواجهة التضخم، والأعباء التي يزيدها القانون على العمالة غير المنتظمة والأكثر هشاشة.
كما تسعى الورقة للتعرف على الآثار الاجتماعية لتعديل طريقة حساب الاشتراك التأميني، وكيفية استمرار الخزانة العامة في الاستفادة من أموال التأمينات بالرغم من ادعاء العكس، بالإضافة إلى طرح تساؤلات حول إمكانية تطبيق فلسفة هذا القانون التي تعتمد على عمل المؤمن عليهم لسنوات أطول في ظل اقتصاد يعاني من قلة التشغيل.