المبادرة المصرية: على وزارة الداخلية إلغاء قرار إلزام نساء بالحصول على إذن سفر مسبق، ومحاسبة المسؤولين عنه
بيان صحفي
المبادرة المصرية: القرار يميِّز بين المواطنين على أساس النوع والمهنة وبصيغة مهينة تعبرعن الواقع المؤلم لنساء مصر في المجال العام
تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وزارة الداخلية بإلغاء قرارها الإداري الذي يلزم فئات من النساء بالحصول على إذن سفر مسبق قبل السماح لهن بمغادرة البلاد متوجهات إلى السعودية، ومحاسبة المسؤولين عن صدوره.
وتؤكد المبادرة المصرية أن القرار الصادر عن إدارة الجوازات والهجرة بالداخلية، يتضمن جملة انتهاكات لحقوق دستورية أساسية، بالإضافة إلى استخدام عبارات مهينة تقلل من ذوات النساء وعملهن وجهودهن، مما يعكس طريقة تعامل السلطة مع حقوقهن. ويرسخ هذا القرار لأشكال تمييزية واضحة، ونمط أوسع من فرض قيود إضافية على حرية حركة المصريين، بخاصة المصريات، إذ يتسم هذا النمط بتمييز منهجي بناءً على النوع أولًا والطبقة ثانيًا، وهو ما يتعارض مع المبادئ الأساسية للدستور المصري والقوانين الوطنية والدولية التي تجرم هذه الأنماط شديدة الفجاجة من التمييز.
نشرت صحف محلية هذا الأسبوع قرارًا صادرًا عن إدارة الجوازات والهجرة بوزارة الداخلية، يفرض على النساء من ربات المنزل والعاملات بمهن معينة، أن يحصلن دون غيرهن على تصريح مسبق بالسفر إلى السعودية سواء للزيارة أو العمل. وأجمل القرار الفئات المفروض عليها هذا التصريح تحت عبارة "النساء من الفئات الدنيا". ورغم أن الصحف نشرت الخبر بدون أي تعليق أو استنكار أو حتى تساؤل عن معنى هذا التعبير الغريب "الفئات الدنيا"، في مخالفة باتت مألوفة لمعايير الإخبار الصحفي؛ إلا أن الخبر أثار موجة من الغضب والاستنكار، لما احتواه نصه من إهانة لنساء عاملات وغير عاملات بأجر.
عقب نشر هذا القرار، راجت رسائل نصية منسوبة إلى وزارة الداخلية تلقتها شركات السياحة والسفر، تتضمن تعريف "الفئات الدنيا" من النساء، اللائي وصفتهن الرسالة بكونهن: ربات المنازل، والنساء بدون عمل، إضافة إلى مجموعة محددة من المهن (موضحة في الصورة اللاحقة). ويبدو أن القرار بدأ تنفيذه في يوم صدوره مباشرة، فقد منعت نساء عدة كن في طريقهن بالفعل إلى السعودية من السفر، وطُلب منهن تقديم تصاريح السفر، ما كبدهن تكاليف إضافية وعطّل سفرهن وأهدر وقتهن وأموالهن.
ويفرض القرار على النساء المعنيات به كلفة إضافية للحصول على هذا التصريح - في حالة استمر العمل به- من المركز الرئيسي للجوازات بالعباسية، ما يفرض أعباءً إضافية على من يسكنّ خارج القاهرة.
هذا ليس القرار الأول الذي تفرض مصر به على فئات من مواطنيها الحصول على أذون مسبقة للسفر إلى الخارج، فمنذ عام 2015 فرضت مصلحة الجوازات بوزارة الداخلية إجراءات إدارية تجبر المواطنين بين عمري 18 و40 على الحصول على تصريح أمني مسبق للسفر لدول محددة. ولكن في الممارسة العملية، لا يتم تنفيذ هذا القيد إلا على الطلاب والأشخاص من غير المهنيين وأصحاب الأعمال، وخاصة غير الحاصلين على شهادات جامعية أو الذين يعملون بأعمال يدوية.
وترى المبادرة المصرية أن هذا القرار يؤشر على عدم جدية المسؤولين في إعلانهم عن توجه الدولة لإصدار تشريع يختص بالمساواة ومنع التمييز، وأن مشروع القانون المنتظر لن يزيد عن كونه مادة قانونية دعائية لتحسين صورة الدولة بدون رغبة حقيقية في مكافحة أشكال التمييز المؤسسية، خصوصًا أن قرار "الفئات الدنيا" الصادر مؤخرًا يتعارض بشكل صريح مع ما ورد بتوصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطني الصادرة في أغسطس 2023، والذي عقد تحت رعاية رئيس الجمهورية، وكذلك الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة في سبتمبر 2021، وكلاهما أكد التزام مؤسسات الدولة بإصدار تشريع شامل ومتكامل عن المساواة ومنع التمييز، وتحقيق الالتزام الدستوري بإنشاء مفوضية لمكافحة التمييز.
وأضافت المبادرة أن خطورة القرار أنه تضمن تمييزًا مركبًا متعدد الأسس والأوجه، فقد ميز بين الرجال والنساء من حيث حرية السفر إلى المملكة السعودية في العموم، ثم قسم فئات المجتمع طبقيًا إلى فئات عليا لا تخضع لهذا القرار، وفئات سماها "بالفئات الدنيا" تضم رباب البيوت وغير العاملات وجليسات الأطفال ومصممات الأزياء وحملة الدبلومات وغيرها، ما يمثل إهانة لنسبة كبيرة من المصريات، واحتقار لمجالات عمل قانونية. وأمعن القرار ( الصورة المرفقة أعلاه) في التمييز بأن أضاف إلى تلك الفئات المعرفة بالدنيا بعض المهن والحرف الأخرى التي يبدو أنه لا يعتبرها من الفئات "الدنيا" ولكنه أخضعها لنفس الشروط ومنها العمل كممرضة منزلية، مندوبة مبيعات، مشرفة حضانة.
أكدت المبادرة المصرية أيضا أن القرار ينتهك حرية التنقل والسفر(المادة 62 من الدستور)، والتي تعد من الحقوق الشخصية التي لا يجوز تقييدها إلا على أساس نص دستوري أو قانوني، وهو نص غير موجود بطبيعة الحال. محذرةً أن هذا القرار سيؤدي إلى تحويل المنع الذي هو استثناء إلى قاعدة عامة، ويضع سلطة المنع والمنح في يد موظف عام بدون تحقق شرط الضرورة، وبدون معايير قانونية وأسس واضحة، في حين أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يعامل معاملة التشريعات المصرية، في مادة 12 منه يضمن أنه لا يجوز اشتراط أن تكون حرية الشخص في مغادرة أي إقليم في دولة ما خاضعة لأي غرض محدد أو متوقفة على المدة التي يختار الشخص أن يبقى خلالها خارج البلد.
كما يتعارض هذا القرار مع المادة 15 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي تمنع التمييز ضد النساء في حرية الحركة واختيار محل الإقامة، ومع الفقه القانوني الدولي الواضح في هذه المسألة والمبين بالتفصيل في التوصية العامة الصادرة عن اللجنة المعنية بمراقبة تنفيذ نفس الاتفاقية رقم 21، فقرة 9.
يأتي هذا الإجراء الأخير بمنع العديد من النساء من السفر للسعودية للزيارة والعمل بغض النظر عن حصولهن على التأشيرات السعودية المطلوبة، ليشير ليس فقط لعدم احترام أعمال النساء وجهودهن بشكل عام، بتسمية العمل المنزلي وبعض المهن ب"الفئات الدنيا"؛ ولكن يؤشر أيضًا إلى التجاهل البيّن لواقع المظلم لمشاركة النساء في سوق العمل في مصر. ورغم أن الدستور المصري اعترف بعبء الأعمال المنزلية غير المدفوعة على النساء، حتى لو أسماه "واجبات الأسرة"، إلا أن مثل هذه القرارات تأتي لتوضح أنه في الواقع العملي لم يترجم هذا الاعتراف في شكل سياسات عامة تضمن حقوق تلك النساء أثناء قيامهن بهذا العمل، أو تأمين احتياجتهن في حالة انتهاء الزواج بوفاة الزوج أو الطلاق بأشكاله المختلفة.
