المبادرة المصرية تستضيف خبراء متخصصين لتقييم استجابة النظام الصحي في مصر ما بعد كوڤيد: استجابة نموذجية للأزمة ثم تراجع في الخدمات الصحية
بيان صحفي
نظمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالأمس ورشة عمل ناقشت تفصيليًا النظام الصحي في مصر، وشارك فيها 8 من قادة وخبراء الرعاية الصحية في مصر، يمثلون الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومقدمي الخدمات وواضعي السياسات. الورشة تأتي في سياق تنفيذ مشروع مشترك بين المبادرة المصرية والتحالف الأفريقي، بهدف وضع تقييم مقارن لتأثيرات جائحة كوڤيد على أنظمة الرعاية الصحية والتغييرات التي حدثت كنتيجة مباشرة له في الأنظمة الصحية بكل من مصر وتونس والمغرب. وتركز الدراسة بشكل خاص على الجوانب المتعلقة بالعاملين في الرعاية الصحية وحمايتهم وظروف العمل وأيضًا أطر المساءلة والوصول إلى المعلومات والحكم الرشيد.
وتأتي ورشة الأمس كجزء لا يتجزأ من إجراء الدراسة، وكانت بمثابة جلسة استشارية للخبراء الذين أدلوا بآرائهم وأفكارهم حول الجوانب المختلفة التي تشكل نظام الرعاية الصحية لدينا في مصر وكيف تطورت خلال فترة كوڤيد وما بعدها.
استند النقاش على نموذج الركائز الستة الرئيسية الذي تستخدمه منظمة الصحة العالمية لتحليل وتقييم الأنظمة الصحية، وذلك كجزء من "مراجعة النظام الصحي: حلول ما بعد جائحة كوڤيد".
وتشمل تلك الركائز توفير الخدمة الصحية، ووجود الفريق الطبي الكافي والمؤهل، وتوافر الأنظمة المعلوماتية الطبية، والقدرة على الوصول إلى الأدوية الأساسية، بالإضافة إلى توافر التمويل المطلوب والقيادة والحكم الرشيد.
وأكد الحضور على تميز استجابة الدولة لجائحة كوڤيد، والتي أظهرت قدرة استثنائية على إدارة الأزمة، وتعاون كل الأطراف المعنية لتوفير أفضل خدمة صحية ممكنة لغالبية السكان في مختلف المناطق. لكن الآراء تباينت بخصوص مدى استمرارية هذا الأداء، وتراجع الوضع مرة أخرى بالنسبة لتوفير الخدمات الصحية الأساسية وإتاحتها وقدرة الجمهور على الوصول إليها بسهولة.
وبحسب المشاركين، فإنه ورغم وجود بعض المؤشرات على أن منظومة التأمين الصحي الشامل من شأنها أن تسهم في تحسين جوانب توفير وإتاحة الخدمات الصحية، إلا أن التقييم الشامل جاء سلبيًا، ويشير إلى تدهور الأوضاع الصحية. خاصة بالنظر إلى التضخم، وتأثيره على قدرة المواطنين على الوصول للخدمات الصحية والحصول على العلاج.
ومن مؤشرات التراجع في مستوى تقديم الخدمات الصحية الأساسية ومدى شمولها أن التطعيمات الأساسية كانت تصل لكل السكان قبل أزمة كوڤيد، لكنها تراجعت بعدها بنسبة 20% لتغطي فقط 80% من السكان في المحافظات الحضرية على سبيل المثال. مثال آخر على ذلك هو أنه رغم تحسن خدمات رعاية النساء خلال فترات الحمل، إلا أن الخدمات الأساسية الخاصة بمتابعة الأطفال حديثي الولادة والتوعية الصحية، قد تراجعت، بدليل تزايد أمراض سوء التغذية والتقزم وغيرها.
واتفق الخبراء أيضًا على وجود نظام صحي مصَّمم - نظريًا - للتوسع والوصول لكل السكان، لكن على أرض الواقع تكون القدرة على التطبيق شيئًا مختلفًا، وأحيانا كارثيًا.
وبخصوص تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل في مجموعة من المحافظات، تمت الإشارة إلى بعض المميزات، من أبرزها وجود قاعدة بيانات طبية شاملة، ينقصها إتاحة الإحصاءات والأرقام، لكي يكون باستطاعة الخبراء والمجتمع المدني والأطراف المعنية من أصحاب المصلحة الإطلاع عليها وتحليلها، ومتابعة معدلات التحسن والتطور أو مواطن الضعف، وكيف يمكن تحسين المنظومة.
وأشار الخبراء إلى أن نظام التأمين الصحي الحالي المفترض أنه يغطي أكثر من ٦٠٪ من المواطنين، لكن حوالي 10% من المشتركين فيه فقط يستفيدون منه في الحقيقة، بينما كانت الغالبية الساحقة تتجه للقطاع الطبي الخاص، لضعف الخدمات المتاحة وفق منظومة التأمين الصحي. وبالتالي، فالعامل الأهم في نجاح أي منظومة صحية هو استمرارية الخدمات وتكاملها، بالإضافة إلى جودة الخدمة التي يتم تقديمها.
وفيما يتعلق بالمبادرات الصحية المختلفة التي كان لها تأثيرات إيجابية ملموسة، رحب بها جميع الخبراء، لكنهم حذروا من أن المبادرات تعني استجابة لأزمة، وبالتالي تعدد المبادرات - رغم أهميتها القصوى - يعني أن المنظومة الصحية الحالية لا تقدم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. وطالبوا بأن يتم دمج المبادرات داخل السياسات الصحية، وتوحيد جهة الإدارة ليكون لها صفة الاستمرارية، وتحقق التكامل مع المنظومة الصحية العامة. كما دعوا لأن يتم توحيد تبعية المستشفيات والوحدات الصحية لجهة واحدة، ودمجها كجزء من منظومة متكاملة وموحَّدة لتحقيق أقصى استفادة منها.