على النيابة العامة أن تقوم بدورها في الرقابة الفعالة على أوضاع الاحتجاز في السجون وأقسام الشرطة، وأن تفتح تحقيقات جدية للكشف عن أسباب تعاقب الوفيات وتأخر الاستجابة الطبية في السجون

بيان صحفي

11 سبتمبر 2020

في فترة لم تتجاوز الأربعة أشهر، تكررت وقائع الوفيات داخل أماكن الاحتجاز لأسباب صحية ومرضية لا ينبغي ولا يصح أن تكون عصية على منظومة الرعاية الطبية داخل السجون، وهو ما يشير إلى تقاعس ممنهج ومستمر من قِبَل مصلحة السجون في الاستجابة للطوارئ الصحية ومضاعفات الأمراض المزمنة للمحتجزين بما يشمل المحبوسين احتياطيًّا والمساجين،. فبعد وفاة المخرج شادي حبش في شهر مايو الماضي داخل محبسه في مجمع سجون طرة، الذي كان قد قضى فيه أكثر من عامين من الحبس الاحتياطي بالمخالفة للقانون على ذمة القضية رقم 480 لسنة 2018، ثم وفاة عصام العريان القيادي الإخواني في محبسه في سجن طرة شديد الحراسة "العقرب"، أغسطس الماضي، بعد قضائه نحو سبع سنوات بالسجن تنفيذًا لأحكام بالسجن المؤبد في أكثر من قضية. توفي عمرو أبو خليل بتاريخ 6 سبتمبر في سجن العقرب، والذي كان أيضًا يقضي فترة حبس احتياطي على ذمة القضية رقم 1118 لسنة 2019_بعد القبض عليه من عيادته الطبية في أكتوبر 2019, للمرة الثالثة تحدث الوفاة داخل مكان الاحتجاز أو أثناء النقل خارج السجن بسبب تأخر الاستجابة الطبية للاستغاثات المتكررة الصادرة من المرضى ومن النزلاء الآخرين بالزنزانة.

فطبقًا لإفادات منقولة على صفحات روابط أسر السجناء عن ملابسات الوفاة1، تكررت الاستغاثات المطالِبة بنقل عمرو أبو خليل إلى المستشفى صباح يوم السادس من سبتمبر الجاري مع تدهور حالته الصحية، ولكن إدارة السجن لم تستجب إلَّا في وقت متأخر من اليوم بعد تدهور حالته بشدة. وتقول الشهادات المنقولة عن بعض أهالي سجناء العقرب إنه تم إخراجه على قدميه في الوقت الذي كان يشكو من أعراض جلطة. وحتى توقيت نشر هذا البيان فإن التعقيب الوحيد للمسؤولين قد جاء من أحد المصادر الأمنية المُجهَّلة والذي صرح لعدة صحف بأنه تم نقل أبو خليل فور شعوره بحالة إعياء وتوقيع الكشف الطبي عليه بمعرفة الطبيب المختص، الذي أفاد بأن سبب الوفاة هبوط بالدورة الدموية. وأضاف المصدر أن هذا ما أكده شهود الواقعة من نزلاء الزنزانة نفسها بعد سؤالهم، بالإضافة إلى صرف العلاج اللازم لارتفاعٍ في نسبة السكر بالدم له دوريًّا، بسبب تاريخه المرضى منذ حبسه.2 

ولم تصدر النيابة العامة حتى الآن أي بيان بشأن التحقيق في الواقعة، وهو ما يجب أن يكون إلزاميًّا في حال وفاة أي مواطن داخل أحد أماكن الاحتجاز أو السجون المصرية - وخاصة مع تواتر حالات الوفاة بهذه الوتيرة المرتفعة، التي ترجِّح أن التقاعس الطبي الممنهج هو أحد الأسباب على الأقل، بغض النظر عن التاريخ المرضي للسجناء.

تردِّي أحوال الاحتجاز داخل السجون

تفتقد السجون بشكل عام في مصر مقومات الصحة الأساسية والتي تشمل: الغذاء الجيد والمرافق الصحية، دورات المياه الآدمية التى تناسب أعداد السجناء وكذلك الإضاءة والتهوية والتريض، كما تعاني في أغلبها من التكدس الشديد للسجناء داخل أماكن الاحتجاز.3

ويشكو سجناء طرة شديد الحراسة المعروف بالـ"العقرب" بالأخص، الذي توفي فيه عمرو أبو خليل, بشكل مستمر من تردي أوضاع الاحتجاز وكذلك الحرمان من جملة من الحقوق الأساسية كالمنع من التريض، والقراءة، ومنع الزيارة لمدد غير محددة وغير مسببة، ومن التقاعس عن إمدادهم بالخدمات الطبية اللازمة، بالإضافة إلى سوء المعاملة.4 ومن بعد جائحة كورونا وعقب الإجراءات التى اتخذت لمواجهتها, انعدمت فرص تواصل السجناء بذويهم - وهو ما لم يقتصر على سجن العقرب. فمنذ نهاية شهر مارس الماضي أعلنت وزارة الداخلية عن اتخاذ حزمة من الإجراءات الوقائية داخل السجون، تكونت بالأساس تطهير السجون بشكل دوري ومنع الزيارات، الذي استمر حتى تاريخ 22 أغسطس.

