جرس إنذار جديد حول جودة الهواء: منظمة الصحة العالمية تصدر معايير أكثر صرامة لنسب الملوّثات والمبادرة تطالب بمراجعة المعايير المصرية المنخفضة للغاية
بيان صحفي
جرس إنذار جديد حول جودة الهواء:
منظمة الصحة العالمية تصدر معايير أكثر صرامة لنسب الملوّثات والمبادرة تطالب بمراجعة المعايير المصرية المنخفضة للغاية
أصدرت منظمة الصحة العالمية دلائل إرشادية جديدة أكثر صرامة لمعايير جودة الهواء، يوم ٢٢ سبتمبر الحالى، بهدف الحد من مستويات ملوثات الهواء وتخفيف عبء المرض الناجم عن التعرض لتلوث الهواء في جميع أنحاء العالم. ما يزيد من الفجوة بين المعايير القانونية المتراخية بالأساس لجودة الهواء في القانون المصري، و يجعل مراجعة التشريعات المصرية أكثر إلحاحا لتخفيف العبء الصحي المتزايد بسبب تلوث الهواء.
وتأتي التوصيات الجديدة بعد تراكم الأدلة العلمية على تزايد مخاطر التعرض لملوثات الهواء على مدار الستة عشر عاما الأخيرة بعد صدور آخر أدلة إرشادية لمعايير جودة الهواء من منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٠٥. وفي الوقت الذي يتسبب تلوث الهواء في 7 ملايين وفاة مبكرة سنويا؛ حيث يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وسرطان الرئة لدى البالغين، كما يؤثر على نمو الرئة ووظائفها وتفاقم التهابات الجهاز التنفسي والربو بالنسبة للأطفال، ما يجعل تلوث الهواء أكبر خطر بيئي على الصحة العامة بجانب تغير المناخ.
وقد أوصت المنظمة الدولية بحدود قصوى جديدة للتعرض إلى ٦ ملوثات رئيسية تعرف بالملوثات الكلاسيكية وهي الجسيمات الدقيقة (PM) والأوزون (O₃) وثاني أكسيد النيتروجين (NO₂) وثاني أكسيد الكبريت (SO₂) وأول أكسيد الكربون (CO). باعتبارها الملوثات الأكثر خطورة على الصحة العامة والحد منها يؤثر بالتبعية على مستويات تركيزات الملوثات الضارة الأخرى.
وصرح الدكتور هانز كلوج، المدير الإقليمي للمنظمة في أوروبا بأن تقديرات المنظمة "تفيد أن ملايين الوفيات التي تحدث سنويا ناجمة عن آثار تلوث الهواء، ولا سيما الأمراض غير السارية. وينبغي أن يكون الهواء النقي حقا أساسيا من حقوق الإنسان وشرطا ضروريا للمجتمعات الصحية والمنتجة.
جاء الإعلان عن التوصيات الجديدة بعد الاحتفال الثاني باليوم العالمي لـ"نقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء" الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة لأول مرة في ٧ سبتمبر العام الماضى. ويعتبر توقيت صدور الإرشادات الجديدة قبل المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي "COP 26 " الذي سيقام في جلاسكو أول نوفمبر القادم بمثابة ضغط على حكومات العالم لتحديث خطط مكافحة تلوث الهواء وربطها بالعمل على تخفيف آثار تغير المناخ.
وتمثل التوصيات الحديثة لمعايير جودة الهواء أهمية للدول النامية مثل مصر، التي يتسارع فيها التوسع العمراني والتنمية الاقتصادية المعتمدة على الوقود الأحفوري الملوث للهواء، باعتبارها أداة علمية موثوقة يمكن الاعتماد عليها مباشرة كمرجع في صياغة السياسات والتشريعات البيئية وكهدف واضح وقابل للقياس في الخطط الاستراتيجية الوطنية لتحسين جودة الهواء.
وركزت الإصدارات الصحفية المصاحبة للإعلان عن الأدلة الإرشادية الجديدة على أهمية خفض تركيز الجسيمات الدقيقة 2.5 PM في الهواء، حيث خفضت التوجيهات المحدثة التركيز المسموح لوجود هذه الجسيمات إلى النصف، ليصل المعيار الجديد إلى 5 ميكروجرام/ متر مكعب من الهواء، مؤكدةً على أن تحقيق هذا التخفيض كفيل بتجنيب البشرية 80% من الوفيات التي يسببها تلوث الهواء، وذلك لقدرة تلك الجسيمات الدقيقة على النفاذ إلى عمق الرئتين. ويمكن للجسيمات التي يساوي قطرها أو يقل عن 2.5 ميكرومترات أن تنفذ الى مجرى الدم، مما يؤثر على القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي. وتنتج هذه الجسيمات في المقام الأول عن احتراق الوقود في قطاعات النقل والطاقة والصناعة والزراعة. وقد صنفتها الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة للمنظمة، في عام 2013، كأحد مسببات السرطان.
يسمح القانون المصري بمتوسط تركيز سنوي يصل إلى 70 ميكروجرام/ متر مكعب للجسيمات الدقيقة (PM2.5) وهو ما يعادل ١٠ أضعاف التركيز المسموح به في التوصيات الجديدة لمنظمة الصحة العالمية ٢٠٢١، وفقا للملحق رقم 5 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1994، والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، والذي يعين الحدود القصوى المسموح بها لتركيز ملوثات الهواء.
وتتجاوز مستويات تلوث الهواء في القاهرة الكبرى الأدلة الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية بأضعاف هذه النسبة، وذلك بحساب المتوسطات السنوية ما بين ١٩٩٩-٢٠١٦ وفقا لتقرير التنمية البشرية في مصر ٢٠٢١ (شكل ). ويصل تركيز الجسيمات الدقيقة (PM2.5) إلى مستويات قاتلة في بعض المناطق المصرية. وهو ما يمكن الإطلاع عليه بمتابعة التقارير الشهرية عن نوعية الهواء في مصر والصادر عن وزارة البيئة. فعلى سبيل المثال، في سبتمبر ٢٠٢٠، وصل تركيز الجسيمات الدقيقة إلى ٢٠٣ ميكروجرام / متر مكعب في منطقة الصف المكدسة بمصانع الطوب وصناعات الأسمدة غير المرخصة . ما يعني أن الأهالى عاشوا أياما مع تركيزات أعلى لأن الرقم المتاح هو متوسط لقيم التركيز خلال الشهر، ما كان يستدعي إعلان حالة طوارئ صحية.
في مصر، يضيع حوالي عامان من عمر كل مواطن بسبب الاعتلال أو الإعاقة الصحية جراء تلوث الهواء . ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد وصلت أعداد الوفيات المبكرة في مصر بسبب تلوث الهواء ٦٧٤٣٤ حالة عام ٢٠١٦. وذلك جراء الإصابة بأمراض القلب ٥٨٪ ، والسكتة الدماغية ١٨ ٪ ، و أمراض الرئة والسرطان ٢٤ ٪. كما كان تلوث الهواء السبب في أكثر من ١٢٪ من إجمالي الوفيات في مصر خلال العام ٢٠١٧ وفقا لبيانات معهد القياسات والتقييم الصحي بواشنطن (IHME)
ويترتب على العبء الصحي الناتج عن تلوث الهواء خسائر اقتصادية. فعندما يمرض السكان في مكان ما نتيجة تراكم الملوثات بالهواء، يزيد من الضغط على مرافق الصحة مثل المستشفيات الصدرية، وتتراجع الإسهامات المجتمعية والاقتصادية مثل إنتاجية العمال نتيجة للغياب المرضي، أو الطلبة في المدارس. كما تقل فرص الأماكن عالية التلوث في استقطاب سياح أو صناعات مختلفة أو عمال أمهر وبالتالي تفقد من قيمتها الاقتصادية.
وقدر البنك الدولي في آخر تقرير صادر له عام ٢٠١٩ بأن تكلفة المرض والوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء المحيط (خارج المنزل) بالجسيمات الدقيقة PM2.5 وصلت إلى نحو ٤٧ مليار جنيه في القاهرة الكبرى، في ٢٠١٦\ ٢٠١٧، ما يعادل ١,٣٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي كان يعاني خلاله سكان القاهرة البالغ تعدادهم أكثر من ١٧ مليون نسمة لمدة "أسبوعين" من الاعتلال و الإعاقة الصحية بسبب الإصابة بالأمراض الناتجة عن تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة ذات القطر ٢,٥ ميكرون عام ٢٠١٧.
يتحتم على مصر التعامل مع ملف مكافحة تلوث الهواء باعتباره أولوية لحماية صحة المصريين، وإنقاذ حياتهم من خطر المرض والوفاة. ويبدأ اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة عن طريق فرض معايير بيئية، من خلال تحديث التشريعات البيئية الحالية وخصوصا حدود مستويات تلوث الهواء التي تتجاوز المعايير الموصى بها دوليا. وضمان المسؤولية المؤسسية والشفافية والمساءلة عن تلك المعايير، بالإضافة إلى استمرار تحديث شبكات الرصد الحضري والصناعي، وإحكام الرقابة على القطاعات الملوثة وإنفاذ القوانين بصرامة مع المخالفين. وإعداد خطط استراتيجية لخفض التلوث من المنبع، مثل المركبات التي تعمل بوقود السولار والتي يمكن خفض العوادم الملوثة منها بنزع الكبريت.
تولى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اهتماما بالغا بأهمية التصدي لتلوث الهواء في مصر، وتتابع مستجداته عن كثب لما يشكله من خطورة على صحة المصريين وقوتهم اليومي. وبهذه المناسبة نعيد نشر إصداراتنا التي تناولت ملف تلوث الهواء في مصر، ورقة حقائق ومعلومات عن تلوث الهواء في مصر، و تقرير تلوث الهواء.. عبء صحي متزايد على المصريين.
هوامش:
1 - WHO global air quality guidelines. Particulate matter (PM2.5 and PM10), ozone, nitrogen dioxide,
sulfur dioxide and carbon monoxide.
3- WHO Europe : Outdoor air pollution a leading environmental cause of cancer deaths
4- وزارة البيئة: تقرير نوعية الهواء في مصر، سبتمبر ٢٠٢٠
5- جريدة اليوم السابع : أهالى الصف بالجيزة يناشدون المحافظ بتكثيف الرقابة على المصانع بسبب تلوث الهواء
8 - وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية : تقرير التنمية البشرية في مصر ٢٠٢١