مقدمة: يقدم هذا التقرير توثيقاً للاعتقالات التي وقعت في صفوف المسلمين الشيعة في مصر في الفترة بين ديسمبر 2003 ومارس 2004، والتي لا يزال اثنان من ضحايا هم محمد الدريني ومحمد عمر في السجن حتى وقت كتابة هذه السطور. وبدأت فكرة التقرير بتوثيق الانتهاكات التي صاحبت هذه الاعتقالات بدءاً من القبض التعسفي، والاحتجاز غير القانوني، وانتهاءاً بالاعتقال الإداري المتكرر باستخدام قانون الطوارئ، مروراً بتعذيب المعتقلين بالضرب والصعق الكهربي وانتهاك حقهم في حرية الدين والمعتقد وحقهم في الخصوصية بالتفتيش في عقائدهم الدينية واستجوابهم بشأنها بل وأحياناً محاولة إثنائهم عنها.
غير أن باحثي ومحامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أثناء عملهم على هذه القضية وإعدادهم لهذا التقرير، تكشف لهم أن ما يحدث اليوم هو تكرار لنمط بدأ مع أول حملة اعتقالات ضد الشيعة في مصر عام 1988 وتكرر في أربع حملات بعدها.
كان هذا النمط يبدأ مع حملة عشوائية من القبض التعسفي على أفراد لا يجمع بينهم سوى انتماؤهم للمذهب الشيعي، ثم تعذيبهم بكافة الأساليب في محاولة لانتزاع "اعترافات" قد تساعد على تكوين قضية، وبعدها تبدأ حملة التشهير الصحفي المصحوبة باتهامات العمالة للخارج وتهديد الأمن القومي، ثم تنتهي القضية ويطلق سراح المحتجزين دون إحالتهم للمحاكمة بعد أن يكونوا قد قضوا فترات من الاحتجاز قد تصل إلى ستة أشهر. حدث هذا لما لا يقل عن 124 مواطناً مصرياً ألقي القبض عليهم في الحملات الخمس الكبرى التي وقعت منذ عام 1988. ولا شك أن هذا الرقم لا يمثل العدد الحقيقي لمن ألقي القبض عليهم في هذه الفترة دون أن تحصل قضاياهم على نفس الاهتمام الإعلامي الذي حازته هذه الحملات الخمس.
وأدركت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن ثقافة الحصانة التي سمحت لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت أثناء حملات الاعتقال الخمس هذه بالإفلات دون عقاب أو حتى تحقيق هي التي سمحت لهذه الأحداث بالتكرار. وهنا قرر باحثو المبادرة المصرية توثيق الانتهاكات الجسيمة التي صاحبت هذه الحملات الخمس وإعلان ما حدث أثناءها للرأي العام والمطالبة بالتحقيق فيها ومعاقبة من تثبت مسئوليته عنها، وهو السبيل الوحيد لمنع هذه الانتهاكات من التكرار في المستقبل، وتحقيق حد أدنى من رد الاعتبار لضحايا هذه الانتهاكات.
إن برنامج الحق في الخصوصية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية يعتبر حق الفرد في حرية الدين والمعتقد جزءاً أصيلاً من حقه في احترام خصوصيته. كما أن تدخل الدولة في الحياة الدينية للأفراد باستجوابهم بشأن معتقداتهم الدينية لا يعد فقط انتهاكاً لحقهم في حرية المعتقد، وإنما يمثل أيضاً تعدياً على الحرية الشخصية للأفراد والتي يحميها الدستور المصري وحددت المحكمة الدستورية العليا مجالها بأنه "ما يكون لصيقاً بالشخصية، مرتبطاً بذاتية الإنسان في دائرة تبرز معها ملامح حياته وقراراته الشخصية في أدق توجهاتها، وأنبل مقاصدها."
وتشعر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بقلق بالغ وهي ترى الدولة تتغول على الحياة الخاصة للأفراد، وتملي عليهم كيفية إدارتهم لحياتهم الدينية والعاطفية والزوجية، ثم تقوم بمعاقبة من يخرجون عن هذا الخط الذي تحدده الدولة لمواطنيها، مع تهميشهم وتشويه صورتهم واستعداء المجتمع عليهم بما يجعلهم أيضاً عرضة لانتهاكات المجتمع فضلاً عن الانتهاكات الحكومية.
ويبدو مما سبق أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لا تتعامل مع قضية الحق في حرية الدين والمعتقد من منظور الحقوق الجماعية للأقليات. وإنما تتناول هذا الأمر من منظور حق الفرد في أن يأتمر على ذاته وأن تُحترم خصوصيته، بما في ذلك حقه في اختيار دينه أو معتقده وممارسته دون تدخل من الدولة أو المجتمع. ويأخذ هذا التناول أهمية إضافية نظراً لأن الأفراد الذين يتعرضون عادة لهذا النوع من الانتهاكات هم من المهمشين الذين لا تلقى أصواتهم أو معاناتهم اهتماماً كافياً، بخلاف المنتمين لأقليات منظمة وظاهرة. هؤلاء المهمشون يحتلون المرتبة الأولى في نطاق اهتمام المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.