وعلى الرغم من ذلك فإن تلك الإجراءات غير كافية لضمان الوقاية من الوباء داخل السجون حيث أنها لم تتضمن خطوات لتقليل التكدس والكثافة خاصة في أماكن الاحتجاز ذات الكثافة العالية في أقسام الشرطة.

أثر الإجراءات المتخذة لمواجهة وباء كورونا في أحوال السجناء

على مدى أكثر من أربعة أشهر تم حرمان السجناء والمحبوسين احتياطيًّا من الزيارة التى تكون في أغلب الأحيان المصدر الوحيد للحصول على الغذاء والعلاج الملائمين والوسيلة اللازمة للحفاظ على آخر حلقة تواصل مع العالم الخارجى،5 وكذلك على ما تبقَّى من صحتهم النفسية وتخفيف تضرر ذويهم من غيابهم. ولم يتم توفير وسيلة أخرى للتواصل إلا لبعض الحالات الفردية. كما حالت تلك الإجراءات دون نقل العديد من المحبوسين احتياطيًّا إلى جلسات التجديد للمثول أمام النيابة بالمخالفة للقانون6وقد أضرت تلك الإجراءات بمصلحة المحبوسين احتياطيًّا إضرارًا جسيمًا.

على سبيل المثال لا الحصر، لم يعرف فريق دفاع  مصطفى الجبروني, المحبوس احتياطيًّا على ذمة القضية رقم 558 لسنة 2020, أو أيٌّ من ذويه بنقله من معسكر الأمن بدمنهور، بمحافظة البحيرة، إلي سجن طرة حتى توفي ولم يعرف أهله بذلك إلا بعد وفاته بعشرة أيام. ما يعكس أهمية ألَّا يُعزل السجناء تمامًا عن العالم الخارجي حتى يتسنى لهم ولذويهم الاطمئنان عليهم بشكل مستمر.

 وعلى الرغم من أن مصلحة السجون قد سمحت مجددًا بزيارات الأهالي بأعداد محدودة ولفترات قصيرة نسبيًّا منذ تاريخ 22 أغسطس الماضي, إلا إن أصل المشكلة لم يتغير وهو أن منظومة الرعاية الطبية والاستجابة للطوارئ داخل السجون لم تتطور لكي تستجيب لتلك الفجوات في الرعاية الصحية.

الحق فى الصحة وأماكن الاحتجاز في الدستور المصري

تنص المادة 18 من الدستور المصرى الصادر عام 2014 على أن: 

   "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة"، كما ينص أيضًا الدستور المصري على حقوق السجناء في الحصول على الرعاية الصحية فى المادة 55 على أن: "كل من يقبض عليه أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًّا وصحيًّا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة."

 وأخيرًا تنص المادة 56 على أن:

"السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر."

تجدد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مطالبتها النيابةَ العامة بفتح تحقيق فى تعاقب الوفيات داخل سجون طرة، وكذلك كشف ملابسات وفاة السجين عمرو أبو خليل، واتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية من أجل تفادي وقوع حوادث مشابهة في المستقبل. ومن أجل تحقيق ذلك توصي المبادرة المصرية بالتوصيات التالية والتي يسهل تنفيذ أغلبها بشكل عاجل:

أولًا: توفير عدد كافٍ من الأطباء من التخصصات المختلفة فى السجون يتناسب مع عدد السجناء فى كل سجن، وكذلك توفير أطباء على مدار اليوم، فلا يُتَصور أن تنتظر الحالات الطارئة الميعاد المحدد لزيارة العيادة والتي عادة ما تنتهي قبل الخامسة مساء. 

ثانيًا: اتخاذ المؤسسات المعنية التدابير الملائمة للحفاظ على صحة حياة السجناء خاصة مع وجود احتمالات صعود موجة ثانية من تفشي وباء كورونا في فترة الشتاء, مع ضمان عدم انتهاك حقوق أساسية أخرى، وإعلان سياستها وتقييمها من جهات مستقلة دوريًّا.

ثالثًا: زيارة وتفتيش السجون وأماكن الاحتجاز دوريًّا، مع تفعيل المساءلة القانونية للعاملين بمصلحة السجون ومن بينهم الأطباء والإعلان بشفافية عن تفاصيل المساءلة القانونية.

رابعًا: التعامل الجاد مع استغاثات المساجين في الحالات الطارئة وتسهيل الإجراءات اللازمة لتلقي الرعاية الصحية داخل السجون أو في مستشفيات خارجية. قرار علاج المرضى في المستشفيات الخارجية يجب أن لا يخضع لأي اعتبارات غير الاعتبارات الطبية وتلك المرتبطة بجاهزية مستشفيات السجون. مع إتاحة السجلات الطبية الخاصة بحالات المرضى لهم ولذويهم.

خامسًا:  تخصيص ميزانية من وزارة الداخلية من أجل تحسين البنية التحتية فى السجون وأماكن الاحتجاز وتوفير الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة بدلًا من الاعتماد على الإسعافات الأولية فقط.

للمزيد عن الصحة والرعاية الطبية فى أماكن الاحتجاز والسجون يمكنكم الاطلاع على الدراسات التالية: