خمسة أسباب لرفض قانون "تأجير المستشفيات الحكومية".. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تطالب رئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون وتحذر من خطورته على الحق في الصحة
بيان صحفي
حذَّرَت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من خطورة إقرار قانون "تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، حيث اعتبرته خطوة إضافية في عملية تسليع وتحويل الخدمات العامة إلى نشاط يستهدف الربح، والتي تشمل أيضًا خدمات كالنقل العام والتعليم. وتدعو المبادرة رئيس الجمهورية لرفض التصديق على القانون وإعادته للبرلمان مرة أخرى.
وصوَّت مجلس النواب بالموافقة النهائية على مشروع القانون اليوم الاثنين، 20 مايو، على الرغم من معارضة عدد من النواب ورفض نقابة الأطباء له، إذ اعتبرته النقابة يفتح الباب لخصخصة الخدمات الطبية ورفع أسعارها وضياع حقوق مقدميها من أطباء وأطقم تمريض.
وترى المبادرة أن هناك خمسة أسباب رئيسية تدعو لرفض هذا المشروع:
أولًا: القانون يعطل تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، ويشكل انحرافًا عن مسار التوسع التدريجي في تطبيقه، فالبنية التحتية لمنظومة التأمين الصحي الشامل هي مستشفيات ومنشآت الحكومة، ويُفترض أن أي دور للقطاع الخاص هو الإضافة لهذه البنية التحتية عبر زيادة أعداد الأسرّة والمنشآت ومقدمي الخدمة من أطباء وممرضين وفنيين. إلا أن القانون الجديد وبدلًا من ذلك، سيسمح بإخراج عدد من المستشفيات الحكومية خارج منظومة التأمين بما يعطل تطبيقه، وينطوي على انحراف عن مسار التغطية الشاملة لجميع المواطنين وهو المسار الذي انطلق منذ خمسة سنوات في 2018 بعد سنوات من النضال من أجله. فالقانون الذي أقره مجلس النواب وينتظر تصديق رئيس الجمهورية لا يكتفي بتسليم بعض أفضل وأكبر المستشفيات الحكومية للمستثمرين المصريين والأجانب (بدون حد أقصى لعدد أو نسبة المنشآت التي سيتم تأجيرها)، ولكنه أيضًا ينص على حق المستثمرين الجدد في إبقاء هذه المستشفيات الحكومية خارج منظومة التأمين وعدم إخضاعها لأسعار الخدمة المرتبطة بالمنظومة، مع الاكتفاء بإلزامهم فقط بتخصيص "نسبة من إجمالي الخدمات" للمنتفعين بقانون التأمين الصحي الشامل، "بذات الأسعار التي تحددها الدولة"؛ وهو ما يعني بمفهوم المخالفة، أن بقية أسرَّة وخدمات المستشفيات التي ستخرج عن الإدارة المباشرة للدولة ستظل خارج منظومة التأمين الصحي وخارج الأسعار المحددة من الدولة.
ثانيًا: يُقرأ من الصياغة الحالية لمشروع القانون أن الغرض الوحيد منه هو تحويل المنشآت الصحية المملوكة للدولة من هيئات لتقديم الخدمة العامة إلى كيانات هادفة للربح. وإلا ما العائد أو الحافز للمستثمر المصري أو الأجنبي في استلامها وتشغيلها والإنفاق عليها ثم إعادتها للدولة وفقًا لما يفترض القانون؟
كما يكرِّس مشروع القانون الحالي لانسحاب الدولة، ليس فقط من تقديم الخدمة، ولكن أيضًا من الالتزام بنسب الإنفاق المحددة دستوريًا لقطاع الصحة. ويجدر التذكير هنا بأن مخصصات الصحة في الموازنة العامة قد بلغت 200 مليار جنيه في الموازنة الجديدة للعام المالي للعام 2024/ 2025، وهو ما مثل تراجعًا في الإنفاق الحكومي على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 1.24% إلى 1.17%، وهو مايقل عن نصف النسبة المُلزِمة دستوريًا للإنفاق على الصحة. ويتسق ذلك مع التوجه الحالي للدولة لتخفيض الإنفاق الحقيقي على الخدمات العامة وتسليعها وبيعها للأفراد، الذين لا تراهم الدولة حاليًا كمواطنين أصحاب حقوق ودافعي ضرائب ومالكين لموارد البلاد؛ وإنما كمستهلكين للسلع والخدمات عليهم ليس فقط دفع تكلفتها، وإنما تحمل تكلفة ربحيتها، برغم أن العبء الأساسي في تمويل ميزانية الدولة يقع على أصحاب الأجور والمستهلكين من خلال ضرائب القيمة المضافة.
فما هي المعادلة التي يرى المشرع أن من شأنها أن تُمكِّن القطاع الخاص من تقديم خدمات صحية بجودة أفضل بدون رفع التكلفة، مع التحول للعمل بشكل ربحي يوفِّر الأرباح للمستثمرين؟
ثالثًا: غياب أي ضمانات تكفل حق المواطنين في الصحة، بما يشمل إتاحة الخدمة والقدرة على تحمل تكلفتها للكل.
فالقانون يُلزِم المستثمرين والدولة فقط بـ "الاتفاق" على "أسس تسعير الخدمات الصحية" في هذه المستشفيات الحكومية بعد إسنادها للقطاع الخاص، وتحدد بقرار من رئيس الوزراء بناء على اقتراح وزير الصحة (وهي الجهات التي أصدرت القانون من الأصل، وأصحاب المصلحة في إسناد المستشفيات للمستثمرين). كما أنه يعفي الدولة من تحديد أسعار الخدمات نفسها، ومن إلزام المستثمرين بها. نحن لا نتحدث هنا عن مستشفيات خاصة، لكن عن مستشفيات عامة مملوكة للشعب سيُترك تحديد أسعار خدماتها للمستثمرين المصريين والأجانب، مع مجرد اتفاق إجرائي على "أُسس التسعير" بقرار تنفيذي لن يعرض على البرلمان.
كذلك لا يوجد ما يضمن التزام المستثمر بتقديم الخدمات الصحية التي تحددها الدولة بكل منشأة، أو حتى التي تقوم المستشفيات بتقديمها حاليًا بدون انتقاص أو تغيير في الخدمات المقدمة، أو تقليص في عدد الأسّرة.
كما يفرِّق القانون في الخدمة بين المواطنين بناءً على نظام التغطية الصحية، والظروف الاقتصادية، حيث يعتمد القانون على تحديد لنسب من الأَسِرَّة أو الخدمات لفئات بعينها، بدلًا من إلزام المنشآت بعلاج جميع الفئات بدون تمييز، طالما تلتزم الدولة بشراء الخدمة لهم، وطالما تُقدَّم هذه الخدمات في إطار لائحة تسعيرية محددة تشرف عليها الدولة.
رابعًا: الاستعجال المريب في مناقشة وإقرار القانون في أقل من شهر، بل وحتى البدء في تنفيذه فعليًا من دون انتظار مناقشته في البرلمان، والنص على نفاذه من اليوم التالي لإقراره، بدون انتظار اللائحة التنفيذية أو أسس التسعير. بالإضافة إلى النص على صدور اللائحة التنفيذية خلال شهر واحد من صدوره، بدون أي نوع من التشاور مع المجتمع المدني أو المجلس القومي لحقوق الإنسان أو ممثلي المواطنين، وهم المنتفعين بهذه الخدمات والملاك الفعليين لهذه المنشآت. حيث اقتصرت مناقشة القانون على ممثلي الحكومة ونقابة الأطباء، التي رفضت المشروع أصلًا.
كما أن التطبيق بدأ فعليًا، كما يشير إعلان من هيئة الاستثمار يتضمن نفس الشروط الست للإسناد، المنصوص عليها في القانون، وذلك حتى قبل صدوره.
خامسًا: الحكومة غير قادرة على الإشراف والمراقبة على المستشفيات الخاصة في الأصل حاليًا، فكيف يمكن ضمان الرقابة الفعالة في المستشفيات العامة المسندة للمستثمرين، بغرض حماية حقوق المواطنين؟
كما أن تنفيذ هذا الشكل الجديد من الشراكات وتمكين القطاع الخاص من إدارة منشآت حكومية صحية، سوف يحتم على الجهات التنفيذية المنوطة بالصحة، القيام بأدوار جديدة ضخمة تخص الرقابة والمتابعة على هذه المنشآت. وهو دور لا تستطيع الجهات الحالية تنفيذه بالشكل الذي يضمن حقوق المواطنين في الصحة. في ظل الضعف الحالي في الأطر الرقابية على خدمات القطاع الخاص، ونقص القدرات والإمكانيات الفنية والبشرية اللازمة للقيام بذلك، لا يوجد أساس يمكن أن ينبني عليه توسع في الدور الرقابي بهذا الشكل الجديد والأكثر تعقيدًا.
بالإضافة إلى ذلك، فهذا القانون يتم طرحه في سياق يتسم بالافتقار إلى عناصر رئيسية لضمان الكفاءة وإيصال الحق في العلاج لكافة المواطنين، وضمان العدالة الاجتماعية وكفاءة إدارة المال العام، ومن أبرز أوجه القصور تلك:
-
لا توجد آليات لتحديد المنشآت التي سوف يتم طرحها للاستثمار والجهة المنوط بها القيام بهذا التخطيط وأطر الحوكمة الخاصة بذلك.
-
غياب أطر محددة لتسعير الخدمات وآليات شراء الخدمة من قبل الدولة للمنتفعين التابعين لنظم العلاج المختلفة (نظام التأمين الصحي الاجتماعي، التأمين الصحي الشامل، نظام العلاج على نفقة الدولة، نظام علاج غير القادرين).
-
عدم وجود آليات فاعلة ودقيقة تُمكِّن من التوثيق والتسجيل والتبليغ والتبادل الآمن للبيانات الطبية، والتنسيق ما بين السلطة التنفيذية والقطاع الخاص فيما يخص ضمان تقديم خدمات الصحة العامة وخدمات الطوارئ والخدمات الوقائية، وضمان تسخير خدماتها بالكامل لوزارة الصحة في حالات الطارئة الصحية أو الأوبئة (وهو ما ظهر جليًا أثناء جائحة كورونا حين كان القطاع الصحي الخاص خارج قدرة وزارة الصحة على الضبط والتنظيم).
-
غياب الحماية والأمان للعاملين في القطاع الصحي، حيث يشترط القانون فقط الإبقاء على ربعهم، في الوقت الذي يسمح فيه بتوظيف ربع العمالة من خارج البلاد.
-
عدم توافر ضمانات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حتى بمعايير صندوق النقد الدولي، الذي يشترط للقيام بهذه المشروعات، الإعلان المسبق عن كافة التزامات الدولة الواقعة على الموازنة العامة، والإفصاح المسبق عن أي أقساط للديون العامة، أو أية التزامات مستقبلية بالسنة المالية.
-
بعض سوابق مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مصر سيئة وغير ناجحة. مثالٌ على ذلك، إسناد جمع القمامة في القاهرة والإسكندرية لشركات دولية، نتج عنها فقط تدهور هائل في الخدمة التي كانت تتم بشكل أهلي، مع ارتفاع أسعارها إجباريًا وجمعها مع فاتورة الكهرباء.
-
لا يتضح من القانون وجود أية ضمانات لتسليم المرافق الصحية العامة بعد انقضاء أجل الإسناد، من حيث استمرارية تقديم الخدمة والكفاءة. فعلى سبيل المثال، يشترط النص الحالي تسليم أجهزة المستشفى كما هي للدولة عند انقضاء الاتفاق الذي قد يمتد لخمسة عشر عامًا، تخرج فيها تلك الأجهزة ذاتها عن العمل. كما تغيب أي اشتراطات لتطوير الخدمات الصحية واشتراط مواكبة التكنولوجيا المتغيرة، وتطوير العاملين وتدريبهم مثلًا.
ويؤكد ما سبق الصعوبات التي تواجه الأعمدة الرئيسية للقانون، في غياب العناصر والضمانات السابق ذكرها وغيرها عن نصه المنتظر العمل به فور إقراره من رئيس الجمهورية، وكلها شروط أساسية لا غنى عنها كي تلعب الدولة دورها الرقابي المحوري بالشكل الذي يضمن حق المصريين، كل المصريين، في الصحة.