استبعاد هيثم الحريري وآخرين من انتخابات النواب إعدام سياسي للمرشحين وتفريغ الانتخابات من مضمونها

بيان صحفي

26 أكتوبر 2025

تابعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ببالغ القلق القرارات الأخيرة للهيئة الوطنية للانتخابات، والتي استبعدت بمقتضاها عددًا كبيرًا من المرشحين لانتخابات مجلس النواب - وقبلها انتخابات مجلس الشيوخ- بدعوى "عدم تأدية الخدمة العسكرية". 

بدأت هذه القرارات باستبعاد 12 مرشحًا من حزب النور في يوليو الماضي من قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ، وهو الاستبعاد الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا. وانتهت سلسلة الاستبعادات إلى هيثم الحريري، النائب السابق في مجلس النواب ومرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لدائرة محرم بك بالأسكندرية - وهو القرار الذي أيدته نفس المحكمة في 23 أكتوبر الجارى.

في هذه الحالات جميعًا استندت الهيئة لتفسير معيب ومتعسف لكل من قانون مجلس النواب وقانون الخدمة العسكرية والوطنية، يعتبر هذا التفسير "الاستثناء" من الخدمة العسكرية بقرار من وزارة الدفاع بمثابة "عدم أداء للخدمة"؛ وذلك بالرغم من تقدم جميع هؤلاء المرشحين لأداء الخدمة العسكرية في المواعيد المقررة قبل أن تستبعدهم وزارة الدفاع. ومن ثم لا يمكن اعتبارهم متهربين من الخدمة بأي شكل. وأقرّت محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا هذا التفسير المعيب في سابقة خطيرة تكرّس لمبدأ الحرمان السياسي من ممارسة الحقوق السياسية بناء على تفسير الهيئة الوطنية، وفي ظل صمت غريب لوزارة الدفاع الذي جرى هذا الاستبعاد استنادًا إلى قراراتها وباسمها. 

إن المبادرة المصرية إذ تدين هذا النهج من الهيئة وتستنكر إقراره من القضاء، تشدد على أن موقف وسلوك هذه المؤسسات لا يمكن فصله عن طريقة إدارة العملية الانتخابية ككل؛ وهي إدارة تسعى لتفريغ الانتخابات من مضمونها بدءًا من الإصرار على نظام انتخابي عارضته غالبية القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني في 2023، أي نظام القوائم المطلقة المغلقة والمقاعد الفردية، وحتى السماح بتحكم المال السياسي والأجهزة الأمنية في اختيار المرشحين. إن هذا النهج يقضي على ما تبقى من ثقة المواطنين في مسار الانتخابات برمته ويعزز من حالة العزوف عن التصويت، وهي حالة يجب أن تثير قلق كل حريص علي مصلحة الوطن وأمان مواطنيه. 

وفوجئ هيثم الحريري بقرار لجنة فحص طلبات الترشح الصادر يوم 16 أكتوبر الماضي باستبعاده من قوائم المرشحين بالدائرة رقم (4) بمحافظة الأسكندرية بعد أن استوفى أوراق ترشحه، بما في ذلك قرار وزير الدفاع رقم 65 لسنة 2000 باستثنائه من الخدمة العسكرية دون إبداء أسباب. سارع الحريري بالطعن على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالأسكندرية والتي حددت جلسة 19 أكتوبر لنظر الطعن. وفي جلسة الطعن، تقدم محامي هيئة قضايا الدولة بحوافظ مستندات تضمنت قرارات الهيئة الوطنية السابق الإشارة إليها باستبعاد مرشحي حزب النور من انتخابات مجلس الشيوخ، وكذا مذكرة شارحة أن الاستثناء من الخدمة العسكرية لا يعتبر "إعفاءًا" من الخدمة، ومن ثم فالمُستثنى من الخدمة لا يستوفي الشروط المذكورة في الفقرة (5) من المادة (8) من قانون مجلس النواب  المستبدلة بالقانون رقم 140 لسنة 2020 والتي تشترط "أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها" كأحد شروط الترشح. 

وذكر محامي الحكومة أن الإعفاء تنظمه شروط مذكورة على سبيل الحصر في المادة (7) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية 127 لسنة ،1980 في حين أن "الاستثناء" الوارد في المادة (6) من ذات القانون، والمعدلة بالقانون 97 لسنة 1986، تتعلق بتقدير وزير الدفاع باستبعاد فئات بعينها من الخدمة العسكرية وفقًا "لاعتبارات المصلحة العامة أو الحفاظ على أمن الدولة". ووفقًا لمحامي الحكومة، فحالة الاستثناء تتعلق بفعل إرادي أتاه المتقدم لأداء الخدمة العسكرية ترى وزارة الدفاع فيه خطرًا على المصلحة العامة وأمن الدولة، ومن ثم فقرار الاستثناء هنا لا يعني "الإعفاء" من الخدمة وفقًا للشروط الواردة في قانون مجلس النواب. 

تقدمت هيئة دفاع هيثم الحريري، بعضوية محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بدفوعها التي تضمنت الدفع بعدم دستورية المواد (8) و(10) من قانون مجلس النواب لعدم اشتمالهما على نص منظم لحالة الاستثناء من الخدمة العسكرية، وترك القرار مفتوحًا لتقدير الهيئة الوطنية للانتخابات بدون سند قانوني واضح، كما اختصمت هيئة الدفاع كلًا من وزير الدفاع ومدير منطقة تجنيد الاسكندرية بهدف التعرف على تفسيرهما للمادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية. 

رفضت المحكمة كافة دفوع الحريري، وأقرت محامي الحكومة على تفسيره للمادة (8) من قانون مجلس النواب، بل وزادت عليه اعتبارها قرار وزير الدفاع باستثناء الحريري - وهو القرار الذي صدر دون إبداء أسباب - إقرارًا بتشكيل الحريري خطرًا على أمن الدولة يحول دون تجنيده، بالرغم من يقين هيثم الحريري أن القرار صدر بحكم نشاط والده البرلماني المعارض الراحل أبو العز الحريري، وأنه لا يتعلق بمخالفة واضحة أقدم عليها هيثم. بعبارة أخرى، قدمت المحكمة تفسيرها الخاص لنص المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية، وللمادة (8) من قانون مجلس النواب، ولقرار وزير الدفاع، وذلك كله دون أي سند واضح يعتد به. 

الأكثر من ذلك، أن المحكمة  لم تتعرض للتناقض الفج في قرارات الهيئة والتي قبلت نفس المستندات التي تقدم بها هيثم الحريري عند ترشحه لانتخابات مجلس النواب عامي 2015 و2020. 

تقدم الحريري بالطعن على حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا، والذي تحدد له جلسة 23 أكتوبر. وشدد الطعن على أن المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية لا يمكن تفسيرها على هذا النحو المتعسف الذي ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري، إذ أنها قد تركت الأسباب مفتوحة أمام وزارة الدفاع وأعطتها هامشَا واسعًا للتقدير لاستبعاد طائفة واسعة من المتقدمين للخدمة العسكرية، دون أن يكونوا قد أقدموا على ارتكاب جريمة أو مخالفة صريحة. بل إن المادة تحتمل التفسير لمصلحة المُستثنى من الخدمة العسكرية، إذ أن عبارة "الصالح العام" الواردة قد تشمل قيام المتقدم للخدمة العسكرية بتمثيل الدولة في ساحة رياضية أو علمية أو فنية خلال وقت التقديم تقتضي تفرغه واستثناءه من الخدمة العسكرية بالتبعية. وبالتالي، وفقًا لدفاع الحريري، لا يمكن تحويل قرار إداري غير مسبب يصدر مستندًا لتقدير وزير الدفاع إلى حكم جنائي يترتب عليه حرمان مواطن من الترشح لانتخابات مجلس النواب. 

لم تقبل المحكمة الإدارية العليا دفوع الحريري وأقرت محكمة القضاء الإداري باستبعاد الحريري من قوائم المترشحين. 

ترى المبادرة المصرية أننا أصبحنا  أمام تفسير لكل من الهيئة الوطنية للانتخابات ولمحكمة القضاء الإداري وللمحكمة الإدارية العليا ينطوي على مخالفات دستورية صريحة، إذ أنه قد أنزل عقوبة الحرمان السياسي بحق مرشح لمجلس النواب بلا نص قانوني محدد وذلك بالمخالفة الصريحة لنص المادة (95) من الدستور التي تنص على ألا عقوبة إلا بناء على قانون. كذلك ينطوي مسلك الهيئة والقضاء على تمييزٍ صريح بناء على موقف المرشح من الخدمة العسكرية، يُحرم بمقتضاه مواطن من الحق في المشاركة السياسية بلا سند، وذلك في مخالفة صريحة لنص المادة (53) من الدستور. وأخيرًا، فتحويل قرارات إدارية لوزارة الدفاع بشأن المتقدمين للخدمة العسكرية إلي حكم جنائي يترتب عليه تجريد مواطن من حقوقه السياسية - وأيا كان المسؤول عن هذا التحويل - يعد سابقة خطيرة تخلط ما بين الحياة العسكرية والمدنية، وتحول قرارات القوات المسلحة لحاكم على عمل المؤسسات الدستورية المنوط بها حصرًا إدارة الانتخابات والاستفتاءات. 

وهكذا ينضم هيثم الحريري، وقبله ومعه عدد آخر من المرشحين مثل مرشحي حزب النور المذكورين ومرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي محمد عبد الحليم، ومرشح حزب العدل عبد الرحمن فرغلي، إلى قائمة من السياسيين المحرومين من ممارسة حقهم في تمثيل المواطنين انتخابيًا عبر تأويل الهيئة المتعسف لنصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية كما في حالة السياسي المعارض والمرشح الرئاسي المحتمل السابق أحمد الطنطاوي الذي قادت تفسيرات الهيئة المتعسفة به إلى الحبس لمدة عام، والحرمان من الترشح للانتخابات النيابية  لمدة خمس سنوات، بتهمة تداول  نماذج تأييد شعبية للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في 2024. 

بل إن الاستبعاد من الترشح امتد لأنصار الطنطاوي المحبوسين معه في ذات القضية والذين لم يشملهم الحكم بالحرمان من الترشح من الأصل. فقد فوجئ محمد أبو الديار، مدير حملة الطنطاوي الانتخابية والذي قضى حكمًا بالحبس لمدة عام في نفس القضية، بحذف اسمه من قاعدة بيانات الناخبين عند محاولة التقدم بأوراق ترشيحه وذلك على الرغم من تحققه من وجود اسمه بالقوائم عقب الإفراج عنه بتاريخ 4 يونيو 2025. تقدم أبو الديار بطعن مستعجل أمام القضاء الإداري للمطالبة بإدراجه في قوائم الناخبين، ولكن المحكمة رفضت الشق المستعجل من الطعن وأحالت الدعوى للبت الموضوعي، وهو ما ترتب عليه حرمان أبو الديار تلقائيًا من التقدم بأوراق ترشيحه في المواعيد المقررة. 

تشدد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مرة أخرى أن هذا النهج العابث لن يؤدي إلا لمزيد من العزوف عن المشاركة السياسية بالمجمل وفقدان ثقة خطير في مؤسسات دستورية حساسة يجب أن تتحلى بالشرعية والثقة في عيون المواطنين ضمانًا "للمصلحة العامة وأمن الدولة".