فالنساء غير العاملات بأجر هن أغلبية نساء مصر. وعلى الرغم من تعهد الدولة المستمر بإتاحة فرص أكبر للنساء بالدخول والاستمرار في سوق العمل، فإن ما حدث في السنوات الأخيرة هو عكس ذلك بالضبط - فقد تراجعت معدلات مشاركة النساء في سوق العمل بشكل مستمر منذ سنة 2016، فوصل العدد الكلي للنساء المشتغلات في مصر - طبقًا للنشرة السنوية للقوى العاملة في مصر 2023- إلى أقل من أربعة ملايين وستمئة ألف امرأة" بنسبة أقل من 16٪ من إجمالي المشتغلين في مصر، ويتضمن هذا الرقم نحو 19٪ من النساء العاملات بدون أجر لدى أفراد أسرهن. وجاء معدل بطالة النساء (17.8٪) معادلًا أربعة أضعاف معدل بطالة الرجال (4.7٪). وتلك الوظائف التي اختصتها وزارة الداخلية بكونها معبرة عن "فئات دنيا" هي في الحقيقة من أقل الفئات العاملة حصولًا على حقوقها الأساسية، بداية من التضمين داخل إطار الاقتصاد الرسمي، والحصول على ضمان اجتماعي، وضمانات ظروف العمل، وضمان حصولهن على الحد الأدنى للأجور. فبدلًا من العمل على تعزيز حقوق النساء العاملات بدون أجر في سياق المنزل، أو بأجر في وظائف غير جيدة لا تضمن لهن حقوقهن؛ نجد أن الدولة من خلال وزارة الداخلية تمعن في التمييز ضدهن تمييزًا مضاعفًا بفرض قيود غير مبررة على حركتهن وسعيهن للعمل والدخل، حتى بالسفر للحصول على فرص عمل أفضل بالخارج. ولا تفرض تلك القيود سوى عليهن - وكأنه محاولة لمأسسة وتقنين التمييز بدلًا من مكافحته.
رسم بياني لتطور أعداد المشتغلين طبقًا للنوع بين 2009 و2022 (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) |
يذكرنا هذا القرار بضرورة إنشاء مفوضية المساواة ومنع التمييز في مصر، كما أقرها الدستور المصري منذ عام 2014، ويلقي الضوء مرة أخرى على التدهور العام لحقوق النساء في مصر في مجال العمل والاقتصاد. وفي ظل كل ما سبق ذكره، تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كل من:
-
وزارة الداخلية، بسحب وإلغاء هذا القرار والقرارات المماثلة التي تضع عوائق تمييزية وغير قانونية أمام حق الأشخاص نساءً ورجالًا في التنقل. بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن صدور بهذا القرار متضمنًا هذا التعبير المُحقِّر من ذوات ومساهمة المصريات، سواء كان ذلك في عملهن بجميع أشكاله أو بعملهن غير مدفوع الأجر كربات للمنازل.
-
المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقيام بدوره بشكل نشط وفعال فيما يختص برصد مثل تلك السياسات والممارسات، وتقديم الرأي والتدخل في حالة رصد الانتهاكات، كما تسمح له المادة الثالثة من قانون تشكيله.
-
المجلس القومي لحقوق المرأة، بالقيام بدوره بشكل نشط فيما يختص بمتابعة وتقييم السياسات الخاصة بحقوق النساء، وتقديم الاقتراحات للجهات المختصة بالدولة في حالة رصد الانتهاكات، كما تنص المادة 8 من قانون تنظيمه في 2018