السياسات المصرية للحماية الاجتماعية في مواجهة كورونا.. جهود كبيرة وتأثير محدود
تتبع هذه الورقة سياسات الحماية الاجتماعية القائمة وتلك المستحدثة بسبب الجائحة، من خلال رصد وتحليل سياسات الحماية الصحية، وسياسات العمل والأجور والتأمينات واستجابتها لتداعيات التباطؤ الاقتصادي الذي خلفه كورونا. كما ترصد الدراسة الإجراءات المالية والنقدية التي طبقتها الدولة، لتخفيف أعباء المعيشة عن الأفراد أو لتخفيف حدة الأزمة على مجتمع الأعمال.
ورغم سرعة رد فعل الدولة تجاه وباء كورونا وفعاليته في بعض الجوانب، فقد أظهرت الأزمة هشاشة البنية الصحية في مصر، من حيث محدودية عدد الأسِرَّة بالنسبة إلى السكان، وغياب نظم الرعاية الأولية لكشف المرض في وقت مبكر، ونقص أسرة الرعاية المركزة التي تعد ضرورة أساسية لمواجهة الحالات المتقدمة في الإصابة بكوفيد.
ولم تقم السياسات العاجلة التي تم استحداثها لمواجهة تداعيات كورونا على أسس واضحة لاستهداف الأقل دخلًا وضمان توفير الخدمات لهم، كما توضح الورقة.
وأظهرت أزمة كورونا عجز الحكومة عن فرض سقف سعري لخدمات العلاج التي يقدمها القطاع الخاص، ما جعل من الأزمة فرصة لجني الأرباح، وخلق ضغوطا كبيرا على المصابين في ظل انتشار الوباء وعدم قدرة المستشفيات العامة تقديم خدماتها المحدودة، لكل من يحتاجون إليها.
كما سلط الوباء الضوء على تدهور أحوال سوق العمل المصري، في ظل سيطرة الوظائف غير الرسمية، المحرومة من أدنى أشكال الحماية في ظروف الوباء، وهو الوضع الذي ساهم في فقدان العديد من الأسر لوظائفها أو تقليص دخلها، في ظل التباطؤ الاقتصادي.
وعلى مستوى العمالة الرسمية، لم يتم إلزام القطاع الخاص بتحمل تكلفة التقليل من أعداد العاملين المتواجدين في مواقع الشغل منعًا لنقل العدوى، أو توفير إجازات مدفوعة لبعض الحالات، مثل السيدات الحوامل، الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة، أو الأمهات الراعيات لأطفال لا توجد بدائل للاعتناء بهم في ظل إغلاق دور الحضانة والمدارس بسبب الوباء. بينما ألزمت الدولة نفسها بتلك السياسات تجاه العاملين في القطاع الحكومي.
واتسم الإنفاق العام الموجه لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا بمحدودية الموارد المخصصة من جهة، وانحياز هذا الإنفاق لمساندة مجتمع الأعمال أكثر من البنية الصحية والفئات الهشة من الجهة الأخرى.
ففي الوقت الذي خصصت فيه الدولة أكثر من 100 مليار جنيه، ضمن حزمة سياسات قالت إنها موجهة للحد من تداعيات كورونا، تم توجيه أكثر من نصف هذه النفقات إلى دعم مجتمع الأعمال والأنشطة الاقتصادية، بينما ظل ضعف أجور الأطباء مستمراً. واتسمت أشكال من المساعدة المباشرة للفقراء مثل معاشات تكافل وكرامة بالجمود النسبي في تلك الفترة.
وفي مجال السياسات التمويلية أيضا، ركزت المساعدات الدولية على مساندة المشروعات المتوسطة والصغيرة وقطاع السياحة، وهي أوجه إيجابية نظرًا إلى تميز هذه القطاعات بتشغيل العمالة الكثيفة. لكن لم يتم ربط هذه التمويلات بحماية حقوق العاملين في هذه المنشآت خلال الأزمة.
وأخيرا، تم الاعتماد بشكل كبير خلال الأزمة على أدوات البنك المركزي، مثل مبادرات تأجيل سداد القروض الشخصية وتيسير التمويل العقاري، لكن يظل نطاق هذه السياسات محصورا في الفئات القادرة على التعامل مع القطاع المصرفي، كما توضح الورقة البحثية، ولا يمكن أن يكون بديلا لسد العجز في سياسات الحماية الاجتماعية.